الفصل الحادي والثمانون
يَظهر من الرسائل والبرقيات الواردة من القاهرة أن الإنجليز وفقوا لإلهاب حرب صليبية بين الحبشة ومسلمي السودان، والله يعلم ماذا تكون العاقبة إذا طار شررها، ربما لا يوجد مسلم يعتقد بدين محمد ﷺ إلا ويسعى ببذل روحه وماله لإحباط أعمال الإنجليز ورد كيدهم، خصوصًا مسلمي الهند المغرورين بخديعة حكامهم، ودعواهم أن دولتهم نصيرة الإِسلام، وحليفة الدولة العثمانية.
فمما نقلته الأخبار بتاريخ ١٩ يونيو سنة ١٨٨٤، أن من أحكام الاتفاق الذي عقده الأميرال هفت مع ملك الحبشة: أن تكون مصوع مباحة لإرساء المراكب الحبشية ابتداءً من شهر سبتمبر، فإما أن يكون هذا بنزعها من أيدي المصريين، بل العثمانيين، بل المسلمين، وجعلها بلدًا إنجليزية يبيحها الإنجليز لمن شاءوا ويمنعونها من أرادوا، وإما أن يكون بتقديمها أقطاعًا لملك الحبشة.
ومن أحكامه: أن يأذن الملك للحامية المصرية أن تُقيم حصونًا على حدود مملكته حتى إذا هجم السودانيون عليها — باعتبار أنها حصونٌ مصرية — تَذَرَّعَ الملك لمواثبتهم بدعوى أنها في حُدُود بلاده، فتشب الحرب ويحمى وطيسُها بين مسيحي الحبشة ومسلمي السودان.
ولما كان غرض الحكومة البريطانية أن تضم مصر وملحقاتها إليها — كما يدل عليه اهتمامها بمد سكة الحديد بين سواكن وبربر — أخذت على الملك عهدًا بقبول ما تحكم به ملكةُ إنجلترا عند عُرُوض مشكلاتٍ بينه وبين الحكومة المصرية وإنْ جرى الحكم على العُرف ولم تلاحظ فيه الأُصُول السياسية.
هذه هي الدولة التي بلغ الخافقين صوتُ دعواها أنها حامية الإِسلام والمسلمين، وظهيرةٌ للعثمانيين! فليعلمْ كل مسلم أن مِن نيتها انقراض هذا الدين وأهله من وجه الأرض، وإن لم يكن ذلك عليها بيسير.