الفصل الخامس والثمانون
يتوكأ الإنجليز عن توفيق باشا في حركتهم بمصر، ويتخذونه آلة لتخريب بلاده وهدم ملكه، وما يكون من شر ينسبونه إليه، وما عساه يوجَد من خيرٍ يصلون نسبته بهم، ويردونه إلى أنفسهم، وفيما بين ذلك يُبَغِّضون إليه الولاية الإِسلامية، ويجيبون إليه إغفال الأُصُول الدينية، وهو يميل معهم ويمدهم في مقاصدهم ويُطوِّع البلاد لهم بما بقي له من السلطة الصورية، كما يتظاهر بالتديُّن والمحافظة على الصلوات.
فإن كان باطنُهُ يطابق ظاهرَه، وكان معتقِدًا بدين الإِسلام، فعليه أن يتنحى عن الأمر ويترك المُلك لمن يستطيع إنقاذَه مما هو فيه، فتبرأُ ذمته من العار الذي يلحقه ويلحق بيت محمد علي مِن تصرفه، فإن لم يكن هذا فعليه أن يجهر بعقيدته، ويقاوم الإنجليز بما في جهده، ويموت شهيدًا في سبيل دينه ووطنه، وإلا فليس يغني عنه من الله شيئًا؛ أن يظهر عند أهل خاصته وحاشيته أنه ناقم على الإنجليز كاره لوجودهم في بلاد مصر ويود لو يخرجون! كما أنبأتنا به الأخبار الخصوصية من القطر المصري.
إذا تمادى توفيق باشا في سَيْرِهِ الملتوي فعلى المصريين أنْ لا يقعوا صيدًا في يد الإنجليز بهذه الحبالة البالية وهذا الفخ الواهن، ولْينظروا في شئونهم وما توجه عليهم فروض دينهم، وإلا فما الله بغافلٍ عنهم.