مؤسَّسات ومنظمات
لا يعيش المستشرقون في الفراغ، شأنهم في ذلك شأن ممثلي الأفرع الأخرى من الدراسات، بل يضعون أنفسهم، وإن بدا عملهم شبيهًا بعمل العلماء الخاصة شبهًا كبيرًا، في خدمة المجتمع الذي ينتمون إليه، والذي يموِّلهم ويشجعهم. ويتضح هذا في أن تخصص الاستشراق له في كل جامعة على الأقل كرسي يمثله (أنشئت كراسي الاستشراق في فرايبورج وكيل وجيسن منذ أعوام قليلة)، ومجموعة من وظائف المعيدين تتيح المجال لتنشئة جيل المستقبل من المستشرقين. وهناك عون آخر جوهري يتلقاه الاستشراق ويتمثل في المكتبات المتخصصة اللازمة لكل عمل علمي. فكل قسم للدراسات الشرقية أو معهد للدراسات الشرقية بأي جامعة من الجامعات يمتلك مكتبة كبيرة أو صغيرة خاصة بالقسم أو المعهد تكتمل وتتسع على الدوام. علاوة على الأقسام الخاصة بالاستشراق في مكتبات الجامعات نفسها (وفي دار الكتب البافارية في ميونيخ، ودار كتب غرب ألمانيا في هامبورج). وترعى مكتبة الجامعة الخاصة بجامعة توبنجن الاستشراق بصفتها ما يُسمى: «منطقة التجميع الخاصة»، وتتلقى بهذه الصفة من جمعية البحث الألمانية — تلك الجمعية التي تموِّل الكثير من مشروعات البحث المختلفة — اعتمادات كبيرة جدًّا للقيام بشراء المؤلفات التي تصدر في الخارج متصلة بالاستشراق بصفة منتظمة. ويمكِّن نظام الاستعارة في مكتبات الجامعات الألمانية المستشرقين، الذين لا يجدون بغيتهم من الكتب في مكتبة الجامعة التي يختلفون إليها، من الحصول عليها من مكتبة أخرى بالطريق الرسمي. ونود في هذا المقام أن نذْكُر بالامتنان نشاط أمناء المكتبات الاستشراقية المتخصصين الذين يُعْنَون في سكون تام، وفي غير كَلَف بالإعلان عن أنفسهم، بشراء النشريات التي تظهر حديثًا أو التي تعرضها مكتبات الكتب القديمة، ويُعِدُّون بذلك للمتخصصين وسائل العمل التي لا غنى لهم عنها، أو التي تمهِّد لهم التصدي لمشروعات للبحث يعقدون عليها العزم، ولا أقل من أن نذكر اسمًا واحدًا ينوب عن الجميع، اسم أمين مكتبة جامعة توبنجن المستشرق الهادئ إميل كومرر.
والمستشرقون الألمان منظمون في جمعية تضمهم هي الجمعية الشرقية الألمانية ذات كيان «الاتحاد المسجل»، التي تقوم منذ ١٢٠ سنة، والتي تجمع المستشرقين الألمان، ومن بينهم ممثلو الدراسات المصرولوجية والهندولوجية والصينولوجية واليابانولوجية والدراسات الأفريقية. أُنشِئَت الجمعية الشرقية الألمانية في عام ١٨٤٥م ثمرة سعي المستشرق المتخصص في الدراسات العربية هاينرش ليبرشت فلايشر في لايبتسج، وأُعِيدَ إنشاؤها بعد الحرب العالمية الثانية في عام ١٩٤٨م في ماينتس ثمرة مبادرة هِلموت شيل (١٨٩٥م)، لتمثل — تحت رئاسة أعضاء مجلس إدارتها العاملين بصفة شرفية — مصالح المستشرقين الألمان، ولتقيم علاقات لهم مع ممثلي هذا التخصص من الأجانب، ولتنظم بصفة دورية كل عامين أو ثلاثة أعوام مؤتمرًا ألمانيًّا داخليًّا للمستشرقين (انعقد المؤتمر الأخير في الصيف في مدينة هايدلبرج).
وللجمعية الشرقية الألمانية منذ ١٩٦١م معهد ألماني للدراسات الشرقية في بيروت مهمته القيام بموضوعات بحث خاصة، وعلى تدعيم الصلة بين الاستشراق والبلدان العربية، وبملاحظة عمليات الطبع التي تجريها الجمعية في المطابع العربية. ويهدف هذا المعهد بصفة خاصة إلى إعطاء المستشرقين الألمان، وخاصة المتخصصين في الدراسات العربية والدراسات الإسلامية، والشباب منهم، فرصة متابعة دراساتهم وبحوثهم في فترة إقامة تستمر بين سنة وسنتين في ربوع الشرق. وقد نهض هانس روبرت رويمر (١٩١٥م)، بصفته المدير الأول للمعهد، بإنشائه واستحق الثناء والتقدير على ما بذل من جهد في هذا السبيل. وظل رويمر مديرًا للمعهد حتى استُدعي إلى جامعة فرايبورج لشغل كرسي الاستشراق بها عام ١٩٦٣م، فخلَفه في إدارة المعهد فريتس شتيبات (١٩٢٣م).
وتظهر مجلة الجمعية الشرقية الألمانية بانتظام حاملة المقالات العلمية المتخصصة، ونقد الكتب في ميادين الاستشراق جميعًا، بما في ذلك ميدان الدراسات الصينولوجية وغيره، وبلغ عدد ما صدر من مجلداتها حتى الآن ١١٥ عددًا، عكف إيفالد فاجنر على إعداد فهرس عام (صدر عام ١٩٥٥م) لمواد المجلدات المئة الأولى منها، تسهيلًا للبحث والإفادة. وهناك فضلًا عن هذه المجلة، مسلسلات نشرية تمولها الجمعية وترعاها وهي: «دراسات في علم المشرق» و«المكتبة الإسلامية» وهي سلسلة من النشريات أنشأها هِلموت ريتر عام ١٩٢٩م. ويجد ممثلو الدراسات العربية والدراسات الإسلامية مجالًا آخر لنشر مقالاتهم ودراساتهم الصغيرة يتمثل في مجلتين أخريين غير مجلة الجمعية الشرقية الألمانية، أشرنا إليهما من قبل، هما مجلة «الإسلام» (منذ عام ١٩١٠م، في العام الواحد والأربعين حاليًّا)، ومجلة «عالم الإسلام» (منذ عام ١٩١٤م، ثم أصبحت سلسلة جديدة بترقيم جديد ابتداء من عام ١٩٥١م). وقد ظهرت من مجلة إسلاميكا التي أسسها أوجست فيشر مجلدات سبعة بين عام ١٩٢٤ وعام ١٩٣٩م. وتختص «جريدة المدونات الاستشراقية» بمناقشة الكتب المتصلة بالاستشراق ونقدها، ولا تتعدى هذا الاختصاص قط، وكانت تصدر من عام ١٨٩٨م حتى عام ١٩٤٤م واكتملت لها ٤٧ سنة من الصدور، ثم كان لريشارد هارتمَن فضل المبادرة بإعادة إصدارها منذ عام ١٩٥٣م. أما مجلة «أورينس» التي نشأت عام ١٩٤٨م واشترك في إنشائها وتحريرها هِلموت ريتر اشتراكًا جوهريًّا، والتي يقوم على تحريرها حاليًّا بعد هِلموت ريتر في فرنكفورت رودولف زلهايم، فهي تنطق باسم الجمعية الدولية لبحوث الشرق، ولا تُعتبر مجلة ألمانية إلا بتحفظ، وقد صدر منها حتى الآن ١٨ عددًا. أما سلسلة النشريات المختصة بالدراسات الإسلامية التي أسسها ج. أ. فون جرونيباوم عام ١٩٦٣م «مكتبة الشرق» فقد أشرنا إليها من قبل. ونشير في هذا المقام أيضًا إلى مجلة «الشرق» التي تختص بأحوال الشرق حاليًّا، وبأحواله الاقتصادية بالدرجة الأولى، والتي تخرج عن «اتحاد الشرق الأدنى والأوسط» في هامبورج وتتحدث بلسانه. كذلك نشير إلى مجلة «موندوس» التي يخرجها ﻫ. ف. بير منذ عام ١٩٦٥م باللغة الإنجليزية ويناقش فيها النشريات الألمانية العلمية الجديدة التي تختص بآسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية، فهي تضم فيما تضم أخبار النشريات الجديدة في صعيد الدراسات الإسلامية والدراسات العربية.