حالة العالم في الإسلام وحال الأوَّلين من المسلمين
كان أهل الأرض يوم قام الرسول يهدي من الضلالة وينقذ بمكانه من الجهالة — كما قال
علي
بن أبي طالب: مللًا متفرقة، وأهواء منتشرة، وطوائف مشتتة، بين مشبه لله بخلقه، أو ملحد
في اسمه، أو مشير إلى غيره، ضلالًا في حيرة، وخابطين في فتنة، قد استهوتهم الأهواء،
واستزلتهم الكبرياء، واستخفتهم الجاهلية الجهلاء، حيارى في زلزال من الأمر، وبلاء من
الجهل، وأرسل الرسول «على
١ حين فترة من الرسل، وطول هجعة من الأمم، واعتزام من الفتن، وانتشار من
الأمور، وتلظٍ من الحروب، والدنيا كاسفة النور، ظاهرة الغرور، على حين اصفرار من ورقها،
وإياس من ثمرها، واغورار من مائها، قد درست منار الهدى، وظهرت أعلام الردى، فهي متجهمة
٢ لأهلها، عابسة في وجه طالبها، ثمرها الفتنة، وطعامها الجيفة، وشعارها
الخوف، ودثارها السيف.»
جمع الإسلام من شمل العرب بعد تشتتهم، وآخى بينهم مؤاخاة ما عهدوها، وهذب نفوسهم حتى
سلس قيادهم بعد شماسه، وثقفهم ثقافةً أفادوا بها ففادوا بالأهل والولد والنفس والمال
في
نصرة دينهم، فامتن تعالى عليهم بقوله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم
مُّسْلِمُونَ * وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلَا
تَفَرَّقُوا ۚ وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً
فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ
عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا ۗ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ
اللهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ. وأناس أصبح هذا حالهم لا
يستعظم عليهم أن يفتحوا في سنين قليلة — الشام والعراق وفارس ومصر والجزيرة والروم
والسند وبخارى والمغرب والأندلس وجزر البحر المتوسط، وأن يضعوا الجزية على ملك الصين،
والتوفيق حليف رايتهم أينما حلت، يفتحون بالعدل قلوب من يغلبونهم على أمرهم، عقبى فتحهم
بلادهم عنوةً أو صلحًا، يتحامون ما أمكن إهراق الدماء، ويرفقون بالمستضعفين من الأولاد
والنساء والرهبان والراهبات، وينشرون كلمة التوحيد بالحكمة والموعظة الحسنة، ويعلمون
الأمم المغلوبة لسانهم ومنازعهم، مؤثرين في كل حالة من حالاتهم الآخرة على الدنيا،
وكذلك كانوا في أقوالهم وأفعالهم.
وعجيب، وأيم الحق، أن تصدر مثل هذه الفعال من أمة كانت بالأمس ضالة بأخلاقها، ضعيفة
بكيانها، فاسدة معظم تراكيبها، وعجيب أن يصوغ محمد في بوتقته أصحابًا كانوا مثال الحق
والصدق في العالمين، يخرجهم بحرارة الإيمان ذهبًا إبريزًا، ومن قبل كان أكثرهم لا عيار
له ولا وزن، وهذه أعظم معجزة بعد قرآنه الذي حمله لأمته، فأشرب نفوسها حب الطاعة، وما
كان أعصاها على كل نظام، ولا غرو والأمر على ما ذُكر أن يغلب الألف منهم الألفين
والثلاثة، فقيمة الأمم بعُددها لا بعَددها، ومن هان عليه الموت في سبيل نشر دينه،
وتأييد سلطانه، جاء بما يتعذر على غيره أن يقوم بمثله ممن كانت عقيدته إلى ضعف وأمره
إلى تقلقل. وكان بعض من آمنوا بالرسول في مبدأ الإسلام في مكة
٣ ممن لا عشائر لهم، وليست لهم منعة ولا قوة، تعذبهم قريش في الرمضاء بأنصاف
النهار، ليرجعوا عن دينهم أو يُحمون الحديد ويضعونهم عليه، وما صبأَ
٤ منهم أحد، وما زادتهم خشونة قومهم إلا ثباتًا، وكانوا يسمون المستضعفين،
وهم راضون بما ينالهم، وسواء عندهم احلولى عيشهم أو املولح، إذا كان في ذلك نصرة الدين،
فالإسلام هو الذي جعل في العرب خاصية في أخلاقها ساقتها إلى العمل الصالح، فوحَّد بين
مقاصدها ووجهها إلى هدف واحد، ومن حرص على الموت وهبت له الحياة، والقرآن استهواهم
بأسلوبه الجذاب، وخلب ألبابهم بفصاحته وبلاغته، فاسترقهم فآمنوا به وبمن جاءهم به، وما
هي إلا أيام معدودات حتى هذبت مدرسة محمد بن عبد الله من نفوسهم، وأنشأت منهم رجالًا
أصبحوا في عقلهم وعدلهم موضع الاستغراب، على توالي القرون والأحقاب، وليس في وسع مؤمن
أو جاحد ينظر في تاريخ العرب النظر المجرد عن الهوى، إلا وتأخذه الدهشة من صنيعهم وحسن
بلائهم في عهدهم الجديد.
مثال من سرعة تبدل الأخلاق بالدين: أكثرت الخنساء الشاعرة في الجاهلية من رثاء صخر
أخيها لأبيها وشقيقها معاوية، وكان صخر أحبهما إليها، وكان حليمًا جوادًا
٥ محبوبًا في العشيرة، فلما جاء الإسلام وأسلمت شهدت وقعة القادسية مع أربعة
بنين لها فخطبتهم مبينة لهم ما أعد الله من الثواب في حرب الكافرين، وأن الدار الباقية
خير من الدار الفانية، فخرجوا قابلين لنصحها واستشهدوا كلهم، فلما بلغها الخبر قالت:
الحمد لله شرفني بقتلهم وأرجو من ربي أن يجمعني بهم في مستقر رحمته، ولم تجزع على أفلاذ
كبدها جزعها من قبل على أخيها لأبيها أيام الجاهلية.
بماذا امتاز العرب المسلمون؟
حملت العرب إلى ما وراء جزيرتهم كتابًا مختصرًا فيه ما يصلحهم ويصلح غيرهم، وأهم سر
في غَناء قانونهم المبتكر أنهم كانوا يعملون بأحكامه، لا يخرمون منه حرفًا ويحفظون معه
أمورًا تنفعهم في تمثل الحياة الفاضلة الساذجة، ومنها قواعد القتال، ومعرفة طبائع من
يحتلون أرضهم، ومن أهم ما عُرفوا به اعتصامهم بالصبر، وتحليهم بالشجاعة والكرم والنجدة
والوفاء، ونفوس شفافة سليمة من مثل هذه لا يستكثر منها سرعة انطباعها بطابع محدث من
الحضارة، وهي بفطرتها مستعدة لقبول الخيرات، بعيدة في كل أحوالها عن اللغو والعبث، ما
عاقتها حرارة أرضها عن بلوغ أقصى مدى العمل المعجب، وأكذبت بما فعلت دعوى من قالوا: إن
الحضارة وليدة البلاد الباردة.
كان من الغارات التي تغيرها العرب على الأقطار المجاورة في القرون السالفة سواء
احتلوها زمنًا أو أنشأوا فيها دولة أو شبه دولة، ومن غارات الغريب الذي حاول استعبادهم
يومًا فردُّوه على أعقابه، ومن تمرن فريق منهم كالغسانيين والتنوخيين والتغلبيين
واللخميين والإياديين عند الروم والفرس على معاناة الإدارة والعسكرية؛ كان من ذلك ما
أورثهم علمًا عمليًّا أصابوا به حظًّا من إدارة الممالك، والحاجة تفتح باب المعرفة على
ما جاء في أمثالهم، ومما ساعدهم على توسعهم أنهم كانوا يعرفون عدوهم أكثر مما يعرفهم،
وهو يحتقرهم في الجملة، أما هم فيعتدون به، يحتقرهم لأنهم كانوا ينتجعون بلاده
٦ ولا سيما إذا أقحطوا وضنت عليهم سماؤهم. نعم، كانوا لا يستهينون بخصومهم بل
ينصفونهم ويعترفون لهم بفضلهم. عن المستورد
٧ القرشي قال: سمعت رسول الله يقول: «تقوم الساعة والروم أكثر الناس» — يعنون
بالروم من نعني اليوم بهم أهل الغرب — فقال عمرو بن العاص: أبصر ما تقول، قال: أقول:
سمعت من رسول الله قال: «إن قلت ذلك فإن فيهم لخصالًا أربعة: إنهم لأحلم الناس عند
فتنة، وأسرعهم إفاقة عند مصيبة، وأوشكهم كرة بعد فرة، وأجبرهم لمسكين ويتيم وضعيف،
وخامسة حسنة جميلة: وأمنعهم من ظلم الملوك.» أليس هذا القول المتناهي في إنصاف العدو
هو
كلام من يعرف خصمه، وما انطوى عليه من مزايا وصفات؟
مجموعة الأمة العربية وأخلاق خلفائها وقوادها
ثم إذا تشابهت جزيرة العرب باللغة، واعتمدت في الإسلام على أفصح لهجاتها، وهي لغة
قريش، فلا تتشابه كثيرًا في درجة ارتقائها في المدنية، ويغلط من يدعي أن العرب كانوا
نصف متمدنين أو نصف متوحشين لما خرجوا من جزيرتهم، وكما كان منهم أهل الوبر القائمون
على الزرع والضرع، كان منهم أهل المدر، وهؤلاء يعانون التجارة والصناعة، والمدن
التجارية الصناعية بطبيعتها تكون على استعداد دائم للامتزاج بمن تعامله ويعاملها، وعلى
معرفة بمداخل الحياة ومخارجها. هذا، واليماني يمتاز بصفات ليست للحجازي، والنجدي غير
الحضرمي، والعماني غير الأحسائي، وابن الساحل غير ابن الداخل، والجبلي غير السهلي، ومن
مجموعهم كانت هذه الأمة العربية الفاتحة.
وإن خليفة يوصي قائده وهو يوجهه لقتال الروم في الشام بقوله: «إنك ستجد قومًا حبسوا
أنفسهم لله فذرهم وما حسبوا أنفسهم له — يريد بهم الرهبان — ويقول له: لا تغدر ولا تمثل
ولا تقتل هرمًا ولا امرأةً ولا وليدًا ولا تعقرن شاة ولا بعيرًا إلا ما أكلتم، ولا
تحرقن نخلًا ولا تخربن عامرًا ولا تغل.»
٨ إن خليفة يقول لقائده هذا مضمون له التوفيق؛ لأنه يملي عليه أجمل عظة في
العدل والإحسان، يقول روبنسون: إن شيعة محمد هم وحدهم الذين جمعوا بين محاسنة الأجانب
ومحبة انتشار دينهم، هذه العاطفة هي التي دفعتهم في سبيل الفتح وهو سبب لا حرج فيه،
فنشر القرآن جناحيه خلف جيوشه الظافرة إذ آغاروا على الشام، وانقضوا انقضاض الصواعق على
إفريقية الشمالية من البحر الأحمر إلى المحيط الأطلانطي، ولم يتركوا أثرًا للعسف في
طريقهم إلا ما كان لا بد منه في كل حرب، فلم يبيدوا قط أمة أبت الإسلام. ا.ﻫ.
هذه سياسة العرب في فتحها لم يحيدوا عنها قيد أنملة، أما الرومان الذين بُهت أنصارهم
بعظمتهم، ولم ينظروا إلى الصورة التي دوخوا بها الأرض واستتبعوا الشعوب، فكانوا يبيدون
كل عامر ويقتلون الأولاد والنساء والشيوخ، ثم يسترقون بقايا السيوف استرقاقًا ممقوتًا
مجردًا من كل عاطفة ومروءة.
كان الرومان إذا أطاعهم بلد قبلوا ما سقطوا عليه فيه من معبودات وأرباب، يضيفونها
إلى
ما عندهم منها، كأن المعبودات بعض الأعلاق والطرائف، كلما كثرت مجموعتها كان لغواتها
ما
يفاخرون به ويباهون، أما العرب فكانوا ينادون علنًا بدينهم، موحدين الله، مصلين على
رسوله، يفيضون العدل بين الرعية، ولا كبير أمام شريعتهم؛ لأنها ساوت بين العظيم
والصعلوك، لا يكرهون أحدًا على دينهم مهما عظم سلطانهم، يكتفون بخراج أو جزية لا يعد
مقدارها شيئًا بالقياس إلى ما كان على الناس أن يؤدوه من قبل، فلا عجب إذا دخل
المغلوبون في دين الغالبين أفواجًا، ولا بدع أن تشبه المغلوب بغالبه، فتلقف لسانه وهان
عليه قبول أوضاع جديدة ما كان له بها عهد، وعد ما أتاه به نعمة، وأي نعمة، لانطوائه على
السلام والطمأنينة والعدل المطلق.
وإن خليفة كعمر بن الخطاب تدركه الصلاة في كنيسة القيامة
٩ في القدس، ويقول لبطركها صفرونيوس: أريد أن أصلي، فيقول له: صلِ يا أمير
المؤمنين موضعك فيأبى، ثم يخرجه إلى كنيسة قسطنطين فيأبى، ويصلي وحده على بابها، ويقول
للبطرك: إن سبب امتناعه من الصلاة في الكنيسة لئلا تخرج من يده ويأخذها المسلمون منه،
ويقولون: هاهنا صلى عمر، ويكتب له سجلًّا على أن لا يصلي أحد من المسلمين على الدرجة
إلا فرادى، ولا تجمع فيها صلاة ولا يؤذن عليها — إن خليفة يعمل هذا، وهو في قمة عز
الإسلام، جدير بإعجاب العدو والصديق؛ لبعد نظره، وكثرة تسامحه، ولمعرفته الواسعة بإقامة
الممالك واستمالة القلوب.
وإن قائدًا كخالد بن الوليد يكتب إلى ملوك فارس قبل وقعة القادسية، يريدهم على الدخول
في أمره ليدعهم وأرضهم ويجوزهم على غيرهم: «وإلا كان ذلك وأنتم كارهون على غلب على أيدي
قوم يحبون الموت كما تحبون الحياة.» ويكتب إلى مرازبة
١٠ فارس: «أما بعد، فأسلموا تسلموا، وإلا فاعتقدوا مني الذمة وأدوا الجزية،
وإلا فقد جئتكم بقوم يحبون الموت كما تحبون شرب الخمر.» إن قائدًا يقول هذا معبرًا
بلسان قومه عن استهانته بالموت في سبيل هدفه الأعلى، لا يستعظم منهم أن يغلبوا يوم
الزحف، وهم أقل من ربع أعدائهم بعددهم، بيد أن العرب كانوا يحاربون وهم يعرفون السبب
الذي من أجله يحاربون، فإذا ما سمعتهم كبروا التكبيرة ثم التكبيرتين والثلاث وهم زاحفون
على أعدائهم أيقنت أنهم لا يرجعون أو ينتصرون، ولا يبقون ولا يذرون، وكانوا مع هذا كما
قال فيهم
١١ أعداؤهم: «فرسانًا في النهار، رهبانًا في الليل، يدوون بالقرآن إذا جنَّ
عليهم الليل دوي النحل، وهم آساد الناس لا يشبههم الأسود.» قوم كانوا بالأمس لإفراطهم
في الحرية لا يخضعون لنظام، فلما دخلوا في الإسلام رأيتهم لا يخالفون أمرًا لكبيرهم،
يبايعونه على الطاعة والموت في سبيل الجماعة.
وإن خليفة كابن الخطاب يقول: «إني حريص على أن لا أدع حاجة إلا سددتها ما اتسع بعضنا
لبعض، فإذا عجز ذلك عنا تآسينا في عيشنا حتى نستوي في الكفاف، ولوددت أنكم علمتم من
نفسي مثل الذي وقع فيها لكم، ولست معلمكم إلا بالعمل، إني والله ما أنا بملك فأستعبدكم،
وإنما أنا عبد الله عرضت عليَّ الأمانة فإن أبيتها ورددتها عليكم واتبعتكم حتى تشبعوا
في بيوتكم وترووا سعدت، وإن أنا حملتها واستتبعتكم إلى بيتي شقيت، ففرحت قليلًا وحزنت
طويلًا، وبقيت لا أقال ولا أرد فأستعتب.» إن خليفة كهذا يقول عام الرمادة، وهو عام
مجاعة وجدب وقحط: كيف يعنيني شأن الرعية إذا لم يصبني ما أصابهم، ويقسم أن لا يذوق
سمنًا ولا لبنًا ولا لحمًا حتى يحيي الناس، وجعل يثرد بالزيت حتى تغير لون بشرته، ثم
ينحر جزورًا يطعمها الناس فيغرفون له طيبها فيؤتى بقدر من سنام ومن كبد فيقول: أنَّى
هذا؟ فيُقال له: يا أمير المؤمنين من الجزور التي نحرنا اليوم، فقال: بخ بخ بئس الوالي
أنا أكلت طيبها وأطعمت الناس كراديسها،
١٢ ارفع هذه الصفحة هات لنا غير هذا الطعام، فيؤتى بخبز وزيت فيكسر ويثرد في
ذلك الزيت ويرسل الجفنة إلى أناس مقفرين. إن خليفة يعمل هذا في أيام الشدة، وفي أيام
الرخاء، يقول لجماعة يطعمهم أَكسار بعير وخبزًا: إنا لو نشاء لملأنا هذه الرحاب من
صلائق وسبائك وصناب،
١٣ ولكني رأيت الله عز وجل نعى على قوم شهواتهم، فقال:
أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا، إن خليفة يفعل
هذا غير متصنع ولا متعتع
١٤ حري بأن يحبه قومه ويطيعوه في كل ما يأمرهم به.
لما فتح عتبة
١٥ بن فرقد أذربيجان صنع سفطين من خبيص وألبسهما الجلود واللبود ثم بعث بهما
إلى عمر، فلما أتاه الرسول بهما كشف عنهما فذاق الخبيص، فقال: إن هذا لطيب أثر، أكلُّ
المهاجرين أكل منه ما شبعه؟ قال: لا، إنما هو شيء خصك به، فكتب إليه من عبد الله عمر
أمير المؤمنين إلى عتبة بن فرقد، أما بعد، فليس من كدك ولا كد أمك ولا كد أبيك، لا تأكل
إلا ما يشبع منه المسلمون في رحالهم.
حمل بعض الفرس إلى أبي عبيدة بن مسعود آنية فيها أنواع أطعمة فارس والألوان والأخبصة
وغيرها فقالوا: «هذه كرامة أكرمناك بها وقِرى لك.» قال: أأكرمتم الجند وقريتموهم مثله؟
قالوا: لم يتيسر ونحن فاعلون. فرده وقال: «لا حاجة لنا فيه، بئس المرء أبو عبيدة أن صحب
قومًا من بلادهم أهرقوا دماءهم دونه أو لم يهريقوا، فاستأثر عليهم بشيء يصيب، لا والله
لا نأكل مما أفاء الله عليهم إلا مثل ما يأكل أوساطهم.»
هكذا كانت سيرة من نهضوا بهذه الفتوح من خليفتهم إلى قائدهم، وكيف لا يفتحون المشرق
والمغرب ومثل سيرتهم الذكية تأخذ بمجامع القلوب وما عُهدت قط عند من نزلوا
عليهم.
رأي لبون ودوزي في الفتوح العربية
يقول لبون: «إن اعتياد العرب الحروب والغارات في الجاهلية
١٦ كان منه قيام أمرهم في الإسلام، فبعد أن كان بأسهم بينهم، وجهوا غاراتهم
نحو الأجانب فكان في ذلك قوتهم، ولما لم يبقَ أمامهم أعداء يقاتلونهم، عادوا يتقاتلون
فأدى ذلك إلى انحطاطهم، وأهم العوامل في امتداد حكمهم اجتماع كلمة قبائلهم المختلفة تحت
علم واحد، وهو علم الإسلام، فوجه هذا وجهتهم إلى هدف سامٍ أورثهم حماسة، فكانوا أبدًا
على استعداد للمفاداة بأنفسهم في سبيله، وكان هذا الهدف دينيًّا صرفًا، ودولة العرب
قامت على هذا الأساس، وكانت الدولة الوحيدة الكبرى القائمة باسم الدين، ومنه انبعثت
سياستها وحالتها الاجتماعية، وساعد العرب على فتوحهم كون العالم القديم كان يهوي إلى
السقوط. فكان حريًّا بأمة متوحدة المقاصد والمنازع أن تفتح البلاد وتستبقيها، وما ضعف
نشاطهم في هذه السبيل بل تعلموا في مدرسة مغلوبيهم، ولما ساووهم في الجندية كان نجاحهم
مضمونًا، وكنت ترى كل جندي من الجيش العربي على استعداد لبذل روحه لإنجاح المقصد الذي
يقاتل لأجله، على حين كان كل إخلاص وحماسة وعقيدة قد اضمحلت من نفوس اليونان منذ زمن
بعيد.»
«وما كانت انتصارات العرب لتعمي أبصارهم لأوَّل أمرهم، وتحملهم على الإفراط المألوف
عند الفاتحين في العادة، ولا اشتدوا في إرهاق المغلوبين على أمرهم، ولا فرضوا عليهم
بالقوة دينهم الجديد الذي كانوا يريدون بثه في أقطار العالم، ولو عملوا ذلك لأهاجوا
عليهم جميع الشعوب التي لم تخضع لهم، فاتقوا حق التقاة هذه التهلكة التي لم ينجُ منها
الصليبيون الذين دخلوا الشام في القرون اللاحقة، ولقد أدرك الخلفاء الأول بعبقريتهم
السياسية النادرة في اتباع معتقد جديد، أن الأوضاع والأديان لا تُفرض على الناس بالقوة،
بل رأيناهم حيث دخلوا في الشام ومصر وإسبانيا يعاملون الشعوب بمنتهى الرفق، تاركين لهم
أنظمتهم وأوضاعهم ومعتقداتهم غير ضاربين عليهم في مقابلة السلام الذي ضمنوه لهم إلا
جزية ضئيلة، كانت على الأغلب أقل من الضرائب التي كان عليهم أداؤها من قبل. وما عرفت
الشعوب فاتحًا بلغ هذا القدر من المسامحة، ولا دينًا حوى في مطاويه هذه الرقة واللطف،
وكانت هذه السماحة وهذا اللطف اللذان تجاهلهما المؤرخون، من بعض العوامل التي هيأت
بسرعة انتشار فتوح العرب، وأهم سبب دعا إلى قبول دينهم وأوضاعهم ولسانهم، ونحن ندرك كيف
تأصلت هذه العوامل الثلاثة بين ظهراني الشعوب التي رحبت بمقدمهم، وأنها قاومت بعد جميع
الغارات، ووقت العرب من بوائق الاضمحلال، وما تم من هذا القبيل في مصر من أعظم ما
يسترعي النظر، فقد حكم الفرس واليونان والرومان وادي النيل، ولم يوفقوا إلى أن يقلبوا
المدنية الفرعونية القديمة، وأن يستعيضوا عنها بحضارتهم، أما العرب فكان شأنهم في مصر
غير هذا، عربوها وأسلموها.» وهناك عوامل أخرى غير سماحة العرب ولطف حكمهم، ضمنت لهم
النجاح في بث دينهم وما تفرَّع من أوضاعه، وكانت هذه الأوضاع على غاية السذاجة بحيث
امتزجت على أيسر سبيل مع الحاجات الساذجة في أهل الطبقات المتوسطة من الشعوب المغلوبة،
وإذا حدث أن هذه الأوضاع لم تلتئم مع تلك الحاجات، كان العرب يعمدون إلى تعديلها بحسب
الحال، وهكذا كانت الأوضاع الإسلامية في الهند وفارس وبلاد العرب وإفريقية البربرية
ومصر تختلف كل الاختلاف، وكتابها واحد وهو القرآن.
«ومن العوامل الفعالة في أصول المدنية التي وضعت العرب أساسها، ذاك المحيط الجديد
الذي صاروا إليه، وشدة ما كانوا عليه من الذكاء، فإنهم ما كادوا يخرجون من صحاري
بلادهم، حتى اتصلوا بالمدنية اليونانية اللاتينية، مستغربين شأنها، عارفين تفوقها
الأدبي، كما أدركوا من قبل تفوقها الحربي، فحاولوا في الحال أن يساموها، فتمثلوا مدنية
قديمة يقتضي لتمثلها فكر مهذب، وإن ما بذله البربر من الجهود خلال قرون كثيرة للأخذ
ببقايا المدنية اللاتينية، ليدل على مبلغ الصعوبة في هذا الباب، ولحسن الحظ لم يكن
العرب متوحشين، ونحن نجهل ما بلغوه من الحضارة في العهد الذي سبق الرسول، وكانوا على
اتصال بالتجارة مع العالم، وكانت لهم ثقافة أدبية عالية لما ظهر صاحب الرسالة، وبديهي
أن أديبًا إذا قُضي عليه أن يجهل أمورًا كثيرة يكون له من استعداده العقلي ما يؤهله
سريعًا لإدراك أمور لم يكن يعرفها، فتحمس العرب في دراسة العالم الجديد الذي خرجوا
إليه، كان كتحمسهم في فتحه واستصفائه، ولم يحمل العرب في دراسة هذه المدنية التي
فاجأتهم شيئًا من تأثيرات الأوضاع التي كانت ترهق البيزنطيين منذ زمن طويل، وهذه الحرية
في الأفكار كانت إحدى العوامل في انبعاثهم السريع، وقد يفعل ماضي الشعوب في حياتها ما
يكون منه نفعها، ثم يستعبدها لسلطان المواضعات العتيقة ويحول دون ارتقائها، وما عتم
الاستقلال الطبيعي في أفكار العرب، وقوتهم في الإبداع والتصور أن تجليا فيما أحدثوه من
أنفسهم، ولم يمضِ زمن قصير حتى طبعوا الهندسة والفنون والعلوم بطابعهم الشخصي الذي نعرف
به آثارهم لأول وهلة، وإذ كانت فلسفة اليونان النظرية غير موائمة كثيرًا لطبيعة أفكار
العرب، لم يعنوا بها كل العناية، فخصوا الصنائع والعلوم والآداب بعنايتهم وأولعوا بها
فدخلت شغاف قلوبهم.»
ومن قبله جاء دوزي
١٧ فقال: إن العرب لم يحكموا بتعاليم فلسفية فقط، بل بالفطرة والغريزة، حتى
حققوا بادئ بدء مقالة الثورة الفرنسية الشريفة وهي الحرية والمساواة والإخاء. ولقد كان
البدوي يستمتع بحرية ليس أوسع منها على الأرض، ويقول: لا أعرف مولى غير مولى العالم،
وبلغ الحد الأعظم من الحرية التي يتمتع بها، بحيث لو قُرنت معها أصولنا في الحرية
الراقية إلى أبعد الغايات، تسجل أنها تشبه قواعد الاستبداد، وعندنا أن الحكومة شر لازم
لا يُتقى، والشرط فيه الخير. أما البدو فإنهم مستغنون عن كل حكومة، حقًّا إن لكل قبيلة
أميرها تنتخبه بنفسها، ولكن نفوذه قليل وإن كان مبجلًا عندهم، مسموع الكلمة بينهم، لا
سيما إذا كان مفوَّهًا لَسِنًا، وليس من حق شيخ القبيلة البتة أن يصدر الأوامر
والنواهي، ويطلب إليه أن لا يقبض راتبًا، بل يُكره — إرضاءً للرأي العام — على أن يقوم
بإطعام الفقراء، ويوزع بين أحبائه الهدايا التي تُهدى إليه، ويقري الغرباء قري لا يتأتى
لأي كان من رجال القبيلة أن يقوم بمثله حسنًا ورونقًا، ويُقضى عليه في كل حال أن يأخذ
رأي مجلس شورى القبيلة المؤلف من أمراء أسرات مختلفة، وبدون رضى هذا المجلس لا يستطيع
إشهار حرب، ولا عقد صلح، ولا تقويض مضارب الجيش، وإذا منحت إحدى القبائل لقب أمير لأحد
أفرادها، فلا يكون ذلك على الأغلب إلا من قبيل الحرمة لا تعود عليه بشيء، بل هي بمثابة
شهادة عامة منها تمنحه إياها دليل إجلالها له، واعترافًا بعظمة الرجل الممتاز باقتداره
وجرأته وسماحته وإخلاصه في قضاء شئون قبيله، قال أحد الأحرار الأقدمين: إننا لا نعطي
هذه المرتبة لأحد ما لم يهبنا كل ما يملكه، ويسمح لنا أن نطأ بأرجلنا كل عزيز لديه،
وينزل عن كل ما يحب أن يراه مبجلًا مشرفًا، ويخدمنا خدمة الموالي والعبيد.
وبعد أن توسع المؤلف الهولاندي في شرح معنى الحرية والمساواة والإخاء عند العرب، وأتى
بالشواهد التاريخية والأمثال الكثيرة، وقارن بين هذه الأسماء عند العرب وفي أوروبا، رأى
أنها أفضل عند العرب؛ لأنها أدعى إلى الراحة ينجو أصحابها من الأطماع التي لا حد لها،
والآمال البعيدة غالبًا، كما هو الحال عند الأوروبيين، ممن دأبهم أبدًا التفكر في نيل
حالة أحسن من حالتهم، وهذا مما يهدم أركان المجتمع الإنساني وقلما يأتي بالسعادة، بيد
أنه امتدح من التوسع في الفكر عند الإفرنج، ذاك التوسع الذي آل بهم إلى مواطن الارتقاء
الحاضر، ورزقهم هذا النجاح الماثل للعيان، وختم بقوله: إن العرب لما نزلوا في الولايات
الجسيمة التي افتتحوها بحد السيف اشتغلوا مع هذا بالعلوم، إلا أنهم لم يظهروا في غير
مظهرهم الأول في عدم الخنوع لحكم الخلائق، وترجموا كثيرًا من كتب الأقدمين وعلقوا عليها
شروحًا فاغتنت بأعمالهم بعض فروعها، واتسع نطاقها بملاحظاتهم الدائمة البالغة غاية
الدقة والوضوح، لكنهم لم يخترعوا شيئًا ولا ندين لهم بأدنى فكر عالٍ أو واسع، وهكذا فإن
بيننا وبينهم اختلافات أساسية، وربما كانت أخلاقهم أسمى من أخلاقنا، ونفوسهم أكبر من
نفوسنا، وهم أكثر ميلًا إلى العظمة الإنسانية، ولكنهم لا يحملون بذور النهضة والنجاح،
ومع ما هم عليه من الولوع بالاستقلال الشخصي، وعلى قلة ما انطووا عليه من الأفكار
السياسية، يظهر أنهم غير قادرين على الخضوع لقوانين المجتمعات. ا.ﻫ.
هذا ما قاله دوزي وأكثر كلامه حقيقة لا مرية فيها، إلا قوله: إن العرب لم يأتوا
بجديد، ولا تدين أوروبا لهم بأدنى فكر عالٍ أو واسع؛ ذلك لأن ما تم على أيديهم في باب
العلم والمخترعات كان كثيرًا بالنسبة إلى القرون التي فاقوا خلالها بسياستهم سائر أمم
الحضارة، على ما فصلنا ذلك في الباب الذي عقدناه لعلوم العرب وما وفقوا إلى كشفه،
واستندنا فيه إلى بعض علماء الغرب في هذا الشأن، أمثال لبون ودرابر وجوتيه وسيدليو
وجبون.
مبدأ تمثل العرب للحضارة
تمثل العرب الحضارة كأهل كل دولة، فكانوا مقلدين في طور المدنية وأحوالها للدولة
السابقة قبلهم، ولما ملك العرب فارس والروم واستخدموا بناتهم وأبناءهم لم يكونوا على
رأي ابن خلدون في شيء من الحضارة؛ فقد زعم
١٨ أنه قدم لهم المرقق فكانوا يحسبونه رقاعًا، وعثروا على الكافور في خزائن
كسرى فاستعملوه في عجينهم ملحًا، وأمثال ذلك، فلما استعبدوا أهل الدول قبلهم،
واستعملوهم في مهنهم وحاجات منازلهم، واختاروا منهم المهرة في أمثال ذلك والقومة عليه،
أفادوهم علاج ذلك، والقيام على عمله والتفنن فيه، مع ما حصل لهم من اتساع العيش،
والتفنن في أحواله، فبلغوا الغاية في ذلك وتطوَّروا بطور الحضارة والترف في الأحوال،
واستجادة المطاعم والمشارب والملابس والمباني والأسلحة والفرش والآنية وسائر الماعون
والخُرثي،
١٩ وكذلك أحوالهم في أيام المباهاة والولائم وليالي الأعراس فأتوا من ذلك وراء
الغاية.
ولم ينتصف القرن الأول حتى جمع العرب في المدن التي نزلوها أصنافًا من الرفاهية،
ومنهم من تجافت نفوسهم عن الانغماس فيها، ومنهم من انغمسوا فيها إلى رءوسهم، وكان
الصحابة إلى الخشونة، فلما جاء بنو أمية جمعوا بين الرفاهية وشيء من أخلاق العرب في
الخشونة إلى آخر القرن الأول؛ فكان من خلفائهم من لا ينزل المدن في الشام إلا قليلًا،
ويتخذون لهم قصورًا في الأرياف والبوادي؛
٢٠ لئلا يغلب الترف على نفوسهم ونفوس بنيهم فيفسدها، ويضيع بذلك مضاء العرب
ومتانتهم، وأخذ الحجاز وأعطى من هذه الحضارة الجديدة، حتى يُخيل للباحث أنه كان في مكة
ويثرب مدارس لتعليم الغناء والموسيقى، وكانت الجارية التي تتعلم في مدرسة الحجاز تصيب
حظًّا عاليًا من السعادة؛ ذلك لأنه لم تكن أمة من الأمم بعد فارس والروم أولع بالملاهي
والطرب من العرب. وفي النصف الأول من القرن الأول اتخذ عبد الحكم بن عمرو بن عبد الله
بن صفوان الجمحي
٢١ بيتًا في مكة وجعل فيه شطرنجات ونردات وقرقات
٢٢ ودفاتر فيها من كل علم، وجعل في الجدار أوتادًا فمن جاء علق ثيابه على وتد
منها، ثم جر دفترًا فقرأ وبعض ما يلعب به فلعب به مع بعضهم، أي إن ذاك الجمحي أنشأ في
مكة ناديًا فيه جد ولعب، فيه قراءة صحائف وكتب، وفيه لعب بالشطرنج والنرد وغيره، وفيه
مشجب يضع الداخل عليه ثيابه لئلا يتبرم به جلاسه.
هذا ما كان من حال العرب أوائل الإسلام، وبذلك رأينا كيف أخذت المدنية تتسرب إليهم
من
كل وجه، فصح فيهم ما قاله عبد الله بن مَخْمر وهو على المنبر، وقد رأى الناس تلبسوا:
واحسناه واجمالاه! بعد العدم والسدم من الأدم والحوتكية
٢٣ والبرود، أصبحتم زهرًا، وأصبح الناس غبرًا، وأصبح الناس يعطون وأنتم
تأخذون، وأصبح الناس ينتجون وأنتم تركبون، وأصبح الناس ينسجون وأنتم تلبسون، وأصبح
الناس يزرعون وأنتم تأكلون.
وأجمل من هذا ما وصف به العرب في الجاهلية والإسلام أحد تابعي البصرة قتادة بن دعامة
السدوسي (١١٨ﻫ) عند تفسير قوله تعالى:
وَكُنتُمْ عَلَى شَفَا
حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا ۗ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ
آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ: كان هذا الحي من العرب أذل الناس ذلًّا،
وأشقاه عيشًا، وأبينه ضلالةً، وأعراه جلودًا، وأجوعه بطونًا، معكومين على رأس حَجْر
٢٤ بين الأسدين فارس والروم، ألا والله ما في بلادهم يومئذ من شيء يُحسدون
عليه، من عاش منهم عاش شقيًّا، ومن مات ردَّى في النار، يؤكلون ولا يأكلون، والله ما
نعلم قبيلًا يومئذ من حاضر الأرض كانوا فيها أصغر حظًّا وأدق شأنًا منهم، حتى جاء الله
عز وجل بالإسلام فورَّثكم به الكتاب وأحلَّ لكم به دار الحباء، ووضع لكم به من الرزق،
وجعلكم به ملوكًا على رقاب الناس، وبالإسلام أعطى الله ما رأيتم، فاشكروا نعمه فإنه
ربكم منعم يحب الشاكرين.