الشاعر
حلقة توصل بين هذا العالم والآتي، منهل عذب تستقي منه النفوس العاطشة، شجرة مغروسة على ضفة نهر الجمال ذات ثمار يانعة تطلبها القلوب الجائعة، بلبل يتنقل على أغصان الكلام وينشد أنغامًا تملأ خلايا الجوارح لطفًا ورقة، غيمة بيضاء تظهر خط الشفق ثم تتعاظم وتتصاعد وتملأ وجه السماء وتنسكب لتروي أزهار حقل الحياة، ملك بعثته الآلهة ليعلم الناس الإلهيات، نور ساطع لا تغلبه ظلمة ولا يخفيه مكيال ملأته زيتًا عشتروت إلهة الحب، وأشعله أبولون إله الموسيقى.
وحيد يرتدي البساط ويتغذى اللطف، ويجلس على أحضان الطبيعة ليتعلم الإبداع، ويسهر في سكينة الليل منتظرًا هبوط الروح، زرَّاع يبذر حبات قلبه في رياض الشواعر فتنبت زرعًا خصيبًا، تستغله الإنسانية وتتغذى به.
هذا هو الشاعر الذي تجهله الناس في حياته، وتعرفه عندما يودع هذا العالم ويعود إلى موطنه العلوي، هذا الذي لا يطلب من البشر إلا ابتسامة صغيرة، والذي تتصاعد أنفاسه وتملأ الفضاء أشباحًا حية جميلة، والناس تبخل بالخبز والمأوى.
فإلى متى أيها الإنسان، إلى متى أيها الكون تقيم من الفخر بيوتًا للألى جبلوا أديم التراب بالدماء وتُعْرِضُ بِتَهَامُلٍ عن الذين يهبونك من محاسن أنفسهم سلامًا ووداعة؟ وحتى مَ تعظم القتلة والذين أحنوا الرقاب بنير الاستعباد، وتتناسى رجالًا يسكبون نور الأحداق في ظلمة الليل ليعلموك أن ترى بهاء النهار، ويصرفون العمر بين مخالب الشقاء كي لا تفوتك لذة السعادة.
وأنتم يا أيها الشعراء يا حياة هذه الحياة، قد تغلبتم على الأجيال قسرًا عن قساوة الأجيال، وفزتم بإكليل الغار غصبًا عن أشواق الغرور، وملكتم في القلوب وليس لملككم نهاية وانقضاء، يا أيها الشعراء.