رحماك يا نفس رحماك
حتى مَ تنوحين يا نفسي وأنت عالمة بضعفي؟ إلى متى تضجِّين وليس لدي سوى كلام بشري أصوِّر به أحلامك؟
انظري يا نفسي، فقد أنفقتُ عمري مصغيًا لتعاليمك، تأملي يا معذبتي فقد أتلفت جسمي متبعًا خطواتك.
كان قلبي مليكي فصار الآن عبدك، وكان صبري مؤنسي فغدا بك عذولي، كان الشاب نديمي فأصبح اليوم لائمي، وهذا كل ما أوتيته من الآلهة فمِمَّ تستزيدين وبِمَ تطمعين؟
قد أنكرت ذاتي، وتركت ملاذَّ حياتي، وغادرت مجد عمري ولم يبقَ لي سواك، فاقضي علي بالعدل فالعدل مجدك، أو استدعي الموت واعتقي من الأسر مُعَنَّاكِ.
رحماك يا نفس فقد حمَّلْتِنِي من الحب ما لا أطيقه، أنت والحب قوة متحدة، وأنا والمادة ضَعْفٌ متفرِّق، وهل يطول عراك بين قوي وضعيف؟ رحماك يا نفس فقد أريتني السعادة عن بعد شاسع … أنت والسعادة على جبل عالٍ، وأنا والشقاء في أعماق الوادي، وهل يتم لقاء علوٍّ ووطوءة؟
رحماك يا نفس، فقد أَبَنْتِ لي الجمال وأخفيتِه، أنت والجمال في النور وأنا والجهل في ظلمة، وهل يمتزج النور بالظلمة؟
أنت يا نفس تفرحين بالآخرة قبل مجيء الآخرة، وهذا الجسد يشقى بالحياة وهو في الحياة.
أنت تسيرين نحو الأبدية مسرعة وهذا الجسد يخطو نحو الفتاة ببطء، فلا أنت تتمهَّلين ولا هو يسرع، وهذا يا نفس منتهى التعاسة.
أنت ترتفعين نحو العلو بجاذب السماء، وهذا الجسد يسقط إلى تحت بجاذبية الأرض، فلا أنت تعزِّينَهُ ولا هو يهنئك، وهذه هي البغضاء.
أنت يا نفس غنية بحكمتك وهذا الجسد فقير بسليقته، فلا أنت تتساهلين ولا هو يتبع، وهذا أقصى الشقاء.
أنت تذهبين في سكينة الليل نحو الحبيب وتتمتَّعين منه بضمَّة وعناق، وهذا الجسد يبقى أبدًا قتيل الشوق والتفريق.
رحماك يا نفس رحماك.