شبكة لاصطياد الشياطين!
لم يكن أمام الشياطين إلا أن يغوصوا في الماء مرة أخرى؛ فكيف يستطيعون التعامل مع الطائرة التي ظهرت؟! في نفس الوقت قال «خالد»: ربما استخدموا صواريخ الأعماق.
ردَّ «أحمد»: هذه مسألة لا تهمُّنا كثيرًا؛ فكلُّ شيء جاهز لاستقبالهم. إن قذائف اللنش الصاروخي تنطلق وحدها إذا ظهر أيُّ جسم في طريقه إلينا.
عندما وصلوا إلى عمق معين، رفع «أحمد» سرعةَ اللنش في اتجاه مدينة «فيلادلفيا».
فجأة سجَّل جهازُ الاستقبال رسالةً من رقم «صفر». كانت رسالةً شفرية، بدأ «قيس» في استقبالها. كانت الرسالة تقول: «٤٨ – ٥٠ «وقفة»، ٢٨ «وقفة»، ٢ – ٤٦ – ٥٨ «وقفة»، ١٣ – ٢ – ٤٦ – ٤٨ – ٣٦ – ٢٠ – ٤٤ – ٥٢ «وقفة»، ٥٨ – ١٠ – ٤ «وقفة»، ٢ – ٤٦ – ٥٤ – ٢٨ – ٥٤ – ٤٦ «وقفة»، ٢ – ٤٦ – ٥٨ «وقفة»، ٢ – ٤٦ – ٥٨ «وقفة»، ٤٦ – ٢٦ – ٢ – ٣٢ – ٥٨ «انتهى».»
فكَّ «قيس» رموزَ الرسالة الشفرية، ثم قرأها للشياطين.
قال «عثمان»: إننا نفعل ذلك فعلًا، لكن كيف؟
ابتسم «أحمد» وهو يقول: سوف نحقِّق ذلك يقينًا؛ فالشياطين لا يعرفون الهزيمة!
انطلق اللنش بسرعة عالية جدًّا. فجأة، ظهر جسمٌ أسود يأخذ طريقَه إلى اللنش.
قال «قيس»: إنها قذيفة أعماق.
ولم يكَد ينتهي من كلماته، حتى كان صاروخ مائي يخرج من اللنش في طريقه إلى النقطة السوداء المندفعة في اتجاه اللنش. ولم تمضِ دقيقةٌ حتى حدث انفجارٌ رهيب، صنع دوامة عنيفة، استطاعَت أن تلفَّ اللنش داخلها، حتى إن الشياطين ظنوا أنهم هالكون لا محالة. لكن اللنش برغم دورانه القوي داخل الدوامة ظل قادرًا على الاحتفاظ بتوازنه. في نفس الوقت الذي كان يخرج منها مندفعًا في طريقه تبعًا لاتجاه البوصلة. عندئذٍ استردَّ الشياطين أنفاسَهم.
قال «فهد»: لو أنهم فكروا لحظة، لكان في استطاعتهم تفجيرنا!
ظهرَت الدهشة على وجه «عثمان»، وسأل: كيف؟
ردَّ «فهد»: إن قذيفة أخرى في اتجاه اللنش، كان من الممكن أن تصيبَه أثناء دورانه داخل الدوامة!
لكن «أحمد» ابتسم قائلًا: لقد نسيتم أن أجهزة اللنش تعمل باستمرار، ولا تتوقف في أية لحظة حتى لو كانت الدوامة أعنفَ من ذلك عشرات المرات!
خيَّم الصمت على الشياطين داخل اللنش؛ فقد كانوا مستغرقين في التفكير وهم يتوقعون مفاجأة جديدة في أية لحظة. نظر «أحمد» حوله وابتسم. كان منظر الشياطين لافتًا للنظر.
قال في نفسه: عندكم حقٌّ؛ فنحن في موقف صعب.
مرَّت نصف ساعة. كان كلُّ شيء يبدو وكأن هناك كارثةً ما سوف تحدث. لم يظهر شيءٌ على الشاشة. فكر «أحمد» وقال: تُرى هل تُعِدُّ العصابةُ مفاجأةً جديدة، أو أنهم سوف ينتظروننا عند الشاطئ؟
فجأة قال «عثمان»: أشعر أن شيئًا فظيعًا سوف يحدث!
ابتسم «أحمد»، وأجاب: لعلها حالة الصمت، وعدم ظهور أي شيء.
صمتَ لحظة ثم أضاف: أتصور أنهم حددوا موقعنا جيدًا، وتأكدوا أنهم سوف يفشلون في أية خطة هجوم.
مرة أخرى صمتَ قليلًا. ثم قال: ربَّما فكروا في أن ينتظرونا هناك!
قال «قيس» تقصد في مدينة «فيلادلفيا»؟
ردَّ «أحمد»: نعم. فليس أمامهم سوى ذلك.
مرة أخرى ساد الهدوء واستغرق الشياطين في أفكارهم، لكن فجأة، ضجَّ «أحمد» بالضحك عندما سمع «عثمان» يقول: لقد نسينا أن نأكل.
قال «أحمد»: ومَن يتذكر هذا الآن؟
ردَّ «عثمان»: عندما كنت قلقًا، نسيتُ أنني جائعٌ فعلًا. لكن الآن، وبعد أن عرفت أنهم لن يستطيعوا هزيمتنا، فقد صرخَت معدتي من الجوع!
ضحك الشياطين، بينما كان «عثمان» يقول: سوف أُعِدُّ لكم بعضَ الساندويتشات! ثم قفز من مكانه في نشاط. عندما وصل إلى باب المطبخ الصغير، وقف في هيئة مَن يُلقي درسًا، ثم قال: أيها السادة الزملاءُ، إننا لم نَنَمْ جيدًا. وهذا يعني أننا فقدنا بعض قُوانا نتيجة الإجهاد. وهذه القوة التي فقدناها لا بد من تعويضها. وحتى نعوضها، فلا بد من الطعام، بل لا بد من كميات مضاعفة منه.
ثم ابتسم ابتسامةً عريضة، وتساءل: أليس كذلك أيها الأصدقاء؟!
وبسرعة اختفى داخل المطبخ، بينما ضجَّ الشياطين بالضحك.
إنَّ أهم شيء عند مقابلة أية مشكلة ألَّا تفقدَ أعصابك، بل تكون هادئًا حتى تستطيع التفكير بهدوءٍ، وحتى تصل إلى نتيجة جيدة.
وهذا ما فعله «عثمان» عندما رأى الشياطين مستغرقين في تفكيرهم. إن بعضَ الضحك وقليلًا من الساندويتشات يجعل الساعات الباقية محتملة!
قال «خالد»: إن «عثمان» يمارس معنا دروسًا نعرفها جميعًا، إنه يريد أن يُبعدَنا عن لحظات التوتر.
ابتسم «قيس»، وهو يقول: إن لحظات التوتر دائمة ومستمرة. فقط المهم هو التعامل معها!
قال فهد: وهذا ما يفعله عثمان. إنه يجعل حالة التوتر التي نعيشها حالةً طبيعية.
عاد «عثمان» يحمل طبقًا كبيرًا مليئًا بالساندويتشات، في نفس الوقت الذي كان فمُه يتحرك باستمرار، وقال بعد أن مضغ الطعام: معذرة، لم أستطع الانتظار! وقبل أن يخطوَ خطوة أخرى. ارتجَّ اللنش بشدة، حتى إن «عثمان» تأرجح كلاعب سيرك.
قال «أحمد»: إنها محاولة أخرى لإصابتنا، لكنهم فشلوا من جديد.
كان «عثمان» لا يزال يرفع طبق الساندويتشات في الهواء، وهو يحاول أن يحافظ على توازنه. وبرغم أن الارتجاج كان عنيفًا، إلا أن طبق الساندويتشات لم يقع من يده. وعندما هدأ اللنش أخيرًا، غَرِق الشياطين في الضحك؛ فقد كان منظر «عثمان» يدعو للضحك فعلًا.
وضع الساندويتشات على الطاولة المستطيلة التي تتوسط المكان، فأخذ كلٌّ منهم ساندويتشًا، وانهمكوا في الأكل. لقد كانوا يشعرون بالجوع. لكن فجأة، اصطدم اللنش بشيء غير مرئي. كان الاصطدام عنيفًا، حتى إنهم جميعًا سقطوا على الأرض؛ فقد كان الاصطدام مفاجئًا. نظروا إلى بعضهم في دهشة. تماسك «أحمد» وقفز إلى التابلوه؛ فقد لمعَت في ذهنه فكرة. ضغط زرًّا في التابلوه. فتكشَّف الموقف تمامًا. لقد كانت هناك شبكةٌ من الصلب الدقيق، تلتفُّ حول اللنش، حتى ظهر وكأنه سمكة ضخمة قد وقعت في الشباك. نظر الشياطين إلى بعضهم.
قال «فهد» بسرعة: هل وقعنا في الأسر؟
ضحك «أحمد» حتى إن الشياطين نظروا إليه في دهشة. قال: إنهم لا يعرفون إمكانياتنا.
ثم أضاف: هل تحبون مشاهدةَ منظرٍ جميل، أو تنتظرون قليلًا حتى نعطيَهم الأمل!
قال «قيس»: ماذا تعني؟
ردَّ «أحمد»: سوف أُلاعبهم قليلًا، ثم أعطيهم درسًا في فنِّ صراع الشياطين!
أوقف موتور اللنش، فأخذَته الشبكةُ الحديدية. كان ينجذب في اتجاه الشرق تبعًا لجذب شبكة الصلب. وعندما ظهرَت علاماتٌ سوداء متفرقة على الشاشة، قال «أحمد»: إنهم يحاولون اصطيادنا! ثم ابتسم، وأضاف: لا بأس، سوف ينتهي كلُّ ذلك حالًا!
كانت الشبكة الصلب تبدو واضحة تمامًا بعيونها المتسعة، وهي تضم جسم اللنش فيبدو حجمه صغيرًا داخلها. ضغط «أحمد» زرًّا في تابلوه اللنش، فخرجت أشعة خاصة أذابَت حبال الصلب التي تصنع الشبكة. لقد حوَّلَتها الأشعة إلى ذرَّات صغيرة تساقطَت في الماء. في نفس الوقت الذي انطلقَت فيه صواريخُ صغيرةُ الحجم في اتجاه النقط السوداء. وفي لحظة كانت عمليات التفجير تتم في وقت واحد. نظر الشياطين إلى «أحمد»، وقال «خالد» مندهشًا: هذه إمكانيات تفوق الوصف!
قال «أحمد»: إن رقم «صفر» يعرف ماذا يمكن أن يفعل؛ لذا زوَّدنا بما نحتاجه.
أدار «أحمد» موتور اللنش ثم وجَّه البوصلة في اتجاه الشاطئ، ورفع سرعة اللنش حتى نهايتها، وقال: الآن سوف نَصِل إلى النقطة التي نريدها بعد ساعة تمامًا.
لم يكن الشياطين يرَون شيئًا في الماء؛ فقد كانت سرعة اللنش عالية فلا تعطي فرصة لرؤية أي شيء. وعاد الشياطين لتناوُل طعامهم.
قال «عثمان»: أرجو أن يعطونا فرصةً حتى نُكملَ أكلَنا!
ضحك «فهد» وهو يضيف: إنهم يتمنَّون ألَّا نذوقَ لقمةً واحدة!
ابتسم «عثمان» وهو يُوجِّه الحديث ﻟ «أحمد»: هل يمكن أن ندعوَهم لساندويتش؟
ضحك الشياطين. كانوا يشعرون في هذه الحالة بالهدوء التَّام؛ فلم يكن شيء يشغلهم الآن. بعد أن فشلَت كلُّ المحاولات معهم … بالرغم من أنها كانت محاولات صعبة. كانوا متأكدين أنهم سوف يَصِلون إلى الشاطئ، وأنهم سوف يواصلون رحلتهم إلى المقرِّ السريِّ، دون أن يستطيع أحد عملَ شيء؛ ففي مدينة «فيلادلفيا» سوف يستقلُّون الطائرة في طريق العودة، وحتى إذا ظهر مَن يحاول الصدام فإن الشياطين قادرون على تحقيق النصر. أشار عداد السرعة إلى أن المسافة الباقية لا تزيد على خمسين كيلومترًا.
فقال «أحمد» مبتسمًا: أهنِّئكم على سلامة الوصول!
ضحك «قيس»، وقال: تقصد الوصول إلى المعركة البرية. لقد انتهت المعركة البحرية وعلى الأرض، سوف يبدأ الصراع!
قال «أحمد»: إن الشياطين يملكون قدراتٍ كبيرةً يستطيعون بها أن يفوزوا في أي صراع.
فجأة، قفز «عثمان» وهو يبتلع آخر لقمة من آخر ساندويتش في يده، وقال: وجدتها، إنها الخطة الصحيحة!
نظر له الشياطين في دهشة، وتساءل «خالد»: ماذا تعني؟!
بدأ «عثمان» يشرح فكرتَه الجديدة التي طرأَت على خاطره في هذه اللحظة.