الفصل الحادي والعشرون
وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ ۚ وَأُولَٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ.
أزفت هجمة الروسية على الهند، وسير الدول في سياستها وحرصها على تقرير السلم في أوروبا يمد الروس في مقاصدهم ويهيئ لهم الأسباب ويقرِّب مدة الوصول، هذا طور من السياسة جديد لو اتفقتْ فيه دولة إيران مع إمارة أفغانستان لَكان لكُلٍّ منهما حظٌّ وافرٌ ونفعٌ جزيل، إن الروسية وإن كانت تنصرها نفرةُ قلوب الهنديين من الإنجليز إلا أن في طريقها عقباتٌ لا يذللها إلا موالاةُ الفرس والأفغان.
إن الهند بعيدٌ من معسكرات الروس ودونه مسالكُ مجهولةٌ وطرق ملتوية وليس الروس من الخبرة بها في شيء، الروس في حاجة للمواصَلة مع أمراء الهند وفي ضرورة للوقوف على أخلاقهم ومجاري ميلهم ومواقع أهوائهم، ولا سبيل يوصلهم إلى ذلك إلا إشراك الفارسيين والأفغانيين في أعمالهم الحربية والسلمية، ليس من السَّهل على الروسية أن تستعين بدولة فارس وإمارة الأفغان على فتح أبواب الهند إلا أن تساهمهما في الغنيمة وتشركهما في المنفعة، وإلا كانا سدًّا محكمًا دون أهم غاياتها.
كيف يمكن للروسية أن تخرق تلك الأجسام الآخذة بطريق الهند وهي مرابضُ الأسود؟! كيف تتوهم السلامة في معابرها الضيقة إذا قصدت الاختصاص بالفريسة؟! إن الروسية لا تخفى عليها صعوبةُ الأمر، ولا يغيب عنها أن كشف أمة عظيمة عن بلاد سكنتها أحقابًا ونالت فيها أعلى مجد وأعظم فخار؛ يُعدُّ من أعظم الأعمال ويحتاج لكثرة الأعوان والأنصار، وليس بين يديها من يصح به الاستنصار إلا دولة الفرس وحكومة الأفغان؛ فليس من الحكمة في العمل أن تختص دونها بثمراته، خصوصًا وأنها لا تبتغي سوى فتح أبواب الهند للتجارة.
فعلى الأفغانيين أن يرفعوا أبصارهم ويستقبلوا حظهم بفكر سديد وعقل رشيد، ويتقدموا للاتفاق مع إخوانهم الإيرانيين، فليس بينهم وبينهم ما يصح عليه الاختلاف في المصالح العمومية، فالجميع من أصل واحد، وتجمعهم رابطة واحدة، وهي أشرف الروابط «رابطة الدين الإِسلامي»، وليعلموا أن استمرارهم على التخالف في مثل هذا الوقت ربما يجلب الضرر عليهم وعلى إخوانهم المسلمين من الهنديين، وعلى الفارسيين والأفغانيين أن يراعوا الكلمة الجامعة والصلة الجنسية ولا يجعلوا الاختلاف الفرعي في المذهب سببًا في خفض الكلمة الإِسلامية، وقطع الصلة الحقيقية، فليس من العقل أن يُقام من خلاف جزئي علَّة لاضمحلال الكل.
أظن أن قد علم كلٌّ من القبيلين أنَّ الاختلاف بينهما هو الذي جلب على كلٍّ منهما ما جلب، هذا الخلاف الفرعيُّ بينهم استعمله بعض السياسيين في الأزمان السابقة آلةً للشقاق والمناوءات، وربما جنوا من غرسهم ثمارًا آتية، ولكنه الآن لا يثمر إلا الدمار والبوار، وهذا مما لا أخاله يخفى على عاقل.
لا يجوز للأفغانيين في هذا الوقت أن يقفوا عند هذا الخلاف الفرعي فليجوزوه إلى الوحدة الأصلية؛ فإن الأخطار حاطَتْهم من كل جانب، ولا منجاة لهم إلا بالاتفاق مع إخوانهم الفارسيين، هذا وقت التآخي، وهذه فرصة الالتئام، ليس للأفغانيين عذرٌ، ولا للتعلة عندهم محل، لا سيما وقد تولى الصدارةَ في الدولة الفارسية رجلٌ عظيمُ القدر رفيع الشأن، واسع العرفان، لا تحجبه شئون الكثرة عن ذات الوحدة، ولا تقف به أطوارُ التلوين دون منازل التمكين، ولا تشغله مظاهر الفرق عن مقامات الجمع، يتجلَّى له الواحد في مراتب الكثير، وتنجلي له حقيقة الأحدية في المنازل العددية، فالاتحاد مشربه، والائتلاف مذهبه، وعندي أنه الأب الرحيم لكل إيراني بدون استثناء، يسعى لجمع كلمتهم بلا ملاحظة اختلاف المذهب، ولا تفارق في الفروع، وإنما يراعي الجامعة الحَقَّة، فعلى الأفغانيين أن يَمُدُّوا سواعدَهم في هذه الأوقات لمحالفة إخوانهم ولا يضيعوا هذه الفرصة، وعلى القبيلين أن يجعلوا وفاقهم سياجًا لأوطانهم، وعدة لمكافحة أعدائهم، ومنبعًا فيَّاضًا لخير بلادهم، فينالوا شرفًا رفيعًا، ويورثوا أعقابهم مجدًا مخلدًا.