القاهرة والمكان
(١) لماذا تنمو القاهرة؟
(١-١) العلاقات المجالية لمركزية القاهرة
هناك عوامل محددة لنمو المدن أساسها الرئيسي وظيفة المدينة، وللقاهرة وظيفة استمرَّت طوال فترة نحو ١٤٠٠ سنة، ولولاها لكان الموضع الذي بنيت عليه هذه المدينة قد هُجر كغيره من المواقع والمواضع. لقد كانت الوظيفة الأساسية لهذا الموضع منذ تأسيس الفسطاط عام ٦٧٣م هي الوظيفة السياسية، وما زالت كذلك قاعدة الحكم في مصر، وباستمرار هذه الوظيفة وضحت وظائف أخرى للموقع أضافت إلى المدينة مبررات أخرى للبقاء والنمو، وترتب عليها علاقات أخرى صنعها الإنسان. وقد أدت هذه العلاقات المجالية إلى تركز الحركة التجارية والحرفية والصناعية بحكم أن القاهرة أصبحت فيما يشبه منتصف الطريق بين ثلاثة محاور هي: (١) محور الدلتا – الصعيد. (٢) محور بين المغرب العربي والمشرق العربي. (٣) المحور بين البحر المتوسط/أوروبا من ناحية والبحر الأحمر/عالم المحيط الهندي من ناحية ثانية. ويحتاج شرح أهمية كل من هذه الطرق بحثًا آخر غير هذا المكان، لكن ملخص علاقات القاهرة المكانية بكلٍّ من هذه المحاور ما يأتي:
(١-٢) القاهرة ومصر
المحور الأول أهميته محلية خاصة بمصر؛ فهو الرابط بين المعمور في الدلتا والصعيد، وهو الأساس الذي دعم باستمرار — وإلى اليوم — أهميةَ موقع القاهرة داخل مصر، وساعد على استمرار الوظيفة السياسية، بل وهيمنة القاهرة على كل مصر معمورها ولا معمورها، وأدى ذلك إلى استمرار نمو المدينة مساحة وسكانًا مما لا يدعو إلى مزيد من القول.
(١-٣) القاهرة والعالمان العربي والإسلامي
محور المشرق-المغرب العربي يتصف بأن له أهمية مزدوجة من علاقات مركزية القاهرة عربيًّا وإسلاميًّا معًا. العلاقات المكانية العربية تدور حول أنه يعبر مصر من المغرب وليبيا في الغرب إلى بلاد الشام والحجاز وما وراءهما شرقًا، وفي التاريخ ما لا يحصى من الشواهد والدارسات عن مركزية القاهرة منذ الفتح الإسلامي، وامتداده إلى المغرب بعد اتخاذ مصر قاعدة متينة للانطلاق إلى شمال أفريقيا وبلاد النوبة والسودان، وشواهد أخرى عن تأسيس الخلافة الفاطمية القادمة من تونس في مصر، ومن ثم انطلاقها إلى بلاد الشام، وهذه هي البداية الحقيقية لقوة القاهرة مقابل تداعي قوة بغداد التي انتهت على أيدي المغول في منتصف القرن ١٣م، وظهور القاهرة دون منافس مركزًا عربيًّا إسلاميًّا وحيدًا ضد ممالك الصليبين وإمبراطورية التتار. أما الأهمية الإسلامية، فتذهب أبعد من العروبة إلى ذلك الجزء من العالم الممتد من المغرب الأقصى إلى السند وتركستان، ومن إقليم السودان الأفريقي إلى بلاد التركمان في وسط آسيا والقوقاز والعالم الإسلامي في المحيط الهندي. هذا هو عالم إسلامي لم تكن فيه حدود الممالك والإمارات المتعددة مانعة للحركة بالنسبة للتجارة والناس في الجانب الأكبر من تاريخ العالم الإسلامي. ومن خلال ذلك توافدت على مصر بعامة والقاهرة بخاصة كل سلالات المسلمين من ترك ومغول وسودان وقوقاز وبربر وأندلس وأكراد وعرب من كل الأنحاء العربية.
وبرغم الحدود السياسية الحديثة إلا أن الحركة القومية العربية منذ أوائل هذا القرن قد جعلت القاهرة أيضًا في منتصف هذا العالم، ويعطي هذا المحور القاهرة المعاصرة وظيفة عربية قومية، كما أعطاها في الماضي وظيفة سياسية وحضارية وثقافية في معظم التاريخ الإسلامي.
(١-٤) القاهرة والتجارة العالمية قبل القرن اﻟ ٢٠
وأخيرًا فإن المحور الثالث بين العوالم المدارية والأوروبية أعطى القاهرة وظيفة تجارية وسياسية خارجية ذات استمرارية وديمومة؛ لأنها كانت وسيط التجارة الرئيسي بين العالم الأوروبي وعالم المحيط الهندي حتى اكتشاف الطريق البحري حول أفريقيا في أول القرن ١٦م، وأعطت هذه الوظيفة التجارية الدولية للقاهرة ثروة نظيرها قليل بين مدن العالم الإسلامي، وينعكس ذلك جليًّا على الرخاء والمعمار في العهدين الفاطمي والمملوكي، وقد انتهت هذه الوظيفة بنكسة مزدوجة: اكتشاف طريق الدوران حول أفريقيا، وسيطرة البرتغال ودول أوروبية أخرى على تجارة المحيط الهندي، وسقوط مصر داخل الإمبراطورية العثمانية (١٥١٦م) ممَّا أدى إلى تدهور نسبي للقاهرة ومدن مصر عامة؛ إذ إن جانبًا لا بأس به من تجارة التوابل الهندية والبن اليمني كان لا يزال يمر بمصر إلى أوروبا والدولة العثمانية. لكن قناة السويس أعادت إلى مصر عامة — بما فيها القاهرة — الأهمية القديمة بصورة معدلة.
(١-٥) موجز وظائف القاهرة المعاصرة
- (١)
مركزًا للشبكة الحديدية الجديدة؛ مما أدى إلى انصباب خطوط الدلتا المروحية إليها، وخروج خط الصعيد الطويل منها، فأصبحت القاهرة بمثابة المعصم بين اليد (الدلتا) والساعد (الصعيد).
- (٢) مركزًا تجاريًّا وصناعيًّا، خاصة بعد عام ١٩٣٠، وقد أدَّى تطور الصناعة إلى ما يشبه الحلقة حول القاهرة الكبرى في الوقت الحاضر «شبرا الخيمة/مسطرد في الشمال، العباسية ومدينة نصر في الشرق، مصر القديمة، البساتين – دار السلام وحلوان في الجنوب، الجيزة/إمبابة في الغرب»، بالإضافة إلى الصناعات الحرفية التقليدية والصغيرة داخل قلب القاهرة القديمة من الدرَّاسة إلى باب الحديد.٢
- (٣) التركيز الكبير لمكاتب الشركات التجارية والصناعية داخل القاهرة بغض النظر عن كون أعمال هذه الشركات داخل أو خارج القاهرة.٣
- (٤)
التركز الكبير للأعمال المالية والائتمانية للزراعة والتجارة والصناعة.
- (٥) مطار القاهرة الدولي حرم الإسكندرية جزءًا كبيرًا مما كانت تتمتع به من حركة النقل، وبخاصة نقل الأفراد تمشيًا مع عصر الطيران بعد تطوره السريع منذ منتصف القرن العشرين، وقد ساعد ذلك على نمو مكاتب ووكالات السفر، ووسائل النقل الداخلي، ونمو الحركة الفندقية بما فيها من عمالة وخدمات كثيرة بعد أن كانت أعداد الفنادق قليلة، وساعد على تنوع درجات الفنادق بعد أن كانت هناك هوة بين فنادق الدرجة الأولى القليلة٤ وبين فنادق الدرجة الثالثة في باب الحديد ووسط البلد والعتبة والحسين والسيدة زينب.
- (٦)
انتشار وكثافة النقل الداخلي الجوي أضاف إلى القاهرة وظيفة أخرى من وظائف الاتصال الداخلي السريع بجانب الطرق والسكك الحديدية.
- (٧)
نمو الوظيفة الثقافية للقاهرة دعم سيطرتها على الحركة العلمية والثقافية في رقعة أرضية أوسع من حدود مصر السياسية، مبتدئًا بالأزهر إلى الجامعات الثلاث؛ القاهرة وعين شمس والأمريكية، إلى مراكز ومجالس البحوث العلمية والاجتماعية وعشرات المعاهد الفنية والمهنية والأدبية والمسرحية والسينمائية والفنون الجميلة والتشكيلية، وأخيرًا الجامعات الأهلية الثلاث، وكذلك تركُّز الصحف الكبرى وأجهزة الإعلام ودور النشر والطباعة … إلخ.
- (٨)
نمو وظائف الخدمات الترفيهية والترويحية مرتبطًا بالسياحة الداخلية والخارجية، ولو أن هذه الوظيفة لم تُنمَّ بعد بالقدر الكافي، وما زالت موظفة لخدمات السياحة الخارجية.
(٢) أين نمت القاهرة؟
المكان الأرضي الذي نشأت عليه القاهرة منذ إنشاء الفسطاط في منتصف القرن السابع وإلى أوائل القرن العشرين، كان عبارة عن مستطيل يستدق طرفه الجنوبي عند مصر القديمة، ويستعرض كثيرًا في اتجاه الشمال من شبرا إلى العباسية. هذا النطاق كان محكومًا بعنصرين طبيعيين، أولهما: مسار النيل، والثاني: منحدرات الهضبة الشرقية: طره والمقطم والجبل الأحمر.
(٢-١) النيل والقاهرة
والملاحظ من هذا الوصف العام أن مسار النهر كان يقترب من مدينة «منف» عاصمة مصر الأولى ومن أهرام الجيزة ومن مدينة «أون» الجامعية (هليوبوليس القديمة). وبدون شك فإن «منف» كان لا يمكن أن تقوم بعيدًا عن النهر، فالحضارة المصرية في مجموعها ومشتمل كينونتها حضارة نهرية، والنيل في مصر ظل الطريق الأساسي للحركة والانتقال — أشخاصًا وسلعًا — عبر آلاف السنين. وكان للعاصمة «منف» أفضلية المكان المنفتح على الدلتا والصعيد بعد توحيد مصر، مقارنة بأبيدوس — في سوهاج — عاصمة الملك نارمر موحد القطرين، وبالمثل فإن جامعة «أون» كانت تقع على النهر، أو على الأقل عند بداية الفرع البيلوزي، كوسيلة انتقال سهلة للطلاب والكهان والملوك.
وأغلب الرأي أيضًا أن النيل كان لا يزال يسير في ثنية كبيرة شمال غرب «منف» إلى قرب هضبة الأهرام، ومن ثم كان طريقًا مائيًّا سهلًا لنقل أحجار طرة الضخمة التي استخدمها بناة الأهرام من ملوك الأسرة الرابعة، ورأي آخر نطرحه هو أن الملوك بعد ذلك كفوا عن بناء الأهرامات الضخمة؛ إمَّا للتكلفة الباهظة في المال والعمال، وإمَّا لتحول مسار النهر تدريجيًّا إلى الشرق بعيدًا عن أهرامات محافظة الجيزة، أو للسببين معًا.
وفي نهاية العصر الروماني وبداية الفتح الإسلامي كانت الضفة الشرقية للنيل تحف بسور قصر الشمع وجامع عمرو بن العاص، ثم تتجه شمالًا بشرق غالبًا على طول ما نعرفه الآن باسم شارع حسن الأنور، ثم قرب ميدان السيدة زينب وشارع الناصرية وعماد الدين، قرب عابدين والأزبكية وباب الحديد، وبطول مخازن السكك الحديدية، وينحرف مع خط حديد شمال الدلتا إلى ما نعرفه الآن بشبرا الخيمة. وبذلك فإن مأخذ خليج أمير المؤمنين كان في مكان ما قرب ميدان السيدة زينب، ومن هنا تسمية شارع السد نسبةً إلى إقامة سد على بداية الخليج يفتح عند الفيضان؛ لتجري فيه المياه في حفل مهيب يسمى «جبر البحر»، وبذلك أيضًا كانت كل أراضي غرب القاهرة الحالية من فم الخليج إلى شبرا مسارًا للنيل وفيضانه السنوي.
وظل النيل يهجر مجراه الشرقي في اتجاه الغرب، ويترك جزرًا متعددة نمت ثم اختفت بالالتحام بالشاطئ كجزيرة الفيل (شبرا) وجزيرة بولاق، أو بالتحام جزيرتي حليمة وأروى في جزيرة واحدة هي جزيرة الزمالك الحالية بعد تعميق مسار البحر الأعمى بينها وبين الجيزة. أما جزيرة الروضة فقد ظلت ثابتة في مكانها مع بعض تغيرات في سواحلها الغربية، وهو ما يثير تساؤلات جيمورفولوجية وهيدرولوجية حول أشكال واتجاهات النحت والإرساب النهري لتفسير هذا الثبات النسبي لجزيرة الروضة مع حدوث تغيرات كثيرة في الجزر القريبة منها. ولكن يبدو أن للإنسان يد في ذلك؛ ففي العهد الأيوبيِّ قام الملك الصالح بحفر وتوسيع مجرى سيالة الروضة بعد أن كادت أن تنسد وتلتحم بشاطئ الفسطاط ودير النحاس، وذلك لسببين؛ أولهما: أن انسداد السيالة أو ضيقها وقلة عمقها نتيجة الإطماء سوف يقضي على مصدر مياه الخليج المصري الذي كان مأخذه من هذه السيالة، وفعلًا اشتكى الناس كثيرًا من قلة جريان الماء في الخليج وتوقفه تمامًا وقت التحاريق، والسبب الثاني: أن الملك الصالح كان قد أنشأ في جزيرة الروضة قصرًا جعله مقرًّا له بدلًا من المقر الرسمي في القلعة، وبنى حصونًا ومعسكراتٍ كبيرةً لمماليكه الذين أسسوا فيما بعد سلطنة المماليك البحرية؛ نسبةً إلى سكنهم جزيرة الروضة. وقد تلا ذلك حركة تعمير من قبل السكان في الروضة. وأراد الملك الصالح بأن يُبقي على الجزيرة كأحد أسباب الدفاع عن مقر الحكم في تلك الفترة، وكوسيلة إضافية أغرق الملك عدة مراكب عند الرأس الجنوبي للجزيرة أمام شاطئ الفسطاط عند باب القنطرة بحيث يضمن تحول جانبٍ لا بأس به من مياه النيل إلى سيالة الروضة لرفع منسوب المياه فيها.
أما الضفة الغربية للنيل فلا نعلم عنها الكثير؛ لقلة المصادر التاريخية بالقياس إلى الضفة الشرقية التي كانت معمورة منذ العصر الروماني. وآخر ما نعرفه هو أن النيل في عصر الخديو إسماعيل كان يسير شمال مدينة الجيزة بانحراف يسير إلى الغرب قرب حديقتي الحيوان والأورمان إلى الدقي والحوتية ثم إلى إمبابة، وقد رُدمت كثير من هذه الأراضي بواسطة وزارة الأشغال إلى مسار الضفة الحالي، وعمَّر إسماعيل بعض مناطقها كإنشاء قصر الجيزة — شمال جامعة القاهرة مباشرة — وحدائق الأورمان والحيوان، ومن ثم إعمار المنطقة بالزراعة — قريتي العجوزة والحوتية وأرض الأوقاف التي بنيت عليها أحياء المهندسين وما جاورها — وإما بواسطة بناء القصور والفيلات الأنيقة في منطقة الدقي.
(٢-٢) بركة الحبش
وقد حاولت تتبع سواحل هذه البركة على خطوط المناسيب الكونتورية فلم أوفق؛ ذلك لوجود تداخل كبير في الارتفاعات والمنخفضات نتيجة عوامل هدم البيوت السابقة وتكوم مخلفاتها إلى جانب اتخاذ مساحات كثيرة منها كمحاجر، ويحتاج الأمر إلى كثير من عمليات الرفع المساحي لتبيُّن حجم تلك البركة، ومهما يكن من أمر فالحقيقة الواقعة أن هذه البركة كانت موجودة، ولعبت دورًا في حياة القاهريين فترة طويلة من الزمن كمتنزهٍ طبيعيٍّ موسميٍّ في الفترات التاريخية اللاحقة للعصر الفاطمي على أحسن الفروض.
(٢-٣) الهضبة الشرقية والقاهرة
الخلاصة: أن القاهرة ظلَّت تنمو لمدة ألف عام داخل خط منسوب ٢٠ مترًا في الغرب و٣٠ مترًا في الشرق عند أقدام الحافات الجبلية للمقطم وألسنته المتقدمة غربًا، واستمر ذلك الالتزام واضحًا حتى عصر الخديو إسماعيل، حينما بنيت «القاهرة الحديثة» ضمن منسوب ٢٠–٢٢ مترًا، وقد سبقه في العمران الشمالي للقاهرة محمد علي باشا بإنشاء قصر شبرا في شبرا الخيمة، وتسابق بعض الأمراء في بناء قصور شبرا كالأمير طوسون. وكل شبرا هي نفس المناسيب، بل تنحدر حينًا إلى ١٩ مترًا عند مأخذ ترعة الإسماعيلية الحالي. وتتكرر الصورة نفسها في النمو العمراني على طول خط القبة والمطرية والمرج، منذ إنشاء قصر القبة غالبًا في عصر إبراهيم باشا — واستخدامه سكنًا للأمير توفيق فيما بعد — نجد المناسيب تتناقص قليلًا من نحو ٢٣ مترًا في القبة إلى ٢٢٫٤ مترًا في الزيتون تمشيًا مع الانحدار العام، وحينما امتد عمران بر الجيزة وإمبابة من النيل غربًا إلى كل القاهرة الكبرى غرب النيل، فإنه إنما كان يمتد على أرض الوادي الزراعية ذات الانحدار اللطيف من الجنوب إلى الشمال، ومن الهضبة الغربية صوب النيل.
أما الأماكن التي خرجت عن قاعدة خطوط المناسيب ٢٠–٣٠ مترًا، فتتركز في الشرق والجنوب على النحو الآتي:
كانت البدايات في سبعينيات القرن ١٩ حينما أُنشئت حلوان الحمامات كمدينة استشفاء وترويح ونزهة. حلوان البلد قرب النيل كانت تقع على منسوب ٢٢ مترًا؛ لأنها توجد في الوادي النهري الضيق، أما حلوان الحمامات فقد أُنشئت على منحدر هادئ من ٦٨ مترًا في الشرق عند مصحة فؤاد إلى نحو ٤٥ مترًا في غرب كتلة حلوان الحمامات السكنية القديمة، ويتمشى هذا مع الانحدار السريع لحافة الهضبة الشرقية صوب النيل، واستفادةً من هذا الموقع أنشأت الدولة مرصد حلوان شمال شرق حلوان على منسوب ١١٤ مترًا. وفي الوقت الحالي يمتد عمران المعادي إلى حافة جبل طرة وأوديته بعد شق طريق أوتوستراد حلوان.
وفي أول القرن ٢٠ جاءت التجربة الثانية في الارتفاع إلى مناسيب أعلى في صورة بناء مدينة مصر الجديدة على مناسب تتراوح بين نحو ٤٠–٤٥ مترًا عند منطقة روكسي إلى ٥٣ مترًا في منطقة ميدان الإسماعيلية، وإلى ٧٨ مترًا في ألماظة. وبعد نحو ستة عقود جاءت التجربة الثالثة ببناء مدينة نصر التي تبدأ في الشمال من نحو ٧٠ مترًا عند التقائها بمصر الجديدة إلى نحو +١٥٠ مترًا في الجنوب عند نهاية المنطقة الثامنة من المدينة، وهناك مخطط «القاهرة الجديدة» الذي يقع تحت الإنشاء الآن، والذي يمتد شرق مدينة نصر على مناسيب أعلى من ١٥٠ مترًا، وتمثل مدينة المقطم أعلا منسوب في القاهرة حيث تصل الكتلة السكنية في المخطط الأول للمدينة في الهضبة العليا إلى ١٥٠–١٨٠ مترًا، وسرعان ما بدأ تخطيط الهضبة الوسطى على مناسيب نحو مائة متر، وإسكان الزلزال شرق الهضبة العليا إلى منسوب ١٢٠–١٤٠ مترًا، والأغلب أن إسكان الزلزال في المقطم سوف يلتحم مستقبلًا مع عمران التجمعات السكنية للقاهرة الجديدة.
-
تضاعف سكان القاهرة، وبخاصة في النصف الثاني من القرن العشرين.
-
إمكان التغلب على الانحدارات العالية بواسطة تقنية بناء الطرق الحديثة، وشيوع نمط السيارة بأشكالها المختلفة.
-
القوى المركزية المتزايدة التي تجمعها القاهرة كقطب ذي مغناطيسية كبيرة في جذب وتركيز إمكانات الحياة العليا، وأوجه النشاط الاقتصادي والخدمي.
(٣) كيف نمت القاهرة؟
من المعروف أن هناك عدة أشكال في جغرافية المدن لتفسير تاريخ نمو المدينة. لكن ليست كل هذه الأشكال منفصلة عن بعضها تمام الانفصال، بل الذي يحدث أن يتم نمو مدينة على شكلين أو أكثر، وإن كان هناك شكل أكثر وضوحًا يتم على أساسه النمو الأكبر للمدينة المعينة، خاصة إذا كانت المدينة ذات تاريخ طويل — كما هو الحال في معظم المدن الكبرى في الشرق الأوسط، وحوض البحر المتوسط، والصين والهند، وبدرجة أقل في أوروبا الغربية والوسطى — فالغالب في هذه الحالات أن يحدث النمو المديني بشكل معين في فترة زمنية وبأشكال أخرى في فترات لاحقة.
وفي حالة القاهرة يمكن تتبع نموها على البعدين الزماني والمكاني على ضوء معظم الأشكال التي يتم بها النمو المديني، وهذه الأشكال هي:
-
(أ)
النمو من نواتين مدنيتين أو أكثر والتحامهما معًا.
-
(ب)
النمو المركزي من نواة واحدة، ثم النمو التدريجي حولها.
-
(جـ)
النمو المخطط، وسوف تعالج هذه الأشكال ضمن تتبع حركة النمو لأجزاء القاهرة وأقسامها الجغرافية كل على حدة.
(٣-١) المنطقة المركزية من القاهرة
المقصود من المركزية المنطقة الأصلية للقاهرة من بولاق إلى الدرَّاسة، ومن باب الحديد إلى مصر القديمة حتى بدايات القرن العشرين، والتي غلبت عليها تسمية «مصر المحروسة» خلال القرن ١٩، وهي ما يمكن أن نعبر عنه أيضًا بالمنطقة الوسطى أو قلب القاهرة، وفي هذا الجزء من المدينة نجد عمليات التفاعل العديدة عبر القرون من إنشاء لمدن الحكم ونموها وتدهورها والتصاقها باتجاهات نمو مكانية أقدم وأحدث. وباختصار، فإن دينامية القاهرة تظهر في القاهرة المركزية؛ نمو من نواة ثم عدة نوايات ثم نمو مخطط، بينما الامتدادات التالية، وخاصة في القرن العشرين تسير في اتجاه واحد هو النمو المخطط؛ استجابة لمتطلبات الانطلاقة الكبرى في النمو السكاني المصري والقاهري.
القاهرة المركزية: نشأت في صورة عدة مدن الواحدة خارج الأخرى. أول هذه المدن الفسطاط التي سميت بعد ذلك مصر أو مدينة مصر سنة ٦٤١م، ثم نشأت العسكر إلى الشمال منها سنة ٧٥١م بعد الثورة المصرية ضد الحكم العباسي، وهروبًا لقاعدة الحكم من كثافة السكن والسكان داخل الفسطاط. وبعد نحو قرن أنشأ أحمد بن طولون، والي مصر المستقل عن الخلافة العباسية، مدينةً جديدة باسم «القطائع» إلى الشمال الشرقي من العسكر عام ٨٦٨م، بين حافة المقطم عند موقع القلعة الحالية وبين قلعة الكبش. لكنَّ نمو العسكر والقطائع توقَّف بعد سقوط الدولة الطولونية عام ٩٠٦م. في الوقت الذي ظلَّت فيه مدينة مصر تنمو بالتدريج؛ لأنها كانت مركز السكن والتجارة، بينما كانت العسكر والقطائع مدن حكم. وفي سنة ٩٦٩م دخل جيش الفاطميين مصر بقيادة جوهر الصقلي قادمًا من تونس بعد عدة محاولات فاطمية سابقة فاشلة للاستيلاء على مصر؛ نتيجة مقاومة كافور الإخشيدي، فلما مات سنة ٨٦٨ سقطت مصر أمام الفاطميين. أنشئت قاهرة المعز في مكانها الحالي بين الخليج المصري والتلال الشرقية في الدرَّاسة، وأحيطت جميعها بسور من اللبن وخندق، وظلت عاصمة ملكية لمصر الفاطمية قرابة قرنين من الزمن، وكانت تحتوي على القصور الملكية ومقر الحكم والجامع الأزهر، بالإضافة إلى إقطاع أحياء لسكن أنصار الدولة الفاطمية من قبائل شمال إفريقية. ولا شك أن العمران ظل يزحف مع الضغط السكاني من مدينة مصر تجاه الشمال الشرقي؛ أي تجاه القاهرة الفاطمية منحصرًا بين الخليج المصري من الغرب ومقدمات حافة المقطم من الشرق. وعلى هذا ظهرت ضواحٍ جديدة لمدينة مصر منها الحمراء الدنيا والوسطى والقصوى، التي كانت في المنطقة الممتدة حاليًّا بين دير النحاس والسيدة زينب. وفي الوقت ذاته لم تمتد مدينة مصر شمالَ أو غربَ مسار الخليج المصري؛ لكثرة المستنقعات، وطغيان مياه الفيضان عليها بين حين وآخر.
وقد أخذت أحوال مدينة مصر تسوء بعد الفتن والحروب الداخلية والمجاعة أثناء خلافة المستنصر من عام ١٠٤٠ إلى ١٠٧٤م، ثم حدوث النزاع بين الوزيرين شاور وضرغام، وتدخل الصليبيين وجيوش سلطنة ابن زنكي بقيادة شيركوه وصلاح الدين في مصر بدعوة من الخليفة الفاطمي، ثم إحراقها بأمر الوزير شاور عام ١١٦٩م، وقد عاد السكان إلى مدينة مصر بعد استقرار الأمور في بداية العهد الأيوبي، لكن السكن اقتصر على المنطقة الغربية، وخاصة بعد أن شيد الملك الصالح الأيوبي (١٢٤٠م) قلعته في جزيرة الروضة، وهُجِرَ الجانب الشرقي من الفسطاط بعد الحريق تمامًا.
والحقيقة أن مدينة مصر كان قد أفل نجمها بعد الحريق؛ فبعد سقوط الدولة الفاطمية ونزوح الناس إلى القاهرة الفاطمية التي لم تعد عاصمة ملكية، اقتصر العمران في مدينة مصر على عدة شرائح عمرانية طولية في منطقة دير النحاس وجامع عمرو، ومنطقة مرتفع أبو السعود الجارحي، وحول الأديرة الموجودة في مصر القديمة، وظلت كذلك شرائح مبعثرة حتى الثلاثينيات من هذا القرن حينما نمت القاهرة، واتصلت عمائرها بمصر العتيقة أو بقايا مدينة مصر الفسطاط.
ويضاف إلى ذلك أن المنطقة الواقعة بين سفح قلعة الكبش وجبل يشكر وبين باب الخلق كانت تحتله بركة كبيرة، هي بركة الفيل، التي ظلت قائمة حتى عهد الحملة الفرنسية على مصر في أواخر القرن ١٨. وكذلك عبر النمو العمرانيُّ أسوار القاهرة الفاطمية في العهد الأيوبي المملوكي في منطقة باب الخلق متجهًا إلى منطقة باب اللوق وعابدين والناصرية بعد حفر الخليج الناصري في عهد السلطان محمد بن قلاوون (١٣٢٥م) الذي كان مأخذه من النيل في منطقة التحرير الحالية، وربما تكونت عدة برك غربي الخليج المصري نتيجة هجرة النيل، منها: بركة السقايين فيما بين عابدين والسيدة زينب، وبركة الفرايين — نسبة لصناعة وتجارة الفراء — عند ميدان عابدين، وبركة قاسم بك محل شارع المبتديان، وبركة قارون في البغالة، وتحولت هذه المنطقة إلى بساتين وبعضها امتد داخلها العمران، وأكبر البرك كانت بركة الأزبكية التي ظلت حد العمران القاهري في الغرب — منطقة الموسكي، والعتبة، ووجه البركة — ويحيط بها شمالًا عمران القاهرة الممتد إلى المَقسِّ على طول ما نعرفه الآن بشارعي كُلُوتْ بك والجمهورية.
وموجز القول: إن العمران المديني للقاهرة الفاطمية ظل ينمو خلال العصر المملوكي إلى أن عبر نهائيًّا الخليج المصري، وانتهى غربًا عند خط يكاد يتفق مع مسار شارع الجمهورية الحالي بين المقس (باب الحديد) وعابدين والناصرية إلى السيدة زينب. كما أن العمران في الشمال امتد خارج الأسوار إلى منطقة الحسينية وبركة الشيخ قمر والظاهر وبركة الرطلي وأرض الطبالة (الفجالة). كذلك امتد العمران جنوب القاهرة الفاطمية في اتجاه القلعة، وبذلك يكون العمران في منطقة القاهرة قد نما بحيث أدى إلى التحام بين النواتين الرئيسيتين: مدينة مصر ومدينة القاهرة — أو ما سمي: مصر الفسطاط، ومصر القاهرة — برغم أنه حينما تم الالتحام كانت مدينة مصر قد تدهورت كثيرًا، وقد تم الالتحام في منطقة: السيدة زينب – الناصرية – فم الخليج من ناحية، وفي منطقة: السيدة زينب – القلعة – الحلمية من ناحية أخرى.
ويمكن أن نلخص الموقف في هذه النقطة على النحو التالي:
النمو العمراني في منطقة القاهرة المركزية تم نتيجة التحام عدة نوايات، أقدمها نواة مدينة مصر في الجنوب الغربي، والمقس في الشمال الغربي، والقاهرة الفاطمية في الشمال الشرقي، والعسكر والقطائع والقلعة في الوسط والشرق. والحقيقة أن المنطقة الوسطى كانت منطقة ضعف تذبذب فيها العمران من نمو وازدهار إلى تدهور وخراب، وذلك راجع إلى اختلاف في وظيفة وطبيعة العمران في النواتين الرئيسيتين؛ مصر والقاهرة، فبينما الأولى مركز العمران والتجارة والسكان، كانت الثانية مركز الحكم والسياسة، ولم يحدث الالتحام بينهما إلا بعد انتقال مركز الحكم إلى القلعة وفقدان القاهرة الفاطمية لهذه الوظيفة.
(٣-٢) النمو المخطط في القاهرة المركزية في القرن اﻟ ١٩
أما النمو المركزي صوب الشرق والجنوب الشرقي فقد حدده مانعان؛ أولهما: تلال الدرَّاسة، والثاني: عامل بشريٌّ متمثِّل في وجود منطقة مقابر الجبانة الشرقية «باب الوزير، وقايتباي، وبرقوق، والغفير» والقرافة الكبرى (الإمام الشافعي) في الجنوب الشرقي، وعلى هذا النحو يكون النموُّ المركزيُّ للقاهرة قد تخطَّى عقبة البرك التي كانت تمتد في خط طويل من الأزبكية إلى الفرائيين إلى السقايين إلى بركة الفيل، واتجه التعمير إلى النيل فأشرف عليه أو يكاد فيما بين بولاق وقصر الدوبارة فقط، بالإضافة إلى منطقة قصر العيني. وكان هذا الاتجاه الغربي صوب النيل هو الذي يمثل أكبر قدر من النمو المركزي في القرن ١٩، بينما ظل ذلك النمو ضئيلًا في اتجاه الشمال، ولعل السبب في ذلك وجود عقبة خطيرة هي امتداد خط السكة الحديد من باب الحديد إلى السويس شمال الفجالة وغمرة مباشرة، وخط الصعيد شمال السبتية، وقد كان لهذا أثره على ضعف وبطء حركة النمو المركزي من باب الحديد صوب شبرا ومن غمرة إلى القبة والضواحي في الزيتون والمطرية.
(٣-٣) أحياء شمال القاهرة
سبق أن ذكرنا أن بناء القصور كان له دور في مد الطرق والجسور خارج القاهرة في خلال القرن ١٩، وقد ساعد ذلك على أن تُتخذ الطرق مجالًا للنمو العمراني؛ فشارع شبرا أصبح العمود الفقري للذراع العمرانية الشمالية للقاهرة. ومع اتصال العمران شمال محطة باب الحديد تكوَّن محور عمرانيٌّ آخر مع شارع الترعة البولاقية، ومحور جزيرة بدران الموازي لخط حديد الصعيد، وقد تلاحمت المباني على طول هذه المحاور؛ بحيث إنه يمكن القول: إن منطقة شبرا وروض الفرج والساحل وحدائق شبرا والترعة تكون في مجموعها ذراعًا سميكة ضخمة تمتد قرابة ٤٫٥كم بين باب الحديد وترعة الإسماعيلية، وتتصل عبر هذه الترعة بالإشعاع العمراني الصناعي والسكني في شبرا الخيمة التي تمتد قرابة ثلاثة كيلو مترات.
وهناك الآن ذراع عمرانية جديدة تنمو وتمتد مع محور شارع بورسعيد شمال منطقة غمرة متجهة بدورها إلى ترعة الإسماعيلية، ولعل مصيرها مصير ذراع شبرا من حيث إمكان تلاحمها مع الذراع الشمالية الشرقية المتجهة إلى المطرية، ومع ذراع شبرا عبر منطقة مهمشا والشرابية والزاوية الحمراء ومنطقة السواح والأميرية، ويتكون بذلك استمرار عمرانيٌّ حدُّه الجنوبيُّ خطوط السكة الحديد والمترو من باب الحديد إلى غمرة، وحده الشماليٌّ ترعة الإسماعيلية، وحده الغربيُّ النيل، وحده الشرقيُّ القبة والزيتون. فإذا تم ذلك لم تعد هناك ذراع أو أذرع عمرانية مشعة من مركز المدينة؛ بل جزء آخر من المدينة يضاف إليها، ويمتد منه إشعاعات عمرانية إلى شبرا الخيمة ومسطرد. لكن في داخل هذا الاستمرار العمراني الشمالي ستظل خطوط السكة الحديد المتجهة شمالًا أو شرقًا عائقًا وفاصلًا ثقيلًا بين القاهرة جنوبها وشمالها. ومن الممكن التغلب مبدئيًّا على هذا العائق بإنشاء أنفاق وجسور — كما هو الحال في نفق الشرابية وشبرا وكوبري شبرا العلوي — لكن هذه الأنفاق والجسور تؤدي إلى تكوين «عنق الزجاجة» في المواصلات؛ مما يؤدي إلى اختناق في النمو العمرانيِّ وتوقُّف أو نمو ضئيل. وأحسن الأمثلة على ذلك منطقة مهمشا والشرابية التي تقع في شكل بيضاوي يحيط به الخطوط الحديدية من كل اتجاه، وبرغم وجود نفق الشرابية وغمرة إلا أن النمو ظلَّ شبه متوقف بالمقارنة بالنمو العمراني على طول محور طريق بورسعيد أو محاور شبرا، فضلًا عن أن العمران في الشرابية ومهمشا غير صحيٍّ وفقير جدًّا؛ نتيجةً لسكن عشوائي بموازاة الخطوط الحديدية، ولكن التحسين الحالي للمنطقة بعد استكمال كوبري ٦ أكتوبر العلوي، ووجود مَنْزَل ومطلع له من شارع بورسعيد غالبًا ما يؤدي إلى إعادة تخطيط المنطقة بصورة أحسن في الشرابية وبورسعيد والوايلي والزاوية الحمراء.
وربما كان الحل الأوفق نقل محطة حديد القاهرة من باب الحديد إلى شبرا الخيمة باسم محطة الشمال لخدمة الخطوط المتجهة إلى وسط الدلتا وشمالها والإسكندرية، ومحطة أخرى في مسطرد باسم محطة الشرق لخدمة النقل الحديدي إلى الشرقية ومدن القناة، ومحطة ثالثة في إمبابة أو الجيزة باسم محطة الجنوب، ويترك مجال الخطوط الحديدية القائمة لتسيير خطوط مترو سطحي ونفقي لمزيد من خدمة النقل في الكتلة السكانية الضخمة الشمالية والغربية من القاهرة.
(٣-٤) أحياء الشمال الشرقي
- (١)
انتهاء الحكم الملكي الذي أفقد المنطقة البهاء الذي كانت تتمتع به من ناحية التنظيم العمراني وأشكال البناء.
- (٢)
هجرة أبناء أكابر الناس وأغنيائهم إلى أحياء وأماكن أخرى أكثر تقديمًا للخدمات، في صورة فيلات أو شقق فاخرة، في مصر الجديدة والزمالك والدقي والعجوزة.
- (٣)
تدهور سكن الفيلات بالتقسيم حسب شرع الإرث إلى شرائح صغيرة، ومن ثم التحول إلى نمط العمارات، وأغلبها اقتصادي وفقير؛ تلبيةً لاحتياج السكان الجدد الذين يحلون محل الأغنياء السابقين.
- (٤)
وأخيرًا سقوط أهمية قطار الضواحي كوسيلة نقل بطيء، بالمقارنة بنمو متسارع لعصر السيارات التي مكَّنت الأغنياء من الانتقال إلى أماكن متباعدة. ولحسن الحظ لم يفكر أحد في إلغاء قطار الضواحي الذي ظل يعمل دون كلل في خدمة الأعداد المتزايدة من السكان في هذه الأحياء، إلى أن أوقف القطار، وحل محله خط المترو كوسيلة أسرع وبتقاطر زمني أسرع مرات عديدة من تقاطر القطارات.
وتلبية لاحتياجات النمو المساحي والسكاني كان لإنشاء الطرق الجديدة غربي قصر القبة والمطرية والسواح والمطراوي من ناحية، وتحسين شوارع جسر السويس وبورسعيد والوايلي الكبير من ناحية أخرى، أثر بالغ في النمو السكني؛ أولًا: في المناطق البينية الفضاء، وخاصة بين الزيتون والحلمية ومصر الجديدة والنزهة والمطرية وأرض النعام وعين شمس وعزبة النخل، وثانيًا: إمكان زحف العمران خارج هذه الضواحي — للأسف — على حساب الأرض الزراعية الشمالية بين عين شمس وعزبة النخل والمرج والحرفيين وبركة الحاج ومدينة السلام، ومن المطرية غربًا في اتجاه الأميرية ومسطرد. وكلها سكن فقير زاد من فقره مساكن عشوائية كثيرة داخل هذا النطاق، مثل: عزبة «أبو حشيش، وعزبة القرود» التابعتين لقسم الزيتون.
وتمتد هذه الذراع القاهرية الشمالية الشرقية قرابة عشرة كيلومترات من غمرة إلى عين شمس، ونحو ١٨كم إلى مدينة السلام، وهو بذلك يفوق امتداد القاهرة الشمالي من باب الحديد إلى آخر شبرا الخيمة الذي يصل نحو عشرة كيلومترات.
ومن المحزن تحول منطقة مسلة عين شمس والأرض الأثرية حولها من آثار في مساحة كبير مكشوفة إلى مكان ضيق مسور بالأسلاك، وسط غابة من الأبنية والعمارات الفقيرة المفتقرة إلى أي حس جمالي، فلا غرو أن أي حس جمالي يتنافى مع الفقر بأنواعه، ولأن هذا الزحف السكنيَّ قد بُني على أرض أثرية، هي أرض مدينة «أون» الفرعونية التي زارها حكماء الإغريق القدماء، مثل: أفلاطون وأرسطو، وقبلهم المؤرخ الكبير هيرودوت، وعرفوها باسم: «هليوبوليس» التي هي ترجمة حرفية للفرعونية بمعنى: «عين شمس» وأنها مدينة العلم، وبالتالي أقدم جامعة عرفها العالم استمرت في عطائها العلمي والكهنوتي ما يزيد على ثلاثة آلاف سنة، وأقرب صورة لها في أذهاننا هي جامع الأزهر الذي تحول منذ إنشائه إلى جامعة حفظت علوم الدين والمعارف ألف سنة حتى الآن. فكيف فرطنا في هذه الأرض الأثرية التي قد تزيدنا علمًا ﺑ «أون» إذا ما استمرت الحفائر حولها؟! ماذا تفعل مصلحة الآثار في هذا الخضم العشوائي من المساكن الكثيفة؟!
مصر الجديدة
وتتصل هذه الذراع من الشرق بالمنطقة العمرانية التي كانت تسمى عند نشأتها عام ١٩٠٥ «واحة عين شمس» أو مصر الجديدة حاليًّا. ولقد تضخمت مصر الجديدة في كل الاتجاهات، عدا الاتجاه الجنوبي؛ حيث المعسكرات القديمة التي تفصلها عن العباسية لمسافة تبلغ ٣٫٥ كم.
وضاحية مصر الجديدة لم تنشأ كذراع عمرانية، وإنما نشأت كمدينة مخططة يصلها بالقاهرة خط ترام سريع — مترو — من شارع عماد الدين في قلب المدينة إلى ميدان الإسماعيلية، بالإضافة إلى وصلة قديمة لترام عادي من العباسية — الترام الأبيض — إلى ميدان الجامع. ونظرًا لنشأة مصر الجديدة المستقلة، فإنها في الواقع مدينة جديدة نشأت خارج القاهرة، لكن عملية الاقتراب العمراني بينها وبين الذراع الشمالية الشرقية بواسطة خط ترام قديم — شارع القبة — قد جعلتها في صورتها العامة جزءًا من إشعاع عمراني مرتبط بذراع القاهرة الشمالية الشرقية، وعملية الاقتراب العمراني بين مصر الجديدة والعباسية كانت وما زالت يقف دونها عائق بشري؛ هو: معسكرات الجيش القديمة، والمنتظر بعد إزالة هذا العائق أن يتصل العمران بينها وبين المدينة الكبرى اتصالًا تامًّا. وقد بدأ فعلًا هذا التفكك بتخصيص الجزء الجنوبي من هذه المعسكرات لبعض كليات جامعة عين شمس والمستشفى التخصصي، وإلى الشمال منها مبنى الكلية الفنية العسكرية، وأمامها مصلحة الأرصاد الجوية والمساحة العسكرية، وبذلك تحول شارع الخليفة المأمون من ميدان العباسية إلى بداية منشية البكري إلى طريق تحف به مراكز وأبنية تعليمية وعلمية وتطبيقية وبحثية باستثناء مبنى وزارة الدفاع.
وجود العائق بين عمران مصر الجديدة والعباسية، سواء كان في صورة معسكرات أو في صورة أبنية جامعية وتعليمية وحكومية، هو السبب الذي يجعلنا نشعر بأن مصر الجديدة مكانيًّا وسيكولوجيًّا هي الضاحية الوحيدة التي تكوِّن مدينة في حد ذاتها لها كفاية ذاتية، بينما بقية الضواحي والأذرع في احتياج مستمر إلى خدمات مركز القاهرة.
مدينة نصر
تمتد مدينة نصر إلى الجنوب والجنوب الشرقي من طريقي الميرغني وصلاح سالم على التوالي لمسافات غير محدودة؛ بطبيعة خطة شوارعها الشبكية التي يمكن أن تمتد إلى أي مسافة يصل إليها العمران، ولكنها في الوقت الحاضر تمتد مسافة نحو ٦كم من مدينة الألعاب الرياضية حتى نهايات مدافن المدينة في الجنوب، ونحو عشرة كيلومترات من الشرق إلى الغرب، ويمكن القول: إن الطريق الدائري الحالي يمثِّل الحدَّ الشرقيَّ الذي يمكن أن يحيط بمدينة نصر من الشرق، ويفصل بينها وبين التجمعات السكنية التي تتجمع الآن تحت مسمى القاهرة الجديدة، ويحتاج الأمر إلى تحديد أكثر دقة يفصل بينها وبين القاهرة الجديدة بعد اكتمال الأخيرة.
وقد أنشئت مدينة نصر في الستينيات كمنطقة عمارات مختلفة الأحجام، وإن كان معظمها لا يصل إلى أعلى من ثمانية طوابق، بواسطة القطاع العام باسم شركة مدينة نصر، وذلك على نحو مشابه لمشروعات الإسكان اليوجسلافية آنذاك، وما زالت هذه الأبنية قائمة في نواحي متعددة، وإن كان معظمها يتركز في المنطقة الأولى والثانية، وتركت بقية المناطق والأحياء لمبادرات القطاع الخاص والهيئات العامة؛ ولهذا نجد عمارات القطاع الخاص تصل إلى متوسط عشرة طوابق وأكثر، بينما أبنية الهيئات أقل من ذلك، وفضلًا عن ذلك فإن الدولة خصصت أماكن متعددة لعدد من الوزارات والأجهزة المركزية؛ كوزارة المالية والجمارك والبترول والتخطيط والإحصاء والتنظيم والإدارة … إلخ.
وإلى جانب ذلك اتخذت عدة شركات بترولية مقرَّها في مدينة نصر، وكذلك عدد كبير من النوادي التابعة للأسلحة العسكرية المختلفة، وأخيرًا مدينة الألعاب الرياضية، واستاد القاهرة، ومركز المؤتمرات، وجامعة الأزهر في مقرِّها الجديد الذي يحتل مساحة ربما كانت أكبر المساحات التي تشغلها أي جامعة مصرية أخرى.
(٣-٥) أحياء القاهرة الجنوبية
أما الذراع العمرانية المتجهة من القلعة جنوبًا فهي قديمة ونموها محدود لعدة أسباب؛ منها: أن غالبيته يتكون من المقابر الكبرى للقاهرة منذ نشأة الفسطاط، وفيه كثير من الأضرحة لعلماء الدين، من أهمهم: الإمامان الشافعي والليثي، والسيدة نفيسة، والشيخ أبو السعود. وأخيرًا فإن الذراع الجنوبية الغربية هي تلك الممتدة مع خط حديد حلوان من مصر القديمة، وهي أقل الأذرع العمرانية اتصالًا؛ إذ إنه يتكون من عدة ضواحي سكنية منفصلة، منها: المعادي والمعصرة وطرة وحلوان. لكن مع كهربة الخط الحديدي، والضغط السكاني والنمو الصناعي فإن هناك اتجاه للعمران أن يتلاحم كما حدث عندما امتد عمران مصر القديمة والبساتين إلى دار السلام، وما هو في طريق الوقوع من امتداد بين دار السلام ومشارف حدائق المعادي، وبين المعادي وطرة.
وامتد العمران على شرائح زراعية جنوب المعصرة إلى حلوان والتبين، فتحولت الكثير من العزب، مثل: عزبة الوالدة وعزبة كامل صدقي وقرية حلوان البلد إلى أحياء عشوائية لسكن فقير. كما تدهورت حلوان الحمامات من ضاحية مخططة جيدًا ومن أماكن استشفاء وترويح إلى سكن متوسط وفقير، وارتبط كل ذلك بالصناعات المتعددة التي أنشئت في جنوب القاهرة، وعلى رأسها: الحديد والصلب وفحم الكوك والسيارات والطائرات حول حلوان، والأسمنت شديد التلوث في طره، فضلًا عن المحاجر الكثيرة المنتشرة شرقي أوتوستراد حلوان.
وربما كانت النقاط المضيئة في هذا الخضم هي مدينة ١٥ مايو المخططة لاستيعاب عدد كبير من العمالة الصناعية — في تعداد ١٩٩٦ بلغ عدد السكان نحو ٦٥ ألفًا — وكذلك المساحة الكبيرة التي أعطيت لجامعة حلوان، ولا شك أن هناك مساعيَ من مختلف الوزارات والهيئات، وبخاصة وزارة البيئة، لتقليل التلوث الشديد الذي أشاع الكثير من أمراض الصدر والعيون في جنوب القاهرة.
(٣-٦) أحياء غرب القاهرة الكبرى
ما سبق أن تناولناه من أحياء وأقسام كلها تقع شرق النيل داخل محافظة القاهرة، باستثناء شبرا الخيمة التي تقع في محافظة القليوبية. لكن القاهرة الكبرى تمتد عبر النيل إلى محافظة الجيزة التي تضم نواة مدينتين قديمتين هما: الجيزة وإمبابة.
وقد ظلت الجيزة مدينة صغيرة معظم تاريخ القاهرة، ولم يقدر لها النمو الهائل الذي تحقق الآن إلا في الفترة الحديثة بعد بناء قصر الجيزة وحدائق الأورمان والحيوان في عهد الخديو إسماعيل، وكان ذلك بمثابة إيذانٍ دفع العمران إلى النمو رويدًا من مدينة الجيزة شمالًا في اتجاه إمبابة، وغربًا في اتجاه الهرم، وقد نمت الرقعة العمرانية الكبرى من الجيزة إلى إمبابة في خلال السنوات الثلاثين الماضية، وإن كانت مقدماتها عدة قصور متناثرة فيما بين الدقي والجيزة، وزادت عمليات النمو العمراني في المنطقة الوسطى بإنشاء جامعة فؤاد الأول — القاهرة حاليًّا — ومجموعة من الأبنية الحكومية، هي: مصلحة المساحة ومحافظة الجيزة، قبل انتقالها إلى شارع الهرم، ومعهد البحوث القومي، ومعهد بحوث البناء، ووزارة الزراعة والمتحف الزراعي ونادي الصيد، وكلها كانت تمثل مقومات للنمو حولها في الدقي التي بدأت بعمران راقٍ من نمط الفيلات، ثم تحولت إلى مقار لعدد من المستشفيات والسفارات، وإن كان بعضها قد هجرها إلى أماكن أرحب على كورنيش المعادي والمهندسين وغيرهما.
وكان البناء الشاسع لمستشفى الجمعية الخيرية الإسلامية على واجهة النيل في عزبة العجوزة سببًا في انهيار العزبة الزراعية، وتحول المنطقة إلى سكن راقٍ من نمط العمائر الواسعة. وبالتدريج فقدت هذه النويات الصغيرة انفصالها، والتحمت مكانيًّا في كتلة عمرانية على واجهة النيل من العجوزة إلى الجيزة، وتعمقت كثيرًا إلى الغرب، لكنها وقفت أمام عائق صعب المراس هو خط حديد الصعيد، وبالرغم من أن الضغوط قد أدت إلى اختراق هذا الخط في أماكن معينة بواسطة أنفاق وكَبَارٍ علوية، فإنه ما زال يمثل عائقًا قد يزول إذا ما اتخذت الجيزة محطةً لبداية الطريق الحديدي إلى الصعيد، وربما نعود إلى التوصية باستخدام المسار الحديدي بين الجيزة وكوبري إمبابة مسارًا لخط مترو سريع يتصل بمترو الجامعة والمترو المزمع إنشاؤه بين إمبابة ومطار القاهرة، مرورًا بالدراسة والأزهر، ويكون بذلك خط اتصال سريع بين محطة حديد الجيزة ومحطة حديد الشمال المقترحة في شبرا الخيمة.
إن النموَّ العمراني على ضفة النيل في الجيزة لم يكن ممكنًا إلا ببناء الجسور، وكلما زادت أعداد الجسور زادت دفعة العمران على حساب الأرض الزراعية في الجيزة. وعلى وجه التقريب فقد تآكلت — أو بسبيلها إلى التآكل — غالب الزمامات الزراعية في كل قرى شمال وجنوب طريقي الهرم وفيصل، وكل القرى غرب بولاق الدكرور: المعتمدية وزنين وصفط اللبن وطهرمس ومنشأة البكاري إلى كرداسة، وسيكون ذلك مآل الزمامات في قرى عديدة، كبشتيل والكوم الأحمر حول الطريق الدائري غرب وراق العرب، وكالبراجيل على طول محور ٢٦ يوليو.
الخلاصة: أن الزحف العمراني يتقدم في جبهة عريضة من النيل إلى حافة الهضبة الصحراوية الغربية، وقد وصل هذه الحافة عند نهاية طريقي الهرم وفيصل، وتعداها في نهاية فيصل وميدان الرماية إلى عمق الصحراء في اتجاه أطراف مدينة ٦ أكتوبر على طول الطريق الصحراوي إلى الواحات والفيوم. هذا فضلًا عن الزحف العمراني الواسع كعملية حالية بين حي الهرم والبدرشين والحوامدية، وقرى وعزب كثيرة جنوب مراكز الجيزة والعمرانية والهرم، وكلها يضمها تعداد ١٩٩٦ إلى القاهرة الكبرى.
فهل سيأتي اليوم الذي يتشابه فيه عمران الجيزة مع عمران القاهرة داخل منظومة القاهرة الكبرى؟ لقد نما سكان محافظة القاهرة في الفترة بين تعدادي ١٩٨٦–١٩٩٦ بنسبة ١١٫٢٪ بينما نمت أجزاء ومراكز الجيزة الداخلة في القاهرة الكبرى بنسبة ٢٤٫٨٪ لنفس الفترة التعدادية — وذلك حسب التعداد الرسمي ١٩٩٦ — وبعبارة أخرى: إن أقسام الجيزة تنمو بنسبة هي ضعف القاهرة على الأقل. فهل يعني ذلك أن محافظة القاهرة قد وصلت إلى حد التشبُّع بحيث تنمو — نظريًّا — بنسبة ١٫١٪ سنويًّا، وأن الدور في تسارع النمو السكاني الآن هو في منطقة الجيزة؟ ومتى تصل الجيزة إلى حد التشبع؟ وهل تترك الأمور على ما هي عليه أم تتخذ قرارات متشددة بمنع تحويل الحقول الزراعية إلى حقول من غابات الطوب والإسمنت الفقير البشع كما نلاحظه الآن في أطراف القاهرة الكبرى الشمالية والغربية؟ ومتى؟
(٣-٧) دينامية النمو بين ابتلاع القرى والابتلاع المعاكس
هذا الشكل من النمو مألوف في معظم مدن العالم، وفي القاهرة حدث ابتلاع لعدد كبير من القرى والعزب، من أهمها: منية السيرج في شبرا، وقرى كثيرة في اتجاه الشمال منها: المطرية والقصيرين والأميرية، وكفر الجاموس في امتداد جسر السويس، ومن الأمثلة التي رأيناها رأي العين: ابتلاع عزبة العجوزة عندما أخذ النمو العمراني يتقدم من الدقي شمالًا. ظلت العجوزة محتفظة بطابعها السكني القروي فترة وإن تحولت العمالة الزراعية إلى أعمال أخرى بعد التفاف العمران الحديث حولها، وترتب على ذلك ارتفاع قيمة أرض القرية؛ مما دعا أهل القرية إلى هدمها أو بيعها، وتحول الإسكان إلى عمائر فاخرة، والصورة تتكرر الآن في ميت عقبة في منطقة المهندسين ومعظم القرى غرب إمبابة وشمالها الغربي، وإن كان النمط حول إمبابة هو اتجاه السكن الفقير وليس الفاخر أو فوق المتوسط.
ولكن الملاحظ أن هناك دينامية أخرى معاكسة كأنها رد فعل للنمو العمراني الحديث الذي أدى إلى إذابة نمط القرية التي تقع تحت وطأته. فالقرى كبيرة الحجم أو التاريخية أو هما معًا تتحول وظيفتها من الزراعة إلى أنشطة أخرى تؤدي بالمستفيدين الجدد من نفس القرية إلى تغيير نمط البيت الريفي إلى البناء بالطوب والأسمنت، وبذلك تتحجر مقاومة القرية للتحلل، ولكن لأن مساحات المباني الأصلية عادة صغيرة، أو صغرت بالميراث، فإن القرية بشكلها الجديد تصبح كثيفة البنيان وكثيفة السكان العاملين في مهن كثيفة العمالة بالقياس إلى الزراعة، وبالتالي تصبح جاذبة للسكن المتوسط والفقير، وحين يتم ذلك تتحول إلى الزحف حولها سواء كان ذلك في أرض زراعية ملاصقة أو إسكان غني من نمط الفيلات التي هجرها أهلها بواسطة تقسيم الإرث وغيره من الأسباب سالفة الذكر، وأصبحت بذلك مكونًا أرضيًّا في سوق العرض والطلب على الأراضي، وقد حدث هذا أيضًا أمام أعيننا في منطقة كالزيتون والمطرية حين زحف الإسكان الكثيف والفقير على مناطق الفيلات السابقة التي كانت طوال النصف الأول من القرن العشرين ضواحٍ مترفة إلى متوسطة الإسكان.
وقد يحدث مثل ذاك في منطقة ميت عقبة حيث الصراع بين نمطي السكن الفقير وبين الغني والمتوسط ما يزال محتدمًا؛ لأن عمران المهندسين والصحفيين الحديث لم يتعدَّ جيلين. وربما يساعد شق طريق رئيس في قلب ميت عقبة، هو محور ٢٦ يوليو، على إضعاف مقاومتها للابتلاع، ولكن طوق النجاة لميت عقبة ومثيلاتها قد يتمثل في ضرورة احتياج الأحياء الغنية وفوق المتوسطة الدائم إلى وجود أحياء أقل مستوى تقوم بتقديم خدمات من أنواع عديدة، وبخاصة التجارة الصغيرة لمواد الغذاء.
(٣-٨) النمو الطفيلي أو العشوائي
وحين تَلفُّ المدينة حول هذا النمو الطفيلي بحيث يصبح داخل المدينة، فإن العشش تتحول بالميراث، ووضع اليد إلى أحياء متدنية مكدسة بالناس والفقر، مثال ذلك: عشش الشيخ علي جنوب بولاق، أو عشش زينهم بين طولون والسيدة، وقد أزيل معظم هذه العشش لارتفاع سعر أراضيها، وحلَّت محلها إمَّا بنايات ووزارات على واجهة النيل، وإما بإقامة حي سكني شعبي؛ لتحسين الأوضاع السكنية والاجتماعية لسكان تلال زينهم.
ومن أمثلة هذه التجمعات السكنية: عزبة الصفيح شمال الشرابية، وعزبة الهجانة ومنشأة ناصر في شرق القاهرة، وعزبة «أبو حشيش» في الزيتون. والظاهرة المميزة في منطقة القاهرة ما كان في الماضي من وجود مضارب فقيرة للبدو الذين يعيشون على حافة الصحراء يرعون قطعانًا من الماعز. وقد تحولت بعض هذه المضارب إلى عزب مبنية باللبن، ومن أهم أمثلتها: عرب الحصن وعرب الطوايل بالمطرية، وعزبة جبريل شرقي المعادي، وأكبرها الآن منشأة ناصر والدويقة على سفح وعر لحافة المقطم شرق القلعة، وعزبة الهجانة على طريق السويس شمال مدينة نصر، وحي المنيرة الغربي في غرب إمبابة، والكثير من السكن في قسم ثانٍ لشبرا الخيمة، والكثير جدًّا من السكن في المنطقة الممتدة بين المعصرة وحلوان، وأخيرًا معظم المنطقة الممتدة بين دار السلام والبساتين شمال المعادي. وسوف نعالج هذا الموضوع المهم والخطير بشيء من التفصيل فيما بعد.
(٣-٩) المدن الجديدة
- (١)
توجيه النمو المديني وجهته الصحيحة، وبخاصة إبعاده عن تبوير الأرض الزراعية.
- (٢)
تقديم الشروط الصحية، وضمان خطوط المواصلات الداخلية التي تؤمِّن حركة السكان من المدينة المخططة إلى المدينة القديمة، ويقتضي ذلك في أحيان كثيرة التدخل الفعلي من جانب سلطات المدينة المحلية.
وتوجيه المدينة إلى وجهة نموها الصحيح أمر بالغ الأهمية بعد أن رأى الكثيرون الضرر الذي يعود من النمو العشوائي المعتمد على المبادأة الفردية. فقد أدى هذا إلى نمو المدينة على حساب الإقليم الذي يمدها باللبن والخَضراوات، ولكن هناك مناطق تخطط للنمو على حساب هذا الإقليم الحيوي، نتيجة ظروف خاصة، أو نتيجة لأن هذه هي أحسن الأراضي للنمو المديني.
ومن شروط التخطيط أيضًا: مد نطاقات من الخضرة داخل المدينة كمحاولة لاستيفاء شروط صحية وترويحية لسكان المدن. وقد نشأت حول القاهرة في النصف الأول من القرن ٢٠ عدة مناطق عمرانية مخططة، مثل: مدينة مصر الجديدة أو المعادي والهرم ومدينة الأوقاف والمقطم، وفي النصف الثاني من القرن نفسه أنشئت مدينة نصر ومدينة السلام وحدائق شبرا، وقد روعي في تلك المناطق كثيرًا من شروط التخطيط: الطرقات الواسعة ونطاقات الخضرة. وغالب تلك المناطق المذكورة قد خططت في داخل الإقليم الزراعي المحيط بالقاهرة غربًا وشمالًا وجنوبًا؛ مما يسبب خسارة كبيرة للأرض الزراعية المحدودة داخل القاهرة الكبرى. أما مصر الجديدة ومدينة نصر ومدينة المقطم و١٥ مايو، فقد خططت في الأماكن التي كان يجب للعمران المديني أن ينمو فيها، فمعظمها مناطق صحراوية أو جبلية، وكذلك الحال بالنسبة لمنطقة المساكن الشعبية في تلال زينهم، وامتدادها إلى منطقة «أبو السعود» والفسطاط الجديدة.
والتخطيط الذي تم به بناء منطقة الهرم أو حدائق شبرا ليس على درجة من الكفاءة مثل تخطيط مدينة الأوقاف أو مصر الجديدة أو نصر؛ ذلك لأن العمران في هاتين المنطقتين امتد من قديمٍ في صورة إشعاع عمراني كما سبق القول، لهذا كان التخطيط الذي تم بعد ذلك قائم على أساس عبء إعداد الأرض للعمران على المبادأة الفردية أو المبادأة التي تقوم بها شركات صغيرة للإعمار، والربح السريع يكون عادة الضوء الذي يهتدي به هؤلاء، مما لا يستوفي الشروط اللازمة في التخطيط الحقيقي. وفي حالة مدينة الأوقاف تم التخطيط لمساحة كبيرة في صورة متكاملة؛ لأن كل هذه الأرض أو معظمها كان مملوكًا لمالك واحد وهو وزارة الأوقاف، وكذلك الحال بالنسبة للمعادي ومصر الجديدة والمقطم التي أُعطي امتيازها إلى شركات كبيرة خططتها دفعة واحدة، ومدينة نصر التي تتولاها هيئة شبه حكومية، ومدينة ١٥ مايو تم إعمارها بواسطة وزارة الإسكان والتعمير، ومشروع الهضبة الوسطى في المقطم الذي تعثر كثيرًا حتى الآن.
مدينة المقطم
- (١)
الانحدار سريع بين القاهرة والمكان الذي اتخذ للمشروع — حوالي ١٢٠ مترًا من بداية طريق المقطم عند طريق صلاح سالم، وبين موقع المدينة، في مسافة لا تزيد عن ٣كم — وذلك لأن المدينة اتخذ موضع لها الحافة الجنوبية لقوس المقطم في شرق القاهرة، ويشرف هذا القوس على منطقة القلعة والإمام الشافعي في صورة جروف عالية، وقد أدى ذلك إلى انحدارات عالية في بعض مناطق الطريق، مع الالتواءات والحنيات الحادة في مناطق أخرى، ومثل هذا لا يجب أن يكون في منطقة عمران دائم، فقد يصح ذلك في مناطق الجبال السياحية.
- (٢)
إن الموقع الذي اختير لا يجعل هناك سوى طريق واحد إلى مدينة المقطم، وبذلك تخلق عنق زجاجة لشدة الحركة على هذا الطريق — فيما لو عمرت عمرانًا كثيفًا — ومع قلة الحركة اليوم فإن الطريق يحتاج إلى صيانة مستمرة مكلفة بالإضافة إلى احتمالات كبيرة للحوادث.
- (٣)
إن الشعور بأن هناك طريقًا واحدًا يخلق إحساسًا بأن الإنسان سكن «حارة سد» وهو إحساس مضايق بدون شك.
- (٤)
إن الموقع الذي اختير يُشرف على منظر لا يحب الإنسان أن يكرر رؤيته كل يوم، فهو يشرف على «القرافة الكبرى» على حد تعبير المقريزي؛ مقابر الإمام الشافعي والبساتين الممتدة قرابة أربعة كيلومترات تحت المقطم مباشرة.
- (٥)
إن الطرق الأساسية التي تقود من المدينة إلى المقطم تمر بأكثر مناطق القاهرة ازدحامًا وضيقًا بالحركة: «شارع محمد علي وميدان العتبة»، أو تقود إلى منطقة خالية من الخدمات برغم اتساع الشارع: «فم الخليج»، أو إلى منطقة خدمات محلية في مصر الجديدة.
- (٦)
ليس بالمقطم خدمات محلية إلا في صورة محدودة جدًّا، وخاصة خدمات التعليم.
- (٧)
مدينة نصر منافس خطير من حيث الموقع والموضع والمساحة المخصصة للامتداد، من حيث المواصلات والخدمات.
ولكن تزويد المقطم بطرق حركة إضافية يمثلها أساسًا طريق أوتوستراد حلوان، وطريق الهضبة الوسطى، وطريق إلى شرق المدينة عند مساكن الزلزال قد أعطى للمقطم أخيرًا دفعة قوية للنمو العمراني؛ فمن خلال هذه الطرق — وما يستجد مستقبلًا من طرق صوب الطريق الدائري — أصبح للمدينة اتصالات سريعة بمدينة نصر والمعادي وما فيهما من الأسواق، فضلًا عن بدايات نمو سوق داخلية وخدمات تعليمية. وكذلك كان لتعديل حركة المرور في طريق صلاح سالم والقلعة أثره في ازدياد اقتراب المدينة من وسط البلد، ولكن ما زال الطريق الرئيس يعاني من حدة زوايا الانحدار وضيق الملفات، ويحتاج إلى تعديلات لكي يصبح مأمونًا.
ولأننا لم نَعتَدِ البناء في مناطق المنحدرات الجبلية، فقد حدثت أخطاء كثيرة عن حسن نية؛ فقد كان كورنيش المقطم والشوارع حوله مطلبًا مقصودًا للسكن الفاخر الحدائقي من أجل لمسات جمالية في البيئة الصخرية. لكن نقص الدراسات عن ميكانيكية التربة والصخر، وما يعتريه من خطوط انكسار، واتجاهات انحدار، ونقص الصرف الصحي كانت لها آثارها المهددة بالمخاطر الشديدة. فإن تسرب المياه تحت السطح قد أدى إلى تآكل وانهيار صخور الحافة في حوادث مأساوية، ومن هنا بدأ الناس في إدراك أن التعدي على البيئة بصورة جائرة له مخاطر مهلكة، ولا شك في أن منطقة المقطم لها ميزات وفضائل على رأسها الانخفاض النسبي في درجة الحرارة، والتي يَزيد إحساسَنا به حركةُ الهواء الحُرِّ في صورة نسائم مستمرة، وهو ما نفتقده في الكثير من أحياء القاهرة؛ لكثرة العمائر التي تعوق مسرى الرياح في اتجاه، وتجعله قويًّا غير مرغوب في اتجاه آخر، والشيء الآخر الذي تتمتع به مدينة المقطم حتى الآن هو قلة تلوث الهواء لقلة السكان وحركة السيارات، ولكن تلك الميزة قد تفقد في حالة زيادة السكان والسيارات، أو زيادة السيارات لأبناء الأسر الغنية والمتوسطة، وهي الظاهرة الاجتماعية الحديثة في مصر، والتي معها تتناقص الميزة الثالثة للمقطم، وهي: الهدوء وقلة التلوث!
ما سبق من مدن أصبحت جزءًا من المدينة لاقترابها الكبير منها، ولكن في الستينيات خططت هيئة تخطيط القاهرة الكبرى لإنشاء مدن حلقية حول القاهرة وعلى مبعدة منها، وتوالت أجهزة التنفيذ في وزارة الإسكان والتعمير والمجتمعات العمرانية الجديدة على تنفيذ مجموعة من المدن في المناطق الصحراوية شرق وغرب القاهرة، هي: ١٠ رمضان، ثم ٦ أكتوبر و١٥ مايو، والتجمعات: أول وثالث وخامس باسم مدينة الأمل التي تحولت إلى مشروع القاهرة الجديدة، فضلًا عن مدن: بدر والشروق والعبور، بينما تحول مخطط مدينة الأمل إلى شريحة عرضية موازية لطريق العين السخنة. أنجح هذه المدن من ناحية المكان والنمو الاقتصادي هي مدينة رمضان؛ وذلك لبعدها النسبي عن القاهرة. أما ١٥ مايو فهي الآن عمران حيوي للعمالة الكثيفة في منطقة حلوان، ومدينة أكتوبر تتحول تدريجيًّا إلى ضاحية جديدة للقاهرة الكبرى؛ لاقترابها، ولوجود طرق كبيرة تربطها بها، وسوف نعالج موضوع المدن الجديدة فيما بعد.
(٤) خطة المدينة
- (١) الخطة الشبكية: التي تتكون من طرق متوازية وأخرى متعامدة عليها، وأقدم مخطط شبكي في مصر هو: مدينة أخيتاتون؛ العاصمة التي بناها في شرق المنيا إخناتون الفرعون الموحد بآتون إله واحد رمز إليه بقرص الشمس منذ قرابة ثلاثة آلاف سنة. كذلك كانت خطة قاهرة المعز من ألف عام.
- (٢) الخطة الإشعاعية-الحلقية: التي تتكون من طرق ترسم دوائر أو أنصاف دوائر حول النواة القديمة، ويقطع هذه الحلقات أو الدوائر طرق أخرى نابعة من المركز في اتجاه الحلقة الأخيرة في صورة إشعاعات من المركز، وهذه الصورة نادرة في مدن مصر.
- (٣) الخطة الطولية: التي بمقتضاها تنمو المدينة في شكل طويل ضيق على محور واحد هو الطريق الرئيسي.
- (٤) الخطة الرومانسية: وهي التي تتجنب هذه الخطط، ويلجأ المهندس إلى إقامة طرقات في صورة أقواس أو بيضاويات أو دوائر متقاطعة داخل إطار كبير من الخضرة.
ولما كان للخطتين الحلقية والطولية شروط غير متوافرة في منطقة القاهرة، فإن ذلك يترك المجال للخطة الشبكية أساسًا، ولكن القاهرة بنيت — كما سبق القول — على أساس اندماج عدة نوايات ومدن سابقة، ونمو مركزي ونمو إشعاعي، وكل ذلك في مراحل تاريخية مختلفة؛ ولهذا فإن القول بأنه ليس في القاهرة ككل خطة واضحة، هو قول لا يجانبه الصواب كثيرًا؛ بل إن ذلك لا يقتصر على القاهرة، لكنه يمتد إلى معظم مدن الشرق الأوسط القديمة. فخطط هذه المدن مكونة من عدة تصنيفات مرتبطة بتاريخها الطويل، وتتضح هذه الحقيقة من مطالعة الخرائط الأربعة التالية، حيث نجد في القاهرة تعددًا واضحًا بين مخطط شبكي صرف «عصر إسماعيل»، ومخطط أزقة ودروب مغلقة «القاهرة القديمة»، ومخطط رومانسي «جاردن ستي»، جنبًا إلى جنب مخطط شبكي، وأخيرًا مخطط «كليشيه» يستعمله المخططون المعاصرون بكثرة.
أما الفسطاط: فالأغلب أنها نشأت وامتدت على خطة أقرب إلى الاستدارة منها إلى الاستطالة، وقد كان ذلك بفعل وقوعها على مرتفع هين بين السهل الفيضي للنيل وبين تلال الرصد ومنخفض بركة الحبش إلى الجنوب منها. وفضلًا عن ذلك فقد سدت أبنية قصر الشمع — بما فيها من أسوار وتحصينات وكنائس قائمة حتى الآن — إمكانية النمو إلى الجنوب الغربي.
وإذا استثنينا الجزء القديم من القاهرة؛ «القسم الشرقي القديم من الحسينية والفجالة شمالًا، إلى باب البحر وباب الخلق غربًا، إلى السيدة زينب جنوبًا» فإن الخطة الشبكية تظهر بوضوح في مناطق القاهرة الأخرى، أوضحها: باب اللوق – الزمالك – المعادي – قصر العيني – وسط البلد – شبرا عامة، وأقلها وضوحًا في: جزيرة بدران والذراع الشمالي الشرقي ومصر الجديدة والعباسية، وهذه الشبكات ليست مكملة لبعضها إنما منفصلة؛ لأن كل شبكة وضعت وحدها وفي مرحلة زمنية مختلفة؛ لهذا نجد الرابط الأساسي لشبكات القاهرة ومناطقها القديمة عبارة عن طرق ماثلة على خط الشبكات تمثل الشرايين الأساسية للنقل عبر القاهرة: «شارع محمد علي – شارع الجيش – شارع بورسعيد – شارع رمسيس – شارع ٢٦ يوليو – شارع التحرير»، بالإضافة إلى طريق صلاح سالم خارج المدينة، وطريق الكورنيش على كلا جانبي النيل، ويمكن أن تستثنى من ذلك الشوارع الرئيسية: قصر العيني – شبرا – عماد الدين (محمد فريد) التي تمثل شرايين أساسية ملتزمة بخطوط الشبكة السائدة في المناطق التي تمر بها.
ولما بدا الانتعاش المالي بدأت أعمال هندسية كبيرة بإنشاء كوبري إمبابة لمرور سكة حديد الصعيد عام ١٨٩٠ وسد أسوان ١٩٠٢ وتعليته ١٩١٢، وإنشاء مجموعة من الجسور في القاهرة ١٩٠٨، هي: كوبري عباس، والملك الصالح، وكوبري أبو العلا، والزمالك، وكوبري محمد علي عند الطرف الشمالي لسيالة الروضة. وأعيد بناء كوبري قصر النيل وتوسعته الحالية عام ١٩٣٣، وفي العصر الجمهوري أعيد إنشاء الملك الصالح ١٩٦٦ وعباس ١٩٧١، وأعيد تسميته كوبري الجيزة، وكان كوبري الجامعة والمنيل قد سبق ذلك في ١٩٧٥، وكذلك كوبري فم الخليج، ويضاف إلى ذلك الكباري العلوية التي تعبر النيل في التسعينيات، وهي بالترتيب: ٦ أكتوبر، وروض الفرج، والمنيب والوراق اللذان يرتبطان بالطريق الدائري حول القاهرة الكبرى.