الشياطين في فم الحوت!
شعر الشياطين بالقلق لغياب «أحمد»، إلا أن «قيس» قال: لا بأس؛ سوف نعرف أين هو الآن!
أخرج من جيبه جهازًا صغيرًا يُشبه الراديو؛ فقد كان يُصدر موسيقى هادئة، ضغط زرًّا فيه، فلمعت شاشة دقيقة، وعليها تحرَّك مؤشر صغير. قال «قيس»: إن «أحمد» لا يزال في الفندق. ثم أضاف: إن المادة الخاصة في كعب حذائه تُعطي مؤشرًا عن مكانه، وقد سجَّلها الجهاز!
قال «عثمان» متسائلًا: هل تعني أن ننتظر بعض الوقت؟
ردَّ «قيس»: أعتقد ذلك!
مرت دقائق، كان الشياطين يفكرون خلالها فيما يمكن أن يحدث في الدقائق التالية. فجأة، قال «خالد»: لقد تحرَّك الرجل القصير. إنه يتجه إلى نفس المكان الذي ذهب إليه «أحمد».
سأل «فهد»: هل أستطلع الأمر؟
ردَّ «قيس»: لا داعي الآن؛ فنحن نستطيع أن نرسل رسالة إلى «أحمد».
قال «عثمان» بسرعة: لا أظن أن هذه فكرة جيدة؛ فقد اتفقنا على أن العصابة قد اكتشفَت الموجة الخاصة التي نُرسل عليها رسائلنا، وإذا غيَّرنا الموجة فلا بد أن يعرف «أحمد» ذلك، حتى يستطيع أن يلتقط الرسالة. ثم أضاف إنه لن يغيبَ عنَّا. تحرَّك مؤشر الجهاز حركةً يسيرة. لكنه لم يتوقف؛ فقد ظلَّت حركتُه تبتعد عن نقطة البداية. قال «قيس»: إن «أحمد» يبتعد عن المكان!
قال «خالد»: نحتاج سيارة الآن وبسرعة، حتى لا تتعقد الأمور!
بسرعة كان «فهد» يضع يدَه على حزامه. حيث يثبت جهاز الإرسال، وأرسل رسالة سريعة إلى عميل رقم «صفر». لم تمرَّ دقيقة، حتى كان الردُّ قد وصل يقول: إنها في الطريق إليكم!
قال «خالد» بعد أن نقل الرسالة للشياطين: يجب أن نتحرك بسرعة!
فجأة ظهر الرجل القصير، وهو يتجه إليهم. كانت على وجهه ابتسامةٌ ماكرة. نظر الشياطين إلى بعضهم، وهمس «فهد»: إن هذا الرجل يُخفي شيئًا!
اقترب الرجل القصير، حتى وصل أمامهم، ثم ابتسم قائلًا: هل يقبل الأصدقاء دعوتي للعشاء. إن هناك أسماكًا جيدة وصلَت اليوم، فهل تجربونها معي؟ ثم أضاف بسرعة: أقدِّم لكم نفسي «جاني ديلاود»، أعمل في تجارة السيارات، وأملك معرضًا ضخمًا، أظن أنكم سوف تُعجَبون به؛ فلديَّ أحدث ما تُنتجه اليابان وألمانيا وفرنسا، بالإضافة إلى أمريكا طبعًا!
ردَّ «فهد»: إنه كرم منك أن تفعل ذلك. لكن الوقت غير مناسب الليلة، نستطيع أن نفعل ذلك غدًا.
اتسعَت ابتسامةُ «جاني» وهو يقول: سوف تحرمني من شرف كبير يا عزيزي «جيرار»!
برغم أن الشياطين حاولوا إخفاءَ دهشتهم بعد أن نطق اسمَ «جيرار»، إلا أن «خالد» أسرع يقول حتى لا يكشفَهم الموقف: أظن أننا نستطيع أن نلبِّيَ دعوة السيد «جاني»!
لمعَت عينَا «جاني» في سعادة، بينما كان يمدُّ يدَه ليُمسكَ الجهاز الصغير قائلًا: يبدو أنه نوع جيد ونادر من أجهزة الاستماع!
ردَّ «قيس» مبتسمًا: نعم. غير أنه ليس جهازَ راديو فقط، إنه جهاز حاسب إليكتروني أيضًا بالإضافة إلى ما يمكن أن يؤديَه من خدمات أخرى.
أبدى «جاني» دهشته، وهو يُعيد الجهاز إلى المنضدة، ويقول: هل تقبل دعوتي الآن؟
شعر قيس بدفءِ جهازِ الاستقبال في حزامه. وضع يدَه عليه خفية، ثم تلقَّى إشاراتٍ فَهِم منها أن السيارة قد وصلَت. ابتسم وقال: نعم. سوف نلبِّي دعوتَك الآن!
في نفس الوقت نظر إلى الشياطين نظرةً سريعة فَهِموا منها ما يقصده. قال «جاني»: هيَّا بنا!
ثم تقدَّمهم إلى الخارج، وهو يقول: هناك مطعمٌ جيد متخصص في تقديم الأسماك، سوف نَصِل إليه بعد عشرين دقيقة!
كان «قيس» يمشي إلى جواره، فردَّ: لا بأس يا سيد «جاني»، ثم ابتسم وهو يُضيف: المهم هو الصيد!
عندما أصبحوا خارج الفندق. قال «جاني» مشيرًا إلى سيارة صغيرة رائعة: هذه سيارة نادرة صُنعت خصوصًا من أجلي.
كانت سيارة من ماركة «بورش»، حمراء اللون. تقف وكأنها تشعر بوجودها.
قال «جاني» سوف أستدعي سيارة كبيرة حالًا!
ردَّ «قيس»: لا داعي؛ فمعنا سيارة!
أبدى «جاني» دهشتَه، وقال: لا بأس، اتبعوني إذن!
تقدَّم إلى سيارته «البورش»، بينما أسرع الشياطين إلى سيارتهم التي كانت تقف وحدها.
قال «قيس» بلغة الشياطين: يجب أن نتحدث بلغتنا؛ فمن الواضح أننا انكشفنا تمامًا.
جلس «خالد» إلى عجلة القيادة، في الوقت الذي أخرج فيه «قيس» الجهاز ثم قال: إن «أحمد» الآن في النقطة «ع»، وهي تبعد عنَّا كيلومترًا واحدًا!
عندما انطلقَت سيارة الشياطين خلف سيارة «جاني» قال «عثمان»: أعتقد أننا في الطريق إلى مصيدة!
قال «فهد»: سوف نرى. إننا إذا كنَّا في نفس اتجاه النقطة «ع»، فهذا يعني أننا في الطريق إلى «أحمد». ونكون في نفس الوقت في اتجاه هدفنا. ثم أضاف بسرعة: ينبغي أن نُرسلَ إشارة إلى «أحمد» ليعرف أننا خلفه!
ابتسم «قيس»، وقال: إنه يعرف؛ فالجهاز الذي يحمله ينقل إليه تحرُّكَنا!
كان الليل هادئًا تمامًا، والشوارع تكاد تكون خالية من البشر. ابتسم «عثمان» وهو ينظر إلى السماء الصافية، وقال: إنه جوٌّ ملائم لمعركة تدفع النشاط إلى عضلاتنا!
ضحك «خالد»، وقال: إن عضلاتنا لا تحتاج إلى نشاط؛ فهي جاهزة دائمًا!
فجأة انحرفَت سيارة «جاني» إلى اليمين، فانحرفَت خلفها سيارة الشياطين. ظهرَت لافتةٌ مضيئة في منتصف الشارع، مكتوبٌ عليها بألوان حمراء وصفراء «الحوت الذهبي» مطعم للأسماك. ابتسم «خالد» وقال: حوت آخر. يبدو أننا سوف نتحول إلى صيادين بالفعل!
تحوَّل مؤشرُ الجهاز إلى نقطة البداية. فقال «قيس»: إن «أحمد» بالداخل. يبدو أننا وقعنا في شبكة صيد واحدة!
وقفَت سيارة «جاني» أمام مطعم «الحوت»، ثم نزل منها بسرعة. توقَّف الشياطين أيضًا. اقترب منهم «جاني» وهو يبتسم قائلًا: ما رأيكم؟
نزل الشياطين بينما كان «فهد» يبتسم قائلًا: مصيدة جيدة!
ضحك «جاني» بصوته الرفيع الناعم، ثم تقدَّم إلى داخل المطعم. تقدَّم الشياطين خلفه. كانت رائحة الأسماك تبدو واضحة، حتى إنك لا تستطيع أن تشمَّ غيرها.
ابتسم «عثمان» وهمس: تُرى، مَن سيأكل الآخر؟
كان المطعم متسعًا. بينما وقف بعض الجرسونات في حالة ترحيب بهم، ولم يكن أحد بالمطعم سوى الشياطين. وقف «جاني» بجوار منضدة مستديرة، ثم قال: هيَّا. كل واحد يأخذ مكانه!
جلس الشياطين، بينما قال «جاني» وهو لا يزال واقفًا: هل تختارون أنواع الأسماك التي تفضلونها، أو تعطونني شرف أن أختار لكم!
قال «قيس» مبتسمًا: نُعطيك الشرف!
ضحك «جاني» وانصرف. في نفس الوقت همس «قيس» بلغة الشياطين: قصدتُ أن أُبعدَه عنَّا. الآن سوف أطرح عليكم ما يدور في رأسي. لقد جاء «أحمد» إلى هنا بطريقة ما. قد يكون مخدَّرًا مثلًا. وأعتقد أن ذلك سوف يحدث معنا. إنهم يستطيعون وضْعَ مخدرٍ لنا في الطعام، وبعدها نكون تحت أيديهم. مع ذلك فإنني سوف أعمل ما يُفسد خطتَهم. إن معي شريطًا طبيًّا يكشف السموم والمخدرات في لحظة. وأستطيع أن أكشف خطتهم حالًا. فقط، عليكم أن تشغلوا «جاني» حتى أستطيع استخدام الشريط!
قال «خالد» ينبغي أن نُرسل إشارة إلى «أحمد»؛ فإذا ردَّ علينا عرفنا ماذا هناك، وإذا لم يردَّ علينا فقد يؤكد ذلك فكرتك وما تحدَّثتَ فيه عن حكاية المخدر!
بسرعة، كان «خالد» يُرسل إشارة خاصة إلى «أحمد» ثم انتظر. مرَّت دقائق، ولم يسجل جهاز الاستقبال شيئًا. نظر «خالد» إلى الشياطين قليلًا.
قال «عثمان»: أليست هناك أية إشارة؟
ردَّ «خالد»: لا شيء. ويبدو أن «أحمد» مخدَّرٌ فعلًا!
قال «فهد»: ربما لم يستجب للإشارة حتى لا يكتشفَ أحدٌ شيئًا!
ردَّ «خالد»: وماذا يمكن أن يكتشفوا؟! إذا كانوا يعرفون عنَّا الآن كلَّ شيء.
مرَّت دقائق أخرى. ولم تَصِل إشارةٌ من «أحمد»، وكان هذا تأكيدًا حقيقيًّا لنوايا العصابة. والآن وبعد أن تأكد الشياطين أنهم وقعوا في الشباك. فجأة ظهر «جاني» مبتسمًا ابتسامة واسعة وخلفه عددٌ من الرجال يحملون أطباقًا متعددة، وقد تمدَّد السمك فوقها.
همس «عثمان» مبتسمًا: المخدر!
وقف «جاني» أمامهم وهو يقول: سوف يظلُّ هذا السمك واحدًا من أغلى ذكرياتكم؛ فهو مصنوع بطريقة خاصة لا يفعلها سوى مطعم «الحوت»!
ابتسم الشياطين وعلَّق «قيس» قائلًا: بالتأكيد سوف تظل ذكرى رائعة!
وُضعَت الأطباق أمامهم، وانصرف العمال. جلس «جاني» بينهم أمام طبق ضخم فيه سمكة من أسماك البوري. وعندما همَّ بمدِّ يده. قال «عثمان»: هل أسأل السيد «جاني» بعض الأسئلة؟
ابتسم «جاني» في سعادة وهو يُعلن موافقته. وبينما كان منهمكًا في حوار مع الشياطين كان «قيس» قد أخرج الشريطَ الطبيَّ وغرزه في سمكة. ثم ظهرَت الدهشةُ على وجهه.