النقد السابع والسبعون
«الغابة السوداء» للأستاذ خليل هنداوي، قصة فيها عنصر التشويق إلى النهاية، وفيها التحليل الذي يسير بالمستمع سيرًا وئيدًا، فينتظر وقلبه يدق خوفًا على طفل قعدت أمه تعالجه بوسائلها الخاصة، وراح أبوه يضرب في مجاهل الغابة السوداء مفتشًا عن الطبيب المداوي، فإذا به بعد كد وجهد يرى نفسه في خيمته أمام ولده الذي لفظ أنفاسه.
إنها مفاجأة لم تكن منتظرة، فمنذ زمن وأنا أنصت إلى أقاصيص لا حكاية فيها، أما الأستاذ الهنداوي فقد جمع في قصته «الغابة السوداء» بين التحليل والقص وصفاء التعبير.
وفي ركن الأدب فاجأنا الأستاذ عثمان نويه بما سماه أدب الهرب من الحياة، تحدث عن الآلة العصرية والأدب الذي لا يقبل على استلهامها، أذكر أني قرأت كتابًا فرنسيًّا قال فيه واضعه: إن الصفاء الذي فارق الأدب قد يكون سببه غرق الناس في الميكانيكيات، وتحويل نظرهم عن الطبيعة حتى رأى الكاتب أن السفينة البخارية وعظمتها الآلية لا تلهم الشاعر شيئًا مما يلهمه إياه ذلك المركب الشراعي الذي يصارع الرياح والأنواء، قد يكون للعادة أثر في هذا، كما أن الإنسان يحن إلى قديمه من تفكير وتعبير، وهذا ما يسبب الجمود في الحياة الأدبية، أما الملهم المريد ففي استطاعته أن يعالج ما يشاء من مواضيع ويخرجها إخراجًا أدبيًّا رائعًا دون أن يهرب من الحياة، وكيف نهرب من الحياة وإلى أين؟
أما قال الأستاذ محمد فريد أبو حديد في حديثه عما أدخل على نظم التعليم في مصر ولماذا أدخل؟ ألم يقل مجيبًا الأستاذ محمد عبد الواحد خلاف: من العجب ألا يدخل ما دامت الحياة قد تغيرت وصارت ذات أسلوب جديد. إن الأدب صورة الحياة، فلست أرى الهرب منها مستطاعًا.
وتحدث الدكتور خليل الجر عن أمين الريحاني، فأخرج صورة كاملة ناتئة الخطوط بينة الملامح لذاك المجاهد العظيم الذي لم يهجر الحبر والورق إلا أسبوعين فقط، حين كبا تلك الكبوة التي أودت بحياته.
لقد كثر الكلام في الآونة الأخيرة عن مشاكل التربية والتعليم، ومن أجدر من نائب رئيس الجامعة الأميركية، الدكتور قسطنطين زريق ومعاونيه الدكتورين جبرايل جبور وكمال يازجي، بالتحدث عن السياسة التربوية في البلدان العربية؟ وبعد أخذ ورد رأوا أن لا يحدد التعليم الابتدائي، وأن ينوع التعليم ليكون مواطنًا صالحًا للحياة. أما التعليم الجامعي، فيجعل للنخبة فقط. ورأى الدكتور زريق أن تنظم مناهجنا طبقًا لحاجاتنا، فيؤخذ ما يلائمنا من كلا المنهاجين اللاتيني والسكسوني، ورأى الأستاذ يازجي أن تؤخذ مناهجنا من تاريخنا بدلًا من تاريخ غيرنا. نعم، إن معرفة تاريخنا واجبة جدًّا، ولكن جهلنا تاريخ غيرنا لا ينفعنا، وقد أدرك ذلك الأوائل فترجموا تاريخ الفرس ليروا الأسباب التي أدت إلى تهديم أركان ذلك الملك العريق ويتقوها.
أما جلسة «المواطن الصالح» التي ترأسها الأستاذ عبد الله فكري أباظة، فكان نصفها إنشاد شعر لشوقي؛ لقد أنعش ذلك الإنشاد الجلسة، وإن جعل البحث في المواطن الصالح على هامشها.
وكان حديث الشهر للسيدة أسمى طوبي، فتكلمت عن مؤتمر أدباء العرب الذي عقد في بيت مري، فألمت بأبحاثه العامة إلمامة كافية للتعريف به، ومما قالته في هذا الصدد هو أن بعض المؤتمرين رأوا أن يكون الحوار في المسرحيات عاميًّا، ويا ليت شعري ماذا يبقى من المسرحية فصيحًا إذا كان الحوار عاميًّا؟ وهل في المسرحية شيء غير الحوار؟ أليس معنى هذا القول أن تكون المسرحية في اللهجة العامية؟
وتحدثت السيدة طوبي أيضًا عن المناهج بمناسبة افتتاح المدارس، وشكت كثرة الكتب التي يفرض على الطالب درسها. حقًّا إن نقل كتب الطالب المنهجية يحتاج إلى عتال، قيل فيما مضى: إني أخاف صاحب الكتاب الواحد، أما مناهجنا فتفرض الكتب بالعشرات على أكبادنا التي تمشي على الأرض.