الفصل التاسع والعشرون
إن أبناء الأمم الغربية إذا عمدوا إلى قصد لا يفتُرون في طلبه، وعلو الهمم فيهم تجعل لديهم كُلَّ صعبٍ سهلًا، وكل بعيدٍ قريبًا، يقتحمون المخاطر لاكتساب الشرف، ويتجشَّمُون المصاعب للوصول إليه، وبلغوا من محبة المجد حدًّا لا يرونه غذاءً لأرواحهم فقط، بل عَدُّوهُ مادةَ النماء لأبدانهم؛ فهم يفرقون خوفًا إذا عرض وهمٌ لفواته، خشيةً مِنْ هلاكهم وذهاب حياتهم؛ لهذا ترى الرجل منهم يجوبُ فيافي إفريقيا، ويتسنم جبال سيبريا، ويُخالط قبائل وشعوبًا لا يعرف لهم لغة، ولا يألف لهم عادة ولا أخلاقًا، ويتكبد مشاق الحر والبرد والجوع والعطش، ويُنازل الموت مع من يخالطه من تلك القبائل البعيدة عنه في جميع أوصافهم، وهو في كل وقت يقعُ بين أنياب المنية منهم، ثم يخلص بما يقتدر عليه من الوسائل، كل هذا ما يحتمله طلبًا لشرف يكسبه لذاته، أو ابتغاء مجدٍ يحصله لأُمته.
ومن هؤلاء الرجال، بل من أحزمهم وأَجَلِّهم، صديقنا الهمام البطل الشهير المستر أوكلي أحد نواب البرلمان الأيرلنديين، جاء إلينا من أشهُر على عزيمة السفر إلى عبيد، وسألنا أن نُقدِّم له ما يسهِّل له الوصولَ من الأمن على حياته، فأجبناه بتحرير رقائم إلى مَن لهمُ اليدُ الطولى في مساعدته، ووردتْ منه المكاتيبُ تبشرنا بنوال مبتغاه. وفي هذه الأيام جاءتْنا برقياتٌ بوصوله، ومنهم رجال من عظماء الفرنسيين الأحرار ذهبوا إلى مثل مقصده وتوسلوا بمثل وسائله، وهم اليوم يتوسطون الطَّرِيق — ونرجو لهم سلامة الوصول.
ورجاؤنا أن يكون في هؤلاء أسوة للشرقيين، لا تُقعدهم الأوهام الباطلة، ولا تنيمهم الأحلامُ الكاذبة، ولقد كان لهم في أسلافهم أسوةٌ حسنة، ولكن من الأسف نحتاج في تذكيرهم بما لهم من سابق المجد إلى ذِكْر أحوال الحاضرين من غيرهم — ولله الأمر من قبل ومن بعد.