النقد السابع
استل الأستاذ نجاتي صدقي موضوع قصته من صميم قلب الحياة، وموضوعها أستاذ جامعي أحب تلميذته حبًّا جمًّا فخطبها، وليس هذا ببدع، فتعلم الجنسين معًا يربط الصف ربطًا مغنطيسيًّا، أساتذة وتلاميذ، ثم كانت بينهما مباحثة أدبية بعد اقترانهما، فتغلبت الزوجة على معلمها بالأمس، فطعن في جبروته، وأنكر عليها انتقامًا لانهزامه، كل حق ثقافي حتى المطالعة والإصغاء إلى الراديو، وهكذا صارت الزوجة الجامعية «جثة حية» وفقًا لعنوان القصة، أجاد الأستاذ صدقي التحليل والسياق، وما رأيته تجاوز الحد إلا في قوله: شهور العسل، ترى ألا يكفي شهر واحد كما يقول الناس؟
وأقصوصة الأستاذ كامل شهاب، وعنوانها: «أنا القاتل» تمثل ابتهار الجنود في سرد قصص مغامراتهم الغرامية، ولكنني عجبت لجندي يقتل نفسه، ولا يرشق منتهك عرضه بوردة! فأبو الأسود بلَّ يده بقائم سيفه في الكعبة زجرًا لابن أبي ربيعة، فلو لقي بطل قصة الأستاذ شهاب غب كذبه لكان الختام أروع، ومن يعزم على الانتحار يهن عليه قتل عدوه.
وهناك قصة أخرى للأستاذ محمد العدناني، وعنوانها: «على نفسها جنت براقش»، لم يوفق الكاتب إلى مفاجأة تترك أثرًا في نفس المستمع، فليته عنى بالبدء والختام، فالبدء في معركة البيان هو الاستيلاء على المبادرة، والختام هو الضربة القاضية في المعركة الفاصلة.
يصح القول في حديث القس فريد عودة: ما أحسن الدين والدنيا إذا اجتمعا! الموضوع مطروق، ولكن المحترم أنعشه بالقصص فلم يمل. أما حضرة الأب جبرائيل أبو سعدي، فابتدأ علمانيًّا، وتوسط إكليروسيًّا، وانتهى شعريًّا، لست أدري ما أقول في تقسيمه لمخلوقات الله الثلاثة؟ قال: الملاك عقل بلا شهوة، والإنسان عقل وشهوة، والحيوان شهوة بلا عقل، ترى ألهذا خلق الله الإنسان على صورته ومثاله؟ وجعله خليفة له على الأرض؟ وأما الأحاديث الأدبية فمنها: آفاق جديدة في التفكير العالمي للدكتور حكمت هاشم، العنوان كبير وطريف، ولكن البحث كان عتيقًا في أوله، خليقًا بالعنوان في آخره، ومثله كان حديث «نغم الألفاظ» للدكتور جميل سعيد، فأكثره رواية، ليت الدكتور علل، وقال لنا مثلًا: لماذا آثر العرب قصر الألفاظ، وكذلك كان موضوع الدكتور يوسف العش، الإنشاء أنيق، وأما الموضوع — وهو إثبات وجود إله واحد — فأراه ليس موضوع بحث، وأما حديث الأستاذ محمد الرشدان عن الشاعرة عاشقة الليل فحبَّذا لو كان عميقًا، وهنا لا بد من ملاحظة للإذاعة: كانت الألفاظ لا تصل إلا تعبة منهوكة كالطيور القواطع — العابور في الربيع.
لقد أحسنت محطة الشرق الأدنى إلى شاعرنا العظيم أبو شبكة، أحسن الله إليها، فمن حديث الأستاذ الناعوري الذي لم يترك شاردة ولا واردة إلى أحاديث أخرى، وشعر من شعره أنشد مع الأنغام الموسيقية، لكأني بهذه المحطة قامت بما عليها، وما على غيرها من الواجب، ولهذا أقول لها: عظَّم الله أجرك! وشكر سعيك! أما كانت هي المعزِّي والمعزَّى في وقت معًا؟
وأخيرًا لا بد من الإشارة إلى حديث خالتي أم براهين، الذي لم نجئ صوبه بعد، إن مخضرمًا مثلي يعجبه جدًّا حديث خالته أم براهين، وحديث عمته أم درويش، إنها صنف لا بأس به، وتلوين المأدبة ضروري جدًّا لإثارة المعدة.
المختارات الشعرية كان خيرها مختارات الشاعر إبراهيم العريض، ومع ذلك بخل عليه بلقب الشاعر حين قدم، وفي مختارات الشاعر عبد القادر الناصري، وثبات تبشر بخير جزيل كقوله مثلًا: فمن عينيك أحلامي تطل، وكقوله: كظل يداعبه البرعم، أبشر بالخير يا ناصري، وأما مقطوعات الشاعر محمود رمزي نظيم فتسميتها أراجيز من باب تسمية الكل باسم البعض، كان حظها من الخيال قليلًا، وأما ديباجتها فبحترية.
وفي برنامج المرأة فلتكن أول كلمة موجهة إلى الآنسة كرم حنون التي قدمتها الآنسة إنعام الصغير، سمعتك يا حضرة الآنسة تقولين: إنك تكتبين القصة الصغيرة، فنصيحتي لك — ولا أغرك منها — لأنك ممن بدأن الحياة، أن لا تهاجميها قبل اكتمال العدة، فلا تكوني كأثر المتأدبين والمتأدبات الذين يخربشون جملًا وتعابير، ويسمونها قصة، القصة يا آنستي عمل عظيم، فألف حذار.
ولقد سمعت هذه المرأة مواضيع قيمة في برنامج المرأة، مثل حديث الكاتبة الكبيرة السيدة سلمى صائغ التي عرفتنا بكاتب لبناني مهاجر كتب قصة بلغة بلاسكو إيبانيوز الروائي الإسباني الأشهر، ثم برز وتوفق، ومثل حديث تحديد النسل الذي بحثته سيداتنا الخائفات على انقطاع الخبز إذا كثر الناس، ترى ألم يبلغهن بعد خبر القنبلة الذرية والهيدروجينية؟! وقد يخلق الغد قنابل شيطانية إن كان يخرج من عقل الأبالسة قنابل أشر من هذه …
وأخيرًا الجلسة الزجلية، كم كنت أتمنى أن تكون ارتجالًا، أي أخذًا وردًّا؛ لتظهر عبقرية شعرائنا، وما على جلستهم لو خلت مرة من الأبيض والأحمر، أفلا تفيض القريحة بدون ذلك.