الجمال
يا أيها الذين حاروا في سبيل الأديان المتشعبة، وهاموا في أودية الاعتقادات المتباينة، فرأوا حرية الجحود أوفى من قيود التسليم، ومسارج النكران أسلم من معاقل الأتباع، اتخذوا الجمال دينًا واتقوه ربًّا، فهو الظاهر في كمال المخلوقات، البادي في نتائج المعقولات، انبذوا الأُلَى مثلوا التدين لهوًا وآلفوا بين طمعهم بالمال وشغفهم بحسن المآل، وآمنوا بألوهية جمال كان بدء استحسانكم الحياة، ومنبع محبتكم والسعادة، ثم توبوا إليه فهو المقرب قلوبكم من عرش المرأة مرآة شعائركم، والمدرب أنفسكم في مجال الطبيعة موطن حياتكم.
ويا أيها الذين ضاعوا في ليل التقوُّلات، وغرقوا في لجج الأوهام، إن في الجمال حقيقة نافية الريب، مانعة الشك، ونورًا باهرًا يقيكم ظلمة البطل، تأملوا في يقظة الربيع ومجيء الصبح، إن الجمال نصيب المتأملين.
أصغوا لأنغام الطيور، وحفيف الأغصان، وخرير الجدول، إن الجمال قسمة السامعين، انظروا وداعة الطفل، وظُرْفَ الشاب، وقُوَّةَ الكهل، وحكمة الشيخ، إن الجمال فتنة الناظرين.
تشببوا بنرجس العيون، وورد الخدود، وشقيق الفم؛ إن الجمال يتمجد بالمتشببين، سبِّحُوا لغصن القد، وليل الشعر، وعاج العنق؛ إن الجمال يُسَرُّ بالمسبحين. كَرِّسُوا الجسد هيكلًا للحسن، وقدسوا القلب مذبحًا للحب؛ إن الجمال يجازي المتعبدين.
تهللوا يا أيها الذين أُنْزِلَتْ عليهم آيات الجمال، وافرحوا إذ لا خوف عليكم ولا أنتم تحزنون.