الفصل السابع عشر
في الجرائد الفرنسية نقلًا عن الإِنجليزية أن أشياع محمد أحمد كانوا في مساء الثالث عشر من شهر مارس ثلاثة آلاف على القرب من الخرطوم، وفي صباح الرابع عشر وصلوا إلى ستة آلاف، وهو يدل عن أن الجنرال جوردون عنده شيء من قوة الدِّفَاع حيث لم تقدم تلك القوة على مهاجمة المدينة، لكن ماذا يجبي من طوعه أن يفعل مع هذه الآلاف المؤلفة التي تتضاعف يومًا بعد يوم وهم يحدقون بمحل إقامته من جميع الجوانب؟
ومما يدل على أنه في أصعب المضايق، بل على شفير الخطر، اتفاقُ الجرائد الإِنجليزية على دعوة حكومتها لإنقاذه بغاية السرعة، وفي أخبار الخامس عشر من الشهر أن فرقًا من الثَّائرين متحصنون على شواطئ النيل بمقرُبة من حلفا، على مسافة بضعة أميال من شمال الخرطوم، وأنهم أطلقوا النيران على مركبٍ كانت تسيرُ في النيل حاملة ثلاثمائة رجل استقدمهم الجنرال جوردون وقتلوا منهم نحو مائة، إلا أنه تيسر للجنرال استخلاصُ باقيهم، واستبشرتْ التايمس بهذا الظفر الذي تَسَنَّى للجنرال بتخليص بقية القادمين إليه وإن أظهرت غاية الكدر من كونه في خطر عظيم وثائرة السودان تحيط بجميع أطرافه، وتستحث حكومتها على إنقاذه ما استطاعتْ (والله يعلم كم بين ذاك الاستبشار وهذا الإنذار وهما في فصل واحد).
•••
وفي برقية إلى الديلي نيوز أن طُرُق الخرطوم منقطعةٌ، وأن القبائل المذعنة لمحمد أحمد محدقةٌ بجميع جهاتها، وأن ثلاثًا من تلك القبائل وافرةُ العدد، وعلى مقدمتها جَمٌّ غفيرٌ من المشايخ والدراويش؛ يزحفون قصد الاستيلاء عليها، ويظن عموم النَّاس أنْ لا سبيل لمُدافعتهم عنها أو تخليصها منهم إلا بإنجادِ عساكرَ إنجليزية، وقال مراسل التايمس في ٢١ من الشهر: إن من الواجب على الحكومة الإِنجليزية إغاثة الجنرال جوردون، فإنها قد ألقتْه في فم الأسد، وسيكون فريسة المنية إن لم ترسل العساكر إليه بغاية السرعة.
وجاءت الأخبار مؤكدة أن حصن كسلا تحت محاصرة الثَّائرين، وأن القبائل في جنوب بربر جميعُها في هيجان وثورة شديدة.
وهذا كله يؤيد ما قلناه مرارًا، من أن المدعي يخشى من قوة بأسه وسريان دعوتِهِ إلى جهات بعيدة، فإنه إذا استقر قَدَمُهُ في الخرطوم لم نلبثْ أن نسمع بظهور دعواهُ في أسوان.