النفس
وفصل إله الآلهة عن ذاته نفسًا وابتدع فيها جمالًا، وأعطاها رقة نسيمات السحر وعطَّر أزاهر الحقل ولطف نور القمر.
ووهبها كأس سرور وقال: لن تشربي منها إلا إذا نسيت الماضي وأهملتِ الآتي، وكأس حزن وقال: تشربين منها فتدركين كُنْهَ فرح الحياة.
وبثَّ فيها محبة تفارقها مع أول تنهدة استكفاء، وحلاوة تخرج منها مع أول كلمة ترفع.
وأسقط عليها علمًا من السماء ليرشدها إلى سبل الحق.
ووضع في أعماقها بصيرة ترى ما لا يُرى.
وابتدع فيها عاطفة تسيل مع الخيالات وتسير مع الأشباح، وألبسها ثوب شوق حاكته الملائكة من تموُّجات قوس القزح، ثم وضع فيها ظلمة الحيرة وهي خيال النور.
وأخذ الإله نارًا من مصهر الغضب، وريحًا تهب من صحراء الجهل، ورملًا من على شاطئ بحر الأنانية، وترابًا من تحت أقدام الدهور.
وجَبَل الإنسان، وأعطاه قوة عمياء تثور عند الجنون وتخمد أمام الشهوات، ثم وضع فيه الحياة وهي خيال الموت.
وابتسم إله الآلهة وبكى، وشعر بمحبة لا حَدَّ لها ولا مدى، وجمع بين الإنسان ونفسه.