الفصل التاسع عشر
في كل يوم تُلِحُّ جريدة التايمس على حكومة إنجلترا بوجوب طرد العساكر المصرية الوطنية، زاعمة أنه يحل من الأهالي محل القبول، ويسرون عنه غاية السرور، وتشير على الحكومة أيضًا أنْ تجهر بحمايتها لمصر وتظهر للدول أنها تتحمل كل تبعة تحصل من مداخلتها في تلك البلاد، وأن ذلك من مقتضى الحزم، فإن الإدارة المصرية وفروعها في حاجة إلى إصلاح حقيقيٍّ ولن يقوم به إلا رجال الإنجليز.
وهذا من تلك الجريدة وغيرها سَوقٌ للحكومة إلى إظهار ما تُكِنُّه من السلطة على البلاد المصرية، وضمها إلى ممالكها الشرقية، وما كان ذلك خافيًا على أحد، وإن كان بعض المصريين غالطوا فيه أنفسهم عن علم أو جهل — والله أعلم.
ما تطلبه الجرائد من طرد العساكر الوطنية إنما هو مقدمة التملك ورسوخ القدم، ثم هي تموه في تحسين ذلك بدعواها أن أهالي مصر يفرحون منه، مع أن أول ثورة عسكرية سر بها المصريون على عهد وزارة ولسون إنما كان منشؤها العزم على تقليل عدد العساكر وإقفال المدارس العسكرية، فالمصريُّون وهم المسلمون لا تُعقل مسرَّتُهُم من طرد حاميتهم الوطنية، بل ينزعجون منه غاية الانزعاج.