يا لائمي
دعني يا لائمي ووحدتي، أستحلفك بحب يضم نفسك بجمال الرفيقة، ويوثق قلبك بحنو الأم، ويربط فؤادك بعواطف الابن، أن تتركني وحالي.
خلِّنِي وشأني وأحلامي واصبر إلى الغد، فالغد يقضي علي بما يشاء.
محضتني النصح والنصح طيف يسير بالنفس إلى مرتع الحيرة، ويقودها إلى حيث الحياة جامدة كالتراب.
لي قلب صغير أريد أن أخرجه من ظلمة صدري وأحمله على كتفي متفحصًا أعماقه، ومستحكيًا أسراره، فلا تترصده يا لائمي بنبال مذاهبك مسببًا خوفه واختفاءه ضمن قفص الضلوع، قبل أن يسكب دماء خفاياه ويقوم بفرض عَقَدَتْهُ الآلهة عندما ابتدعته من الجمال والحب.
هنا قد طلعت الشمس وغرَّدَ الهزار والبلبل، وتصاعدت أرواح الآس والمنثور، وأنا أريد الانعتاق من لحف الكرى لأسير مع الحملان البيضاء، فلا تعتقني يا لائمي ولا تخفني بأسد الغاب، وصل الوادي لأن نفسي لا تعرف الجزع، ولا تنذر بالسوء قبل مجيئه.
دعني يا لائمي ولا تعظني؛ لأن المصائب فتحت بصيرتي، والدموع جلت بصري، والحزن علمني لغة القلوب.
اعتزل ذكر المحرمات، فلي من ضميري محكمة تقضي بالعدل علي، وتقيني العقاب إن كنت ذا برارة، وتحرمني الثواب إن كنت من المجرمين.
ها قد سار موكب الحب فمشى الجمال رافعًا أعلامه، وسارت الشبيبة نافخة أبواق الفرح، فلا تردعني يا لائمي، بل دعني أسير، فالطريق مفروشة بالورد والرياحين، والهواء قد عطرته مجامر المسك.
أعتقني من حكاية المال وقصص المجد؛ لأن نفسي غنية باكتفائها ومشغولة بمجد الآلهة.
أعتقني من مآتي السياسة وأخبار السلطة؛ لأن الأرض كلها وطني، وجميع البشر مواطني.