النقد الرابع والخمسون
كثر الكلام عن الفن في هذين الأسبوعين، فالأستاذ عباس محمود العقاد يتحدث عن حاجتنا الملحة إلى الفنون الجميلة، زاعمًا أن سوقها لا تبور، وفي ركن حصاد الفكر العالمي كان الكلام عن توماس مان، وعما قاله في تأثير الفن في المجتمع، وموقف الفنان من نفسه. إني أخال الفنان كالنحلة حين تُعد العسل، فهي ليست تدري إلا أنها تعد لها طعامًا، وتتذوق عسلها كما نتذوقه نحن، ونرى فيه ما نرى. أظن — بل أؤكد — أن الفنان لا يضع هو المقاييس ولا يقوِّم ما يصنع، ولكن عبقريته تخلق عفوًا تلك الروائع؛ فتعجب الناس، ويجعلونها نماذج يقاس عليها.
وبعد، فإن كلمة فن في زماننا قد أصبحت تطلق على كل شيء، حتى الزواج، فهذه السيدة صفية فراج تتحدث عنه تحت عنوان: «فن الزواج». لقد توسعنا كثيرًا في هذه اللفظة حتى كادت تشمل كل شيء.
وفي كلمة الأحد تكلم الأب كسرواني عن «هذا الإنسان»؛ ففزعنا من قذيفة تقضي على الناس أجمعين، لا أدري لماذا لا أقيم وزنًا لهذه القنبلة التي يهددون بها الناس، فإذا كان داود قال في زبوره عن هذا الإنسان: «وعلى أعمال يديك سلطته.» فلا يعني هذا أن مثل هذه القنابل تقلب وجه الكون، أعتقد أنه لا بد من أن يكون في الكون خط دفاع تجاه كل ما يهدده بالفناء.
وقدم المقدم محمد حسن المحاويلي صورًا من حياة المرأة في اليمن لذَّ لي سماعها، وإني لأتمنى على إخواننا حملة الأقلام في اليمن أن يكتبوا أقاصيص تصور هذه العادات والتقاليد، فإنها مرعى خصيب للقصصين، وقد يخرج منها قصص رائعة لو قيضت لها أقلام تحسن التصوير والإخراج القصصي.
وأهم ما يلفت النظر في برنامج هذين الأسبوعين هو المشكل الذي عالجته ندوة الشرق الأدنى في بيروت، كان الباحثون فيها السيدة صبيحة فارس، والدكتوران إسحاق موسى الحسيني وكمال اليازجي، وكان موضوع بحثهم مشكلة معقدة يحق لنا أن نسميها مشكلة الساعة، بل مشكلة كل ساعة، أمس واليوم وغدًا. إن قضية تخصص الطالب في الموضوع الذي يلائمه مشكلة مستعصية الحل، يريد الأساتذة الجامعيون أن يبدأ التخصص أو التوجيه إليه في المدارس الثانوية، في حين أن المدارس الثانوية لا يعنيها إلا الثقافة العامة، ولا يبدأ التخصص إلا في الجامعات، ولكن أصحابنا الجامعيين يريدون أن يلقوا هذا الحمل عن أكتافهم، ثم يتوغلون في البحث، فيرون أن على الحكومة أن توجه المدارس الثانوية، ويقترحون أن تتفرع البرامج فيها، مع أن المدرسة الثانوية لا تتسع لأكثر من برامجها.
أنا أرى أن المدرسة الثانوية تكتشف الموهبة وتصقلها ما أمكنها، وعلى الجامعة أن تنميها، أما حاجات البلاد فأحرى بالجامعات أن تنظر إليها، فإذا رأت مثلًا كثرة الأطباء والمهندسين وغيرهم، فعليها أن توجه القادمين إليها في الطريق التي ترى البلاد إليها أحوج.