الفصل الرابع والخمسون
-
قبلت الحكومة الفرنسية أن تدخل في المؤتمر لكن على شرط أنْ لا تذهب إليه مغلولة اليدين غضيضة الطرفين، وأنْ لا بد قبل ذهابها إليه من مخابرة بينها وبين إنجلترا فيما يلزم أن يكون موضوعَ البحث في ذلك المؤتمر، وقد أجمع السياسيون في فرنسا على ضرورة امتداد البحث إلى ما وراء المالية من إدارة البلاد المصرية وإقرار الراحة فيها.
-
الجرائدُ الإِنجليزية تُظهر خوفها من تشديد فرنسا وتستنجد أوروبا وترى أن تدخل الدول جميعها في مصر وإقامة مراقبة دولية لحكومتها لا تمتاز فيها دولة من دولة؛ خيرٌ من مداخلة فرنسا وحدها مع إنجلترا، وإن عارضت ذلك جريدة التايمس وحدها، وفي بعض الجرائد الروسية أن إنجلترا لا يمكنها أن تضع حمايتها على مصر لظهور عجزها عن إدارة البلاد بعد احتلالها سنتين وهي مطلقة التصرف لا مُزاحِم لها، وبعد العجز لجأتْ إلى دول أوروبا، أما دولة فرنسا فلا يهمها إعادة المراقبة المشتركة بين الدولتين، ولكن يهمها أن لا تخص إنجلترا بالامتياز في مصر.
-
ذكرتْ كثيرٌ من الجرائد الألمانية نقلًا عن مصدر يوثق به أن الباب العالي لم يقبل الاشتراك في المؤتمر إلا على شرط أن تكون المداولةُ فيه غيرَ واقفة عند حد المالية، بل من اللازم أن يكون موضوع نظره لائحة جرانفيل المرسلة إلى الدول في يناير سنة ١٨٨٣ (عندما كان دوفرين في القاهرة).
وعلى هذا فالدولةُ العثمانية تطلب النظرَ في المسألة المصرية بجميع فروعِها لاتصال بعض أجزائها ببعض، وفي جريدة التان أن الباب العالي بعد مخابرة الدول والاتفاق معها، خصوصًا دولة فرنسا، أرسل تلغرافًا إلى موزوروس باشا السفير العثماني في لندن بأنه مستعدٌّ لِقَبُول المؤتمر على شرط أن يكون بحثُهُ في الشئون المالية والسياسية والإدارية.
في جريدة «جازيت ناسيونال» الألمانية أن سير فرنسا في المسألة المصرية موافقٌ لسير جميع الدول لا سيما ألمانيا، وقالت: إن إنجلترا أصبحتْ منفردة وهذا مما لا يسر ألمانيا.
استُفيد من خطاب المستر جلادستون في مجلس البرلمان أن لنواب الدول عند اجتماعهم أن يبحثوا فيما سوى المسألة المالية إنْ أرادت الدول ذلك، وإن كان هذا يُناقض ما صرح به جرانفيل في جلسة أخرى، ولَمَّا سُئل جرانفيل عن هذا التناقض أعرض عن الجواب وقال: إن الحكومة مستعدة لإنقاذ جوردون (هذا مما يضحك)!
أخبار السودان تشعر بالشدة؛ فقد أخبر الحاكم في دنقلا أن رسلًا بعثوا إلى الخرطوم فعادوا ولم يتمكنوا من الوصول، وقالوا: إن الثَّائرين محدقون بجوردون من جميع الجهات، في برقية من القاهرة إن الثَّائرين مجتمعون في عيون أبي سعيد على قرب من أسوان وإن زعماء جيش محمد أحمد طلبوا من حامية دنقلا أن تسلم بعد ثلاثة أيام وإلا فتكوا بهم.
جرتْ مشاجرةٌ بين بعض العساكر الإِنجليزية وبين العربان النازلين على شواطئ بحيرة مريوط، وقُتل فيها عدة أشخاص.
الأخبار متواترةٌ بأن عثمان دجمة يحاول الهجوم على سواكن، ويُنازل بعضَ القبائل التي لم تُذعن لدعوة محمد أحمد على القرب من طمانيب.
المستر جلادستون وَعَدَ بأنْ يرسل جيشًا إلى السودان، لكن لا بد من مراعاة الفصول والأهوية، ثم أظهر تجافيه عن حرب السودانيين الذين يُدافعون عن حريتهم وبلادهم.