خليقة أموية
تميزت لبني أمية في الجاهلية وصدر الإسلام خلائق عامة يوشك أن تسمى — لعمومها بينهم — خلائق أموية، وهي تقابل ما نسميه في عصرنا بالخلائق الدنيوية أو النفعية، ويراد بها أن المرء يؤثر لنفسه ولذويه، ولا يؤثر عليها وعليهم في مواطن الإيثار.
وهذه الخلائق أعون لنا على التعريف بمعاوية من الخلائق التي ينسبها إليه المادحون والقادحون؛ لأن المادحين والقادحين قد يصدرون عن غرض، وقد ينوون الصدق، ولكنهم يخطئون في أمر الرجل الواحد، أما الأخلاق التي تعم قبيلًا بأسره في أجيال متتابعة، فهي أصعب تلفيقًا على الملفقين، وأصعب خطأ على المخطئين، فإن الإجماع على الخطأ نادر في أخبار الناس كالإجماع على الصواب.
وقد عرف خيارهم، دينًا وصلاحًا، بهذه الخلائق الأموية كما عرف بها كثيرون منهم لم يشتهروا بدين ولا صلاح.
فما عرف من بني أمية أحد أصلح من عثمان بن عفان وعمر بن عبد العزيز رضي الله عنهما، وما تكلم متكلم عن هذين العلمين الرفيعين من بني أمية، فاستطاع أن يسكت عما طُبِعا عليه من حب النعمة، ووجاهة الدنيا على أحسن ما يروى عن الأمويين.
وحب عثمان لاتخاذ المباني والعمائر مشهور، وحبه لاختصاص ذوي قرباه وإغداق النعمة عليهم مشهور كذلك، وكله مما أحصاه عليه الثائرون، ووجدوا فيه متسعًا للتزيد والادعاء.
وعاش بعد الإسلام محبًّا للطعام الدسم والصحاف المنتقاة، فحدث عمرو بن أمية الضمري عنه قال: «إني كنت أتعشى مع عثمان خزيرة من طبخ من أجود ما رأيت، فيها بطون الغنم، وأُدُمها اللبن والسمن، فقال عثمان: كيف ترى هذا الطعام؟ … فقلت: هذا أطيب ما أكلت قط، فقال: يرحم الله ابن الخطاب، أكلت معه هذه الخزيرة قط؟ قلت: نعم، فكادت اللقمة تفرث من يدي حين أهوى بها إلى فمي، وليس فيها لحم، وكأن أدمها السمن ولا لبن فيها، فقال عثمان: صدقت! إن عمر — رضي الله عنه — أتعب والله من اتبع أثره، وإنه كان يطلب بثنيه — أي: منعه — عن هذه الأمور ظلفًا — أي: غلظة — في المعيشة، ثم قال: أما والله ما آكله من مال المسلمين ولكني آكله من مالي، وأنت تعلم أني كنت أكثر قريش مالًا وأجدهم في التجارة، ولم أزل آكل الطعام ما لان منه، وقد بلغت سنًّا، فأحب الطعام إليَّ ألينه.»
•••
وهذه الخلائق الأموية وضحت في الجاهلية وصدر الإسلام وضوحًا لا لبس فيه قبل أن تلتبس الأنساب، ويكثر الزواج من غير العشيرة، والبناء بالجواري من الروم والفرس والترك والبربر، ولكنها ظلت أموية حيث تغلب الأموية في الدم والنشأة والقدوة والجوار.
وما برح الخليفة الصالح في نصب من أمر عاداته هذه حتى أقلع عنها بعد جهد، وآب من ترف المسرفين إلى نسك المتزمتين، وقيل: إنه ترف من بني أمية ونسك من الفاروق؛ لأنه ينتمي من ناحية أمه إليه …
وعلى هذا الجهد بقيت معه تلك المشية تعاوده، ولا يأمن أن يسهو عن نفسه فيثوب إليها في طريقه، فجعل له قرينًا يلازمه ويصفقه بيده كلما همَّ أن يثوب إليها …
•••
ولا ننسى أن بني أمية عشيرة عربية كبيرة قد تتميز بخلائقها الأموية، ولكنها لا تنفصل عن المجتمع العربي، ولا تشذ عن عرفه التقليدي الذي ترعاه جميع العشائر الكبرى ولو من قبيل المحافظة على المراسم والأشكال، ومن تقاليد هذا العرف أن تروض بيوت الرئاسة أبناءها على نظام كالنظام العسكري، في صباهم وبعد بلوغهم مبلغ الشباب الذي يندب للقتال أو لتصريف الأمور، وسواء اختاروا البادية لتدريب الأبناء على هذه الرياضة، أو عهدوا بها إلى المربين في المدن والدور، فلا ينشأ الناشئ منهم إلا على رياضة من هاتين الرياضتين، وكذلك فعل عبد العزيز بن مروان في تربية ابنه عمر، فاختار له المؤدب الذي يثقفه ويأخذه بفرائض دينه ودنياه، ولما بلغه من هذا المؤدب — صالح بن كيسان — أن الفتى الصغير يتأخر عن موعد الصلاة لاشتغاله بترجيل شعره أرسل إليه من قِبَله رسولًا خاصًّا، فأمره ألا يكلمه حتى يقص شعره ويبلغه غضب أبيه، ولا نحسب أن أحدًا من رؤساء البيت غفل عن مثل هذه الرياضة في تنشئة بنيه، ولكنها رياضة تنتهي إلى القدوة البيتية، فلا يبقى لها من أثر أو لا يبقى لها إلا الأثر الضعيف، وكان عبد العزيز يعاقب عمر ذلك العقاب، وهو ينزع في الترف منزعًا لا يستطيع ابنه — وإن أسرف — أن يذهب إلى مدى أبعد من مداه، فاقتنى الدور في مصر وجملها بالأثاث الفاخر، وجعل يهديها إلى أبنائه وذويه، واشترى أرض حلوان بعشرة آلاف دينار؛ ليقيم عليها قصره المنيف الذي موه جدرانه بالذهب، وأنفق على فراشه وأثاثه عشرات الألوف، وكان له كل يوم ألف جفنة للقرى بدار الضيفان، وكانت أيامه كلها كأنها أيام أعياد كما جاء في معجم البلدان:
وشهد هذا البذخ كله عمر وتقلب بين أعطافه، فلولا عرق من الفاروق أدركه؛ لما تحول من هذا البذخ إلى النسك الذي ضارع به أزهد الخلفاء الراشدين …
كان نهمًا لا يشبع ولا يرجع الخوان من بين يديه وعليه بقية، وكان يلبس الوشي على أفخر حلية وزينة، ويحضر الطهاة بين يديه بالسفافيد عليها الدجاج والطير، فلا يتمهل بها حتى تنضج، بل يلف يده في كمه ويتناولها من النار ويأتي عليها قبل أن تُنقَل إلى الصحاف، وربما صحبه عمر في السفر وهو صائم فلا يجد على المائدة فضل طعام إذا حان موعد الإفطار، وقد مات بالتخم مع إصابته بالحمى، وهو في الأربعين وأبناؤه الصغار لا يصلحون لولاية العهد، فجعل ينظر إليهم، وينشد:
وأمر وزيره رجاء بن حياة أن يعرضهم عليه في الخوذات والدروع، لعله يخدع نفسه بمنظر صبي منهم يصلح لولاية الملك، فلم يجد منهم من يروعه، أو يروقه في تلك الأزياء وأوصى بولاية العهد على كره لعمر بن عبد العزيز.
قال ابن الجوزي في سيرة عمر بإسناده: إن سليمان بن عبد الملك كان ربما نظر في المرآة، فيقول: أنا الملك الشاب … وكان جالسًا فنظر في المرآة إلى وجهه، فأعجبه ما رأى من جماله، فقال: أنا الملك الشاب، وكانت على رأسه وصيفة، فقالت:
ويُروَى هذا البيت في أسانيد أخرى، ومعه البيت التالي:
•••
كان في معاوية كل خصلة من خصال سليمان بن عبد الملك، ولكنه لم يسترسل فيها كما استرسل سليمان مع تطاول الزمن بعد قدوة النبوة والخلافة الأولى خلافة الراشدين.
جاء في الطبري أنه كان يأكل في اليوم سبع مرات بلحم، ويقول: «والله ما أشبع وإنما أعيا.»
ولم يروها الطبري وهو يشهر بها، بل رواها وقال بعدها: «وهذه نعمة ومعدة يرغب فيها كل الملوك.»
وسبق الطبري هذا الخبر بتعليل لهذه النهمة من دعوة رسول الله عليه في صباه …
فمن أخبار الإمام أحمد المسندة إلى ابن عباس أنه قال: «كنت ألعب مع الغلمان فإذا رسول الله قد جاء؛ فقلت: ما جاء إلا إلي، فاختبأت على باب، فجاءني فخطاني خطاة أو خطاتين، ثم قال: اذهب فادع لي معاوية، وكان يكتب الوحي، فذهبت دعوته له، فقيل: إنه يأكل! فأتيت رسول الله، فقلت: إنه يأكل، فقال: اذهب فادعه، فأتيته الثانية، فقيل: إنه يأكل، فأخبرته، فقال في الثالثة: لا أشبع الله بطنه … فما شبع بعدها.»
•••
وشُغِف بالأَكْسِيَة كما شُغِف بالأطعمة، فلبس الحرير وتختم بالذهب والجوهر، وولع بالثياب المزخرفة والموشاة، وتزين بالزينة التي كرهها الإسلام لعامة الرجال فضلًا عن الخلفاء والأمراء، وكان لا يملك أن يترك الزينة بالكساء في صدر الدعوة والخلافة، وفي الزمن الذي كان يتحرج فيه من إغضاب ولي الأمر، وهو عمر بن الخطاب.
وزاد راوي الخبر، فقال: «والله يعلم إني لقد عرفت الحياء فيه، ثم نزع معاوية ثوبيه ولبس ثوبيه اللذين أحرم فيهما.»
•••
ولم يكن زهوه بسمته، وسماته دون زهو سليمان، فكان يُصَفِّر لحيته كأنها الذهب … وقد أصابته لوقة في آخر عمره — وهي كأثر الضربة في الجلد — فكان يستر وجهه، ويقول: «رحم الله عبدًا دعا لي بالعافية فقد رميت في أحسني، ولولا هواي في يزيد لأبصرت رشدي.»
وهواه في يزيد لون من ألوان هذه الخلة الأموية، فكل الآباء يحبون الأبناء … ولكن القوم لا يحسبون الأب بارًّا بابنه إلا إذا «نعمه»، أو شغل بتنعيمه فيما ينظر فيه الآباء من رغد أبنائهم، وفيما يتركونه لهم ويتغاضون عنه كأنهم يجهلونه، وقد أرسل معاوية ابنه يزيد إلى بادية بني كلب أخوالِهِ؛ ليتربى بينهم على الفروسية والبلاغة العربية، ولكنه فعل ذلك كأنما يفعله قيامًا بما تقتضيه مراسم السلف ولم يتبعه بما هو ألزم ليزيد من ضروب التربية والرياضة على كبح الأهواء، ولا سيما الهوى الذي ينظر إلى حرمات الناس وأعراض الرعاية، فقد علق يزيد بزوجة عبد الله بن سلام (زينب بنت إسحاق)، ومرض بحبها مرضًا أدنفه، فاحتال أبوه حتى عرف سر مرضه من خصيان القصر؛ فأرسل في طلب أبي هريرة وأبي الدرداء، فقال لهما: إن لي ابنة أريد زواجها ولا أرضى لها حليلًا غير ابن سلام لدينه وفضله وشرفه، فانخدع ابن سلام وذهب إلى معاوية يخطب بنته، وقيل: إن معاوية وكل الأمر إلى أبي هريرة؛ ليبلغها ويستمع جوابها، فأجابته بما اتفقت عليه مع أبيها وقالت له إنها لا تكره ما اختاروه، ولكنها تخشى الضرة وتشفق أن يسوقها إلى ما يغضب الله، فطلق ابن سلام زوجته واستنجز معاوية وعده فلواه به، ونقل إليه عن ابنته أنها لا تأمن رجلًا يطلق ابنة عمه وأجمل نساء عصره! …
وكأنما كان معاوية مهمومًا بشهوات ولده في زواج أو غير زواج، فقد حدث ابن عساكر من ترجمة خديج الخصي: «أن معاوية اشترى جارية بيضاء جميلة، فأدخلها الخصي عليه مجردة، وبيده قضيب، فجعل يهوي به على جسدها، ويقول: هذا المتاع لو كان لنا متاع، اذهب بها إلى يزيد ثم قال: ادع لي ربيعة بن عمر الجرشي — وكان فقيهًا — فلما دخل عليه قال: إن هذه أتيت بها مجردة فرأيت منها ذاك وذاك، وإني أردت أن أبعث بها إلى يزيد، فقال الجرشي: لا تفعل يا أمير المؤمنين، فإنها لا تصلح له. فقال معاوية: نعم ما رأيت! ثم وهبها لعبد الله بن مسعدة الفزاري مولى فاطمة بنت رسول الله، وكان أسود، فقال له: بيِّض بها ولدك …»
•••
ونعود فنقول: إن الطبري يسند هذه الأخبار إلى أصحابها، ولا يسوقها مساق التشهير؛ لأنه اتخذ من هذا الخبر دليلًا على فقه معاوية، فقال: «وهذا من فقه معاوية وتحريه؛ حيث كان نظر إليها بشهوة، ولكنه استضعف نفسه عنها، فتحرج أن يهبها لولده يزيد؛ لقوله تعالى: وَلَا تَنكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُم مِّنَ النِّسَاءِ، وقد وافقه على ذلك الفقيه ربيعة بن عمر الجرشي الدمشقي …»
وما من تربية ليزيد تصلحه للخلافة بعد هذا «التنعيم» الذي يملي له في شهواته، وهو مقدم على رئاسة قريبة عهد بابن الخطاب بل بابن عفان، فإن الخليفة الثالث — رضي الله عنه — قد أجاز لنفسه من المتعة الدنيوية ما لم يجزه الفاروق، ولكنه لم يحدِّث نفسه قط باقتناء الخصيان والجواري على سنة القياصرة والشواهين، ولولا تلك الخليقة الأموية التي تمادى بها اتساع الملك في أهوائها وغواياتها، لما فات رجلًا — وسط الذكاء — أن هذه التربية لا تعد إنسانًا لحياطة الملك المنتزع بالحيلة والحول، قبل استقرار الأمور بين مطامع الأقرباء من العشيرة فضلًا عن الغرباء.
•••
وكأنما كان يشهد على نفسه هذه الشهادة تواضعًا من جهة، وتزكية لقدرته على الملك الدنيوي من جهة أخرى، فإن كان الرعية لا يرتضونه قدوة للصلاح والتقوى، فهم مرتضوه مدبرًا لشئونهم وقائمًا على مصالح دنياهم.
ويشعر معاوية بالمنازعة بين الخليقة الأموية وآداب المروءة العربية، كما يشعر بالمنازعة بينها وبين آداب الدين، فإن طالب السيادة يكره أن ينزل في منزلة دون منازل الشرف والكرامة بين قومه، فإن لم يكره ذلك حبًّا للخلق المأثورة فلعله يكرهه حبًّا لنفسه، وغيرة على سيادته وعلوه في نظر المكبرين لآداب المروءة، سواء تحلوا بها أو تجردوا منها.
ومن نوادر معاوية في هذه المنازعة المتكررة بين خلائق عشيرته، وآداب العرب عامة أنه جلس يومًا مع خاصته يسألهم فيما بقي له ولهم من لذات الحياة بعد ذهاب الشباب، فإذا هي عنده لذات لا تعدو مذاق الشراب السائغ وسروره بالنظر إلى بنيه، ثم نبهه منبه إلى إسفافه هذا، فانتبه ولم يكابر طبعه؛ لأن الأمر وراء المكابرة بإجماع العرف وإجماع الدين.
روى الواقدي أن عمرو بن العاص «دخل يومًا على معاوية بعدما كبر ودق ومعه مولاه وردان، فأخذا في الحديث وليس معهما أحد غير وردان، قال عمرو: يا أمير المؤمنين! ما بقي مما تستلذه؟ فقال: أما النساء فلا أرب لي فيهن، وأما الثياب فقد لبست من لينها وجيدها حتى وهى بها جلدي فما أدري أيها ألين، وأما الطعام فقد أكلت من لذيذه وطيبه حتى ما أدري أيه ألذ وأطيب، وذكر مثل ذلك عن الطيب وغيره من مناعم الحياة، ثم قال: فما شيء ألذ عندي من شراب بارد في يوم صائف، ومن أن أنظر إلى بني وبني بني يدورون حولي.
وعطف معاوية سائلًا: فما بقي منك يا عمرو؟
قال عمرو: مال أغرسه فأصيب من ثمرته ومن غلته.
فالتفت معاوية إلى وردان، فقال: ما بقي منك يا وردان؟
قال وردان: صنيعة كريمة سنية أعلقها في أعناق قوم ذوي فضل واصطبار لا يكافئونني بها حتى ألقى الله تعالى، وتكون لعقبي في أعقابهم بعدي.
فقال معاوية: تبًّا لمجلسنا سائر اليوم … إن هذا العبد غلبني وغلبك …»
خليقة أموية عربية، مضى الرجل على سجيته فلم يخطر له أن يستبقي من متاع الدنيا الذي عجز عنه إلا شيئًا يذاق، وشيئًا يسره من النظر إلى ذريته، ثم نبه المنبه إلى المكرمات المأثورة فلم يجحدها ولم يعزب عنه حميد أثرها.
وإن شئت فقل: خليقة أموية وكفى … فإن من أثرة ما يوحي إلى صاحبه ألا ينزل طواعية عن مأثرة يرتفع بها غيره، ولا يسعه أن ينكرها.
وهكذا كانت الخليقة الأموية مع المروءة العربية في كل مأثرة محمودة بين عشائر العرب الكبرى، وبين العرب خاصة وعامة، وأولها مناقب الشجاعة والكرم والنخوة، فما كان في وسع بني أمية أن يغمضوا أعينهم عن هذه المناقب، ولا أن يصغروا من حقها، ولكن التسليم للمنقبة شيء والجهد في تحصيلها شيء آخر … ولهذا مضى تاريخ بني أمية في الجاهلية وليس بينهم واحد معدود حين يعد العرب فرسانهم المقدمين وأجوادهم المشهورين، وذوي النجدة من صفوة عشائرهم ونخبة ساداتهم، وظهر فيهم الشجعان في صدر الإسلام كيزيد بن أبي سفيان، وهو أخ غير شقيق لمعاوية، ولكنه لا يحسب عندهم ولا عند غيرهم من فرسان هاشم في جيل واحد، كعلي وحمزة.
وسُئِل معاويةُ نفسُهُ، وسائلُه عمرُو بنُ العاص: والله ما أدري يا أمير المؤمنين، أشجاع أنت أم جبان؟ فقال:
ولم يؤثر لمعاوية موقف واحد يحسب من مواقف الشجاعة البينة، بل حسب عليه أنه كان يأوي إلى قبة يحيط بها الحراس في معارك صفين، وأنه أسرع إلى فرسه في ليلة الهرير لينجو بحياته، ثم هدأ الخطر بعض الشيء، فراجع نفسه وتراجع إلى مكانه وهو آمن من عاقبة هذه الرجعة، بعد أن خفت الهجمة على موضعه من ميدان القتال.
وليس من أخبار بني أمية في الجاهلية وصدر الإسلام خبر واحد ينفي عنهم هذه الخليقة الغالبة عليهم جميعًا من الأثرة، والكلف بالمناعم الدنيوية، وتقديمها على غيرها من مناقب الإيثار والمثل العليا.
عند هذه الخليقة الأموية تفسير الكثير مما جهله المؤرخون الأقدمون أو تجاهلوه، ولا سيما المؤرخين النهازين من المنتفعين أو المتطوعين.