الاستشراق الألماني منذ عام ١٩٣٣م
كان للحرب العالمية الأولى أثرها على الاستشراق الألماني، فأصابت من المستشرقين مَن نعلم ومَن لا نعلم. وقد كان من نتائجها أن خسرت ألمانيا مستعمراتها في أفريقيا، وليس من الممكن الجزم بأن ضياع هذه المستعمرات كان له أثر سيئ على تقدم الاستشراق. والحقيقة أن ضياع هذه المستعمرات أدى إلى ضياع حافز مباشر على الاشتغال بالعالم الفكري للمسلمين في المستعمرات الألمانية بشرق أفريقيا. ولكن ابتعاد الألمان عن كل ألوان السيطرة السياسية على قطاع المستعمرات صفَّى الجو بين الألمان والشرقيين، وأدى إلى تحوُّل الدراسات الاستشراقية في ألمانيا إلى علم مجرَّد عن الغرض تمامًا. وهكذا بقي الاهتمام بعالم الإسلام وبكل مظاهر النشاط فيه مستمرًّا قويًّا بعد نهاية الحرب، بل وازداد قوة بما أوتي من حافز جديد.
أما استيلاء النازي على السلطة في ألمانيا في عام ١٩٣٣م والتطوُّر الذي مرَّت به ألمانيا نتيجة لذلك، فقد أدى إلى الإضرار بالدراسات الاستشراقية في ألمانيا. وأصيب أولئك العلماء الذين كانوا يقومون بعملهم حتى ذلك الوقت دون أن ينالهم ضرر؛ أصيبوا بالرعب المعنوي المتزايد، بأنهم أبقَوا على إحساس فطري بالحق والإنسانية، واضطُر منهم مَن اضطر إلى الهجرة. وكانت النتيجة نقصًا واضحًا في عدد المستشرقين من ناحية، ومن ناحية أخرى إحساس المستشرقين الذين ظلوا في ألمانيا، ولم يهاجروا، بالحرج نتيجة لتصوُّرهم أن مجتمع العالم الحر يعاديهم. فلما جاءت الحرب العالمية الثانية بلغت بالمحنة قمة أخرى أكثر ارتفاعًا. فقد اختطف الموت عددًا من المستشرقين الذين كانوا يعيشون ويصوِّرون أنفسهم من الناحية الفكرية كمن يعيش على جزيرة، فلما انتهت الحرب كان علينا أن نعاني من الجوع والبرد، وأن نعاني من الإحساس بالمشاركة في تحمل مسئولية أعمال الحكم النازي.