فجأة … ساد الظلام!
نظر «قيس» نظرة سريعة إلى الشياطين ثم ابتسم قائلًا: هذا ليس عشاء، إنه ندوة!
ضحك «جاني» وقال: عندك حقٌّ. إن السَّمك سوف يبرد، ويفقد مذاقه! ثم أضاف بسرعة: نستطيع أن نُكمل حديثَنا بعد العشاء!
قال «عثمان»: إذن هيَّا. فليفتتح السيد «جاني» العشاء! ضحك «جاني» ضحكة طويلة تبدو سعيدة، وإن غلَّفها دهاء كبير، ثم قال: إن الشرف يبدأ منكم. كيف أبدأ العشاء وأنتم ضيوفي … ثم إنكم صيادون، وهذا يعني أنكم أكثر خبرة مني في أكل الأسماك.
نظر إلى «خالد» وقال مبتسمًا: أرجو أن يختار الصديق «هابي» واحدة من بين هذه الأسماك!
ابتسم «خالد» ثم نظر إلى «قيس» نظرةً سريعة فَهِم منها كلَّ شيء، ثم مدَّ يدَه إلى السمكة التي تقع أمام «قيس» وحملها وهو يقول: يأذن لي العزيز «جو» بهذه السمكة؛ فهي تليق بالسيد « جاني»!
ضرب «جاني» طرف المنضدة بيده، وهو يضحك بقوة، وقد تغيَّر صوتُه الرفيع، فأصبح غليظًا خشنًا، ثم قال: أنت صياد حقيقي يا عزيزي «هابي».
ثم نظر إلى الشياطين وهو يُضيف في أدب، وقد عاد يتحدث بصوته الرفيع مرة أخرى: معذرة إنني مصابٌ بمرض في أحبالي الصوتية!
نظر إلى السمكة التي أمامه، في حين كان الشياطين ينتظرون أن يأكل. أربع سمكات من أسماك البوري كانت مملوءة بالمخدر. وكانت قطعة واحدة منها تكفي مَن يأكلها لكي ينام في لحظة؛ فقد أثبت الشريط الطبي وجودَ المخدر بكمية كبيرة فيها. أما بقية الأسماك الثلاث، فقد كانت كل واحدة أمام واحد من الشياطين. رفع «جاني» يدَه بحركة عادية، فاقترب أحد الجرسونات بسرعة وهو يقول: تليفون للسيد «جاني»!
نظر لهم «جاني» ثم وقف وهو يقول معتذرًا: أرجو أن تسمحوا لي بالانصراف الآن. وأرجو أيضًا أن تبدءوا الطعام حتى أعود، فلا داعي للانتظار!
ثم انصرف مباشرة في أدب شديد، نظر الشياطين إلى بعضهم، وهمس «خالد»: أظن أن الأمور قد وضحَت تمامًا!
همس «قيس» بلغةِ الشياطين: فلنتحدث بلغتنا: مَن يدري، ربما يكون بين الطعام جهازُ إرسال، فيكشف المزيد، وضح من معرفة «جاني» لأسمائنا أنهم يعرفون كلَّ شيء!
فجأة، قال «فهد»: الآن، ينبغي أن نتحرك، إن الوقت ليس في صالحنا، فمَن يدري قد نجد أنفسنا فجأة في أيديهم. نحن ما زلنا حتى الآن نتحاور، لكن الصدام قد يظهر فجأة، وبشكل مباشر!
مرَّت لحظة قبل أن يتساءل «عثمان»: ما الذي يمكن أن نفعله الآن؟
فجأة، قال «فهد»: إن فكرة ما قد لمعَت في ذهني الآن، إننا قد أصبحنا محاصَرين و«أحمد» في مكان ما هنا، ومن الضروري أن نخرج من حصارهم قبل أن يبدءوا أية خطوة جديدة.
سأل «قيس»: ما هي فكرتك؟
شرح «فهد» فكرتَه للشياطين. وعندما انتهى منها، قال «عثمان»: هذه فكرة جيدة، ما لم يكن عندهم ردٌّ بديل!
قال «فهد»: حتى لو لديهم عملٌ بديل. إننا نستطيع أن نوقفَه أيضًا، ثم فجأة رفع يده. بينما كان يقول: على «قيس» أن يختبر بقية الأسماك، ثم ابدءوا الأكل بطريقة عادية، حتى نستطيع أن ننفذ فكرتنا دون أن تلفت نظرهم!
اقترب أحد الجرسونات في أدب، ثم انحنى أمام «فهد» الذي قال: أريد أن أدخل الحمام!
ابتسم الجرسون، وهو يُشير إليه أن يتبعَه. قام «فهد» وتَبِعه مباشرة. بينما كان «قيس» قد أخرج الشريط الطبي، وبدأ في اختيار الأسماك، حتى استطاع أن يختار اثنتين منهما.
تناول كلُّ واحدٍ منهم جزءًا منها، وبدءوا يأكلون. بينما كان «فهد» في طريقه إلى الحمام. كان يسير خلف الجرسون في ممرٍّ طويل. وفي منتصف الممر قرأ على أحد الأبواب: خطر ممنوع الدخول. قال في نفسه: لا بد أنها غرفة الكهرباء؛ فالإشارة المرسومة تعني ذلك. كان عقلُه يفكر بسرعة، بينما كانت خطواته تتبع الجرسون. عندما دخل، أغلق الجرسون خلفه الباب، ثم وقف وكأنه في حالة حراسة. وقف «فهد» وفكر بسرعة: المؤكد أنهم يرصدون الآن كلَّ حركاتنا. ومَن يدري فقد تكون هناك عدسات سحرية في مكان ما. انتظر لحظة، ثم نظم ملابسه، وفتح الباب، لكنه لم يفتح. طرقَه بهدوء. فانفتح. ابتسم الجرسون وهو يقول: معذرة!
ثم مشى أمام «فهد» الذي تَبِعه. كان قد قرر ما يفعله. عندما اقترب من غرفة الكهرباء خطَا خطوةً سريعة فأصبح خلف الجرسون مباشرة. بسرعة ضربَه ضربةً قوية فترنح الجرسون، ثم عاجله بضربة أشد، إلا أن «فهد» كان أسرعَ في ضرباته حتى لا يُصدر صوتًا يسمعه أحد. وسقط بين ذراعَيه فاقد الوعي. وبهدوء، اقترب به من باب غرفة الكهرباء، ثم أخرج جهازًا دقيقًا، ضغط زرًّا فيه ووجَّهَه إلى الباب، فانطلقَت حزمة أشعة اخترقَت الباب، ثم فجأة ساد الظلام. قال «فهد» في نفسه: هذه هي اللحظة!
أسقط الجرسون بجوار الحائط ونظر في ساعة يده. كان المؤشر فيها يتجه ناحية اليمين. أسرع نحو الاتجاه. فجأة لمعَت نقطة حمراء في ميناء الساعة، فعرف أنه يتجه إلى «أحمد» أمام أحد الأبواب، سمع هرجًا، وأصواتًا تقول: ينبغي أن يعود الضوء بسرعة! صوت آخر يقول: أشعلوا أيَّ شيء!
فجأة فُتح بابٌ، بينما كان أحدهم يُمسك ولاعة سجائر مشتعلة. وقبل أن يخطوَ إلى الخارج، كان «فهد» قد جذبه بينما يده الأخرى تتجه إلى الرجل، جاء صوت يقول: ما هذا. هل توجد هنا أشباح؟!
قال آخر: لعله اصطدم بشيء ما في الظلام!
ثم جاء صوتٌ عرفَه «فهد» بسرعة؛ فقد كان صوت «جاني» الذي قال: لعله واحد منهم!
كان «فهد» يرى كلَّ مَن يتحرك أمامه، في نفس الوقت الذي لم يكن أحدهم يستطيع رؤيته. وكانت هذه فرصته ليفعل بهم ما يشاء. لكنه في نفس الوقت كان يفكر: تُرى ماذا يفعل الشياطين الآن؟
فجأة جاءه صوتٌ يتحدث بلغة الشياطين، فعرف أنهم قد وصلوا، وتصرَّفوا بسرعة. دارت معركة في الظلام من طرف واحد. كان الشياطين يقبضون على مَن يظهر، ويوثقونه، وبقيَت أمامهم مشكلة: أين «أحمد» الآن؟ إن كل الإشارات تقول إنه بجوارهم. لكن أين؟ فكر «قيس» ثم تحدَّث إلى «فهد» بلغة الشياطين: إن «جاني» يعرف مكان «أحمد»، لا بد أنه أحد الرءوس الكبيرة. أخرج «فهد» من جيبه كرةً صغيرة مضيئة، تُرسل ضوءًا خافتًا. اقترب بها من وجوه الرجال الذين كانت تبدو على وجوههم الدهشة، حتى وصل إلى «جاني». كان وجهه الصغير يبدو شاحبًا تمامًا. وكانت عيناه الصغيرتان الدقيقتان تبدوان كعينَي ثعلب. نظر إلى «فهد» وابتسم ابتسامة صغيرة. مدَّ «فهد» يده، ونزع ما فوق فمه ثم سأله: أين «رانك»؟
ابتسم «جاني» وقال بصوته الرفيع: لا أعرف.
مدَّ «فهد» يدَه، وأطبق على «جاني» ثم ضغط عليه، وسأله مرة أخرى.
أين «رانك»؟
هز «جاني» رأسه، وقال بصعوبة: صدِّقني لا أعرف!
ضغط «فهد» أكثر، وهو يسأل: سوف تفقد حياتك إذا لم تَقُل! ثم خفف يدَه حتى يستطيع الكلام. فقال «جاني»: لماذا لا تصدقني؟!
قال «فهد»: إنني أصدق فقط أنك كاذب. والكذاب لا ينبغي أن يكون موجودًا بين الأحياء! ثم شدَّد قبضته مرة أخرى. أصدر «جاني» أصواتًا، لكن «فهد» ظل يشدِّد قبضته، فهزَّ «جاني» رأسه. خفَّف «فهد» يدَه، فجذب «جاني» نفَسًا عميقًا يسترد به اللحظة الأخيرة التي كانت باقية من عمره. ثم قال: في المخزن. الباب الثالث على اليمين!
أسرع «فهد» بتكميمه مرة أخرى، ثم قفز إلى داخل الغرفة. لكنها لم تكن غرفة. كانت صالة متسعة. أشعل ضوءًا، فظهرَت في نهايتها فتحة مربعة الشكل، أسرع إليها. ولم تكن سوى باب يؤدي إلى سُلَّم. نزل بسرعة، وسمع صوت «عثمان» يقول: إننا نحرس المكان حتى تعود!
ظل يهبط السلم بسرعة، ثم وقف عند نهايته. كانت هناك أبواب كثيرة متتابعة. قال في نفسه: تُرى أين الباب الثالث؟ ثم تذكَّر أن «جاني» حدَّد أنه الباب الثالث على اليمين. أسرع إليه لكنه لم يفتحه بسرعة؛ فقد انتظر. فكر ربما كانت خدعة. وربما إذا فتح الباب يكون هناك أحد ينتظره. ولكنه قال لنفسه: إن الظلام يكفي! نظر في ساعة يده، كانت النقطة الحمراء في ميناء الساعة لا تزال تلمع. عرف أنه اقترب من «أحمد» فعليه فتح الباب في هدوء. وانتظر. لم يصدر أي صوت. ألقى عدة كرات إضاءة، فظهرت ملامح الأشياء، وامتلأ وجهُه بالدهشة. فبجوار أحد الصناديق كان يرقد «أحمد» ممدَّدًا على الأرض. أسرع إليه. لكنه ما كاد يخطو أول خطوة، حتى اصطدمت قدماه بشيء. سقط على الأرض، لكنه دار حول نفسه، حتى أصبح الباب أمامه. وملأَته الدهشة. كان عملاقٌ يقف وقد كشَّر عن أنيابه. كان العملاق أسمرَ اللون. تقدَّم العملاق واستعد «فهد». وما إن أصبح العملاق على بُعد مترين منه، حتى فاجأه «فهد» بقفزةٍ سريعةٍ فاصطدم به. ورغم أن العملاق اهتز لشدة الصدمة، إلا أنه لم يقع. وكانت فرصةُ اهتزازه كافيةً لأن يقفز «فهد» مرةً أخرى في الهواء، ثم يضربه ضربةً عنيفة، جعلَته يتراجع بشدة، ويفقد توازنه. أسرع «فهد» وأخرج إبرة مخدرة، ثم قذفها بقوة، فأصابت ساق العملاق. ولم تمضِ دقيقةٌ، استطاع العملاق فيها أن يستعيد توازنه، إلا أن مخدر الإبرة كان قد بدأ يسري في جسده. ترنَّح قليلًا، ثم سقط على الأرض. أسرع «فهد» إلى «أحمد» وأخرج من جيبه حقنة منشطة، ثم غرزها في ذراع «أحمد» وبدأ مفعولُها يَسْري سريعًا في جسده، لم تمرَّ لحظات، حتى كان «أحمد» يفتح عينَيه، فيرى «فهد»، ملأت الدهشة وجهه، إلا أن «فهد» قال: ليس الآن؛ فسوف تعرف كلَّ التفاصيل فيما بعد!
أسرع الاثنان بالخروج من المخزن، لكن فجأة، دوَّت صفارات الشرطة. نظر «أحمد» إلى «فهد» الذي أسرع يقول: يبدو أن الشياطين قد تصرَّفوا؛ فلم نكن نستطيع أن نخرجَ من هنا دون حراسة. وإلا فإن الصراع لن ينتهي!
صَعِد السلَّمَ بسرعة. فجأة عاد الضوء من جديد. وفي الصالة الواسعة، كان الشياطين يقفون في الانتظار. بينما كانت الشرطة تمارس عملَها. كان الشياطين يغادرون المكان إلى المطار فورًا. فقد وصلَتهم رسالة من رقم «صفر» تُخبرهم أن طائرة خاصة في انتظارهم. وعندما صعدوا الطائرة، كان أول ما فعلوه، هو طلب الشاي الساخن ثم بدءوا يستعيدون تفاصيل الأحداث؛ فقد كانت مغامرة غريبة، لم يعملوا لها حسابًا.