النقد الخامس والستون
تحدث الأستاذ دوليب المهدي عن رفع مستوى التعليم العام في الشرق الأوسط، فعالج بحثه معالجة خبير، واقترح أن تذاع مناهج التعليم في الراديو لعلها تتوحد في الشرق الأوسط، ثم لم ينسَ يد الصحافة البيضاء على رفع هذا المستوى. إن كلمة رواها الأستاذ المهدي عن فيلسوف قال: إن العلم عملية تدوم طول العمر، قد ذكرتني بالكلمة المأثورة، ولعلها من صحيح الحديث: اطلبوا العلم من المهد إلى اللحد. إنني لا أرى شهادات هذا العصر — مهما سمت — إلا مفاتيح لدخول دار المعرفة، وبقدر كدنا نكتسب. وبعد، فماذا تنفع البرامج والمناهج إذا لم يكن لها شباب يتطلب المزيد من العلم، ومعلمون مدربون مخلصون لعملهم؟ إن مستوى التعليم لا يرتفع ما لم يقم على أكتاف المعلمين الأكفاء. ولا بد هنا من الاستطراد إلى ركن «أضواء على الشيوعية»، ففيه سمعت حديثًا عنوانه: تنسيق اتحادات الطلبة، إني أرى أن بطيختين لا تحملان في يد واحدة، فإشغال الطلاب بالشئون التي تلهي عن العلم، وخصوصًا السياسية منها، لا تلائم الطالب، بل تفسد الغاية التي دخل المدرسة من أجلها، فالعلم يتطلب الانتباه الشديد، والطالب المنضوي تحت لواء حزب ما، يفقد وعيه العلمي، وتستيقظ فيه النعرة العقائدية؛ فتطغي على واجباته المدرسية، فإذا أرادت الحكومات أن تنشئ رجالًا وجب عليها أن تَحُول لا على الأقل، بين الطلاب الثانويين، والانضمام إلى الأحزاب مهما سمت مبادئها.
إن التظاهرات والإضرابات التي يتهافت عليها طلاب اليوم تعرقل سير التعليم، فعلينا أن نضع حدًّا لهذه الفوضى إذا شئنا رفع مستوى التعليم في شرقنا وغير شرقنا، وإذا كنا نربأ بأبنائنا أن يكونوا مطايا للسياسيين، وهذا هو سبب تدني المستوى التعليمي، ليس في شرقنا الأوسط فحسب، بل في جميع أقطار المسكونة.
وكان حظ الزجل كبيرًا إذ تحدث عنه في ندوة الشرق الأدنى الأستاذ الكبير الدكتور جبور عبد النور الذي درسه زمنًا، وكان موضوع أطروحته لنيل الدكتوراه، وساجله في هذا المضمار دكتور أديب هو علي سعد، وشاعر مجيد هو الأستاذ أحمد أبو سعد. أرَّخ الدكتور جبور عبد النور الزجل اللبناني وذكر خصائصه، واعترف الشاعر أبو سعد، وهو صاحب ديواني «حمم» و«قصائد دافئة» بتقصير الشعر الفصيح عن العامي، فقلنا: وشهد شاهد من أهله … وقال الدكتور علي سعد: إن الشعر العامي سائر إلى الالتقاء بالشعر الفصيح، وإذا صح ما زعمه الدكتور كانت تلك الساعة نهاية الشعر العامي، إذ يفقد هذا ميزاته ولونه، ولا ينتفع ذاك من هذا اللقاء، بل تخسر اللغة العربية لونًا أدبيًّا طريفًا حلاوته في سذاجته.
فليت كل من تسألهم المحطة أن يتحدثوا عن أدبائنا الغابرين يدرسونهم بهذا العمق الذي رأيته في حديث الدكتور عبد النور، فقد سئمنا سير الحياة، وخصوصًا تلك التي لا جديد فيها.
ورأت السيدة أمينة السعيد، في باب «ماذا لديك»، أن الزواج هو خاتمة المطاف عند الرجل، أي بعد فراغه من المغامرات … وإن في استطاعة الإناث وحدهن، أن يضعن حدًّا لتلك المغامرات بأعراضهن، وتقصير زمن الخطبة الذي يفسح أمامه في المجال متى طال، وكثيرًا ما يؤدي إلى نقض ما أبرم من عهود.
وألقت الآنسة روز غريب حديثا بمناسبة عيد الفصح عنوانه: «جبل الزيتون» فكان مطلعه أنيق العبارة، ثم ألمت، تقريبًا، بجميع تعاليم المسيح. أما جبل الزيتون فكان حظه من الكلام قليلًا، ولعله من باب تسميه الكل باسم البعض.
وكان للفصح حظ من الأقاصيص، فكتب الأستاذ عبد الحميد … أقصوصة فصيحة كانت أقرب إلى الحديث منها إلى القصة، وترجم الأستاذ مبارك إبراهيم قصة طريفة «الوهم»، فكساها حلة بيانية جميلة، أما قصة الأستاذ نجاتي صدقي فكانت محلية وافية الوصف الجميل للمحيط والشخوص، ولكنني استكثرت على قروي لبناني أن يروي لابن أخيه، وعن ظهر قلب كلامًا كثيرًا من سفر نشيد الأناشيد … وعلى كل حال إنها أقصوصة جيدة، وميزتها أنها لا تصلح لكل مكان كأكثر الأقاصيص التي تذاع، وهذا من عيوب الأقصوصة.