النقد الثمانون
عالجت الدكتورة زاهية قدورة موضوعًا جديدًا هو موضوع مساهمة المرأة في نصرة الرسالة الإسلامية، وجهادها في سبيل تأييدها، عددت النساء المجاهدات من حليمة السعدية، مرضع النبي إلى زوجه خديجة، إلى أم أيمن، وأسماء، ولم يفتها إلا ذكر أم عمارة بطلة وقعة أُحد التي فاقت الرجال بطولة.
حقًّا إنه ﷺ هو أول من أخرج المرأة من ظلمات دياميس الجاهلية، ففرض لها ونظر إليها نظرة عطف وحنان: «رفقًا بالقوارير.» تلك كلمته المأثورة، ولكن هؤلاء كن حديدًا وفولاذًا في معركة الحق.
فشكرًا للآنسة قدورة؛ فقد جاء حديثها برهانًا على جهاد المرأة في أحرج ساعات المعارك الفاصلة.
أما السيدة ماجدة عطار، فلا أدري لماذا «قرأت لنا» هذا الفصل، فصل انفصال البنت عن أبويها، واستقلالها في بيت تتمرن فيه لتكون زوجة عاملة في المجتمع؟ ترى ألا تستطيع البنت أن تعمل هذا «الستاج» عند أبيها، وتحت عيني أمها؟! أما قالوا: إن البنت بلا أم كبيت بلا بوَّاب؟ وهب أن هذا الاستقلال يكون في أمريكا بلاد العجائب، فلست أظنه يكون سليم العواقب، فالبنت التي تعيش في هذا الجو من الحرية هيهات أن يقيدها رجل فيما بعد مهما كان حازمًا. وأغرب من هذا الحديث الذي قرأته السيدة ماجدة عطار تساؤلها: إذا كان هذا الأسلوب يصلح لنا، تُرى أجرَّبوه في أمريكا، ووجدوه صالحًا حتى نعيره نحن هذا الاهتمام؟
وفي ركن «مع النساء» كانت السيدة عبلة خوري شخصية برنامج المرأة، كانت السيدة عبلة دائرة معارف فبحثت كل شيء حتى النقد والشعر، أما الآنسة جاكلين خوري فقد ألمت بجميع ملكات الجمال في التاريخ القديم، فبررت موقف المعاصرين، حتى الطلاب … من هذه البدعة، وسمعت الشاعر العامي السيد أديب حداد ينتقد بأسلوب جميل تشبُّه النساء الذي يقصم ظهور الرجال، تصور رجلًا مغمورًا تفرض عليه زوجته كذا ليوم الاستقبال الأسبوعي، أما عليه أن يستعد دائمًا لاستقبال نكبة جديدة تحل بكيسه؟
وعن الكتب الحديثة تحدث الأستاذ عبد العزيز عريقات، فكان أول ما تحدث عنه ديوان «زهر الربى» للأستاذ ميخائيل خليل الله ويردي، فألقى أبياتًا من القصيدة التي نهج فيها الشاعر، ويردي نهج بردة البوصيري، ثم تعرض للتشطير والتخميس الذي أفاض فيه الأستاذ ويردي حتى خمَّس أبياتًا لامرئ القيس، ومضى الأستاذ عريقات يبرر موقف الشاعر، ويفرق بين تخميس وتخميس. إن التشطير والتخميس والتضمين وغير ذلك بضاعة لم تعد تنفق في سوقنا اليوم، ماذا يفيدنا تخميس شعر امرئ القيس الذي مضى زمانه؟ وأي شاعر غزلي يستعير قول غيره ليعبر به عن لوعته إذا كان هو شاعرًا؟ علق بالذاكرة تخميس هذا البيت، ولعله كما أسمعناه الأستاذ عريقات.
إنني لأرى البعد بين القولين كالبعد ما بين القرن العشرين وزمن امرئ القيس، والأدب اليوم لا يقر هذا اللون من النظم؛ لأنه لا يعبر عن شيء إلا تعب الناظم ليلائم بين قديم وجديد، وشتان ما بينهما …
أما في الأقاصيص، فكانت أقصوصة «لكل شيء نهاية» وصفًا للواقع كما هو، وصف الأستاذ محمد عبد الحليم عبد الله واقع أقصوصته سردًا، ووصف الواقع إذا لم يكن فيه فن يرغب في سماعه أو قراءته، تموت القصة في منتصف الطريق. إن الأقصوصة تتطلب فنًّا يحبكها حبكًا؛ لأنها قطعة من حياة.
وفي روضة الشعر كان شعر الأستاذ محمد الحبوبي موسيقيًّا متماسكًا، ولعله على مذهب من قال: اضحك يضحك لك العالم، حتى قال مخاطبًا من يحب:
إن الضحك أحبولة كل طالب صيد، ولعل هذه الفلسفة هي التي يفلح صاحبها في الحياة.