القاهرة والزمان
(١) التاريخ السكني والسياسي لإقليم القاهرة
والخلاصة أن منطقة القاهرة الكبرى الحالية ظلت باستمرار مكانًا متميزًا لنشأة مدن ذات شأن في حياة مصر منذ أقدم العصور، وهو أمر يؤكد مدى أهمية مجال العلاقات المكانية لإقليم القاهرة في التاريخ الطويل المجيد لمصر.
(٢) العواصم التوابع: الفسطاط والعسكر
وضع عمرو بن العاص نواة العاصمة المصرية على مقربة شديدة من حصن بابليون الذي كان مقرًّا للحكم الإداري الروماني داخل مصر، وخاضعًا للإسكندرية العاصمة السياسية الرومانية والعاصمة الثقافية للعالم المعروف آنذاك.
(٢-١) الفكر الإستراتيجي لعمر بن الخطاب، وموقع الفسطاط
(٢-٢) مدلولات الفسطاط وبابليون
كان النيل يحف بجدران حصن بابلون الغربية قبل أن يتراجع غربًا مسافة قدرها محمد رمزي بنصف
(٢-٣) كم كانت مساحة مدينة الفسطاط؟
شتان بين البداية والتطور، وقد هدم الجامع وأعيد بناؤه عدة مرات، وزادت مساحته كل مرة حتى بلغت أبعاده ١١٢ × ١٢٠ مترًا في عهد الخليفة المأمون، وما تطور إليه هذا المسجد الجامع إنما هو مؤشر لحالة المدينة بين بدايات صغيرة إلى عاصمة حقيقية للحياة في مصر قرابة نيف وأربعة قرون.
(٢-٤) إعمار الفسطاط وخطتها
بدأ الإعمار بسيطًا ببيت عمرو شرقي الجامع، وبيت مجاور لابن عمرو، وقربهما بيت الزبير بن العوام، ثم خطة أو حي لأهل الراية — يبدو بمعنى القواد — جنوب الجامع، وحي لأبناء ساحل المهرة من جنوب الجزيرة العربية جنوب شرقي أهل الراية، وبالتالي كان إلى الشمال والشرق من قصر الشمع، ثم أبناء قبيلة — أو: تجمع — تُجيب شرقي قصر الشمع، وأخيرًا مجموعة «وعلان» جنوب القصر ومجموعة لخم شمال شرق الجامع في اتجاه ما نعرفه الآن بدير النحاس وفم الخليج، وإلى الشمال منهم مجموعات لُقِّبت بالحمراء، وهي غير عربية وبعضها من الفرس والبعض من سكان إقليم برقة في شرق ليبيا الحالية، والذين كان يغلب اللون المحمر على ملابسهم، ومنها غلب اسم الحمراء. وقد استقرت هذه المجموعات في الحمراء الوسطى والقصوى في خط متفرق بطول الخليج المصري فيما يعرف الآن بمنطقة السد وفم الخليج. كما سكنت مجموعات من هؤلاء أيضًا على البر الغربي للنيل في منطقة الجيزة.
(٢-٥) خط القرافة
(٢-٦) النيل والخليج والفسطاط
ولا شك في أن ميناء المقس كان منافسًا حقيقيًّا لميناء الفسطاط حينما زار ابن بطوطة القاهرة في عز ازدهار سلطنة المماليك.
أمر عمر — رضي الله عنه — عمرو بن العاص بحفره، فساقه من النيل إلى بحر القلزم فلم يأت عليه الحول حتى سارت عليه السفن، وحمل فيه ما أراد من الطعام إلى مكة والمدينة … فسُمي خليج أمير المؤمنين … وجاء في «المقريزي» أن السبب في حفر خليج القاهرة أن أهالي المدينة أصابهم جَهد شديد في خلافة عمر، فكتب إلى عمرو: أما بعد؛ فلعمري يا عمرو ما تبالي إذا شبعت أنت ومن معك، أَنْ أَهلك أنا ومن معي. فكتب إليه عمرو: أما بعد؛ فيا لبيك ثم يا لبيك، قد بعثت إليك بعيرًا أولها بالمدينة وآخرها بمصر عليه الطعام. بعد ذلك كتب إليه عمر أن احفر خليجًا من نيل مصر حتى يسيل في البحر؛ فهو أسهل لما نريد من حمل الطعام إلى المدينة ومكة، فإن حمله على الظهر يبعد ولا نبلغ به ما نريد … تباطأ عمرو … [فتوعده عمر] فعرف عمرو أنه الجد من عمر — رضي الله عنه — ففعل.
الملاحظ من هذا النص عدة أمور تشهد بالحنكة السياسية للخليفة عمر بن الخطاب؛ أولها: المفاضلة بين النقل بالإبل والبحر، فالسفينة، على صغرها آنذاك، أكثر حمولة من عدد كبير من الإبل، كما أنها أسرع إذا صادفتها الرياح المساعدة. والأمر الثاني: رغبة الخليفة في إنشاء نظام اقتصادي داخل الدولة الجديدة يتم بمقتضاه انتقال الغذاء والأموال من الولايات المنتجة إلى مركز الحكم في المدينة المنورة والولايات المجدبة، ويرتبط بذلك تكرر حدوث المجاعة أو ما يشبهها في الحجاز، وأقرب العون هو من مصر، وقد ظلت مصر كذلك قرونًا طوالًا بالنسبة للحجاز.
(٢-٧) الفسطاط والبيئة
لم يكن كل من كتبوا عن الفسطاط من المادحين؛ بل كانت هناك بعض الملاحظات القادحة المليئة بالكثير من التحامل كما ذكر المقريزي. لكننا نرى أن جانبًا من إظهار مساوئ مدينة هو عمل موضوعي إذا لم يكن وراءه مقاصد شخصية، أو تحدوه رغبة انتقام لتصادف معاملة أو حادث سيئ.
قال ابن رضوان: «… [الفسطاط الجبل] المقطم في شرقيها وبينها وبينه المقابر، … [و] الجبل في شرقيه يعوق ريح الصبا عنه، وأعظم أجزاء الفسطاط في غور، فإنه يعلوه من الشرق المقطم وكذا من الجنوب الشرقي، ومن الشمال المكان المعروف بالموقف والعسكر وجامع ابن طولون … المواضع المتسفلة أسخن من المواضع المرتفعة وأردأ هواءً لاحتقان البخار فيها … وأزقة الفسطاط وشوارعها ضيقة وأبنيتها عالية … ومن شأن أهل الفسطاط أن يرموا ما مات في دورهم من السنانير والكلاب ونحوها من الحيوانات التي تخالطهم في شوارعهم وأزقتهم، فتتعفن ويخالط عفونتها الهواء، ومن شأنهم أيضًا أن يرموا في النيل الذي يشربون منه فضول الحيوانات وجيفها، وتصب فيه خرارات كنفهم، وربما انقطع جري الماء فيشربون هذه العفونة باختلاطها بالماء. وفي خلال الفسطاط مستوقدات عظيمة يصعد منها في الهواء دخان مفرط، وهي أيضًا كثيرة البخار؛ لسخونة أرضها حتى إنك تجد بها الهواء في أيام الصيف كدرًا … يعلوها في العشيات بخار كدر أسود لا سيما عند سكون الرياح.»
ولعل وجود المدافن — القرافة — إلى الشرق من الفسطاط سبب في صدور بعض الروائح غير المحببة، والواضح أن ارتفاع مباني المدينة خمسة إلى سبعة طوابق مع وجود طرق وأزقة ضيقة ملتوية المسارات؛ سبب حقيقيٌّ في ركود الهواء أو قلة الريح، وهو سبب من صنع الإنسان في هذا المجال الضيق للمدينة، وبخاصة لكثرة المستوقدات التي ترسل دخانًا أسود بسبب نوع الوقود المستخدم، وغالبه حطب ونباتات. وبالإضافة إلى ذلك فإن تغير منسوب النيل بين الفيضان والنقصان يؤدي إلى تكوين مياهٍ آسنة في فترة التحاريق تجعلها موطنًا لأسراب كبيرة من الناموس والهاموش وغيرهما من الحشرات الطيارة والصراصير والجرذان … إلخ. ولهذا فإن الفسطاط كانت معرضة للأمراض المتوطنة، وللأوبئة التي يتكرر حدوثها، وتكثر ضحاياها، وتكثر معها هجرة الناس منها كما حدث حين تركها الوالي عبد العزيز بن مروان (٦٨٩م)، وسكن حلوان هربًا من الطاعون. وبذلك تتكون بيئة غير صحية تتضاعف بممارسات السكان في إلقاء المخلفات وماء الصرف في النهر الراكد. ولكن — للعلم — فإن النيل شأنه شأن أنهار كثيرة، ينظف نفسه سنويًّا بما يأتيه من مياه الفيضان سواء كان عاليًا أو عاديًّا، وبعبارة موجزة: فإن بيئة الفسطاط كانت سيئة باشتراك بعض عوامل طبيعية والكثير من العوامل البشرية. وعلى هذا فإن ملاحظات ابن رضوان في جملتها تجعله من أوائل أنصار البيئة بمفهومنا الحالي، وتجعلنا ننظر إليه من هذا المنظور المتميز. وقد أبدى عبد اللطيف البَغدادي ملاحظات مماثلة عن سوء موقع الفسطاط، وذلك أثناء عهد صلاح الدين الأيوبي؛ أي بعد فترة من كتابات ابن رضوان التي ربما كان البغدادي قد تأثر بها، فقد كانت الفسطاط في ذلك العهد بسبيلها إلى الفناء.
وبرغم هذه المضار البيئية، فإن ذلك لم يمنع من مظاهر الثراء والعز والنشاط الاقتصادي الواسع الذي كانت تنعم به مصر الفسطاط.
(٢-٨) العسكر
الأغلب أن كثافة السكن كانت سببًا في زحف عمران المدينة إلى المناطق الأعلى بعيدًا عن النهر، كما حدث في اختيار الولاة العباسيين الحمراء القصوى — ربما منطقة البغالة الحالية على حافة تلال زينهم — مكانًا لبناء عاصمة سياسية لهم باسم «العسكر» نحو سنة ٧٥٠ ميلادية، ولأن «العسكر» أزيلت بعد ذلك بالإهمال أو التعمد خلال أواخر العصر الفاطمي، فإنه لا يمكننا أن نتعرف على خطة هذه المدينة على وجه اليقين، وإن كان الأغلب أنها بنيت على مخطط شبكي على نحو ما نراه الآن في مخطط حي البغالة إلى الجنوب من مسجد السيدة زينب.
(٣) العواصم المستقلة: القطائع والقاهرة
(٣-١) القطائع
حينما استقل أحمد بن طولون بولاية مصر عن العباسيين اتجه إلى قلعة الكبش شمال شرقي العسكر وتحت السفوح في مكان القلعة الحالية؛ ليبني فيها مقرًّا لمدينته الجديدة، وكان ذلك بعد نحو قرن من تاريخ بناء العسكر.
وعلى أية حال فإن انتقال مدن الحكم لم يؤثر على الفسطاط؛ بل إن عمرانها امتد ليلتحم تدريجيًّا مع العسكر والقطائع، وربما كان هناك سور يلف بهم وأبراج دفاعية خاصة في موقع القاهرة الفاطمية حيث كان المكان يسمى: القلعة أو الطابية للدفاع عن المدينة الكبيرة من جهة الشمال.
ولا بد أن الثراء لم يقتصر على القطائع، بل امتد ليشمل بدرجات مختلفة سكان الفسطاط والعسكر، وزادت بذلك فنون العمارة، وفنون هيدروليكية المياه في صنع النوافير وري البساتين وصناعات الأخشاب، وفنون الحفر على الخشب والخزف والمنسوجات، وصناعة السلاح للجيش الطولوني الكبير، والمشغولات المعدنية، وصك العملات المعدنية، وصياغة الذهب والأحجار الكريمة التي هي دائمًا من متطلبات حياة الترف والثروة والازدهار. ومعظم هذه الصناعات كانت في الفسطاط والعسكر، وفي هذه الفترة أنشئ أول «مارستان» — مستشفى — بمصر الإسلامية على نحو ما كان في بغداد. وبطبيعة الحال تطور الطب والتمريض تطورًا حسنًا، واختصارًا كان الرخاء يعم مصر خلال الحم الطولوني القصير (٨٦٨–٩٠٥م).
(٣-٢) القاهرة الفاطمية والمملوكية
ما سبق أن ذكرناه عن الفسطاط والعسكر والقطائع قد اندثر، ولم يبق من شواهد عليه سوى جملة آثار على رأسها الخليج وجامع عمرو وجامع ابن طولون، وحتى هذه الآثار نالت منها يد الزمن بين الدمار وإعادة البناء في عصور لاحقة. أما ما تزهو به القاهرة الآن كعاصمة مصرية إسلامية فإنما يعود أساسًا إلى بناة القاهرة من فاطميين وأيوبيين ومماليك.
والكتابات عن القاهرة خلال عصور الفاطميين والأيوبيين والمماليك كثيرة، ولا يسعنا إلا أن نحيل القارئ الراغب في الاستزادة إلى عشرات من هذه الكتابات ألفها عرب وفرس وترك، وعدد آخر من الأوروبيين في شتى فنون الكتابة في تاريخ حياة المدينة: تجارة واقتصاد وثراء بالغ، ومسح الأراضي الزراعية، وتحديد أنواع الضرائب والتعسف في جمعها واقتران الضرائب بوفاء فيضان النيل، وتاريخ ثورات الفلاحين على أشكال من الضرائب وطريقة جمعها، والفتن الطائفية، والتاريخ العسكري المصري في صد الصليبيين والمغول، أو تقلب ولاء العسكر من زنج وترك وأكراد ومغاربة وعرب وشركس بين سلطان وآخر يسعى للسلطنة، ومعارك المماليك فيما بينهم لأسباب اجتماعية وأحقاد شخصية … إلخ.
(٣-٣) بناة القاهرة
جوهر الصقلي
- (١)
الرغبة في ابتعاد العاصمة الجديدة عن زحمة الفسطاط.
- (٢)
أن يبعد العاصمة بمذهبها الشيعي عن غالبية أتباع المذهب السني في الفسطاط.
- (٣)
الوادي جنوب الفسطاط ضيق تكتنفه تلال من جبال طرة إلى الجيوشي والمقطم؛ مما يصعِّب الاتصال بالطريق المنفتح على الشمال، لكن لها ميزة الإشراف على النيل وضمان مصدر مياه مباشر. كما أنه إلى جنوب الفسطاط مباشرة كانت توجد بركة الحبش التي تمتلئ بالمياه على مسطح كبير إذا كان الفيضان عاليًا، وهو في حد ذاته مانع للحركة البرية من مثل هذا الموقع الجنوبي إلى الشمال فترة من السنة.
- (٤)
المنطقة شمالي القطائع كانت سهلًا رمليًّا بين مسار الخليج المصري وتلال نهايات المقطم والجبل الأحمر؛ مما يسهِّل بناء المدينة دون عناء.
- (٥)
وقد كانت هذه المنطقة معمورة بعض الشيء؛ ففيها دير العظام القديم — محله جامع الأقمر الفاطمي — وقلعة صغيرة أو حصن يحمي الطريق المؤدي من بلبيس والحوف الشرقي إلى القطائع والفسطاط، فضلًا عن وجود عدة بساتين عامرة أشهرها بستان كافور الذي سبق ذكره. ولا شك في أن وجود الخليج هنا كان عاملًا حاسمًا في أفضلية المكان باعتباره مصدرًا دائمًا للمياه.
- (٦)
وأخيرًا، لأن سابق انتقال العواصم من الفسطاط شمالًا إلى العسكر والقطائع كانت كأنها خطة مرسومة، أصبحت تقليدًا متبعًا في إنشاء عواصم جديدة في اتجاه الشمال، فاتبعها جوهر.
ولا ندري هل دارت كل هذه الأسباب في ذهن جوهر، أم أن بعض هذه الدوافع تحليل محض من تحليلات العلم الحديث لم تطف بمخيلة جوهر، إلا أن المؤكد أن الأسباب ١ و٢ و٥ و٦ كانت دوافع عند جوهر القائد عن أهمية مواقع المدن.
حين شرع جوهر في بناء المدينة (٩٦٩م)، بدأ بسور من اللبن أبعاده نحو ١٢٠٠ متر من الشمال للجنوب، ونحو ١٠٠٠–١١٠٠ متر من الشرق للغرب. وربما ما دعاه لذلك أن العواصم السابقة لم تكن مسورة، وبالتالي يصعب الدفاع عنها، وهذه هي عقلية القائد العسكري في العصور الوسطى. وسبب آخر: هو أن جوهر أراد أن تكون العاصمة قاصرة على الخلفاء الفاطميين وأتباعهم من المعاونين والجنود في عزلة عن السكان؛ أي أن تكون مقرًّا ملكيًّا للحكم، وقد يكون دليل ذلك أن القصر الشرقيَّ الذي اختطه جوهر كان يشغل مساحة تساوي عُشر مساحة المدينة، وحينما بُني القصر الغربي، وأُضيف إليه بستان كافور كانت المساحة الكلية للمنطقة الملكية نحو ثُلث المدينة، وكان باقي المدينة يشغله الجامع الأزهر وساحة العيد شمال شرقي القصر بينه وبين مبنى الوزارة — الذي بُني بعد عصر جوهر — وساحة قصر الشوك إلى الجنوب الشرقي بينه وبين الجامع الأزهر.
واختطَّ جوهر أحياء وحارات لسكن أبناء قبائل كتامة والبرقية وزويلة، وكلها تشير إلى مجموعات من شمال أفريقيا قدمت في جيش جوهر، ثم مع المعز لتصبح سندًا للدولة الجديدة.
ولكي تكتمل المدينة الملكية أنشأ جوهر مقبرة الزعفران إلى الجنوب الغربي من القصر الشرقي، وفيها دُفن الخلفاء الفاطميون قبل أن يزيلها الأمير جهاركس الخليلي، ويبني محلها وكالته والخان ومجموعة أبنية تجارية باقية للآن باسم خان الخليلي، ونقل رفات الخلفاء إلى مقابر مجهولة في تلال البرقية — الدرَّاسة الشمالية.
لم يعمر المعز طويلًا في القاهرة؛ إذ تُوفيَ بعد وصوله بأربع سنوات. وفي فترة حكم خلفائه؛ العزيز (٩٧٦–٩٩٥)، والحاكم (٩٩٥–١٠١٩) بلغت القاهرة أوج عزها وثرائها. ومع هذا الثراء بدأ الوهن يدب في الدولة؛ نتيجة المجاعات والصراع بين القيادات المختلفة الأصول من مغاربية وتركية وسودانية وعربية، وبداية الوهن تعود إلى فترة حكم الخليفة الظاهر، واستشرت أيام الخليفة المستنصر (١٠٣٦–١١٠٢).
الحاكم بأمر الله
كثر الكلام عن تدين الحاكم بأمر الله للدرجة التي خلع عليه بعض متشيعيه فيما بعد كثيرًا من الصفات الميتافيزيقية، وغير ذلك من أمور لسنا على قدر من العلم بشأنها. كذلك كثر الكلام عن إصداره أوامر غريبة كعدم أكل الملوخية، وتحديد حركة النساء، وكثرة خروجه ليلًا إلى أماكن مجهولة؛ مما دعا البعض إلى اتهامه بخلل عقلي، ولو صح ذلك ما قام بتجديد «دار العلم» تجاه جامع الأقمر، وإباحتها للناس، وتزويدها بالكتب والورق والحبر؛ لتسهيل النسخ لمن يريد. وأغلب الظن أن دعوى الجنون جاءت بتحريض للخلاص منه.
على أي الحالات، فالذي يهمنا هنا أن الحاكم كان من بناة القاهرة؛ ففي عهده توسعت المساكن شمال باب الفتوح إلى خط الحسينية بعد أن أكمل جامع الخطبة الكبير الذي بدأه العزيز، وسمي باسم الحاكم، وقيل في ذلك: إنه أراد محاكاة الجامع الأزهر، أو التفوق عليه؛ لضخامته الممتدة بين بابي النصر والفتوح، وأقام مخازن كثيرة للوقود والحطب شمال السور، فظن الناس أنه إنما يستعدُّ لحرق القاهرة. ولم يقتصر على اتجاهه شمالًا، بل اتجه إلى المقس غربًا، وأقام مسجدًا كبيرًا به — أولاد عنان الذي اعتنى به الرئيس السادات، وأعاد بناءه، وأصبحت مئذنته من أطول مآذن القاهرة — وجدد باب البحر في هذه المنطقة، واعتنى بدار صناعة السفن التي بدأها أبوه فصارت منافسة لسابقتها في الروضة. وكذلك فتح بابا في سور القاهرة الجنوبي؛ مما أدى بدوره إلى إنشاء خُط اليانسية والهلالية، وكان كل ذلك إيذانًا بالعمران شمال وشمال غرب القاهرة وجنوبها، وهي الاتجاهات التي تواصل عليها امتداد القاهرة في العصور اللاحقة منذ الأيوبي إلى العثماني. وفي الفسطاط بنى جامع راشدة وفي الروضة جامعًا آخر.
وإلى جانب ذلك ربما كان من أهم منجزات الحاكم: إقامة سد وأكوام من الأتربة والرمال ومخلفات البناء شرق سور القاهرة عند خُط البرقية؛ وذلك لحماية المدينة من السيول التي كانت تنحدر إليها من تلال الدراسة والجبل الأحمر في بعض السنوات فتغرق أجزاء من المدينة، وهي التلال التي كانت فوقها طواحين الهواء كما جاء في خريطة الحملة الفرنسية، ومحلها الآن بعض مباني الشرطة ومدينة البعوث الأزهرية ودار الإفتاء ومبني مشيخة الأزهر، بحذاء الجانب الغربي من طريق صلاح سالم. ولا شك في أن هذا السد الذي أقامه الحاكم قد أزاح عن القاهرة غوائل السيول، ولولاه لكان كثير من مباني القاهرة الأثرية قد زالت.
بدر الجمالي
عندما اضطربت الأمور وزادت الفتن بين طوائف الجند في عهد الخليفة المستنصر — وكانت مقدماتها قد بدأت في عهد الخليفة الظاهر في صورة الترف واللهو والتحاسد والأطماع — اضطر إلى الاستنجاد بأحد قواده لتهدئة الموقف وإعادة الأمن، وكان ذلك هو بدر الجمالي نائب الخليفة في عكا. نجح بدر الجمالي في مهمته بالقضاء على سلطة الترك والسودان والعربان.
وبرغم من فوائد التعمير في القاهرة والفسطاط إلا أن ذلك كان نهاية مؤلمة للعسكر والقطائع، وظلت بقاياهما في صورة أكوام وتلال من بقايا المساكن، وبذلك صارت هناك مساحة كبيرة من الأرض الفضاء بين القاهرة والفسطاط، كأنها شقة حرام بين المدينتين، ولم تنصلح أحوال أرض المدينتين إلا عندما نما فيهما العمران في العصر المملوكي. وإلى الآن لا تزال شوارع هذه المنطقة ذات انحدارات مختلفة كشوارع مراسينا وقدري والصليبة، وكلها تتجه من المنشية وقلعة الكبش إلى السيدة زينب.
(٣-٤) نهاية الفسطاط، وانهيار الدولة الفاطمية
فترة التهدئة في أواخر حكم المستنصر ووزارة بدر الجمالي والأفضل لم تكن سوى فترة إنعاش مؤقت لدولة مريضة من الداخل. ففي خلال السبعين سنة الأخيرة (١١٠٢–١١٧١) توالى على الحكم خلفاء ضعاف، بعضهم صغير العمر والبعض الآخر يقودهم الحسد والطمع والترف، وكلهم كانت أمورهم بأيدي وزراء متناحرين تحدوهم المصالح الشخصية قبل مصالح الدولة. ومن أكبر الأمثلة تحالف الوزير شاور مع الصليبيين ضد غريمه ضرغام، والمراوغات المستمرة من جانبه في تحالف، ونقض التحالف مرات مع الصليبيين ومع أسد الدين شيركوه وابن أخيه صلاح الدين أدت في النهاية إلى غزو الصليبيين لشرق الدلتا وحصار القاهرة، وإحراق شاور للفسطاط حتى لا يستولي عليها الصليبيون؛ ضحى بها شاور لأنها كانت مدينة غير مسورة أو محصنة يصعب الدفاع عنها، مقابل أسوار القاهرة الحصينة، وفي النهاية تمكن صلاح الدين من تولي الحكم وإنهاء الخلافة الفاطمية في ١١٧٢م.
والذي يهمنا هنا هو مصير الفسطاط، فقد تجاذبتها في أواخر العصر الفاطمي من الأضرار ما جعلها تفقد مكانتها كمدينة أولى؛ سكانًا ونشاطًا اقتصاديًّا ورعايةً من قبل الدولة، لأن الناس أخذوا يفضلون إقامة أعمالهم التجارية والحرفية داخل القاهرة التي كانت تفقد تدريجيًّا صفتها كعاصمة ملكية، وتتحول إلى مدينة مصر الأولى. ومع تكرار المجاعات والأوبئة وفقدان الأمان نتيجة الصراعات الداخلية كان المزيد من الناجين يتجه إلى القاهرة؛ فيزيد ذلك من فقر الفسطاط. وحين أراد بدر الجمالي إصلاح أحوال الفسطاط بدعوة الناس إلى إعادة التعمير فيها لم يجد استجابة كبيرة. ومع حريق الفسطاط الذي استمر أكثر من خمسين يومًا انتهت في الواقع هذه المدينة التي كانت في يوم ما ذات قدر حاكم في الحياة السياسية والاقتصادية والثقافية لمصر، فكأن احتضار المدينة قد استوعب نحو قرن من الزمان بين تفريغ للسكان، ثم عودة عمران، ثم أخيرًا اندثار شبه كامل.
(٣-٥) القاهرة منذ صلاح الدين إلى محمد علي
ولسنا نشك في أن بعض الحكام قد وجهوا العمران جهة ما؛ فالناس عادة ما يبنون وراء حكامهم في الأحياء الجديدة. فبناء قلعة صلاح الدين قد ساهم في نمو العمران من جنوب القاهرة في اتجاه القلعة، واهتمام الملك الصالح بالروضة جذب السكان إلى هذه الجزيرة وإلى ضفة النهر المقابلة في فم الخليج ودير النحاس، وإنشاء جامع بيبرس في الظاهر ساهم في امتداد العمران من الحسينية إلى باب البحر فيما عرف باسم أرض الطبَّالة، وتعمير الناصر محمد بن قلاوون لحي الناصرية جاء نتيجة لاهتمامه بإقامة ملاعب الفروسية غرب الناصرية بحذاء النيل فيما نعرفه الآن بالمبتديان والمنيرة، واهتمام السلطان قلاوون بإنشاء جامع ومدرسة وبيمارستان قلاوون على الشارع الأعظم جعله سنة أو قاعدة؛ أن يبني السلاطين مدارس وجوامع متراصة في الشارع الأعظم من باب الفتوح إلى ما بعد باب زويلة، مثل جوامع: الناصر محمد وبرقوق والغوري والمؤيد شيخ.
وقد بنيت كثير من البيوت الواسعة شرقية الطراز داخل القاهرة الفاطمية في أزمان مختلفة، ولكن بعض أمراء المماليك وكبار التجار بنوا لأنفسهم قصورًا حول برك القاهرة، وبخاصة بركة الأزبكية وبركة الفيل نتيجة ازدحام المباني داخل المدينة الأصلية. وحكر بعضهم أراضي تركها النيل فقسمت للبيع كأرض بناء، مثل: باب اللوق والمهراني. وفقدت القاهرة ميناء المقس بتراجع النيل، وحل محله ميناء بولاق بعد أن التحمت جزيرة بولاق بضفة القاهرة، وأصبح حي بولاق مكانًا متميزًا للنشاط التجاري والحرفي والنقل النهري، لكنه لم يلتحم ببنية عمران القاهرة إلا بعد فترة طويلة.
- (١)
إنهاء ممالك الصليبيين في فلسطين والشام بقيادة صلاح الدين والكامل والصالح وبيبرس.
- (٢)
إيقاف المد المغولي وتحجيمه ثلاث مرات كبيرة بقيادة السلاطين: قطز وبيبرس وقلاوون؛ مما ترتب عليه ركود المغول في الشرق العربي وتحولهم التدريجي للإسلام. ومرة رابعة عند غزو تيمورلنك للشام وتصدى له السلطان برقوق وابنه فرج دون معركة حاسمة لكنها أوقفته دون مصر.
- (٣)
تحويل مصر والشام من المذهب الفاطمي الشيعي إلى المذهب السني دون معارضة حقيقية من جانب المصريين. وفي هذا يقول البعض: إن المذهب الفاطمي لم يتمكن من المصريين إلا رسميًّا، وظل أكثرهم على مذهب مالك والشافعي دون أن يعارضوا الفاطمية صراحة؛ وترتب على ذلك انحسار الفاطمية من شمال أفريقيا بعد سقوط مركز خلافتها في القاهرة الذي استمر أكثر قليلًا من قرنين من الزمان، ولكن الكثير من الاحتفاليات الفاطمية ما زال يمارس حتى الآن في المناسبات الدينية.
- (٤)
تحول القاهرة إلى مركز الخلافة الإسلامية بعد سقوط بغداد بأيدي المغول. وظلت القاهرة قاعدة الخلافة الإسلامية قرابة ثلاثة قرون (١٢٥٨–١٥١٧) منذ السلطان بيبرس إلى أن انتزعها سليم الأول وحولها إلى إسطنبول.
هذه الأحداث الرئيسية مهَّدت للقاهرة زعامة سياسية وعسكرية وثقافية ودينية في العالم الإسلامي؛ مما جعلها مركزًا تجاريًّا واقتصاديًّا كبيرًا على مستوى العالم ذي الأهمية من الهند إلى أوروبا، فأصبحت قبلة الباحثين والعلماء والرحالة زهاء أربعة قرون.
سكان القاهرة أناس لطفاء ومرحون، وهم لا يبخلون بالكلمات الطيبة، لكنهم لا يصنعون الكثير من الأشياء … ويزاولون التجارة والصناعة غير أنهم لا يخرجون من بلادهم. ص٥٩١.
وتقع وسط النيل وتجاه المدينة القديمة جزيرة تدعى: المقياس … وهذه الجزيرة غاصَّة بالسكان وتحوي قرابة ١٥٠٠ أسرة. ص٥٨٨.
وفي جنوب الضاحية [مصر القديمة] على النيل، يقوم المكس بالنسبة للبضائع القادمة من الصعيد. ص٥٨٧.
ويتكلم عن أسعار الأقوات بالارتباط بفيضان النيل فيما إذا كان عاليًا (١٥ ذراعًا) أو منخفضًا (أقل من ١٢ ذراعًا) في خلال فترة ارتفاع المياه تكون المحاصيل شحيحة، ويحق للبائع تحديد سعر الخبز في حدودٍ مرعية وإلا وقع تحت طائلة العقاب: «وبعد مضي ثمانين يومًا من بداية الفيضان [أي عندما يثبت حجم الفيضان] يحدد المحتسب سعر الأقوات ولا سيما سعر الخبز. ويقع هذا التسعير مرة واحدة في العام.» (ص٥٩٠). وإذا بلغ مقياس النيل ١٨ ذراعًا فإن الأماكن المسكونة ستتعرض للغرق، ويقوم أشخاص بتحذير الناس: «أيها الناس اتقوا الله! من جبل إلى جبل.» أي الفيضان يعم كل الوادي من الهضبة الشرقية إلى الهضبة الغربية.
«… [القاهرة] مجهزة بما يلزم من الصناع والباعة الذين يقيمون على وجه الخصوص في شارع يذهب من باب النصر حتى باب زويلة، وهنا يقيم أكبر جزء من نبلاء القاهرة، ويوجد في هذا الشارع بضع مدارس مدهشة بأبعادها وبجمال بنائها ورونقها، كما توجد بضع جوامع فسيحة وجميلة.» ص٥٧٩.
ويذكر الوزان، وغيره من قبل، أن سكان القاهرة من هواة الأكل المطبوخ من المطاعم، مثل نظام المطاعم الحالية ونظام «تيك أواي». ففي شارع بين القصرين ٦٠ دكانًا للحم المطبوخ، ومحال عديدة لماء الزهور والحلوى بالسكر أو العسل معروضة بشكل أنيق، ومحال للفواكه المستوردة والزلابية والبيض المقلي والجبن المقلي، وعند جامع الغوري فنادق — وكالات — الأقمشة، وكل فندق يضم عددًا كبيرًا من المحلات للأقمشة المستوردة؛ بعضها لتلك من بعلبك والموصل، وبعضها لأقمشة إيطاليا كالساتان الموشى والمخامل والتفتا والبروكار لم ير هو مثلها في إيطاليا ذاتها، ثم وكالات الأصواف الأوروبية، مثل: جوخ البندقية ومايورقه ووسط إيطاليا.
وفندق خان الخليلي، حيث يقيم التجار العجم [يقصد الأجانب] يشبه قصر أمير كبير مرتفع متين البنيان، وفي الطابق الأرضي توجد الغرف التي يستقبل فيها التجار زبائنهم لممارسة تجارة السلع ذات القيمة العالية، مثل: التوابل والأحجار الكريمة والأقمشة الهندية. وعلى الناحية الأخرى من الشارع الأعظم أحياء باعة العطور، مثل: المسك والجاوي والورق الصقيل والحجارة الكريمة. وهناك حي تباع فيه منقولات مستعملة لكنها قطع رائعة مثل أقمشة وملابس من أشغال الإبرة واللآلي والبسط والسجاد … إلخ. وكلها تباع بأسعار تبلغ آلاف الدينارات. والصاغة معظمهم يهود أرباحهم عالية، وأكثر أنواع اللحوم رواجًا الجاموس مع الخضر، والجيزة هي سوق ماشية برقة.
وحول السكان كتب الوزان أن بالقاهرة ٣٠٥٠٠ أسرة نحو ٦٥٪ منهم يسكنون المنطقة الشرقية من القلعة إلى الدرب الأحمر والجمالية. فإذا كان متوسط عدد الأسرة ٦ أفراد وأكثر فمعنى ذلك أن سكان القاهرة كانوا ما بين ١٨٠ إلى ٢٠٠ ألف أو أكثر، علمًا أن ذلك كان بعد كارثة سقوط المماليك، وترحيل عدد كبير من الصناع والحرفيين المهرة إلى إسطنبول.
وقد أطلنا قليلًا في وصف حال القاهرة نقلًا عن الوزان، فما بالنا بالقاهرة عندما كانت العاصمة المزدهرة لدولة المماليك حينما كانت أحسن حالًا وثراء قبل ذلك التاريخ؟
المجموع | ٣٠٥٠٠ أسرة |
القاهرة المسورة | ٨٠٠٠ أسرة |
باب زويلة حتى جامع السلطان حسن | ١٢٠٠٠ أسرة |
حي طولون «عدد كبير من الصناع والتجار من البربر»؟ | |
باب اللوق إلى الأزبكية «مواخير وملاعب … إلخ» | ٣٠٠٠ أسرة |
بولاق «صناع مطاحن تجار: حبوب وزيوت وسكر + ألف سفينة في الميناء» | ٤٠٠٠ أسرة |
خط القرافة | ٢٠٠٠ أسرة |
مصر عتيقة «جنوبها ميناء أثر النبي ويسكنها صناع مختلفين»؟ | |
جزيرة المقياس | ١٥٠٠ أسرة |
ومما لا شك فيه أن الفترة العثمانية الطويلة من ١٥١٧ إلى ١٧٩٧ قد جمَّدت النمو في القاهرة، وأبقت القاهرة على ما كانت عليه من امتداد بعد أن أصبحت ولاية عثمانية، وصحيح أن السلطان سليم انتقص من القاهرة مركز الخلافة ومهرة الصناع، إلا أنه لا يجب أن نبالغ في أثر ذلك على أنه مسبب الركود المصري؛ فالتبعية السياسية لا تعني بالضرورة انتقال النشاط الاقتصادي دفعة واحدة بل تدريجيًّا، وحتى هذا لم يحدث سوى في بداية الحكم العثماني لمصر، وظلت مصر مركزًا تجاريًّا مهمًّا بحكم علاقتها المكانية التي بنيت على مئات السنين. هذا فضلًا عن أن الدولة العثمانية ظلَّت لفترة طويلة دولة حرب؛ فلم تنشئ علاقات ترث مصر بالنسبة لأوروبا، ومن ثم كان احتياجها المستمر لضريبة مصر السنوية إليها، الأمر الذي لا يفيد معه إرباك الاقتصاد المصري؛ لهذا نجد أن الدولة العثمانية كانت تحكم مصر بطريق غير مباشر بواسطة بكوات المماليك المصرية.
لكن أكبر عامل في الركود المصري كان استيلاء البرتغاليين والأوروبيين على تجارة الهند بعد أن كانت شبه حكر على التجارة المصرية، وحيث إن الصراع البحري المصري البرتغالي كان قد بدأ في حكم السلطان الغوري بمعارك غير حاسمة، فإن ذلك كان إيذانًا ببداية عهد جديد تسيطر فيه أوروبا على المحيط الهندي. فلا الأسطول المصري أو المصري العثماني فيما بعد، كان بقادر وحده على الوقوف أمام المد التجاري العسكري الأوروبي، ومع ذلك لا يجب تصور أن تجارة الشرق قد توقفت في مصر تمامًا، بل ظل لها جانب من هذه التجارة، وبخاصة البن والبخور والتوابل، تحتكرها لأسواق الشرق العثماني وأوروبا المطلة على البحر المتوسط كاستمرار للتجارة مع البندقية وجِنوا ومرسيليا فترة من الزمن. هذا فضلًا عن تصدير المنسوجات المصرية المتميزة، مثل: الدميطي في المحلة ودمياط ورشيد ومنفلوط وأسيوط، والقمح والأرز.
- (١)
تناقص تجارة المحيط الهندي.
- (٢)
الاحتلال العثماني وفقدان المبادآت المصرية.
- (٣)
تنازع المماليك على السلطة الداخلية فيما بينهم، فقد كان النظام المملوكي يتجه إلى نهايته.
وقد أرسى المماليك دعائم القوة الاقتصادية المصرية التي استمرت حتى بعد التبعية العثمانية، ودلائل ذلك تتمثل في الأسواق والخانات والوكالات التجارية التي كانت تغص بها القاهرة في العصرين المملوكي والعثماني. وقد بلغت الصناعات الدقيقة مبلغًا كبيرًا في العصر المملوكي بالذات من صناعات الخزف والزجاج والمشغولات النحاسية والجلود ومنسوجات الحرير الفائقة الجودة. هذا فضلًا عن الصناعات التي تُستهلك منتجاتها في المدينة الكبيرة من صناعات الأغذية والمعادن والمنسوجات القطنية والكتانية … إلخ.
وتميزت الأسواق بتحديد سلعي وتوزيع مكاني؛ فسوق باب الفتوح مختص باللحوم وأنواع الخضراوات، والمرجوشي — أمير الجيوش — يختص بالترزية ورفا الملابس، وبرجوان بالأطعمة الجاهزة والأفران، وسوق الشمع عند جامع الأقمر، ويليه سوق الدجاج، وسوق السلاح قرب القلعة، ومجموعة أسواق تدل عليها أسماؤها، مثل: السروجية والمهاميز والجوخيين والحلاويين والشوائيين والمغربلين … إلخ.
(٣-٦) مجتمع القاهرة
انقسم مجتمع القاهرة إلى عدة مجموعات بعضها من أصول إثنية مختلفة، وغالبها من أصول مصرية قاهرية وريفية. ولم يكن الترتيب الطبقي بين سكان القاهرة جامدًا أو منغلقًا على نفسه، بل هو مفتوح للاختلاط والتغير على نحو ما يسمى الآن: «الحراك الاجتماعي»؛ أي التحرك من أدنى إلى أعلى أو العكس، أو التحرك الأفقي من فئة لأخرى.
والمجموعات والفئات القاهرية كانت هي: المماليك – العلماء – التجار – الحرفيين – العاملين.
المماليك والجيش
على الرغم من أن معظم المماليك ينتمون إلى شعوب تركية أو شركسية وما إلى ذلك من المجموعات خارج مصر، فإن ذلك لم يمنع وجود مماليك من السمر؛ نتيجة التزاوج بالرقيق الزنجي، أو مماليك من أصل مصري ترقوا في الفنون العسكرية. كما أن تكوين المماليك كقوة عسكرية للسلاطين والأمراء لم يكن قاصرًا عليهم، وإنما كان بمقدرة الأغنياء من التجار أن يُكوِّنوا لأنفسهم مماليك كقوَّة تحميهم من المخاطر. ويثار جدل حول أصول المماليك بوصفهم أرقاء وبعضهم من أصل مسيحيٍّ أرمنيٍّ وسلافيٍّ وبلقانيٍّ. لكنهم بفضل تربيتهم الدينية والعسكرية كثيرًا ما كانوا يُعتقون، ويظهرون مهارات مدهشة في تكوين الدولة وتنظيمها، وحماية العالم الإسلامي من غزوات الصليبيين والمغول، وإرساء قواعد الازدهار التجاري ببناء الأساطيل العسكرية والتجارية التي تجوب البحر المتوسط والأحمر والمحيط الهندي.
ومن حيث المفهوم العام لمعنى مملوك، سواء في هذا مملوك لسلاطين وأمراء أو تجار أغنياء، تجد منهم من يصبحون من العلماء، مثل: ياقوت الحموي والحسن بن الوزان، وبعضهم قواد عظام، مثل: جوهر وبيبرس وقلاوون والغوري، أو منظمين متميزين، مثل: بدر الجمالي وقره قوش. ولكن تنشئتهم العسكرية جعلت غالبيتهم أداة حرب مقومها الفلسفي هو القوة لتحقيق الهدف؛ لهذا كانوا كثيري التنافس والحرب فيما بينهم من أجل الوصول إلى منصب أو وظيفة ذات قدر مالي اجتماعي، أو الوصول إلى السلطنة ذاتها. وفي فترة الحكم العثماني كان التناحر بينهم كبيرًا على منصب شيخ البلد، أو بما يعني: كبير المماليك الذي كانت سطوته أعلى من سطوة «الباشا» ممثل السلطان العثماني في مصر، وسلطاته تكاد ألا تتجاوز أسوار القلعة إلا قليلًا. وقد كانت تلك أواخر زمن قوة المماليك السياسية والعسكرية التي قضى عليها محمد علي بالكثير من الدهاء والسياسة والقسوة. ونحن نرى الآن في «مذبحة القلعة» شيئًا منافيًا للأعراف، لكن هكذا درج المماليك على مثل هذا الشيء من القسوة في تصفية بعضهم البعض، ومن ثم فقد كانت المذبحة جزءًا من خلقيات المماليك لفترة طويلة، فقد عاشوا بالسيف وماتوا به أيضًا، وحكمنا الحالي على المذبحة ينطلق من منظور فلسفي غير منظورهم وفلسفتهم.
وقد كان المماليك أساسًا قوة الفرسان، التي تمثل في الحروب البرية الحالية المدرعات التي تشق الطريق إلى بقية أفراد الجيش؛ ولهذا فقد كانت الجيوش في العصور الوسطى من الفاطميين إلى المماليك والعثمانيين تتكون من المشاة والطوبجية (المدفعية)، وغالبًا ما كان الجيش يتكون من عدة مجموعات إثنية من البربر والسودانيين وغيرهم من الأكراد والترك والبدو … إلخ. وقد حدثت منافسات شديدة في وقت السلم بين هذه المجموعات أدَّت إلى اقتتالهم فيما بينهم، وخاصة في العصر الفاطمي وأوائل فترة حكم صلاح الدين، وآخر هذه التشكيلة من الجنود كانت في أوائل حكم محمد علي بين الأرناءوط والترك والمماليك، انتهت بإقصائهم والقضاء عليهم جميعًا، وتكوين جيش ثابت قوامه الأساسي من المصريين.
وهذا الجيش المكوَّن من أبناء مصر هو الذي صنع أمجاد مصر في الصحراء العربية والمورة والشام والأناضول، ولخطورته كانت واحدة من أهم نصوص اتفاق محمد علي والدولة العثمانية — بتأييد بريطانيا للعثمانيين بصفة خاصة — على تخفيض عدد الجيش المصري إلى حد كبير.
العلماء
ظل للعلماء شأن كبير في حياة مصر منذ قدوم الإمام الشافعي وعدد من آل البيت النبوي الشريف، وحيث إن العلم في ذلك الأوان كان مرتبطًا بالدعوة الإسلامية، وتعليم أصول الدين والمعاملات والقضاء، فقد كان العلماء مرتبطين دائمًا بالجوامع الكبرى: عمرو والأزهر.
وقد لعب العلماء أدوارًا مهمة في حياة القاهرة السياسية، سواء في ذلك علماء الشيعة في العصر الفاطمي، أو علماء مذاهب السنة الأربعة بعد ذلك. فمما لا شك فيه أن مراسيم إعلان السلاطين كانت تصدر عن مجمع علماء الأزهر، وكانت لهم يد طولى في تأييد أو إنزال الولاة العثمانيين، وآخرها كان موقفهم من هؤلاء الباشوات فترةَ الصراع بين محمد علي وبين الوالي، وانتهت بنزول السلطان العثماني على إرادة العلماء بتعيين محمد علي واليًا على مصر.
ولكن أهم ما نعرفه كان موقف العلماء من الحملة الفرنسية التي لم تجد بدًّا من الاعتراف بهم كقوة سياسية دينية؛ فأدخلت بعضهم في المجلس الأعلى للحكم في مصر.
ومن الأسماء التي ترددت كثيرًا في أواخر ق١٨ وأوائل عصر محمد علي في هذا المضمار الشيوخ: المهدي، والشرقاوي، والعطار، والسادات، و«نقيب الأشراف» السيد عمر مكرم الذي وقف مناهضًا لسلطات محمد علي فنفاه إلى دمياط.
وليس العلماء هم رجال الدين فقط، بل كان هناك من العلماء آخرون متفقهين في علوم الدين والدنيا، مثل: ابن خلدون الذي عُيِّن قاضي القضاة فترةَ وجوده في مصر إلى أن توفيَ بها، والجبرتي صاحب الرأي السياسي ابن الشيخ حسن أحد علماء الأزهر.
ولعل قوة العلماء لا ترجع فقط إلى قدرهم العلمي في الأزهر الشريف، بل أيضًا إلى حصولهم على ما كان يعرف باسم: «مسموح المشايخ»؛ أي إعفاء أراضيهم وممتلكاتهم من الضرائب، وهو ما كان يعطيهم قوة مالية استفاد بعضهم منها في الحصول على المزيد من العقارات أو الاشتراك في أعمال تجارية. وبرغم أن هذا «المسموح» للعلماء والمماليك وبعض فئات أخرى كان جزءًا من نظام عام معمول به، فإنه زاد من حمل الضرائب على الفلاحين، وزاد من تفتيت الولاءات في المجتمع المصري بصفة عامة.
التجار
وحسب ما جاء في كتاب «وصف مصر» كانت بالقاهرة في آخر القرن ١٨ مؤسسات تجارية تصنف إلى عشر خانات — جمع خان — وهي كما جاء سابقًا: أبنية متسعة مليئة بمحلات تجارية غالبها متخصص في سلع معينة، وكلها مركزة في القاهرة الفاطمية، وكان هناك ٢١٧ وكالة تجارية، ٦٠٪ منها في القاهرة الفاطمية و١٣٪ في بولاق، وبعض هذه الوكالات متخصصة في سلع محددة كالصابون والزيت والمنسوجات والجلود والسلاح، والغالب أنه كان لبعض هذه الوكالات معامل وورش خاصة بها. وكذلك كان هناك ٧١ سوقًا موزعة بتعادلية على أنحاء معمور القاهرة آنذاك. وهذه الأرقام تعطينا صورة عن النشاط التجاري داخل المدينة، وكم كان عدد التجار صغيرهم وكبيرهم، ولكنه لا يعطينا صورة عن كبار التجار الذين يتعاملون في التجارة الخارجية أو تجارة الترانزيت، وبعض هؤلاء كانوا يمتلكون أساطيل تجارية بحرية ونهرية؛ أي إنه كان هناك نوع من التكاملية بين التجارة والنقل والتوزيع معًا، مما ترتب عليه الثراء المدهش لهؤلاء الكبار.
لكن الصورة اختلفت منذ عصر محمد علي، وأصبحت الدولة هي المنظم الأساسي للتجارة الخارجية. لكن بقي للتجار وأصحاب الدكاكين أهميتهم في السوق الداخلي، وبخاصة في أسواق القاهرة الغذائية، واحتياجاتها من الصناعات الحرفية، وربما عدنا إلى تفصيل ذلك في الفصول التالية.
الاقتصاد والسياسة
وربما كان هنا موضع مناقشة اتجاهات التجارة المصرية سواء المعاد تصديرها كتجارة ترانزيت أو المنتجة محليًّا. فقد كان الاتجاه غالبًا إلى أوروبا خلال حكم المماليك، ثم حدث بعض التغير في اتجاه بعض التجارة إلى أقطار الدولة العثمانية، ومع ذلك ظل الاتجاه الأكبر هو إلى أوروبا نتيجة استيراد المماليك للأسلحة الحديثة والسلع الصناعية الأوروبية. وفي البداية كان الميزان التجاري لصالح مصر، ولكنه أخذ في التغير لصالح أوروبا بعد حدوث عدة نكسات على رأسها دخول شركات فرنسية اتفاقيات استيراد البن مباشرة مع اليمن بدلًا من الوسيط المصري. ويضاف إلى ذلك نجاح زراعة البن في بعض مستعمرات فرنسا في البحر الكاريبي. والنكسة الأخرى هي عزوف أوروبي جزئي عن استيراد المنسوجات المصرية بحجة رداءة السلعة، ولكن يجب أن نضيف لذلك انتشار صناعة النسيج الآلية الحديثة في أوروبا، ورخص أسعار المنتج منها بالقياس إلى الصناعة المصرية.
وقد أدت هذه النكسات إلى تقليل أرباح ترانزيت البن، وتدهور عام في الدخل مع زيادة الميزان التجاري لصالح أوروبا، إلى ضائقة مالية حاول المماليك والتجار تعديلها بالاشتطاط والمغالاة في فرض الضرائب التي ثقلت على الفلاحين والحرفيين؛ مما أدى إلى مردود معكوس أدى إلى مزيد من قلة الإنتاج الزراعي والصناعي والحرفي. وهكذا دخلت مصر دائرة مغلقة من التراجع حتى جاءت الحملة الفرنسية التي أدت بدورها إلى تدهور كبير نتيجة ثورات القاهرة ضد الفرنسيين، والدمار الذي أحدثه الفرنسيون لقمع تلك الثورات.
لكن أحد أهم نتائج الحملة الفرنسية أنها أظهرت مدى تخلف النظام المملوكي السياسي، وعدم قدرته على استيعاب التحديث؛ وبذلك وضعت اللبنة الأخيرة في نهاية هذا النظام.
ولا شك أن محمد علي جاء بنظام جديد يتقبل الحداثة والتحديث في الحكم والإدراة والشئون المالية والاقتصاد الزراعي والصناعي والعلاقات الدولية، وإن أبقى على حكم الفرد. ونحن لا نعتقد أن محمد علي جاء بكل هذه التنظيمات من مصادر خارجية وطبقها مرة واحدة، بل كان هناك تطويع لمبادئ الإدارة وتطبيقات تدريجية لها على قدر الظروف الانتقالية في المجتمع المصري مع النظر إلى أشكال التنظيم الأوروبي، والكثير من الاستشارات والتجريب. وقد وقع محمد علي أسير التاريخ، فحاول بسرعة إعادة تطبيق إستراتيجية التاريخ السياسي المصري في الهيمنة على الشرق الأوسط من الشام إلى الحجاز بإضافة عمق في السودان لم يكن موجودًا من قبل في تاريخ مصر الإسلامي؛ لهذا فقد كان محرك تنظيماته الجديدة في كافة الشئون الداخلية متمحورًا حول الجيش القوي الذي أنشأه، ومحاولته الاستفادة من تناقضات المنافسة الفرنسية الإنجليزية على الشرق باستقطاب فرنسا. لكن عصر بناء الإمبراطوريات الشرقية كان قد ولى؛ لهذا توقف مشروع محمد علي السياسي عند مواجهة القوي الأوروبية عامة والإنجليزية خاصة، ولما هبط محرك التطور العسكري المصري هبط معه الكثير من النشاط الصناعي، وبقيت الزراعة ذات التركيب المحصولي المُحدَّث — مشروعات الري الدائم، والمحاصيل الصيفية وعلى رأسها القطن — عماد التركيب الاقتصادي لنحو قرن من الزمان (١٨٤٠–١٩٣٠).
وقد حاول إسماعيل تقليد جدِّه ولكن في الاتجاه الجنوبي؛ بناء إمبراطورية أفريقية في الوقت الذي اشتد فيه تسارع الدول الأوروبية على تقسيم أفريقيا، وكان محركه في ذلك تحسن مصادر الثروة المصرية بصادرات القطن ورسوم عبور قناة السويس، فدخل في مشروعات توسع في القرن الأفريقي (مصوع، زيلع، هرر، بربره) وفي منابع النيل الاستوائية (أوغندا الحالية) لكنها كانت عبئًا ماليًّا، وقصيرة العمر، ونتائجها محسومة لصالح أوروبا.
وآخر المحاولات المصرية أسيرة التاريخ كانت في عهد عبد الناصر الذي حاول استعادة روح القومية العربية في مواجهة إسرائيل والغرب؛ معتمدًا على أيديولوجية ثورية نجحت في المساعدة على تصفية النفوذ البريطاني، لكنها أحدثت صدعًا عربيًّا بين الملكيين والجمهوريين فلم تصادف سوى نجاح عربي محدود.
الحرفيون والنقابات الحرفية
في أواخر القرن ١٨ كان في القاهرة ٧٦ ورشة حرفية وصناعية، نحو ٣٦٪ منها في المنطقة الممتدة غرب الخليج من باب الخلق إلى باب اللوق، ونحو ٣٠٪ منها فيما بين الغورية والسلطان حسن، وبعبارة أخرى: إن الورش كانت خارج القاهرة الفاطمية بصورة عامة في اتجاه الجنوب والغرب.
والذي يهمنا في موضوع البنية الاجتماعية أن الكثير من أصحاب الورش والتجار كانوا يسكنون مع عمالهم في حارة أو حي واحد، بحيث إن الروابط المكانية كانت تجمعهم بغض النظر عن الوضع المالي. صحيح أن بيوت أصحاب العمل كانت أكبر وأفخم لكن الشعور بالتساند كان سمة غالبة في حياة القاهرة. وما زال بعض المعلمين يسكنون جوار ورشهم، لكن العمال يأتون من أحياء مختلفة، ولكن غالب الأسطاوات والمعلمين الكبار أصبحوا الآن «رجال أعمال» يقيمون في الأحياء المترفة وصلتهم بالعمال محدودة وغير مباشرة — مجلس الإدارة، وصور شتى من الإعلام — فلم يعد هناك تفاعل جماعي كما كان في الماضي القريب.
الصحة والتعليم
لعلنا نختتم هذه الفترة من حياة مدينة القاهرة بالتأكيد على اهتمام الولاة والحكام ببناء المارستانات والكتاتيب والأسبلة والحمامات، وغير ذلك من احتياجات المدن الكبرى.
المارستانات: من السرد التاريخي نجد أن هذه المستشفيات قد بنيت غالبًا في عصور مصر المستقلة. فلم نعرف للآن أن ولاة مصر في عهد الخلفاء الراشدين والأمويين والعباسيين قد بنوا مثل هذه المؤسسات الصحية العامة.
وأول من بنى مارستانًا في مصر كان أحمد بن طولون نحو سنة ٨٧٤م؛ أي بعد ست سنوات من توليه حكم مصر، وكان موقعه في مدينة القطائع، ويقول المقريزي: إنه صرف على بنائه ٦٠ ألف دينار، وعمل له حمامين للرجال والنساء، والغالب أن ابن طولون في ذلك قد حاكى مارستان بغداد، وتلاه كافور الإخشيد بمارستان في الفسطاط نحو سنة ٩٥٧م. ولم ينقضِ وقت طويل حتى أنشأ الفاطميون في مدة حكم العزيز بالله «الربع الأخير من القرن العاشر» مارستان القاهرة جنوب القصر الصغير.
وبنى صلاح الدين مارستانًا في القاهرة للمرضى والضعفاء، ويقول المقريزي: إنه استخدم له أطباء وطبائعيين وجراحين ومشرفين وعمالًا وخدمًا، وخصص له ٢٠٠ دينار شهريًّا، كما أمر بفتح المارستان القديم، وخصص له طبيبًا وعاملًا ومشرفًا وعشرين دينارًا شهريًّا؛ بمعنى أنه أصبح بالقاهرة مستشفيان لأول مرة!
وتلاه مارستان أنشأه المؤيد شيخ (١٤١٣–١٤٢١) قريب من القلعة، وأنشأ عبد الرحمن كتخدا إسبتاليا للنساء في جهة تحت الربع بباب الخلق في القرن ١٨م.
وفي عهد محمد علي دخل ميدانَ الصحة تدريسُ الطب؛ بإنشاء مدرسة للطب تنقلَّت في أماكن مختلفة قبل أن تستقر في قصر العيني، وتلاه بطبيعة الحال منشآت صحية أخرى ظلت تنمو وتتخصص في العهود التالية. ويكتب علي مبارك أن بالقاهرة في ١٨٨٢ خمس مستشفيات على رأسها قصر العيني المجهز ﺑ ١١٥٠ سريرًا، ومستشفى الأمراض العقلية في العباسية، ومستشفى أوروبي في العباسية، وآخر في حي الإسماعيلية، والخامس مستشفى اليهود في حارة اليهود.
وكانت الأجزاخانات — الصيدليات — مرتبطة بالمارستان أو المستشفى، وما زال ببعض المستشفيات أجزاخانة خاصة يسميها علي مبارك: الأجزاخانة الميري، مثل: قصر العيني، ولكن منذ فترة محمد علي انتشر نمط الأجزاخانة الخاصة، وأصبح عددها في ١٨٨٣ أربعة وأربعون أجزاخانة، ١٩ منها في وسط البلد — كلوت بك والعتبة والموسكي — والباقي موزعة على الأحياء الأخرى من المدينة.
الحمامات العامة
الحمامات جزء مهم من الصحة العامة، وضرورة في البلاد الحارة، ويذكر المقريزي أن بالقاهرة ٤٥ حمامًا؛ منها ١٢ في العصر الفاطمي، وستة حمامات في العصر الأيوبي، و٢٢ في عصر المماليك. وقد أحصى جومار مائة حمام عام بالقاهرة وإن كان قد عد ٩١ منهم فقط، موزعة على أحياء القاهرة المختلفة، نقصت إلى ٥٥ حمامًا في أواخر ق١٩؛ وذلك نظرًا لوصول مياه المواسير لبعض الأحياء، وبالتالي وجود الحمامات الخاصة داخل البيوت كنمط جديد سهل التداول. وهذا لا ينفي وجود الحمامات الخاصة داخل البيوت الكبيرة في كل العصور.
وهناك حمامات متخصصة للرجال أو النساء، لكن هناك أيضًا حمامات يتبادل فيها الجنسين أيام أو ساعات العمل، وغالب الحمامات تستخدم البخار، وبها مغطس مياه ساخنة. وتضم بعض الحمامات الفاخرة متخصصين في التدليك وتليين المفاصل، وهو ما يستدعي فترة طويلة يرتاح فيها الزبائن بعد أنواع «المساج» المتعددة في غرف مؤثثة مع تقديم القهوة كشراب منشط، ومثل هذا قريب الشبه بالمؤسسات الصحية الدارجة حاليًّا باسم: «نوادي الصحة». وبطبيعة الحال فإن مثل هذه الحمامات يؤمُّها الأغنياء فقط، وتستغرق طقوسها بضع ساعات تمامًا كما هو الحال الآن، ولكن غالبية الحمامات الأخرى لا تقدم إلا المغطس، وتدليك سريع يقوم به «المكيساتي» بقفاز — كيس — خشن لإزالة العرق وتفتيح المسام.
الأسبلة والكتاتيب
في القاهرة ذات متوسط الحرارة العالي معظم السنة يحتاج الأمر إلى إقامة أسبلة — جمع سبيل — لتقديم الماء مجانًا للسابلة العطشى، والغالب أنها «سبيل ماء لله»، ومن ثم انتشرت إقامتها بين القادرين من الناس والأمراء. وواجهة السبيل غالبًا يتفنن فيها صانع المشغولات المعدنية، وتعلم البناء، ووراءها في داخل البناء حوض كبير يختزن فيه الماء، وفي آخر القرن ١٨ كان بالقاهرة نحو ٢٤٥ سبيلًا، ٦٤ منها ذات بناء فاخر، ونقص العدد إلى ٢٠٠ سبيل في كتابات علي مبارك؛ أيضًا نتيجة تمديدات المياه الجديدة في الأنابيب.
وفي أغلب الأحيان يوجد كتاب فوق السبيل؛ لتحفيظ القرآن، وتعليم القراءة والكتابة، ومبادئ الحساب، ويعجب كتَّابُ «وصف مصر» الفرنسيون بطريقة التعليم الجماعي في الكتاتيب واستخدام اللوح والطباشير مقابل منهج التعليم الفردي المتبع في فرنسا وكثرة استخدام الورق. كما أن أجر معلم الكتاب كان على قدر الأسر وليس ثابتًا، مما كان يسمح بديمقراطية التعليم بدون تمييز لأبناء أسر غنية أو فقيرة. وكان في القاهرة آنذاك ٣٤ كتَّابًا فضلًا عن مدارس أولية للمسيحيين لا تبتعد كثيرًا عن منهج التدريس السائد. ولكننا الآن قد بعدنا عن التعليم الجماعي، وربما كان هذا سببًا في الضعف اللغوي الملحوظ، وليس هذا بدعوة إلى نظام الكتاتيب، لكنه آن الأوان أن نقف برهة لتكييف نظام التعليم مع المستحدثات الجديدة، وبخاصة الكمبيوتر، مع المحافظة على سلامة اللغة؛ لأنها الوسيلة الوحيدة للتعلم والتفاهم والتقاضي والأدب، وكل شيء يقع في الحياة بماضيها وحاضرها.
(٣-٧) القاهرة منذ إسماعيل
- (١)
انتقال إسماعيل من القلعة إلى قصر عابدين، وهو تغير مرتبط بأفكار إسماعيل التحديثية للانتقال من نمط الدولة الشرقية إلى نمط الدولة الغربية، أي خروج الحكم من الحصن المغلق إلى الملأ المفتوح المتفاعل مع المدينة.
- (٢) مع انتقال الحكم إلى عابدين حدثت طفرة عمرانية في القسم الغربي من المدينة بدلًا من التزاحم الكثيف في القسم الشرقي، كما أسلفنا في الفصل الأول من هذا الكتاب.
- (٣)
زاد إسماعيل النمو الغربي للقاهرة بتخطيطِ وبناءِ حيٍّ جديد متكامل سمي: الإسماعيلية، وهو وسط البلد الآن، وتلاه توفيق بحي التوفيقية إلى الشمال من الإسماعيلية. وحيث إن الإسماعيلية قد بُنيت على الطراز الغربي، فقد أصبح لدينا في القاهرة طرازان من العمران والمعمار: الشرقي القديم والغربي الحديث، واستمرت هذه الازدواجية فترة طويلة، لكن المعمار الحديث كانت له الغلبة في نهاية المطاف، وذلك لمقتضيات الحياة العصرية.
- (٤)
مما لا شك فيه أن تحسن الأحوال المالية المصرية، وبخاصة سوق القطن المصري في العالم الخارجي بعد اندلاع الحرب الأهلية الأمريكية وتدهور صادراتها القطنية فترة لا بأس بها، قد أعطى إحساسًا ملموسًا بالرخاء العام في مصر، ويضاف إلى ذلك تدرج عائدات مصر من مرور السفن في قناة السويس.
وهذه كلها أسباب أدَّت إلى طفرة كبيرة في تعمير غرب القاهرة من الإسماعيلية والتوفيقية شمالًا إلى حي الدواوين حول لاظ أوغلي وقصور المنيرة جنوبًا في نظام شبكيٍّ واضح المعالم، ونمط حياتيٍّ أخذ في الاختلاف عن النمط التقليدي كما نراه من الشكل التالي:
محلات ودكاكين القاهرة ١٨٨٣ بالقسم
(٣-٨) بنية القاهرة الحالية
- (١)
اتجاهات نمو القاهرة ثابتة في كل الاتجاهات التي أشار إليها «بونسيه»، بل زاد تسارعها بإنشاء مجموعة الطرق والأوتوسترادات حول القاهرة؛ الدائري، والطرق المحورية؛ الإسماعيلية والسويس والعين السخنة وحلوان و٦ أكتوبر، وكلها مجالات تغري بتحول الأرض من البيئة الصحراوية والزراعية إلى تعمير عقاري سكني. وزاد الأمر أن وزارة التعمير منذ الثمانينيات اعتمدت بناء مدن جديدة قريبة من القاهرة؛ مما جعلها في الحقيقة امتدادًا للقاهرة على طول محاور الطرق. وفضلًا عن ذلك تراخي الإدارة عن مقاومة ضغوط العمران العشوائي والطفيلي إلى أن استفحلت مشكلاتها بطريقة أفقدت الطرق المحورية والدائرية وظيفتها التي بنيت من أجلها كخطوط حركة لا تعوقها أشكال العمران القاهري الكثيف.
- (٢)
مناطق السكن المتدهور التي أشارت إليها الخريطة، هي بعينها نوايات مناطق العشوائيات الحالية في: شبرا الخيمة والساحل والمطرية وعين شمس والشرابية وشرق القاهرة ومصر القديمة.
ودار السلام وإمبابة وبولاق الدكرور، وكلها نمت إلى العشوائيات الحالية حول القاهرة كما أسلفنا في الفصل الثاني. - (٣)
ما زال السكن الكثيف في شمال القاهرة المركزية من بولاق وشبرا إلى العباسية وحدائق القبة في مرحلة التخلخل؛ بل إن منطقة بولاق وروض الفرج قد تخلخلت بصورة جذرية، وحلت العمائر والمنشآت التجارية والمالية والفندقية محلها على طول واجهتها النيلية، وعلى محور شارع الجلاء.
- (٤)
وأخيرًا فإن عمران القاهرة المركزية في قسمها الشرقي من السيدة زينب والخليفة في الجنوب، إلى الجمالية والفجالة وشبرا في الشمال قد بدأت فيه أعمال إعادة البناء محل البيوت القديمة والآيلة للسقوط، وهي التي يشير إليها «بونسيه» برمز: «تطوير البناء في عقارات موروثة قديمة».
(٣-٩) أعداء القاهرة
- (١)
الأوضاع السياسية بين كونها عاصمة لدولة مستقلة أو إقليم تابع، وأكثر النماذج وضوحًا في النمو والازدهار كان في عصور الدولة الفاطمية ودولة المماليك ومحمد علي وإسماعيل. الدولة الأيوبية كانت فترة مجيدة لكنها كانت دولة حرب امتصت الكثير من عوامل النمو المالية، بينما استقرت دولة الفاطميين والمماليك في الحكم قرونًا طويلة مكَّنت من مواجهة الأزمات بتحسينات وإصلاحات. أما زمن إسماعيل فقد كان القفزة العمرانية لازدهار سابق في عهد جدِّه محمد علي، تم من خلالها إنشاء القاهرة الجديدة مقابل التقليدية، ونمو القاهرة بعد إسماعيل وحتى الآن هو استمرارية بقوة القصور الذاتي، واندفاع الهجرة الريفية إليها دون مواجهة حقيقية لأسبابها الديموجرافية والاقتصادية والإدارية.
- (٢)
فقدان الأمن الداخلي كان سببًا في إعاقة نمو القاهرة، ونموذج ذلك الاضطرابات المميتة بين طوائف العسكر من ترك وسودان التي أدت إلى اضمحلال دولة الفاطميين، أو تناحر المماليك في أواخر العصر العثماني، وأخيرًا صراع العسكر المصريين والترك في ثورة عرابي، والتغيير الطبقي الذي أحدثته «ثورة ١٩٥٢» العسكرية.
- (٣)
وفي الجوانب الاقتصادية والصحية: كثرة المجاعات وتوطن الأوبئة كانت من بين أسباب مهمة في كبح النمو السكني والسكاني للقاهرة خلال عصور طويلة، وقد تمت سيطرة شبه كاملة على أسباب المجاعة والأمراض، ولكن الجوانب الاقتصادية تتأثر كثيرًا بإنفاقات الدولة على مشروعات عسكرية واقتصادية أكبر من الطاقات المصرية منذ عصر محمد علي؛ مما يؤدي إلى مزيد من الهجرة الداخلية إلى القاهرة فيزيد نموها الكمي سكانًا ومساحة، ويزيد من تكتل السكان المحرومين في أحياء طفيلية عشوائية.
السنة الهجرية | السنة الميلادية | ملاحظات | ||
---|---|---|---|---|
١ | ٦٢٢ | هجرة الرسول إلى المدينة | ||
٢١ | ٦٤١ | فتح مصر – جامع عمرو ٢٣ﻫ | ||
٢٥ | ٦٤٥ | الفسطاط ٢٣ﻫ | ||
٣٠ | ٦٥٠ | |||
٣٥ | ٦٥٥ | ولاية عمرو الثانية ٣٨–٤٣ﻫ | ||
٦٥ | ٦٨٥ | عبد العزيز بن مروان ٦٨٥–٧٠٥ | ||
٩٥ | ٧١٤ | مقياس النيل الأول ٩٨–٧١٧ | ||
١٢٥ | ٧٤٤ | ٧٤٢ — إنشاء العسكر ١٢٣ﻫ | ||
٢٤٥ | ٨٥٩ | ٨٦١ — مقياس النيل الثاني ٢٤٧ﻫ | ||
٢٥٤ | ٨٦٨ | نهاية عصر الولاة | ||
٢٥٤ | ٨٦٨ | أحمد بن طولون | ||
٢٦٠ | ٨٧٣ | القطائع والقصور ٢٥٦ﻫ/٨٧٠ | ||
٢٦٥ | ٨٧٨ | ن ٢٦٢–٢٦٥ / ٨٧٦ | ||
٢٧٠ | ٨٨٣ | خمارويه بن طولون | ||
٢٧٥ | ٨٨٨ | |||
٢٨٠ | ٨٩٣ | |||
٢٨٥ | ٨٩٨ | جيش بن خماوريه ٨٩٥ | ||
٢٩٠ | ٩٠٢ | هارون ٨٩٦ | ||
٢٩٢ | ٩٠٤ | شيبان ونهاية الطولونيين | ||
٢٩٥ | ٩٠٧ | ولاة عباسيون | ||
٣٠٠ | ٩١٢ | ثلاثة عشر واليًا ٢٩٥–٣٢٣ﻫ | ||
٣١٠ | ٩٢٢ | |||
٣٢٠ | ٩٣٢ | |||
٣٢٣ | ٩٣٤ | محمد الإخشيد | ||
٣٣٥ | ٩٤٦ | أنوجور بن الإخشيد | ||
٣٤٩ | ٩٦٠ | علي بن الإخشيد | ن٢٤٦ﻫ | |
٣٥٦ | ٩٦٦ | أبو المسك كافور | بستان كافور | |
٣٥٨ | ٩٦٨ | أحمد بن علي | نهاية الإخشيد | |
٣٥٨ | ٩٦٩ | جوهر وبداية الفاطميين | ||
٣٦٠ | ٩٧٠ | المعز لدين الله | القاهرة ٩٦٩ | |
٣٦٥ | ٩٧٥ | العزيز بالله | الأزهر ٩٧٠ | |
٣٧٠ | ٩٨٠ | |||
٣٧٥ | ٩٨٥ | |||
٣٨٠ | ٩٩٠ | |||
٣٨٦ | ٩٩٦ | الحاكم بأمر الله | ج. الحاكم ٤٠٢ | |
٣٩٠ | ٩٩٩ | ج. راشدة ٣٩٣ | ||
٤٠٠ | ١٠٠٩ | |||
٤١٠ | ١٠١٩ | |||
٤١١ | ١٠٢٠ | الظاهر | ||
٤٢٠ | ١٠٢٩ | |||
٤٢٧ | ١٠٣٦ | المستنصر | ||
٤٣٠ | ١٠٣٨ | |||
٤٤٠ | ١٠٤٨ | |||
٤٥٠ | ١٠٥٨ | |||
٤٦٠ | ١٠٦٧ | سور بدر الجمالي ٤٧٨ + ج. الجيوشي | ||
٤٨٠ | ١٠٨٧ | باب زويلة ٤٨٠ | ||
٤٨٧ | ١٠٩٤ | المستعلي | ||
٤٩٥ | ١١٠١ | الآمر | ج. الأقمر ٥١٩ | |
٥٥٥ | ١١٦٠ | الحافظ إلى العاضد ونهاية الفاطميين | ||
٥٦٥ | ١١٦٩ | صلاح الدين | الأيوبيون | |
٥٧٥ | ١١٧٩ | ن ٥٧٣ﻫ / ١١٧٧ | ||
٥٨٥ | ١١٨٩ | |||
٥٨٩ | ١١٩٣ | العزيز بالله | ||
٥٩٥ | ١١٩٨ | المنصور | ||
٥٩٦ | ١١٩٩ | العادل | ||
٦١٥ | ١٢١٨ | الكامل | ||
٦٢٥ | ١٢٢٧ | أحياء ج. الإمام الشافعي ٦١٧ﻫ | ||
٦٣٥ | ١٢٣٧ | العادل ٢ | ||
٦٣٧ | ١٢٣٩ | الصالح | قلعة الروضة | |
٦٤٦ | ١٢٤٨ | توران شاه – معركة المنصورة | ||
٦٤٨ | ١٢٥٠ | نهاية الأيوبيين | ||
٦٤٨ | ١٢٥٠ | أيبك – شجرة الدر بداية المماليك | ||
٦٥٧ | ١٢٥٨ | معركة عين جالوت – قطز | ||
٦٥٨ | ١٢٥٩ | بيبرس الأول | ||
٦٦٦ | ١٢٦٧ | |||
٦٧٦ | ١٢٧٧ | سلاميش – بركة خان | ||
٦٧٩ | ١٢٨٠ | المنصور قلاوون | إنشاء بيمارستان قلاوون ٦٨٤ | |
٦٨٩ | ١٢٩٠ | الأشرف بن قلاوون | ||
٦٩٣ | ١٢٩٣ | الناصر محمد بن قلاوون | سلطنة قلاوون (١) | |
٦٩٦ | ١٢٩٦ | لاجين | أحياء جامع ابن طولون ٦٩٦ | |
٦٩٨ | ١٢٩٨ | الناصر محمد بن قلاوون | قلاوون (٢) | ترميم الأزهر |
٧٠٨ | ١٣٠٨ | بيبرس الجاشنكير | ||
٧٠٩ | ١٣٠٩ | السلطنة الثالثة — الناصر محمد بن قلاوون | وحفر الخليج الناصري ٧١٣ | |
٧٤١ | ١٣٤١ | أبو بكر – كجك – أحمد – إسماعيل … إلخ | ||
٧٤٨ | ١٣٤٧ | الناصر حسن (١) | ||
٧٥٢ | ١٣٥١ | صالح بن ناصر | ||
٧٥٥ | ١٣٥٤ | الناصر حسن (٢) | جامع السلطان حسن ٧٥٧ﻫ / ١٢٥٦ | |
٦٧٢ | ١٣٦١ | أحفاد الناصر محمد | ||
٧٨٧ | ١٣٨٢ | برقوق – بداية المماليك الشراكسة | ||
٧٩٥ | ١٣٩٢ | |||
٨٠٢ | ١٣٩٩ | فرج بن برقوق (١) | وبناء خانقاه برقوق ٨٠٢ | |
٨٠٨ | ١٤٠٥ | عبد العزيز بن برقوق | ||
٨٠٩ | ١٤٠٥ | ٢ — فرج بن برقوق | ||
٨١٥ | ١٤١٢ | المؤيد شيخ | بيمارستان ٨١٨ | |
٨٢٥ | ١٤٢٢ | الأشرف برسباي | ||
٨٣٥ | ١٤٣١ | |||
٨٤٢ | ١٤٣٨ | الظاهر جقمق | ||
٨٥٧ | ١٤٥٣ | عثمان جقمق – إينال | ||
٨٦٥ | ١٤٦١ | أحمد إينال – خوشقدم … إلخ | ||
٨٧٣ | ١٤٦٨ | الأشرف قايتباي | جامع وخانقاه قايتباي ٨٧٩ | |
٩٠٢ | ١٤٩٦ | محمد – قانصوه – جانبو لاد … إلخ | ||
٩٠٧ | ١٥٠١ | قانصوه الغوري – جامع ومدرسة ووكالة الغوري | ||
٩١٧ | ١٥١١ | |||
٩٢٣ | ١٥١٧ | طومانباي – نهاية المماليك وبداية الحكم العثماني | ||
٩٨٠ | ١٥٧٢ | سنان باشا | ||
١١٩١ | ١٧٧٦ | وفاة عبد الرحمن كتخدا | ||
١١٨٢ | ١٧٦٩ | علي بك يستقل حتى ١٧٧٣ | ||
١٢١٣ | ١٧٩٨ | الفرنسيون حتى ١٨٠١ | ||
١٢٢٠ | ١٨٠٥ | محمد علي حتى ١٨٤٨ | ||
١٢٧٩ | ١٨٦٣ | إسماعيل حتى ١٨٧٩ | ||
١٣٧١ | ١٩٥٢ | نهاية الملكية وبدء الجمهورية |