الفصل السادس والثلاثون
قالوا: إن زنجيًّا أسود، هائل المنظر، غليظ الشفتين مقلوب المشفرين، جاحظ العينين أحمر الحدقتين، بشع الوجه، أفطس الأنف، منكر الصورة، وكان يحمل ولدًا في ليلة مظلمة يسير به في زقاق من أَزِقَّة بغداد، والولدُ كلما نظر إليه يفزع ويبكي وينتحب ويصيح ويعول، وكلما اشتد به الفزع مسح الزنجي ظهره وقال له: لا تخف يا ولدي فإني معك وأنيسك وحافظك من كل شر، وبعد تكرير هذه الملاطفات من الزنجي للصبي قال الصبي: يا سيدي إنما خوفي وفزعي منك لا من وحشة الظلام!
هذا شأن حكومة إنجلترا مع المصريين، كلما اشتدت الخطوب وعظمت المصائب وزاد الخلل في البلاد المصرية، مسحت حكومة بريطانيا على ظهر توفيق باشا ووزرائه بيدها الناعمة (وإنما هي نعومة الثعبان)، وأقبلت على الأهالي تمنيهم بوعودها المرونقة، وتقول لهم: لا تحزنوا؛ فإني معكم، وجميع المصريين من توفيق باشا إلى وزرائه إلى عامة الأهالي يجئرون وينادون: إنما خوفنا وجزعنا منك، وراحتنا واطمئناننا بتنحِّيك عنَّا وتركنا وشأننا.