النقد التاسع والستون
فؤاد صروف شخصية عام لا أسبوع، فهذا الدماغ المنتج الذي يفيض علمًا وأدبًا وتفكيرًا لجدير بأن يقدم للجمهور الناطق بالضاد، وإن كانت المقتطف والمختار قد حملتا علمه وأدبه إلى كل قطر، فإن كتبه العديدة عبرت عن شخصية تكونت على مرِّ السنين من خلاصة العلم. إن للبيت الشرقي يدًا كبرى في تكوين الشخصية، وبيت صروف بيت علم عريق؛ فهو الذي نشره في البيت العربي يوم كان من يحسن الاطلاع على العلم في مصادره الأصلية نادرًا جدًّا.
أما كتابه «على الطريق» الذي اتخذ مناسبة لتقديمه شخصية أسبوع فهو سراج للذهن، وما كان ليفوت الأستاذ صروف أن يضيء سراجًا في هيكل العلم كل أسبوع، فشكرًا لمحطة الشرق الأدنى التي تعرفنا دائمًا إلى شخصيات فذة، كالأستاذ صروف الذي هو خير قدوة لشبابنا المتحفز للوثوب.
وفي ركن «مع العاملات» أعجبني نقد إحداهن للمدرسة؛ لأن المعلمين والمعلمات لا يرغبون في الدرس، ولهذا نفرت تلك العاملة من مدرستها، وانصرفت إلى العمل.
لقد أحسنت يا أختاه، فالعمل نتيجة كل درس، وما عليك إذا اختصرت الطريق.
وفي حديث «خواطر في العيد» أحسن الدكتور إسحاق موسى الحسيني شرح مشاعر الإسلام ودعائمه، ومغزى الصوم والعيد والصلاة والمحرمات، فأفهم المستمعين أن العيد ليس أكلًا وشربًا ولبس جديد، بل بر وإحسان ومعروف.
أما «رسالة الزعيم» للأستاذ محمد أديب العامري، فذكرتني برسالة عبد الحميد الكاتب لولي العهد، وقد كان أولى بعنوانها أن يكون «صفات الزعيم» لا رسالته، أحسن الأستاذ العامري حين أطلق لقب «مهندس الأفكار العامة» على الزعيم، وقديمًا قال ابن المقفع في رسالة الصحابة: ومتى صلح الإمام اصطلحت الرعية. أما أمثال بلدوين الذي أوصى بقسم من ثروته للأمة فليتنا نفوز بواحد من هذا الطراز؛ فيشق الطريق لزعماء الشرق.
وشاء الأستاذ عبد اللطيف شرارة أن يتحدث عن حقيقة الصوم والفطر فلم يوفق في حديثه توفقه في أحاديثه الأدبية وغيرها، ويا ليته حدثنا فيما يحسنه.
وقال الأستاذ فايز الغول: إن الجاحظ كاتب واقعي؛ لأنه لم يشبه ولم يستعر، وإنه كان يدوِّن ما يرى، كما فهمت من حديثه، فأنا أرى أن الجاحظ خلاق، وهو كالقصصي يلتقط قصته، ثم يصنع شخوصها في معمله فتخرج منه وعليها ماركة الجاحظ المسجلة التي لا تقلد. ليس الجاحظ في واقعة مصورًا شمسيًّا، ولكنه رسام يدوي ينفخ روح فنه في شخصه فتحيا إلى الأبد. فليس عبد الرحمن وابن سوار إلا من مصنوعات الفابريكة الجاحظية.
وفي روضة الشعر خرج الأستاذ موسى الدجاني على المألوف، فعرفنا بشاعر الروضة الأستاذ حسين غناي. الأستاذ شاعر ولكني رأيت، بل سمعت اضطرابًا في «عروض» قصيدته «عمر المختار» كقوله مثلًا:
أما قصيدة «أشواق ولقاء الحبيب» للآنسة مقبولة الحلي، فأخال أنني سمعتها من قبل، وقد يكون في الدنيا خداع السمع كما يوجد فيها خداع البصر.
وكذلك قصة «مفاجأة» للأستاذ كمال منصور، فقد سمعتها أيضًا، وأقول فيها الآن: ختامها جيد، وهو الذي أعادها إلى ذاكرتي، لقد أحسن منصور توجيه حكايته إلى الهدف بزخم، فجاء الختام صاعقًا رائعًا، كما أحسن أيضًا تحديد شخصية نوال بطلة القصة، والتعبير جيد أيضًا لولا تلك العبارات العتيقة مثل: يشار إليه بالبنان، وعلى أحر من الجمر، وغيرهما. إن التعابير البلاغية التقليدية خطر على الفن، فكثرة تكرارها صيرها مبتذلة، وإلى جانب هذه العبارات البلاغية عبارات غير فصيحة كقوله: اطمئن على أنها، ففعل اطمأن هذا يتعدى بإلى، وكقوله أيضًا: عاودت أدراجي، والصواب عدت.
أما قصة الأستاذ زهير ميرزا فجيدة التكوين والقص، وإن كانت سندبادية من طراز حديث.