الفصل الحادي عشر
إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ.
وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ.
•••
تلك آياتُ الكتاب الحكيم، تنبئ عن سر عظيم، اختص الله به الإنسان، ورفعه به على سائرِ الأكوان، ليبلغ به المقام المحمود، ويحوز ما أَعَدَّتْهُ له العناية الإلهية من الكمال اللائق به، راجعْ نفسك، وأصغِ لمناجاة سرك؛ تجدْ في وجدانك ميلًا قويًّا، وحرصًا شديدًا، يدفعك إلى طلب المجد، وعلو المنزلة في قلوب أبناء جنسك، ثم ارفع بصرك إلى سواد أمة بتمامها؛ تجدْ مثل ذلك في كليتها كما هو في آحادها، تبتغي رفعة المكانة في نفوس الأُمم سواها، ذلك أمرٌ فطريٌّ جبل الله عليه طبيعة هذا النوع منفردًا ومجتمعًا.
ليس من السَّهل على طالبِ المجد وعلو المكانة أن يصل إلى ما يطلب، ولكنه يلاقي في الوصول إليه وعرًا في السبل، وعقبات تصد عن المسير، ومع هذا فلا يَضعف حرصه، ولا ينقص ميله، يقطع شعابًا، ويُعاني صعابًا، حتى يرقى ذروة المجد، ويَتَسَنَّمَ شاهق العِزَّة، ولو قام في وجهه مانعٌ عن الاسترسال في مسيره والتجأ للسكون؛ رأيته يتململ كَأَنَّما يَتَقَلَّبُ على الرمضاء، ولو سبر الحكيم الخبير أعمال البشر، ونسب كل عمل إلى غاية العامل منه؛ رأى أن معظمَها في طلب الكرامة وعُلُوِّ المقام، كلٌّ على حسبه، وما يتعلق منها بتقويم المعيشة ليس شيئًا مذكورًا بالنسبة لما يتعلق بشئون الشرف.
هذه خلة ثابتة في الكافة من كل شعب على اختلاف الطبقات من أرباب المهن إلى أصحاب الأمر والنهي، كلٌّ ينافس أهل طبقته في أسباب الكرامة بينهم، ويأنف من ضعته فيهم ويحرص على ما يُحله من قلوبهم محلَّ الاعتبار، حتى إذا بلغ الغاية مما به الرفعةُ عندهم، تخطى حدود تلك الطبقة ودخل في طبقة أخرى، ونافس أهلها في الجاه، ولا يزال يتبع سيره ما دام حيًّا يخطر في بسيط الأرض؛ ذلك لأن الكمال الإنسانيَّ ليس له حدٌّ، ولا تحده نهاية، وليس في استطاعةِ أحد من النَّاس أن يُقنع نفسه ويعتقد أنه بلغ من الكمال حدًّا ليست بعده غاية.
سبحان الله! ماذا أخذتْ محبة الشرف من قلب الإنسان، وماذا ملكتْ من أهوائه؟ يعده ثمرة حياته وغاية وجوده، حتى إنه يحتقر الحياة عند فقده والعجز عن دركه، أو عند مسه والخوف من سلبه، أرأيت أن فقيرًا ذا أسمال لا يؤبه له إذا اعتدى عليه من تطول يده إليه بفعلة تهينه، أو قذفة تشينه؛ يغلبه الغضب للدفاع عن المنزلة التي هو فيها فيرتكب مُخاطرة ربما تفضي به إلى الموت، وإن القذف أو الإهانة ما نقصت شيئًا من طعامه ولا شرابه، ولا خشنت مضجعه في مبيته، آلافٌ مؤلفة من النَّاس في الأجيال المختلفة والأجناس المتنوعة ألقَوا بأنفسهم إلى المهالك، وماتوا دفاعًا عن الشرف أو طلبًا للكرامة والمجد.
جل شأن الله، لا يهنأ للإنسان طعامٌ ولا شراب، ولا يلين له مضجعٌ إلا أنْ يلحظ فيه أن ما نال منه أعلى مما نال سواه، مع وقوف بعضٍ من النَّاس على ذلك ليعترفوا له بالأعلوية فيه، كأن لذة التغذية والتوليد إنما وُضعتْ لتكون وسيلة للذة المُباهاة والمفاخرة، فما ظنك بسائر اللذائذ.
كم يُعاني الإنسانُ من التعب البدني، وكم يقاسي من مشاقِّ الأسفار، وكم يُخاطر بروحه في اقتحام الحروب والمكافحات، وكم يتحمل في الانقطاع عن اللذات، مع التمكُّن منها، كل ذلك لينال شهرة أو ليكسب فخارًا أو ليحفظ ما أتاه الله منه، ما أجل عناية الله بالإنسان! لا يعيش إلا ليشرف فيشرف به العالم، وكل لذة دون الشرف فهي وسيلةٌ إليه، بل الحياة الدنيا هي السبيلُ الوعرةُ يسلكها الحيُّ إلى ما يستطيع من المجد، وفي نهاية الأجل يُفارقها قرير العين بما قارب منه، آسف الفؤاد على ما قصر عنه.
ما هو المجد الذي يسعى إليه الإنسان بالإلهام الإلهي، ويخوض الأخطار في طلبه ويقارع الخطوب في تحصيله؟ هو شأن تعترف النُّفُوس لصاحبه بالسؤدُد، وتُذعن له بالاعتلاء، وتلقي إليه قياد الطاعة، يكون هذا له ولكل من يدخل في نسبته إليه من ذوي قرابته وعشيرته وسائر أمته، فتنفذ كلمته إليه وكلمة المتصلين به، والملتحمين معه في شئون من سواهم، وهو أعظم مكافأة من العزيز الحكيم على معاناة الأوصاب لتحصيل ذلك الشأن في هذه الحياة الأولى، فما كان يحسبه طالب المجد عائدًا إلى نفسه بالمنفعة، يبارك فيه مدبر الكون فيفيض خيره على بني جلدته أجمعين، واهًا! تلك حكمة بالغة: إذا نال الواحد من الأمة مطلبه من المجد نالت الأمة حظها من السؤدد، نعم، وهل نال ما نال إلا بمعونة سائر الآحاد منها؟ ذَٰلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ. ماذا يستطيع المجاهد وحده، وماذا يكسبه من سعيه؟ إن لم يكن له إعضاد من بني قبيله، فمن كان همه أن يصعد إلى عرش العِزَّة، ويرقَى إلى ذروة السيادة، فعليه أن يهيئ نفسه والمنتمين إليه لتحصيل كل ما يعد في العالم الإنساني فضيلةً وكمال، ما أصعب القيام بخدمة هذا الميل الفطري والإلهام الإلهي! وما أشد ما تحمل النُّفُوس في قضاء بعض الوطر مما يتصل به! وما أعظم الحامل للأنفس على تجشُّم المصاعب لنيل ما تميل إليه من هذا الأمر الرفيع! ما هذا الباعث الشريف الذي يسهل على الأرواح كل صعب ويقرِّب كل بعيد، ويصغِّر كل عظيم، ويلين كل خشن، ويسليها عن جميع الآلام، ويرضيها بالتعرض للتهلكة ومفارقة الحياة، فضلًا عن بذل كل نفيس، والسماح بكل عزيز، هذا الباعث الجليل، وهذا الموجب الفعال هو الأمل.
الأمل ضياءٌ ساطع في ظلام الخطوب، ومرشد حاذق في يهماء الكروب، وعلم هاد في مجاهيل المشكلات، وحاكمٌ قاهرٌ للعزائم إذا اعترتْها فترة، ومستفز للهمم إن عرض لها سكون، ليس الأمل هو الأمنية والتشهِّي اللذين يلمحهما الذهن تارة بعد أُخرى، ويعبر عنهما بليت لي كذا من المال وكذا من الفضل مع الركون إلى الراحة والاستلقاءِ على الفراش، واللهو بما يبعد عن المرغوب كأن صاحبهما يروم أن يبدل الله سنته في سير الإنسان عناية بنفسه الشريفة أو الخسيسة، فيسوق إليه ما يهجس بخاطره دون أن يصيب تعبًا أو يلاقي مشقة، إنما الأمل رجاء يتبعه عمل، ويصحبه حمل النَّفس على المكاره، وعرك لها في المشاق والمتاعب، وتوطينها لملاقاة البلاء بالصبر، والشدائد بالجلد، وتهوين كل ملم يعرض لها في سبيل الغرض من الحياة، حتى يرسخ في مداركها أن الحياة لغوٌ إذا لم تغذ بنيل الأرب، فيكون بذل الروح أول خطوة يخطوها القاصد فضلًا عن المال الذي لا يقصد منه إلا وقاية بناء الحياة من صدمات حوادث الكون.
وكما كان الميل للرفعة أمرًا فطريًّا، كذلك الأمل وثقة النَّفس بالوصول إلى غاية سعيها من ودائع الفطرة، غير أن ثبوتَهما في فطرة عمومِ البشر كان داعيًا للمزاحمات والممانعات، فإن كل واحد بما أودع في جبلته يطلب الكرامة والتمكُّن في قلب الآخر، فكلٌّ طالب ومطلوب.
ولم تبلغ سعة العقل الإنساني إلى درجة تعين لكل فرد من الأفراد عملًا تكون له به المنزلة العليا في جميع النُّفُوس، غير ما يكون به للآخر مثل تلك المنزلة، حتى يكون جميعُهم أمجادًا شرفاء بما يأتون من أعمالهم، ولكنهم تزاحموا في الآمال والأهواء، ومسالكهم ضيقة، ومشارعهم ضنكة، فنشأت تلك المقاومات والمصادمات بين النوع البشري؛ حكمة من الله ليعلم الذي جاهدوا ويعلم الصابرين.
فإذا توالى الصدام على شخص أو قوم حدث في الهمم ضعفٌ وأصابها انحطاط، وحصل الفساد في هاتين الحليتين الشريفتين «الرجاء وطلب المجد»، كما يحصل الفساد في سائر الأخلاق الفاضلة بسوء التَّرْبِيَة وربما يئول الضعف إلى اليأس والقنوط — نعوذ بالله منهما.
ماذا يكونُ حالُ القانطين المنقطعة آمالهم، يحكمون على أنفسهم بالحطة، ويسجلون عليها العجز عن كل رفعة، فيأتون الدنايا ويتعاطَون الرذائل، ولا ينفرون من الإهانة والتحقير بل يُوَطِّنون أنفسهم على قبول ما يوجَّه إليهم من ذلك — أيًّا كان — فتُسلب منهم جميعُ الإحساسات والوجدانات الإنسانية التي يمتاز بها الإنسانُ عن الأنعام، فيرضون بما ترضى به البهائمُ، فلا يهتمون إلا بحاجات قبقبهم وذبذبهم.
ثم يا ليتهم يكونون هملًا وسوائب يرعون النبات، ويتبعون مواقع الغيث، ولكنهم وإن تركوا العمل لأنفسهم فالله تعالى يسلط عليهم من يكلفهم بالعمل لغيرهم، فيكونون كالنمال الحمالة لا تستفيد مما تحمل شيئًا، وظيفتها أن تسعى وتشقى ليسعد غيرها ويستريح، فيعالجون العمل في الفلاحة والصناعة وغيرهما من الأعمال الشاقة، ويدأبون بأشد مما يدأب العامل لنفسه، ثم لا ينالون مما يعملون شيئًا.
ثمرات كسبهم بأسرها محولة إلى الذين سادوا عليهم بهممهم (هذا الذي يتجشمه الذليل في ذله من مشاقِّ الأعمال ومُعاناة المكاره لو تحمل بعضًا منه في طلب العِزَّة لأصاب حظه منها) بل تصيرُ درجة القانطين عند من سادوا عليهم أدنى من درجة الحيوانات العاملة، فإن السائدين يشعرون — بحكم البداهة — أن هؤلاء أسقطوا أنفسهم عن منزلة كانوا سيستحقونها بمقتضى الفطرة الإنسانية، ورضوا لها بما دون حقها، بل بما لا يصحُّ أن يكون من شأنها، وكفروا نعمة الله في تكوينهم على الشكل الإنساني وإيداعهم ما أُودع في أفراد الإنسان، فيعاملهم أولئك السادات بما لا يعاملون به ما يقتنون من الحيوانات، ولنا على ذلك شاهدُ العيان في الأُمم التي أدركها اليأسُ وسقطت في أيدي الأجانب.
ونظن أنه يوجد أقوام آخرون سَامَهُمْ سادتُهم في الزمن السابق — ويسومونهم الآن — ما لا تسام به السوائمُ الراعية، وهم على القرب منا وليسوا ببعيد عنا.
عجبًا، كيف تتبدل أحكام الجبلَّة وكيف يمحى أثر الفطرة؟ كيف تسفل النَّفس حتى لا تطلب رفعة؟ وكيف تقنط حتى لا يكون لها أمل، والأمل وحب الكرامة طبيعيان في الإنسان؟ بعد إمعان النظر نجد السبب في ذلك ظن الإنسان أن جميع أعماله إنما تصدر عن قدرته وإرادته بالاستقلال، وأن قوته هي سلطان أعماله، وليس فوق يده يد تمده بالمعونة أو تصده بالقهر، فإذا صادفتْه الموانعُ مرة بعد أُخرى وقطعت عليه سبيل الوصول لمطلبه، رجع إلى قدرته فوجدها فانية، وقوته فرآها واهنة، فيعترف بوهنه، ويسكن إلى عجزه، فييأس ويقنط، ويذل ويسفل اعتقادًا منه بأنه لا دافع لتلك الموانع التي تعاصت على قدرته، ومتى كانت قوة المانع أعظم من قوته فلا سبيل إلى العمل لاستحالة قهر المانع، فيقطع الأمل فيقع في الشقاء الأبدي.
أما لو أيقن أن لهذا الكون مدبرًا عظيمَ القدرة تخضع كل قوة لعظمته، وتدين كل سطوةٍ لجبروته الأعلى، وأن ذلك القادر العظيم بيده مقاليد ملكه يصرِّف عباده كيف يشاء؛ لما أمكن مع هذا اليقين أن يتحكم فيه اليأس، وتغتال آماله غائلةُ القنوط، فإن صاحب اليقين لو نظر إلى ضعف قدرته لا يفوته النظر إلى قوة الله التي هي أعلى من كل قوة، فيركن إليها في أعماله، ولا يجد اليأسُ إلى نفسه طريقًا، فكلما تعاظمت عليه الشدائد زادت همته انبعاثًا في مدافعتها معتمدًا على أن قدرة الله أعظم منها، وكلما أُغلق في وجهه باب فُتحت له من الركون إلى الله أبواب، فلا يمل ولا يكل، ولا تدركه السآمة، لاعتقاده أن في قدرة مدبر الكون أن يقهر الأعزاء، ويلقي قيادهم إلى الأذلاء، وأن يدك الجبال، ويشق البحار، ويمكن الضعفاء من نواصي الأقوياء، وكم كانت لقدرة الله من هذه الآثار.
فتشتد عزيمته ويدأب فيما كلفه الله من السعي لنيل الكمال والفوز بما أعده الله له من السعادة في الأولى والآخرة، وما كان لموقن بالله وبقدرته وعزته وجبروته أن يقنط وييأس، ولهذا أخبر الله تعالى عن الواقع والحقيقة التي لا ريبة فيها بما قال وهو أصدق القائلين: إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ، وبما حكي من قول نبيه إبراهيم: وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ، فقد جعل الله اليأس والقنوط دليلًا على الكفر، ومن أين يطرق اليأس قلبًا عقد على الإيمان بالله وقدرته الكاملة.
لهذا نقول: إن المسلمين لا يسمح لهم يقينُهم بالله وبما جاء به محمد — عليه الصلاة والسلام — أن يقنطوا من رحمة ربهم في إعادة مجدهم مع كثرة عددهم، ولا يسوغ لهم إيمانهم أن يرضخوا للذل، ويرضوا للضيم، ويتقاعدوا عن إعلاء كلمتهم وهم إلى الآن محفوظون مما ابتُلي به كثيرٌ من الأُمم، فإن لهم ملوكًا عظامًا، ولا يزال في أيديهم ملك عظيم على بسيط الأرض، وإن من الحق أن نقول: إن أبواب رحمة الله مفتَّحة لديهم وما عليهم سوى أن يَلِجُوها، وإن روح الله نافحةٌ عليهم وما يلزمهم سوى أن يستنشقوها، والفرص دائمًا تمد أيديها إليهم تطلب إنهاضَهم وتُنبه غافلَهم وتوقظ نائمهم، وليس عليهم في استرجاع مكانتهم الأُولى والصعود إلى مقامهم الأول إلا أنْ يجمعوا كلمتهم ويتعاونوا على ما يقصدون من إعزاز مِلَّتِهم، وذلك أيسرُ ما يكون عليهم، بعد تمكن الجامعة الدينية بينهم، فأي موجبٍ لليأس وأي داعٍ للقنوط وبين أيديهم كتاب الله الناطق بأن اليأس من أوصاف الضالين، وهل توجد واسطة بين الرشد والغي فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ؟ هل يكون للقانطين فيهم من عذر؟ أيرضون بالعبودية للأجانب بعد تلك السيادة العُليا، ماذا يبتغون من الحياة إن كانت في ذل وإهانة وفقر وفاقة وشقاء دائم بيد عدو غاشم؟ أيطمئنون وهم بين أجنبي حاكم، وبغيض شامت، ومقبح غبي، ومشنع دني، ومعير خسيس، يرمونهم بضعف العقول ونقص الاستعداد، ويحكمون بأن مُحالًا عليهم أن يصيروا أُمة في عِداد الأمم؟ ألم يَنسلخ الإنسان عن كل خاصة إنسانية؟ كيف يرضى بحياة مكتنفة بكل هذه التعاسات والمكدرات؟ أينسون أنهم كانوا الأعلين في الأرض وما طال على ذلك الزمان، ولا مُحيت التواريخ ولا عفت الآثار، ولا اضمحلت بالكلية شوكة المسلمين من وجه الأرض.
إن كان للعامة عذر في الغفلة عما أوجب الله عليهم، فأي عذر يكون للعلماء وهم حفظة الشرع والراسخون في علومه، لم لا يسعون في توحيد متفرق المسلمين؟ لم لا يبذلون الجهد في جمع شملهم؟ لم لا يُفرغون الوسع لإصلاح ما فسد من ذات بينهم؟ لم لا يأتون على ما في الطاقة لتقوية آمال المسلمين، وتذكيرهم بوعود الله التي لا تخلف لمن صدق في طاعته واليقين به، وتبشيرهم بهبوب روح الله على أرواحهم؟
بلى، إن قومًا شرح الله صدرهم للإيمان قاموا بهذا الأمر في مواقعَ مختلفة من الأرض، يَجمع التواصل بينها عقدة واحدة، إلا أن أملنا في بقية المسلمين أن يتفقوا معهم ويقوموا بتعضيدهم، ليتمكن الجميع من نصر الله إِن تَنصُرُوا اللهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ.