النقد الخامس والسبعون
يوحي عيد الهجرة إلى كل عربي النضال المستمر العنيف لأجل ما نعتقد أن فيه خير أمتنا وصلاحها، ألم تكن هجرة النبي ﷺ خطوة أولى في سبيل الهدى الذي أضاء نوره في المشرقين؟ وما جعل العيد إلا تذكارًا لمبادئ سامية، وأي شيء أسمى من تكوين أمة؟
وكان حديث الشهر للأستاذ مشال أسمر، والدكتورة سهير القلماوي، فتحدث الأستاذ الأسمر عن الصيف حديثًا ممتعًا مليئًا بالعطف والمحبة. والمثل عندنا يقول: لو كان للصيف أم بكت عليه. ولكن الصيف فصل راحة، كما قال الأستاذ، لمن يجلسون على الكراسي في سجون المكاتب، أما الفريق الكادح من البشر فهو لهم فصل تعب: فصل الحصاد والدرس، فصل العمل المستمر. فإذا استراح الكاتب والموظف والتاجر في الصيف بعض الشيء، فأخونا الفلاح لا يعرف الراحة فيه، إلا حين يقيل في ظل شجرة لينهض، بعد تلك القيلولة، إلى استئناف العمل، فالعريشة والتينة والزيتونة في انتظار عنايته، ومع ذلك يقول الكادحون: بساط الصيف واسع، وفي الصيف المئونة على العود، وفي ذلك يجدون الراحة الكبرى.
وكان حديث الدكتورة سهير القلماوي عن السلم والحرب، فأهابت بالمرأة إن تنهض وتناضل لتحمي أولادها الذين يكونون للحروب وقودًا، ولما كان الجمال وما إليه، يعني المرأة ولو كانت دكتورة، لم يفت الآنسة أن تذكر لنا ملكات الجمال، وخصوصًا ملكة الجمال الألمانية التي امتازت بشاهية قوية، والتهام الشوكولا. عجيب أمر الغربيين فإنهم يفخرون بكل شيء حتى بكبر البطن! وعلى هذا القياس لو كانت فلانة بنت ضيعتنا في عصر ملكات الجمال لكانت ملكة جمال عالمية؛ لأنها كانت تلعق سطلًا من العسل.
وتحدث الأستاذ روكس بن زايد العزيزي عن المعلقات، وأثرها في عقلية العرب، ثم استطرد إلى الشعراء المرتزقة، الموضوع مفيد ولكنه لا جديد فيه، وقد عودنا الأستاذ روكس أن يعالج مواضيع أطرف وأعمق. وحدثنا الأستاذ عيسى سليم المصو عن شعراء العرش الإنكليزي فتذكرنا أبا تمام والمتنبي والبحتري وغيرهم، وإن لم تكن لهم الصبغة التي كان يصطبغها شاعر العرش الإنكليزي.
وفي ركن «بيني وبينك» قال الأستاذ محمد أديب العامري: الحياة تسعى على قدمين: قدم الجوع، وعليه تسعى لحفظ الفرد، وقدم الحب، وعليه تسعى لحفظ الجنس كله. هذا كلام واقعي، أما قول الأستاذ أن المرأة أعمق فهمًا لرسالة الحياة فأشك فيه، والحوادث لا تكذبني.
وكانت أقصوصة المحامي أحمد سويد موفقة؛ فقد لبس فيها ثوب القصصي لا «روب» المحامي الذي لا يفسح في مجال الكلام لموكله، فقد تكلمت شخوصه هذه المرة أكثر من ذي قبل، أما ختام قصة «عودة الغائب» فليته وقف فيها عند قوله: من غربة إلى غربة، واستغنى عن: حيث يتسع له صدر الأبدية، يجب ألا نتبسط في أقاصيصنا كثيرًا، بل يجب أن نترك شيئًا للقارئ اللبيب.
أما أقصوصة الآنسة سميرة عزام، فمن طراز أقاصيصها الجيدة لولا التكرار والترداد، والإكثار من ليلتها وساعتها بدلًا من تلك الساعة وهاتيك الليلة، ولكنها، على كل حال، تظل أفضل من ليلتئذ وساعتئذ.
أما تأنيث «الخد» فلا أجد مبررًا له إلا فلسفة بعضهم، وكذلك قولها: لا تطوله يد فهي عامية غير فصيحة.