النقد الحادي والتسعون
أنشد الأستاذ العوضي الوكيل قصيدتين جيدتين؛ الأولى: وعنوانها: «لبنان» قصيدة سارحة كنسيمه في الربيع، ناعمة الجرس تترك في النفس أثرًا بعيد القرار، لا ينقطع رنينها فور الانتهاء من سماعها كأكثر شعر هذه الأيام، ولا عيب في هذه القصيدة إلا ضرورة التجأ إليها الشاعر فقال: طلق أغانيها، فالتأنيث أولى وأجمل وقعًا.
أما الثانية: وهي آخر ما أنشد، فموضوعها: «غزوة بدر»، وقد جاءت فخمة، متينة، متراصة البنيان، جامعة بين الفخر والمجد والأسف على ما فات، والخوف مما هو آت.
وأنشد ما بين هاتين القصيدتين مقاطع، فقال في مقطع «مرحبًا بالربيع»: ونشقت الأعطار، وجمع عطر عطور، كما جمع في مقطع «الهوى» بين غيري وبدوري وعمري في قافية، وهذا من عيوب الشعر.
أما ما أنشده الأستاذ أحمد العبد الله … في هذا الركن، فمن الشعر الذي كثر قوَّالوه، فكله على وتيرة واحدة كقوله مثلًا:
وكقوله: وحوانا النهر في راحته، وهو لو حاول أن يقول بين ذراعيه لجاءت الاستعارة جميلة.
وكانت جلسة ندوة الشرق الأدنى في القاهرة، ترأسها سيادة وزير الأوقاف أحد حسن الباقوري، وساجله فيها الأستاذان عبد الكريم الخطيب، وعبد المجيد الغزالي، وكان موضوعها شعر الشاعر البائس عبد الحميد الديب. إن لون شعر هذا الشاعر المجيد — كما بدا لي مما سمعت له — لون حزين باك شاك، قال الباحثون: إن الشاعر ليس واعظًا ولكنه فنان، وهذه كلمة حق لا غبار عليها، فالمصور — مثلًا — يصور الدعارة كما يرسم الطهارة، ونحن في الحالين لا ننظر إلا إلى فنه. الشعر ليس بموضوعه، بل بما فيه من روعة وحياة نضعها في الصورة، وصور الحياة شتى.
وكم كنت معجبًا بالباقوري حين سمعته يقابل — اللهم فنيًّا — بين ما جاء في القرآن الكريم وبين الشعر، فليت هذا الباب ينفتح على مصراعيه ليرى الناس أن كتاب الله هو دعامة أدب الدنيا كما هو دعامة الدين. وإننا نشكر لسيادة الوزير عنايته بجمع شعر هذا الشاعر المطبوع، ونشره على الملاء في ديوان، ولينعم الديب بالًا، فقد أخلده بؤسه، وذكر الفتى عمره الثاني كما قال أبو الطيب …
أما الأستاذ إبراهيم مطر، فكان عنوانه: «الدماغ البشري العجيب»، ولكنه كان في واد وعنوانه في واد، وفي هذا الركن أيضًا تحدث الأستاذ عارف العزوني عن الأبراج العاجية، ونشأة هذه التسمية التي يسمع الناس بها، ولا يعرفون أصلها.
وأخيرًا إني أبشر الكتَّاب والشعراء بزوال هذا الركن — ركن النقد — من برنامج محطة الشرق الأدنى، وإني أشكر للمحطة ما أغدقته علي من نعمة التعرف بكتَّاب الأقطار العربية وشعرائها، فهذه ثلاث سنوات ونصف نادمتهم وسامرتهم فيها، ولا أعتذر لأحد؛ لأني لم أحاب من أعرفهم، ولم أتحامل على من أجهلهم، كنت أسمع ما يقال، ولا يعنيني من هو القائل.
قال المتنبي: وأجمل وجه في الورى وجه محسن، أما أنا فأتصرف بهذا الشطر لأقول: فأبشع وجه في الورى وجه ناقد، فاحمدوا الله أيها الإخوان على أنكم لم تروا وجهي، ولم تسمعوا صوتي، ففيهما يصح ما قيل في شهاب الدين وأخيه: كلا الأخوين … ولكن ما الحيلة، فلولا حفارو القبور لأنتنت الأرض، وفسد الهواء، وكم من مهنة غير مستحبة، ولكن لا بد لها من محترف، وهكذا أنا، والسلام عليكم ووداعًا.