الفصل الأربعون
كل يوم يظهر من إنجلترا شأنٌ جديدٌ في معاملة الشرقيين والطرق التي تأخذهم بها لقضاء أوطارها من بلادهم، وتُلاعبهم وتُداعبهم وتُجاملهم وتُلاطفهم، وتعدهم وتمنيهم وتخيفهم وتؤمنهم، حتى تشتبه عليهم مسالك الفكر، وتلتبس مسارح النظر، ثم تحملهم بعد الدهشة على قبول سلطتها والرضا بولايتها، بل على طلب ذلك منها، والتماسه من كرمها، وهي في كل أعمالها تهزأ بهم وتحسبهم في عداد الصبيان القاصرين، أو من قبيل البهائم التي لا تعقل، سلكت مسلكها هذا على بعض من أوروبا وانفردتْ في الأقطار الهندية النائية، وليس لدولةٍ من الدول إحاطةٌ بما تُجريه في حكومتها لتلك البلاد.
ثم تطرفت في هذا المشرب فعمدتْ إلى استعماله في مصر تحت أنظار أوروبا، وقصدتْ أن تدعو المصريين للإقرار بحمايتها، ورفع التماسهم إليها لعل كرمها يسمح بمنحهم شرف سيادتها عليهم، لكن الحيلة لم تذهب على المصريين ولم تختلس عقولهم تلك الشعوذات؛ فقد جاء في خبر مؤكد أن مأموري الحكومة الإِنجليزية في مصر حاولوا تكليف الأهالي بتحرير محضر يلتمسون فيه حماية دولة إنجلترا ليكون التماسُ الأهالي حجة لديها عند الدول تقيم بها عذرًا في إخلاف وعودها، حتى إذا حاسبوها على تصرُّفها في أرض مصر وضمها إلى أملاكها تدَّعي أنها مضطرةٌ فيما تصنع والأهالي هم الذين رغَّبوا إليها ذلك، وهي لا تأبى قبول رغبتهم رحمةً بهم ورأفةً، هكذا تُحاول أن تفعل في مصر وهي متاخمةٌ لأوروبا وفيها من الأوروبيين المختلفي الأجناس ما يزيد على مائة ألف، ولا تخشى لائمة ولا تخاف عاقبة، وإن ظننا بالمصريين على اختلاف طبقاتهم أنهم لن يفعلوا ذلك ما دامت أرواحهم في أبدانهم.