الفصل الحادي عشر
انعقدتْ له جلسة من أيام لم يحضرها المستر جلادستون؛ لأنه كان مريضًا (أو متمارضًا لخوفه من عاقبة المداولة فيها) فناب عنه في الكلام هرتنكتون وزير الحربية، وابتدأ يطلب نقودًا لنفقات حلول الجيش الإنجليزي في الأقطار المصرية وبَيَّن الدواعي إلى ما طلب، فعارضه المسيو لابوشير (وهو من الحزب الحر الذي يأبى أن تدخل إنجلترا في أي حرب كانت) وطلب تنقيص المبلغ الذي طلبه وزير الحربية، ثم دارت المباحثة في المسألة المصرية وحمي وطيس الجدال فيها، وتكلم الخطباء عن ماضيها وحاضرها ومستقبلها، وبينوا الأغلاط التي ارتكبتْها الحكومة في سياستها وماذا يجب الآن إعدادُه من وسائل الخلاص، وقال اللورد نورثكوت (وهو رئيس حزب المعارضين لسياسة الحكومة): إن خطاب وزير الحربية دل على تغيير عظيم في أفكار الوزارة، فقد علمنا من كلامه أنها جارت الرأي العمومي في البلاد وأذعنت لمقتضيات الحوادث، وعدلت عن السياسة المرتجة المتزعزعة، واعترفتْ بما تعهدتْ به، وقبلت أن تقوم بوفائه بعد أن كانت تحاول التملُّص منه، وفهم منه أيضًا أن بلاد السودان إذا تُركت لصغار السلاطين القدماء الذين يحاولون استعادة ممالكهم ليقيموا فيها إماراتٍ صغيرة، فإن الخرطوم تكون مستثناةً لأهميتها في راحة البلاد المصرية.
إن البحر الأحمر لما كان تابعًا لقنال السويس ومرتبطًا بطريق الهند، فمصالح إنجلترا تقضي بأنْ تكون الثغور المصرية (من الإسكندرية إلى ما وراء عدن فتدخل رشيد ودمياط وبورسعيد وسواكن ومصوع) بيد الإنجليز ما دام المصريون عاجزين عن الدِّفَاع عنها، ووضح في خطابه (وزير الحربية) أن أفكار الوزارة في هذه الأوقات متجهةٌ لأنْ تحمل عساكرها في مسافات طويلة من السودان الشرقيِّ لِعلمها بلزوم اتصال شواطئ البحر الأحمر بالمراكز التي تبقى في السودان، وأن توصل سواكن ببربر بخرطوم، وهذا الرأي الذي أبداه وزير الحربية يستدعي الحلول في مصر إلى مدةٍ أطولَ من المدة التي صرح بها سابقًا.
كانوا بدأوا في استدعاء قسم من العساكر وصَمَّمُوا على استدعاء قسمٍ آخرَ منها، لكنهم الآن لا يريدون إلا تقرير حكومة أهلية (كذا) قادرة أن تقوم بنفسها وتأتي أعمالًا مفيدة لبلادها، وبعدما كانوا يستعملون الألفاظ المبهَمة في شأنهم مع مصر، صرحوا بالحالة التي يجب أن تكون عليها مصر حتى تتركها إنجلترا وشأنها، ويريد وزير الحربية بحكومة ثابتة قادرة ما تكون موضع الثقة لرعاياها والأوروبيين المستوطنين في البلاد ومحل من النقود التي تحمل إليها (دينًا وقرضًا).
•••
قالت جريدة التان بعد ذِكْرِها هذه المباحثة: إن الوزارة الإِنجليزية حادتْ عن منهجها الأول، وصرحتْ بقبول التبعة في مُداخلاتها التي كانت تؤمل التخلص منها متى أرادت، إلا أنها الآن حملت حملًا ثقيلًا على ماليتها وسياستها الخارجية، إنها لم تصرح بكلمة حماية حتى اليوم ولكنها المراد من عبارتها، وتزعم أنها مُنساقة إليها قهرًا لغرض أن تمنح مصر إدارة قويمة وجهادية منظمة وقضاءً عادلًا، وهذه الحمايةُ تمتد من شمال الدلتا إلى الخرطوم ومن الخرطوم إلى البحر الأحمر، ولكنْ يصعُب على إنجلترا أنْ تنال هذه الحماية ما لم تناقش في الحساب بين يدي أُوروبا، وإنا لَنأسف على فَقْد اللورد بيكونسفيلد، ونتمنى لو كان حيًّا حتى يذكِّر المسيو جلادستون بخُطَبِهِ المشتعلة غيظًا، المفعمة لومًا وتقريعًا على مَن يميل لسياسة الحروب والفتوحات.
قالت صحيفة الديلي نيوز — وهي شبه رسمية: إن الوزارة الحالية (الإِنجليزية) في خطر، وإنه في يوم الخميس الماضي كان الكلام دائرًا في مجلس البرلمان على تغيير وزاري وعلى حل المجلس، وإنه لا يمنع من ذلك رفضُ اللائحة التي قدمها لابوشير في لوم الحكومة، ثم قالت: إن البلاد (الإِنجليزية) لا بد لها أن تتهيأ لإبداء أفكارها في شأن الوزارة وتصرفها داخل البلاد وخارجها.