النقد الثاني والستون
كان برنامج هذين الأسبوعين غنيًّا بالشعر، سمعنا نموذجًا من الشعر الليبي قدمه الأستاذ حسن الغناي، وهو فيما قال لم يفارق عمود الشعر، بل كان متمسكًا به بيديه الثنتين. لا بد للشاعر من تخيل، وخيال شاعرنا الغناي غير مجنح، أما الشاعر الليبي الآخر، الأستاذ علي صدقي عبد القادر، فكان أبعد من الغناي عن عمود الشعر، وأقرب إلى الجديد، أنعشت شعره عاطفة قومية عبر عنها بأسلوب قصصي جيد الديباجة، وإن لم تطاوعه كلمة ليبيا التي كررها في نشيد المجد، فجاءت محشورة في الشعر الذي هو ديوان العرب، ومن حق الجلوس في الديوان أن يقعد الجالس فيه مستريحًا، قال الشاعر عبد القادر: «أنا من حررت ليبيا باليمن». ثم كررها على هذا الشكل فأزعجها، وأزعج بها السامعين والمنشدين، إن شعر النشيد يقتضي أن يكون سارحًا كالنسيم.
وفي الجلسة الشعرية التي عقدت في وادي النيل لإنشاد الشعر العاطفي خصيصًا كانت قصيدة «يا لأمسي» للشاعرة زينب الشيخ من الشعر الحامي المنبثق من كبد مقروحة، دلنا على ذلك إنشادها الحاد النبرات، وتعبيرها الحي، وفي نظري إن هذه القصيدة كانت درة ذلك العقد النفيس، ولا تقصر عنها قصيدة الملازم الأول محمد علي أحمد، وعنوانها: ذكريات.
وهذه خنساء زماننا الشاعرة فدوى طوقان لا تنسى صخرها، فهي ما فتئت تبكيه، وتبكِّي المستمع في قصيدتها «عودة»، هنيئًا لشاعر له أخت شاعرة من طراز فدوى تقول فيه:
هذا شعور الوالهة المفجوعة قد جسدته لنا الشاعرة في هذا البيت.
وينتظم في هذا السلك حديث الأستاذ أحمد زكي أبو شادي عن الشعر المهجري، قال: إن في الشعر المهجري إبداعًا لفظيًّا في الصيغة، مع أن تجديد شعراء المهجر كان في معالجة موضوعات جديدة أكثر منه في التحرر من قيود الألفاظ والتعبير، فهم إلى هذا التحرر اللفظي مسبوقون، سبقهم إليه الأندلسيون وما كانوا هم في هذا إلا أندلسيين جددًا ولا فرق بينهما إلا في المكان والزمان.
وحدثنا الشاعر سعيد عقل عن إيمانه بالحقيقة، وما أكثر المؤمنين بها، وإن لم يتفقوا إلا على ختام حديث سعيد، أي الإيمان بالله الحي القيوم الذي لا شريك له.
وكان حديث الدكتور كمال اليازجي بمناسبة ذكرى شيخ العربية إبراهيم اليازجي منظمًا تنظيمًا جامعيًّا، قدم له الأستاذ بكلمة عن النهضة في العصر الذي عاش فيه المتحدث عنه، فذكر من ذكر ممن عاصرهم الشيخ إبراهيم، ونسي أو تناسى الزعيم والركن أحمد فارس الشدياق الذي كان الموجه الأول لشيخنا اليازجي، والشيخ إبراهيم اعترف بذلك، لقد كان عدوًّا أدبيًّا لهم، ومن العداوة ما ينالك نفعه.
وفي ركن حديث الشهر تحدثت الآنسة سميرة عزام عن حقوق المرأة بمناسبة الانتخابات النيابية في لبنان، وكأنها كانت ترجو أن ترى ثلث نواب لبنان سيدات وأوانس … إن مثل هذه الحقوق تؤخذ ولا تعطى.
إن شخصيات الأسبوع هي دروس نافعة للمستمعين، وخصوصًا متى كانوا من رجال الأعمال الناهضين كالسيد أنيس بيبي الاقتصادي العمراني الذي قدمه الأستاذ نجاتي صدقي، فعسى أن يتشبه شبابنا الحائر بثبات السيد بيبي وصدقه وأمانته ونشاطه، إنهم يتطلبون النجاح بين ليلة وضحاها، وإلا فإنهم يسبون الدهر، ويلعنون الحظ الذي لم يوقعهم على كنز.
أما الشخصية السودانية التي قدمها الأستاذ أبو لغد فهي تاريخ حي ناطق، وحسبك أن تسمع حديث رجل في الخامسة والتسعين، وهو لا يزال متمتعًا بحواسه وعقله.