العناية بالدراسات العربية وتطوِّرها إلى العَقد الرابع من القرن العشرين
لم يؤد استقلال الدراسات الإسلامية وتحوُّلها إلى علم قائم بذاته إلى قطيعة مع الدراسات العربية، بل على العكس، فقد أدى وجود أغلب المدوَّنات الإسلامية مكتوبة باللغة العربية إلى جعل الاشتغال باللغة العربية أمرًا ملحًّا في ضرورته.
وينبغي على الإنسان أن يميِّز في الدراسات العربية بين الدراسات المختصة باللغة والدراسات المختصة بالآداب العربية، على أنه لا يمكن الفصل بين الطائفتين من الدراسات فصلًا قاطعًا، كما أنه لا يمكن الفصل القاطع بين الدراسات الإسلامية من ناحية والدراسات العربية من ناحية ثانية. فالاشتغال مثلًا بقصائد عربية يؤدي طبعيًّا إلى مشكلات من شأن القواميس والنحويات، كذلك القواميس وكتب النحو إذا خلت من الإشارة الدائمة إلى النصوص تحوَّلت إلى هياكل جامدة. كذلك ينبغي أن نراعي أن الدراسات العربية كثيرًا ما تتم في إطار أوسع هو إطار الدراسات الساميَّة ويكون لها بهذا أهمية من نوع خاص. واللغة العربية هي اللغة الساميَّة التي أُوتيت أضخم أدب، لهذا فإنها عند الضرورة تفيد عند البحث عن استشهادات لإثبات وجود صيغ لغوية ساميَّة مميِّزة للسامية. وقد مضت الأزمنة التي كانت الدراسات العربية فيها تُجرَى بوصفها ملحقًا لدراسات اللغة العبرية.
النحو
أسهم نولدكه في النحو العربي بدراسات قيِّمة، خاصة الدراسات التي ظهرت في مذكِّرات أكاديمية فيينا عام ١٨٩٧م «في نحو اللغة العربية الفصحى»، والتي يسوق فيها استشهادات على قواعد النحو العربي، كلٍّ على حدة، وعلى ما يخرج عليها، بمجموعة هائلة من النصوص التي قرأها وانتخبها وأثبتها في مذكراته لأهميتها النحوية. وقد أعيد طبع هذه الدراسة مرة أخرى عام ١٩٦٣م بعناية أنطون شبيتالر (١٩١٠م) مزوَّدة بإضافة كبيرة استُخدمت فيها الملاحظات التي دوَّنها نولدكه بيده في نسخته وزيادات أخرى. كذلك أفاد النحو العربي إفادة كبيرة من دراسة نولدكه «في لغة القرآن» التي ضمَّنها مجموعة «مقالات في علم اللغات الساميَّة» (١٩١٠م). ويبدأ المؤلف فيها تحت عنوان «القرآن والعربية» بنقد ما روَّج له كارل فولرس (١٨٥٧–١٩٠٩م) في كتابه «لغة العامة ولغة الكتابة في بلاد العرب قديمًا» من أن النص الأصلي للقرآن كان مؤلفًا بلهجة من اللهجات كانت سائدة في الحجاز وكانت خالية من الإعراب. أمَّا كتب النحو الكاملة فنشير منها إلى «النحو العربي لكسباري» الذي خرجت الطبعة الخامسة منه بتنقيح أوجست موللر (١٨٨٧م)، ولكن هذا النحو قلَّت أهميته بعد ظهور الطبعة الثالثة من «نحو اللغة العربية» بقلم و. روبرتسن سميث وم. ج. دي جوج، في جزأين باللغة الإنجليزية، الطبعة المسماة كاسباري-رايت (١٨٩٦–١٨٩٨م، أعيد طبعها عام ١٩٣٣م، ثم ١٩٥١م و١٩٥٥م). وهناك كتابان يعالجان تركيب الجمل بطريقة منظمة، كتاب هِرمَن رِكِندورف (١٨٦٣–١٩٢٣م) الأول «عَلاقات العبارات في اللغة العربية» (١٨٩٥–١٨٩٨م) بشروح تاريخية وسيكولوجية لكل ظاهرة من ظواهر العبارة العربية، وكتابه الثاني «العبارات العربية» (١٩٢١م) الذي ينتهج سبيل الوصف خاصة، والذي أصبح منذ ظهوره عُدة لكل دارس للعربية لا غنى له عنها، ولا يعيبه إلا أنه يستشهد بالشعر العربي والنثر العربي دون تفريق أو مراعاة لاختلاف النوعين في القيمة.
كذلك ألَّف ألبرت زوتسين (١٨٤٤–١٨٩٩م) الذي يرجع في أصله إلى مدينة بازل في سويسرا والذي خَلَفَ المستشرق فلايشر على كرسي الاستشراق في لايبتسج، ألَّف نحوًا عربيًّا عام ١٨٨٥م نُشِرَ في سلسلة «باب اللغات الشرقية»، تناوله كارل بروكلمَن (١٨٦٨–١٩٥٦م) من الطبعة الخامسة (١٩٠٤م) بالتنقيح والإكمال الدائم، ثم أظهره اعتبارًا من الطبعة الحادية عشرة (١٩٤١م) تحت اسمه وحده. وقد ظهرت الطبعة الثالثة عشرة من هذا النحو العلمي المنهجي المزوَّد بجداول الصرف عام ١٩٥٣م. أمَّا في كتابه الآخر «أساسيات النحو المقارن للغات الساميَّة» (المجلد الأول: النطق والصرف، ١٩٠٨م، المجلد الثاني: تركيب العبارات، ١٩١٣م)، فيُعتبر واحدًا من أعظم الأعمال العلمية التي أخرجها هذا العالِم المهم المنتِج، ويُعتبر مثل كتاب «العبارات العربية» لرِكِندورف عُدة لا غنى لدارس العربية عنها. وقد نشر كارل بروكلمَن كتابًا تعليميًّا موجزًا للطلاب اسمه «موجز النحو المقارن للغات الساميَّة» (المجلد ٢١ من سلسلة باب اللغات الشرقية، ١٩٠٨م)، اقتصر فيه على قواعد النطق والصرف. وقد وصلتنا مجموعة كبيرة من المقالات الهامة أسهم بها أوجست فيشر (١٨٦٥–١٩٤٩م) في النحو العربي، وأوجست فيشر هو أهم ممثل للمدرسة اللايبتسجية في الاستشراق التي أسسها فلايشر، وكان عالِمًا يقوم بالدراسات النحوية قيام المحب لها المولَع بها. وقد نُشرت مقالات فيشر في النحو العربي على أعوام عديدة خاصة في مجلة الجمعية الشرقية الألمانية، وفي المجلة التي كان يخرجها هو نفسه «إسلاميكا» وفي مقالات تكريم زملاء له، وفي هذه وتلك من النشريات، ولا يمكننا هنا أن ندخل في تفصيلاتها، وإن أحببنا أن نشير إلى دراسته «صيغ الحَلِف والدعاء ذات الصعوبة النحوية في اللغة العربية الفصحى»، التي ظهرت بعد وفاته في مجلة «الإسلام» (١٩٤٩م). ونعود هنا إلى الإشارة إلى الدراسة التي قام بها تلميذه جوتهلف برجشتريسر (١٨٨٦–١٩٣٣م) في ميدان النحو التاريخي: «أدوات النفي والاستفهام وما إليها في القرآن» (١٩١٤م). وهناك تلميذ آخر من تلاميذ فيشر هو أرتور شاده (١٨٨٣–١٩٥٢م) كتب رسالة الأستاذية في «قواعد النطق عند سيبويه» (١٩١١م). أمَّا المستشرق جوتهولد فايل (١٨٨٢–١٩٦٠م) فقد كتب دراسة خاصة «بالمدارس النحوية في الكوفة والبصرة» بوصفها مقدمة لطبعة «كتاب الإنصاف» لابن الأنباري (١٩١٣م).
وقد دخلت اللهجات أيضًا في الدراسات الدائرة حول النحو العربي، فأخرج فيلهلم شبيتا (١٨١٨–١٨٨٣م)، الذي كان قد استُدعِيَ للقاهرة ليعمل مديرًا لدار الكتب الخديوية، كتابه «نحو اللغة العربية الدارجة في مصر» (١٨٨٠م) عرضًا لنحو هذه اللهجة على نحو علمي لأول مرة، ثم أخرج خَلَفه في إدارة المكتبة الخديوية بالقاهرة كارل فولرس (١٨٥٧–١٩٠٩م) كتابًا في الموضوع نفسه «كتاب تعليم اللغة العربية الدارجة في مصر» (١٨٩٠م). ونشير في هذا المقام أيضًا إلى هانس شتُومه (١٨٦٤–١٩٣٦م) وكتابه «نحو العربية الدراجة في تونس ومعجم لها» (١٨٩٣م) وجيورج كامبفماير (١٨٦٤–١٩٣٦م) ودراساته «مقالات في علم اللهجات العربية» المجلدات من ١ إلى ٤ (١٨٩٩–١٩٠٣م)، وأوجست فيشر ودراسته «في قواعد نطق اللغة العربية العامية في المغرب» (١٩١٧م)، وليونهارد باور ودراسته «اللغة العربية الفلسطينية – لهجات أهل المدينة والفلاحين – قواعد وتمرينات ومجموعة نصوص» (الطبعة الثانية ١٩١٠م، الطبعة الرابعة عام ١٩٢٦م)، وجوتهلف برجشتريسر وكتابه «أطلس لغوي لسوريا وفلسطين» (١٩١٥م) ودراسته «في اللغة العربية الدارجة في دمشق» (١٩٢٤م)، وف. ك. فايسباخ ودراساته «مقالات في علم اللغة العربية الدارجة في العراق» (١٩٢٤م)، ونيكولاوس رودوكاناكيس (١٨٧٦–١٩٤٥م) «اللهجة العربية الدارجة في ظفار» (١٩٠٨–١٩١١م) وك. راينهارت ودراسته «لهجة عربية دارجة في عمان وزنزبار» (١٨٩٤م).
المعاجم
لم ينتج الاستشراق الألماني في ميدان دراسات المعاجم في الفترة من بداية نشاط نولدكه إلى ثلاثينيات هذا القرن من النشريات إلا ما قلَّت أهميته. وأبرز ما فيه بحوث ل. فلايشر «دراسات في ملحق دوزي للقواميس العربية» (١٨٨١–١٨٨٧م، طبعت في المجلد الثاني والثالث من الكتابات الصغيرة عام ١٨٨٨م)، وكتاب زيجموند فرنكل (١٨٥٥–١٩٠٩م) «الكلمات الأجنبية الآرامية في اللغة العربية» (١٨٨٦م، أعيد طبعه في عام ١٩٦٢م) وهو دراسة شاملة مفيدة من ناحية تاريخ الثقافة أيضًا، وعمل فريدرش فيلهلم شفارتسلوزه «أسلحة قدماء العرب حسب شعر شعرائهم – دراسة في علم الآثار العربية وفي المترادفات وفي أبحاث المعاجم» (١٨٨٦م)، وكتاب هانس كِندرمَن «السفينة في اللغة العربية» (١٩٣٤م)، وكتاب ريشر «ألفاظ مجموعة البخاري» (موقَّع عام ١٩٢٢م) الذي لم يُطبع منه للأسف إلا عدد قليل من النسخ. وينبغي أن نُبرِز ونخص بالتقدير المعجم الذي أرفقه أوجست فيشر بكتابه «مختارات عربية من الناثرين» (١٩١٣م، طبعات أخرى عام ١٩٢٤ و١٩٢٨ و١٩٤٨م). أمَّا «قاموس اللغة العربية الحديثة واللغة الألمانية» الذي أخرجه أدولف فارموند (١٨٢٧–١٩١٣م) في طبعة أولى عام ١٨٧٤–١٨٧٧م، وثالثة عام ١٨٩٨م، فإنه غير مُرضٍ تمامًا من الناحية العلمية، وأحرى بهذا الحكم قاموس إرنست هاردر (١٨٥٤–١٩٢٧م) = «القاموس الألماني العربي» الذي صدر عام ١٩٠٣م. وأمَّا القاموس العربي الألماني لمحمد بروجش والذي نُشِرَ جزئيًّا حسب مخطوط مكتوب باليد، فإنه لم يكتمل. وهناك قواميس صغيرة الحجم مفيدة أخرجها اليسوعيون في بيروت؛ قاموس عربي فرنسي لاستعمال الطلاب بقلم ج. ب. بيلو، وقاموس عربي إنجليزي لاستعمال الطلاب بقلم ج. ج. هافا.
وإذا كان معجم اللغة العربية الفصحى الكبير لفريتاج (١٨٣٠–١٨٣٧م) قد استُعمل في الفترة المذكورة (وبعدها) وعُدَّ وسيلة أساسية، فالفضل في ذلك يرجع إلى أمور منها: أن قاموس إدوارد وليام لين «المعجم العربي الإنجليزي» في ثمانية مجلدات كان قد ظهر في الفترة بين عامي ١٨٦٣ و١٨٧٤م، وأكمل المادة التي عرضها فريتاج على نحو قيم، وصوَّب طرفًا منها كان يحتاج إلى التصويب، ومع ذلك فقد ظهرت في وقت مبكر الاتجاهات الأولى نحو تحسين المُعِينات القاموسية وتوسيعها بالنسبة للغة العربية، على أساس النصوص التي ظهرت مطبوعة. فقد ترك هاينرش توربِكه (١٨٣٧–١٨٩٠م) عند وفاته مجموعة بطاقات كبيرة جمعها لتكون معجمًا في المستقبل، وسجل تيودور نولدكه في نسخته الخاصة من معجم فريتاج أمثلة كثيرة جدًّا ثمرة اشتغاله بالنصوص العربية. (وقام يورج كريمر ببحث المواد التي سجلها نولدكه في حرف الألف ونشرها في «معجم الاستشهادات للغة العربية الفصحى، إعداد تيودور نولدكه» ١٩٥٢ و١٩٥٤م. انظر بعده) وسجل هِرمَن رِيكِندورف (١٨٦٣–١٩٢٣م) ملحوظات كثيرة على معجم فريتاج. أمَّا أوجست فيشر (١٨٦٥–١٩٤٩م) فقد أخذ على عاتقه مهمة إنشاء معجم جديد علمي صحيح للغة العربية، وجمع مواد قاموسية كثيرة جدًّا من مختلِف مجالات العربية، وأعلن ابتداء من عام ١٩٠٧م أكثر من مرَّة أنه يُعِد معجمًا للغة العربية القديمة. ولكنه للأسف لم يتمكَّن من تنفيذ المشروع العظيم. حقيقة أن صناديق البطاقات حُمِلَت إلى القاهرة عندما عُيِّن فيشر عضوًا بمجمع اللغة العربية عام ١٩٣٤م، وأن فيشر اشتغل بإعداد مواد القاموس في أثناء إقاماته الشتوية المنتظمة بالقاهرة، ولكنه لم يصل إلى الهدف، لنشوب الحرب العالمية الثانية وتعطيلها إياه. فلمَّا انتهت الحرب، لم يتمكَّن من اتباع دعوة الحكومة المصرية والعودة إلى القاهرة. ولم تنتج المواد القاموسية التي جمعها فيشر ثمارها إلا في إطار «معجم اللغة العربية الفصحى» الذي بدأ في الظهور عام ١٩٥٧م، على نحو ما سنذكر في موضع آخر. ونود في ختام هذا العرض أن نشير إلى يوزف هوروفيتس (١٨٧٤–١٩٣١م) الذي اهتم في دراساته القرآنية اهتمامًا شديدًا بالاستعمال اللغوي في أعمال شعراء قبل الإسلام، وفكَّر في إنشاء معجم للشعر العربي القديم، وقام في معهد الدراسات الشرقية بالجامعة العبرية التي افتُتِحَت عام ١٩٢٥م في القدس بتفريغ الدواوين العربية المطبوعة في بطاقات لتحقيق هذا الهدف، ولكن شيئًا لم يخرج مطبوعًا من هذا المشروع.
وينبغي أن نشير إلى اشتراك علماء العربية الألمان في تفريغ مؤلفات الحديث في بطاقات، وهو عمل بدأ بعد الحرب العالمية الأولى إعدادًا «لمعجم الحديث المفهرس» الذي اضطلع أ. ي. فِنسِنك بإخراجه، وقد ظهرت من هذا المعجم المفهرس الضخم الذي يقصد إلى تبويب ألفاظ الحديث تبويبًا منظمًا، والذي يتَّسم بأهمية كبيرة للمعاجم العربية عامة، خمسة أجزاء، في الفترة بين عامَي ١٩٣٦م و١٩٦٥م.
فهارس الكتب العربية – مجموعات المخطوطات وقوائمها
سبق أن أشرنا في موضع آخر إلى كتاب كارل بروكلمَن (١٨٦٨–١٩٥٦م) «تاريخ الأدب العربي» الذي يضم في مجلداته الخمسة الضخمة الأدب العربي كله، سواء المطبوع منه أو المخطوط، باستثناء المؤلفات اليهودية والمسيحية الخاصة. أمَّا المؤلفات اليهودية فقد شملها كتاب موريتس شتاينشنايدر (١٨١٦–١٩٠٧م) «الأدب العربي عند اليهود» الذي ظهر عام ١٩٠٢م وتكرَّر طبعه عام ١٩٦٤م. أمَّا المؤلفات المسيحية فقد شملها كتاب جيورج جراف (١٨٧٥–١٩٥٥م) ذو الأجزاء الخمسة «تاريخ الأدب العربي المسيحي» (١٩٤٤–١٩٥٣م). وهناك بقلم ريشر «مختصر تاريخ الأدب العربي» في جزأين (١٩٢٥ و١٩٣٣م)، الذي ظهر للأسف في ٦٠ نسخة منقولة بالطبع عن الأصل المخطوط.
وتتسع حركة طبع الأعمال العربية الكلاسيكية وبعد الكلاسيكية من عام إلى عام اتساعًا كبيرًا، ومع هذا فلا ينبغي أن ننسى أن جزءًا كبيرًا من الأدب العربي ما زال مخطوطًا حتى اليوم، وأن الجيل الذي شهد الانتفاضة الحديثة للدراسات العربية ونشأة الدراسات الإسلامية بوصفها علمًا مستقلًا، كان حظه من المؤلفات المطبوعة أقل بكثير من حظ الجيل الحالي. وقد خرجت مجموعة من الأعمال الأدبية العربية الهامة، لا الأعمال الدائرة حول الدراسات الإسلامية فقط، بعناية مستشرقين أوروبيين لأول مرة مطبوعة، وكان للعلماء الألمان سهم وافر في هذا النشاط. وكان الشرط الأساسي للطبع هو، بدهيًّا، إثبات أصالة المخطوطات، لهذا كان الكشف عن المخطوطات العربية وجمعها ووصفها فرعًا هامًّا من أفرع الدراسات العربية.
وقد استحق ألويس شبرنجر (١٨١٣–١٨٩٣م) التقدير لما جمع من مخطوطات عربية، فقد اكتشف أثناء إقامته في الهند وأثناء رحلاته في الشرق الأدنى مخطوطات نادرة، فاقتناها أو انتسخ منها نسخًا، حتى اجتمع له ٢٠٠٠ مجلد عاد بها إلى أوروبا، من بينها ١١٠٠ مخطوط عربي، اشترتها مكتبة برلين عام ١٨٥٨م. وكان هاينرش بيترمن (١٨٠١–١٨٧٦م) قد بُعِثَ خصيصى إلى الشرق لشراء مخطوطات شرقية، وعاد ومعه مجموعتان. كذلك عرَف هذا العرض جامعًا آخر للمخطوطات هو يوهان جوتفريد فيتسشتاين (١٨١٥–١٩٠٥م)، كان يعمل في دمشق قنصلًا لبروسيا (١٨٤٨–١٨٦٢م) واقتنى أربع مجموعات من المخطوطات، ذهبت مجموعتان إلى برلين، ومجموعة إلى لايبتسج ومجموعة إلى توبنجن. وكُلِّفَ فيلهلم آلفارت (١٨٢٨–١٩٠٩م) عام ١٨٦٣م بمهمة تبويب المخطوطات العربية ببرلين، فأخلص للمهمة الشاقة غير المجزية أيَّما إخلاص، ولم يقف عند حد تقويم المخطوطات بنفسه، بل نظمها ووصفها لفائدة مَن قد يهتم بها من العلماء، وكرَّس لهذا العمل عشرين سنة من عمره، وظهرت نتيجته في عشرة مجلدات من الحجم الكبير (١٨٨٧–١٨٩٩م) وأصبحت في متناول المتخصصين. رسم آلفارت صور شخصيات الأدباء المختلفين، وتتبع تطور الأنواع الأدبية المتباينة، وقدَّم ملخصًا دقيقًا لمضمون كل عمل، فاجتمع له بذلك كتالوج مخطوطات يفوق المألوف من هذا النوع، ويحتفظ على الدوام بقيمة ثابتة في تاريخ الأدب العربي، كتالوج إذا ما قورنت به الكتالوجات الأخرى صغرت وتضاءلت، وهكذا تتضاءل قيمة الشيء الحسن دائمًا إذا ظهر ما هو أفضل منه. ولكن لا ينبغي أن يعوقنا هذا عن التنويه بفضل العمل الزاهد الذي يكمن وراء كل مخطوط عربي جاهز للاستعمال. ولننتخب واحدًا على الأقل من أصحاب الكتالوجات، ننوِّه به ممثلًا للكثيرين الذين لا يتيح لنا هذا المجال التنويه بهم، لنذكر إذن كرستيان زايبولد (١٨٥٩–١٩٢١م) «مكتبة جامعة توبنجن – ثبت بالمخطوطات العربية» (١٩٠٧م، أكملها عام ١٩٣٠م ماكس فايسفايلر).
شعراء عرب
يحتل شعراء قبل الإسلام وشعراء صدر الإسلام مكانًا عاليًا في ميدان دراسة الأدب العربي الذي لا يتخذ من الدين موضوعًا له. وقد نشر نولدكه وترجم وشرح قصائد عروة بن الورد (١٨٦٣م)، كما ترجم مقدمة كتاب ابن قتيبة في حياة الأدباء ضمن «دراسات لمعرفة شعر قدماء العرب» (١٨٦٤م)، وكتب عن «قصائد اليهود في الجزيرة العربية»، و«مالك ومتمم ابنَي نويرة» و«الخنساء» و«البدو بوصفهم مُضَلِّلين للواثقين فيهم». كذلك ترجم وشرح خمسًا من المعلقات (١٨٩٩–١٩٠١م). وجمع في كتابه «مختارات من الشعر العربي» باقة يانعة من الشعر العربي حتى نهاية العصر الأموي، لاستعمالها في أغراض الدرس، وما زال الكتاب يُستعمل حتى اليوم (١٨٩٠م وأعيد طبعه عام ١٩٣٣م و١٩٦١م، وزوَّده أوجست موللر بمعجم). أمَّا هاينرش توربِكه (١٨٣٧–١٨٩٠م) فقد أخرج المفضليات غير كاملة، (١٨٨٥م)، في حين سار يوليوس فيلهاوزن في أعقاب طبعة كوزيجارتن (الجزء الأول عام ١٨٥٤م)، ونشر «الجزء الأخير من ديوان الهذيليين، بالعربية والألمانية» (١٨٨٤م). واشتغل جولدتسيهر بديوان الحطيئة (١٨٩٣م) ونشر دراسة «عن التاريخ الأول لشعر الهجاء» (١٨٩٦م)، ونشر فيلهلم آلفارت (١٨٢٨–١٩٠٩م) خمريات أبي نواس (١٨٦١م)، ودواوين النابغة وعنترة وطرفة وزهير وعلقمة وامرئ القيس (١٨٧٠م) والأصمعيات (١٩٠٢م) ودواوين شعراء الرجز رؤبة بن العجاج وابن قيس الرقيات وأبي المرقال (١٩٠٣م) وكوَّن رأيًا في مسائل أساسية في الدراسات العربية في دراسته «ملاحظات على أصالة القصائد العربية القديمة» (١٨٧٢م). وجاء المستشرق النمساوي العالم بالدراسات العربية، رودولف جاير، (١٨٦١–١٩٢٩م) فنشر في «أراجيز عربية قديمة» (١٩٠٨م) و«مقالات في ديوان رؤبة» (١٩١٠م) ملاحق ومكمِّلات كبيرة لطبعات آلفارت التي خص بها شعراء الرجز، كذلك نشر جاير «قصائد ومقتطفات لأوس بن حجر» (١٨٩٢م) وقصائد «ميمون بن قيس الأعشى مع قصائد لشعراء آخرين بالاسم نفسه وقصائد المسيب بن علس» (١٩٢٨م). أمَّا مواطنه نيكولاوس رودوكاناكيس (١٨٧٦–١٩٤٥م) فقد نشر طبعة نموذجية من ديوان ابن قيس الرقيات مع ترجمة ومقدمة (١٩٠٢م) ونشر دراسة طريفة عن «الخنساء ومراثيها» (١٩٠٤م). ونشر المستشرق السويسري فريدرش شولتهس (١٨٦٨–١٩٢٢م) ديوان حاتم الطائي مع ترجمة له (١٨٩٧م) كما نشر وترجم مقتطفات القصائد التي نقلها الرواة منسوبة إلى أمية بن أبي الصلت (١٩١١م). ونشر باول شفارتس (١٨٦٧–١٩٣٨م) طبعة من ديوان عمر بن أبي ربيعة مع عرض ممتاز للغته وأسلوبه وأوزانه (١٩٠٢–١٩٠٩م)، ونشر يوزف هوروفيتس (١٨٧٤–١٩٣١م) هاشميات الكميت (١٩٠٤م) وأخرج ياكوب بارت (١٨٥١–١٩١٤م) ديوان القطامي (١٩٠٢م)، ونشر يوزف هل (١٨٧٥–١٩٥٠م) طبقات الشعراء للجمحي (١٩٢٠م) ودواوين جديدة للهُذَليين (١٩٢٦ و١٩٣٣م مع ترجمة) والجزء الثاني من ديوان الفرزدق (١٩٠٠-١٩٠١م). وقدَّم جيورج ياكوب (١٨٦٢–١٩٣٧م) في الكراستين الأُولَيين من «دراسات في الشعراء العرب» (١٨٩٣ و١٨٩٤م) دراسات لفهم المعلقات. كذلك نشر طبعة نص تمتاز بالعمق، ومزوَّدة بترجمة وتعليق (دراسات «الشَّنفَرَى» عام ١٩١٤ و١٩١٥م) وترجمة ألمانية أدبية ممتازة لِلامِيَّة العرب (١٩٢٣م). وبث هِلموت رِيتر في دراسته «في لغة نِظامي التصويرية» (١٩٢٧م) ملاحظات من بينها ملاحظات ذات أهمية بالغة في الشهر العربي. وفي ختام عرضنا هذا نشير إلى ثلاثة أعمال اختصت الشعر العربي الشعبي بالدرس: «القصيدة العربية ذات المقاطع» أولًا: «الموشح» (١٨٩٧م) بقلم مارتن هَرتمَن، وديوان من وسط الجزيرة العربية جمعه وترجمه وشرحه «ألبرت زوتسين» (١٨٤٤–١٨٩٩م) ونشره هانس شتومه، عام ١٩٠٠ و١٩٠١م، و«حركات حديثة في الشعر الفني العراقي المعاصر» (١٩٢٦م) بقلم أرتور شاده (١٨٨٣–١٩٥٢م).
وقد أيقظ الاشتغال بالشعر العربي القديم بالضرورة الاهتمام بالبيئة التي عاش فيها الشاعر والتي ينبغي أن نفهمه على أساسها. ونشر إنُّو لِيتمَن (١٨٧٥–١٩٥٨م) الذي صنع لنفسه اسمًا في ميدان دراسة النقوش الساميَّة، وشرح في مؤلفات عديدة نقوشًا عربية قديمة وملخصًا لنتائج أبحاثه في «ثمود وصفا – دراسات في علم نقوش الشمال العربي» (١٩٤٠م) كذلك أعطى يوليوس فيلهاوزن بكتابه «بقايا جاهلية عربية» (١٨٨٧م، طبعة ثانية ١٨٩٧م) صورة من عالم العرب الأقدمين من وجهة النظر الدينية التاريخية. وأخذ جيورج ياكوب (١٨٦٢–١٩٣٧م) في اعتباره الثقافة المادية عندما أنشأ كتابه الذي لا يزال جديرًا بالقراءة «حياة البدو قبل الإسلام» (١٨٩٥م، طبعة ثانية ١٨٩٧م). ولا يفوتنا أن ننوِّه في هذا المقام بإريش بروينلش (١٨٩٢–١٩٤٥م) وكتابه «بسطام بن قيس» (١٩٢٣م). وهناك كتاب فريدريش فيلهلم شفارتسلوزه «أسلحة العرب الأقدمين في شعر شعرائهم» (١٨٨٦م) وكتاب إريش بروينلش (١٨٩٢–١٩٤٥م) «البئر في بلاد العرب قديمًا» (١٩٢٥م) اللذان يمدان القارئ بمعلومات في موضوعات خاصة معيَّنة. ولما كانت نظم الحياة وأشكالها ثابتة في المنطقة الداخلية من الجزيرة العربية، وكان ذلك الثبات مميزًا لها حتى العشرات الأولى من القرن العشرين فقد اتخذت المؤلفات الحديثة التي تصوِّر الأحوال في تلك المنطقة حاليًّا أهمية كبيرة بوصفها وسيلة لمعرفة الأحوال فيها قديمًا، سواء كانت هذه المؤلفات تقارير رحالة أو دراسات جغرافية عامة. من تقارير الرحالة نشير إلى كتاب يوليوس أويتنج (١٨٣٩–١٩١٣م) الفريد «يوميات رحالة في داخل الجزيرة العربية» (في مجلدين ١٨٩٦–١٩١٤م)، ومن الدراسات الجغرافية نشير إلى كتاب برنهارد موريتس (١٨٥٩–١٩٣٩م) «البلاد العربية – دراسات في جغرافيتها الطبيعية والتاريخية» (١٩٢٣م)، وإلى كتاب فالتر ليش (١٩٣١م) «بلاد العرب» الذي يعطي تصويرًا صغيرًا تخطيطيًّا لها. أما كتاب ماكس فون أوبنهايم (١٨٦٠–١٩٤٦م) الكبير «البدو» فمفيد على نحو خاص، وقد ظهر المجلدان الأولان منه بمعاونة إريش بروينلش وفرنر كاسكل في عام ١٩٣٩ و١٩٤٣م، ونشر كاسكل الجزء الثالث بمفرده في عام ١٩٥٢م، ويُنتَظر صدور جزء رابع من الكتاب.
النثر العربي
ينقسم قطاع النثر العربي الفني غير العلمي إلى قسمين: قسم أعمال الأدب؛ أي الأعمال الثقافية العامة، وقسم الأعمال الشعبية التي تستهدف التسلية فحسب، على أن نراعي أن الفصل بين القسمين لا يمكن أن يتم بشكل نهائي قاطع، فهناك الأعمال الشعبية الهادفة إلى التسلية فقط التي تضفي على نفسها مسحة من الأساس العلمي، ونقصد بذلك إلى أنه ينبغي على الناس أن يأخذوها هي أيضًا مأخذ الجِد.
أخرج بروكلمَن ثلثًا من كتاب أدبي نَموذجي هو «عيون الأخبار» لابن قتيبة (١٩٠٤م إلى ١٩٠٨م)، وعالج أُوسْكَر ريشر (١٨٨٣م) «كتاب الأدب الكبير لابن المقفع» عام ١٩١٧م. كذلك كتب جوستاف ريشتر (١٩٠٦–١٩٣٩م) مقالًا في بعض المجلات «في كتاب الأدب الصغير لابن المقفع» (١٩٣١م)، ودراسة خاصة هي «دراسات في تاريخ أصول عربية قديمة لمرآة الأمراء» (١٩٣٢م). وكتب ألفرد فينر في موضوع على الحدود بين الأدب الفني والأدب الشعبي في مقال تفصيلي نُشِرَ ببعض المجلات عام ١٩١٣م بعنوان: «في أدب الفرج بعد الشدة»، كما كتب ب. لوزن (١٩٣٥م) مقالًا عن أهم أديب يمثل هذا الفرع «التنوخي، طريقته وفنه»، وأخرج رودي بارت (١٩٠١م) موجزًا لموضوعات قصص غرامية من كتاب ابن السرَّاج المسمى «مصارع العشاق» في مقال بعنوان: «قصص غرامية عربية قديمة – دراسة في تاريخ الأدب المقارن» (١٩٢٧م)، وعالج فرنر كاسكل (١٨٩٦م) فرعًا من فروع الأدب يمتاز بالتأثير والجاذبية هو «أيام العرب الأقدمين» في دراسة خاصة صغيرة «أيام العرب – دراسات في الفن الملحمي العربي القديم» (١٩٣٠م).
وكثيرًا ما عالج المستشرقون الأعمال الشعبية المسلية العامة، ونذكر منها أول ما نذكر «ألف ليلة وليلة»، أخرج ترجمة ممتازة لها المستشرق إنُّو لِيتمَن (١٨٧٥–١٩٥٨م) في ستة أجزاء بين عامَي ١٩٢٣ و١٩٢٨م بعنوان: «حكايات من ألف ليلة وليلة»، وألحقها بدراسة «عن نشأة ألف ليلة وليلة وتاريخها». وقد تناول لِيتمَن ألف ليلة وليلة بالدرس مرة أخرى، وكتب مقالًا صغيرًا عنها بعنوان: «ألف ليلة وليلة في الأدب العربي» (١٩٢٣م). وهناك مقال مفيد ممتاز بقلم يوزف هوروفيتس (١٨٧٤–١٩٣١م) نشره في «مجلة الأمم» عام ١٩٢٧م عن «نشأة ألف ليلة وليلة»، ومقال آخر بقلمه أيضًا نُشِرَ بمناسبة تكريم زاخاو، رد فيه «الاستشهادات الشعرية في ألف ليلة وليلة» إلى أصولها (١٩١٥م). وفي عام ١٩٢٥م نشر أُوسْكَر ريشر ترجمة ألمانية لكتاب أوستروب الأساسي «دراسات في ألف ليلة وليلة»، ولكنه طبع ٦٠ نسخة فقط. وكان ريشر قد نشر في عام ١٩١٩م بحثًا في مجلة «الإسلام» عن دراساته الخاصة في مضمون ألف ليلة وليلة. وكتب أرتور شاده دراسة اتخذ فيها رأيًا في «أصل بعض قصص أبي نواس وصيغتها الأولى في ألف ليلة وليلة» (١٩٣٤–١٩٣٦م).
وهناك نشريات خاصة بالروايات الشعبية العربية والأساطير العربية التي تحكي عن الغزوات في عصر النبي محمد: حكايات بني هلال (١٨٩٩م) بقلم مارتن هَرتمَن (١٨٥١–١٩١٨م)، ورواية عنترة العربية (١٩٢٥م) و«أهمية رواية عنترة العربية في تاريخ الأدب المقارن» (١٩٣١م) بقلم برنهارد هيللر؛ و«سيرة سيف بن ذي يزن – رواية شعبية عربية» (١٩٢٤م) و«تاريخ الإسلام في مرآة الأدب الشعبي العربي» (١٩٢٧م)، و«رواية عمر النعمان الفرسانية وعلاقتها بألف ليلة وليلة» (١٩٢٧م) و«أدب المغازي الأسطوري – أعمال أدبية عربية عن الغزوات الإسلامية في عصر محمد» (١٩٣٠م) بقلم رودي بارت أو «الكتاب الشعبي العربي عن الملك الظاهر بيبرس» (١٩٣٦م) بقلم هِلموت فانجلين.
ولا يفوتنا أن نذكر في ختام كلامنا نشريات صغيرة تعالج موضوعات أدبية مختلفة الأنواع: من تأليف جيورج ياكوب (١٨٦٢–١٩٣٧م) «دراسات في نصوص ألعاب خيال الظل العربي لابن دانيال» (١٩١٠م وما بعدها)، ومن تأليف كارل بروكلمَن «أمثال وحكايات الحيوان في الأدب العربي القديم» (١٩٢٦م)، ومن تأليف رودي بارت «العنصر التراجيكي في الأدب العربي» (١٩٢٨–١٩٢٩م).