محمود حمزة الحسيني
يتصل نسب السيد محمود حمزة الحسيني بعائلة من أقدم عائلات دمشق، حسينية الانتساب، أصلها من حران، وهاجرت إلى دمشق منذ قرون، وتوالت نقابة الأشراف فيهم عدة أجيال حتى عرفوا ببيت النقيب، وأول من تولاها منهم إسماعيل بن حسين النتيف سنة ٣٣٠ﻫ، ونبغ منهم جماعة من العلماء وأهل الفضل، ونالوا الرتب العالية لدى ولاة الأمر، وقد سموا بيت حمزة نسبة إلى حمزة الحراني أحد أجدادهم، وقد ذكر المحبي تراجم بعضهم، وأورد سلسلة أنسابهم إلى النبي.
أما صاحب الترجمة فهو محمود بن محمد نسيب، وُلد في دمشق الشام سنة ١٢٣٦ﻫ، ونشأ في حجر والده كما ينشأ ربيب العز والمجد، وكانت المدارس في أيامه ضعيفة، فتعلم القرآن، وأتقن الخط في مكتب ابتدائي وهو في الثانية عشرة، واشتهر خطه بالجمال من ذلك الحين، ثم عكف على اكتساب العلم، وأكبَّ على المطالعة والتبحر على علماء دمشق، فأخذ الفقه والنحو والصرف والأصول والكلام عن الشيخ سعيد الحلبي، وتلقى الحديث والمصطلح عن الشيخ عبد الرحمن الكزبري، والتفسير والتصرف عن الشيخ حامد العطار، والمعاني والبيان عن الشيخ عمر الأمامدي، والفرائض والحساب والعروض عن الشيخ حسن الشطي، والحكمة والوضع والآداب عن منلا بكر الكردي، وأجيز من الجميع.
وطالع اللغة التركية وبرع فيها، وصار من أكابر علمائها والمتبحرين فيها، يدرك أسرارها ويروي نكاتها ومنظوماتها وآدابها كأحسن فضلائها، ولمَّا اشتهر فضله وجهت إليه النيابات الشرعية سنة ١٢٦٠ﻫ، ولبث إلى سنة ١٢٦٨ﻫ، وسافر إلى الآستانة والأناضول بعد أن انتظم في سلك الموالي سنة ١٢٦٦ﻫ، ورجع إلى دمشق ثم انتظم في سلك أعضاء مجلسها الكبير الذي ألغي سنة ١٢٧٧ﻫ بعد الحادثة المشهورة، وكان في أثناء هذه المدة قد ألَّف تفسيره المهمل والقاموس المهمل الذي ألفه للاستعانة به على التفسير المذكور، وقدم تفسيره للسلطان عبد المجيد، فأنعم عليه بالنيشان المجيدي الرابع، وكانت النياشين في ذلك الوقت عزيزة لا ينالها إلا أصحاب الأعمال العظيمة.
وكان يشتغل بالتأليف والتدريس والمطالعة والنظم، وفي سنة ١٢٨٤ﻫ تولى إفتاء دمشق، بل إفتاء الديار الشامية؛ لأن سورية كانت ولاية واحدة، وظل في وظيفته هذه إلى آخر حياته، ونال أسمى المراتب العلمية الرسمية وأوسمة الدولة العلية؛ مجيدية وعثمانية، لحد الرتبة الثانية، وأهداه نابوليون الثالث إمبراطور فرنسا على أثر حادثة دمشق (المشهورة بحادثة سنة ١٨٦٠م) جفتًا بطقم ذهب في صندوق من عاج؛ إقرارًا بجميله لِمَا أتاه من الخير بمساعدته مسيحيي دمشق في تلك الحادثة المشئومة، وحصل بصنيعه المذكور على رضا الدولة العلية واحترام عظماء أوروبا وثقتهم.
وكان مع تبحره بالعلم واشتغاله به وبمنصبه آية في صناعة اليد، يشتغل أدق الأشغال اليدوية وأتقنها بغاية الضبط والانتظام، وأما في الكتابة فقد كان آية الزمان بها، فكان يكتب جميع الخطوط بغاية الضبط والجمال، فضلًا عن تفننه بهذه الصنعة، فقد كتب الفاتحة على حبة أرز، وبقي ثلث الحبة فارغًا، وترى الكتابة بالعدسية واضحة جميلة الخط جدًّا، وأغرب من ذلك كتابته على ورقة بمساحة فص الخاتم أسماء شهداء وقعة بدر الكبرى، وهم ٣١٧.
ولكثرة مشاغله مال إلى الرياضة لتجديد قواه، فاختار الصيد ومال إليه وغرم به، وكان يصرف به أوقات الفراغ فصار صيادًا مشهورًا، وقد بلغ بالرماية مبلغًا عظيمًا، واشتهر بها، فيرمي مائة رمية ولا يخطئ في واحدة، وقيل إنه ما وجه بندقيته إلى شيء وأخطأه إلا ما ندر جدًّا، وبالإجمال أنه أتقن كل ما تعاطاه.
وكان مقصودًا في قضاء الحاجات، يحبه الناس على اختلاف المراتب والنِّحَل، يحترمه رجال الدولة والولاة والأجانب، وكان صادقًا في القول والفعل، محبًّا لوطنه ودولته، مستقيمًا متضعًا يأبى الفخفخة، ومع كثرة علامات شرفه وتعداد أوسمته لم يظهر مرة بها إلا عند الضرورة.
وكان يعتبر الوقت ثمينًا، لا يضيعه بلا عمل، وهذا ما مكَّنه من القيام بمشاغله الكثيرة وأعماله الخطيرة؛ ولذلك كان يميل إلى الوحدة، لا يتداخل فيما لا يعنيه.
وكان ذا مهابة وجلال، إذا مرَّ بطريق وقف له الناس وتسابقوا بتأثير حبهم له لتقبيل يديه، مع إبائه ذلك عليهم لمخالفته طبعه، فلِدفع هذا كان يختار السلوك في الطريق التي لا يكثر فيها المارَّة.
- (١)
تفسير القرآن بالحرف المهمل في مجلدين كبيرين، سماه دور الأسرار.
- (٢)
الكمل إلى الكلام المهمل، ألفه للاستعانة به على التفسير المذكور.
- (٣)
كتاب الفتاوى، نظمًا في مجلد.
- (٤)
الفتاوى المحمودية (أو الحمزاوية)، مجلدان ضخمان.
- (٥)
نظم الجامع الصغير للإمام محمد، نحو ثلاثة آلاف بيت من البسيط على قافية واحدة في مجلد، أوله:
حمدًا جزيلًا لذي الإحسان والكرمثم الصلاة على الهادي إلى الأمم - (٦)
نظم أصول الفقه، نحو ذلك من البحر والقافية المذكورة.
- (٧)
القواعد الفقهية.
- (٨)
قواعد الأوقاف.
- (٩)
تحرير المقالة في الحيلولة والكفالة، على مثال لم يسبق إليه.
- (١٠)
جدول الأحق بالحضانة للولد.
- (١١)
خلل المحاضر والسجلات.
- (١٢)
كشف الستور عن المهاياه في الماجور.
- (١٣)
كشف القناع، وهو شرح بديعية والده.
- (١٤)
غنية الطالب، وهو شرح رسالة الصديق لعلي بن أبي طالب.
- (١٥)
تنبيه الخواص على أن الإمضاء في الحدود لا في القصاص.
- (١٦)
رسالة في الدرهم والمثقال.
- (١٧)
مصباح الدراية في إصلاح الهداية.
- (١٨)
التفاوض في التناقض.
- (١٩)
رفع الغشاوة عن جواز أخذ الأجرة على التلاوة.
- (٢٠)
السوار اللامع في أصول الجامع.
- (٢١)
التحرير في ضمان الآمر والمأمور والأجير.
- (٢٢)
فتوى الخواص في حل ما صيد بالرصاص.
- (٢٣)
فصيح النقول في جواز دعوى المرأة بالمهر بعد الدخول.
- (٢٤)
كشف المجانة عن الغسل في الإجانة.
- (٢٥)
الكواكب الزاهرة في الأحاديث المتواترة.
- (٢٦)
شرح صلاة ابن مشيش.
- (٢٧)
العقيدة الإسلامية.
- (٢٨)
كتاب ترجيح البينات المسماة بالطريقة الواضحة.
- (٢٩)
عنوان الأسانيد.
- (٣٠)
الأجوبة الممضاة على أسئلة القضاة.
- (٣١)
مختصر الجرح والتعديل.
- (٣٢)
صحيح الأخبار عن التنقيح ورد المحتار.
- (٣٣)
أعلام الناس.
- (٣٤)
القطوف الدانية في خبث أجر الزانية.
- (٣٥)
البرهان على بقاء دولة آل عثمان إلى آخر الزمان.
وله غير ذلك عدة رسائل؛ منها أرجوزة في علم الفراسة، واعتراه في أواخر عمره ضعف برجليه، فلزم بيته ولم يخرج منه إلا قليلًا، مع ملازمة وظيفته والعمل بموجبها، وفي اليوم التاسع من محرم سنة ١٣٠٥ﻫ وافته المنية عن ٦٩ سنة، فكبر خَطْبه، وعظم مُصابه، وتقفلت دوائر الحكومة، وتوقفت أشغال المدينة في ذلك اليوم، وأُذِّنَ له بالمآذن، وعم الحزن والأسف عموم الناس.
وكان رَبْع القامة، ممتلئ البدن، قوي العضل، أسود الشعر، طفح الوجه، عالي المحيَّا، عريض الحاجبين أفرقهما، أسود العينين حاد النظر، دقيق الأنف، متوسط اللحية وقد وخط الشيب نحو ربعها، حنطي اللون، أشعر الجسم، وكان بالإجمال حسن المنظر عظيم الهيبة.