النقد التسعون
«المسرة بالعمل» كان عنوان حديث الأستاذ حسني فريز، وكل عمل يقبل عليه صاحبه وهو غير راغب فيه فهيهات أن يؤدي على حقه، وقد نصح أحد علماء أمريكا كل ذي عمل أن يدخل على قلبه السرور قبل أن يقبل على عمله، بل عد ذلك من شروط النجاح والفلاح، وهيهات أن نجد المسرة الكاملة إلا في حبنا لعملنا مهما اختلفت أنواعه. إن حديثًا كحديث الأستاذ فريز مفيد جدًّا لنا، نحن الذين نعد الابتسامة مذهبة للوقار، والضحكة خفة، ودون ابتسام وضحك لا أدري من أي باب يدخل الفرح إلى القلب.
وتحدثت الآنسة جهان عوني عن حقيقة التقمص، فاستغربت العنوان، وهل للماورائيات حقيقة ثابتة؟ أراد الإنسان أن يبقى في هذه الدنيا التي استحلاها، فهام في أودية الخيال، وما زال ينقض اليوم ما كان قرره أمس، وهكذا دواليك.
وفي ركن الكتب الحديثة تحدث الأستاذ عيسى الناعوري عن كتاب صدر حديثًا للأستاذ أنيس الخوري المقدسي عن الاتجاهات الأدبية في العالم العربي، فأحسن الأستاذ الناعوري التلخيص والتقريظ معًا، فأرانا أن هذا الكتاب هو تاريخ لتطورنا السياسي، والأدبي، والاجتماعي والقومي. إن الأستاذ المقدسي قد لاحظ هذا التطور عن كثب، وعالج هذا الموضوع غير مرة فلا بدع أن يوفق.
وكان حديثا الشهر للآنسة سميرة عزام والأستاذ ميشال أسمر، تحدثت الآنسة عزام عن الأميرة دينا ملكة الأردن العتيدة، فألبست حديثها طرازًا موشًّى يليق بالعروس، كان الحديث وجيزًا، فلم يستهلك الدقائق المعدودات، فجاء مطابقًا للقول المأثور: خير الكلام ما قل ودل، ولم يمل.
أما الأستاذ ميشال أسمر، فكان متشائمًا، وما أسمعنا إلا نعيًا: المؤسسات الثقافية عندنا قاصرة، ووحدة الشعور الوطني مفقودة، والثقافة المهنية معدومة، وهكذا خرج مجتمعنا من تحت سن قلمه كصبيرة طمسن التي يضرب فيها المثل.
وتحدث الدكتور عبد الجليل … عن دور المثقف في المجتمع، وما كان مجتمع ما إلا من عمل المثقف الذي وصفه لنا المشترع كنفوشيوس، فجعله المحور الذي تدور عليه الإنسانية، بل جعله حاملًا مسئولية العالم الكبرى، وإن كل ما فيها من حق وجمال هو من صنع المثقف. أفاض الدكتور عبد الجليل في تقدير هذا الدور الخطير، وما المثقفون إلا كواكب تظهر في كل دور، فيسترشد بها السارون في لياليهم الظلماء.
وفي بريدنا الأدبي كان حديث الأستاذ عيسى طماش عن الحق والقانون، وفي مثل هذه الأيام منذ أجيال دار كلام بين بيلاطس، والسيد المسيح، فقال يسوع: أتيت إلى العالم لأشهد للحق، فكل من كان من الحق يسمع صوتي، فقال له بيلاطس: وما هو الحق؟ وخرج، وظل هذا السؤال بلا جواب. إن فكرة الحق قديمة قدم الإنسان كما قال المتحدث، ولا ندري متى يحق الحق، ويعلو ولا يُعلى عليه.
الحق والخير والجمال ثلاث كلمات يترنم بها اليوم الكتاب والشعراء ضالة الإنسانية التي تنشدها دائمًا، وهيهات أن تجد إلا بعضها.
وكانت جلسة في ندوة الشرق الأدنى دار الحديث فيها حول مشكلة الشباب، ولعلها أم المشاكل في نظري ونظر المتحدثين الأساتذة كامل النحاس، وسليم كامل، وعثمان نويه. الشباب رأس مال الأمة، وكل أُمة لا تُعنى بتنمية رأس مالها خسرت تجارتها، فعلينا وعلى شبابنا أن تتأهب للاضطلاع بالمسئولية الكبرى قبل اتباع الهوى.
وسمعت في ركن المزارعين للأستاذ راشد الزغبي محاورة طريفة مفيدة أجريت بين والد وابنه حول زراعتنا وزراعتهم، أي زراعة الذين استناروا بأضواء العلم الحديث، وسخروا الجماد بدلًا من الحيوان الذي ما زلنا نستعبده، وربوا شجراتهم كما يربون أولادهم طبقًا لقوانين علمية، فبلغوا في الاستثمار أبعد مدى ممكن، بينما نحن نقنع باليسير من محصولات أرضنا الخيرة، إلا أن نور الأمل قد لاح في آفاقنا، فما علينا إلا أن نسير ولا نقف، عملًا بالأنشودة التي يفتتح بها هذا الركن النافع:
أما قصة الأسبوع وعنوانها: «قارئ الكف» للسيدة ماهرة النقشبندي، فكانت جيدة القص والسيرورة، ولكنها رديئة القراءة، ضعيفة العبارة، فشا اللحن في كلامها كقولها مثلًا: إنك لا تعمري.
إن القصة — كما قلنا — ونقول دائمًا هي قطعة فنية، كالقصيدة، فيجب أن تخلو من كل عيب نحوي ولغوي، فلا يكفي السيدة ماهرة أن تكون ماهرة في القص، بل يجب أن تقرأ وتكتب صحيحًا، وهذا تحديد علم الكتابة عند الغربيين الذين اقتفينا آثارهم في هذا الفن.
وكانت روضة الشعر للشاعر محمود أبو الوفا، فأسمعنا شعرًا توجيهيًّا نستفيد منه شيئًا بعد إقفال المذياع، لقد قل هذا النوع من الشعر فلم نعد نسمع شاعرًا يتحدث عن غير الحب الجسدي، أما الحب الاجتماعي فالذين له صاروا نادرين، ولذلك طربت لشاعر يقول كما قال ابن عربي: الحب ديني وإيماني، كما يقول في قصيدته من الأعماق:
وكما يقول في قصيدة أُريد: أريد الحب في الدنيا يسود، وهو لا يعني الحب المعروف؛ لأن هذاك سائد دون إرادة الشاعر وإرادتنا …
فأبو الوفاء شاعر سهل الديباجة، وتعبير القدماء «المعنى الشريف في اللفظ الشريف» يصح فيه، وهو يستحق بكل جدارة لقب شاعر الحب.