حسن باشا محمود
هو من أهل الدور الثاني للنهضة الطبية الأخيرة، باعتبار تفاوتهم في أسلوب التأليف واختلافهم في المصادر التي تلقوا العلم عنها، نبغ من بين العامة، وارتقى بجده واجتهاده حتى صار في أرقى طبقات الخاصة علمًا ووجاهة. ونبوغ العامة إلى طبقة الخاصة يكثر على الخصوص في أثناء الانتقال من عصر إلى آخر، أو من دولة إلى أخرى؛ إذ تصبح السعادة فوضى يتنازع الناس في اغتنامها فينالون منها على مقادير قواهم وحظوظهم.
وكان مع ذلك كثير الاشتغال في الكتابة والتأليف، وله مقالات طبية وعلمية تناقلتها الجرائد والمجلات، وتباحثت بها الأندية والجمعيات. أما مؤلفاته فأكثرها منقول أو ملخص عن الألمانية، ولكنه كان كثيرًا ما يبث آراءه واختباراته فيها؛ أولها كتاب ألفه في الفرنساوية قبل رجوعه من باريس، موضوعه «داء الفقاع»، أتى فيه على تاريخ هذا الداء من أول عهد الطب إلى الآن، وذكر رأيه في كثير من أبوابه، وكان له وقع حسن عند أطباء الإفرنج.
وأكثر ما ألفه من الكتب بعد ذلك منشور بمصر في العربية؛ ككتاب الفرائد الطبية في الأمراض الجلدية، ذكر فيه كثيرًا من الأمراض الجلدية الشائعة في القطر المصري، وكتاب الخلاصة الطبية في الأمراض الباطنية، وكتاب البواسير ومعالجتها، وتحفة السامع والقاري في داء الطاعون البقري الساري، وألَّف رسائل في حمى الدنج، وحمامات حلوان، والكوليرا، والنزلة الوافدة، ومقالات كثيرة نشر أهمها في المقتطف؛ منها مقالة ضافية في النباتات المصرية، ومقالات في الزراعة بوادي النيل والحشيش، والدمل المصري، والتراخوما، والسل، غير ما نشر من قلمه في المجلات الطبية بمصر وغيرها.
وبالجملة فقد كان (رحمه الله) عاملًا نشيطًا مجتهدًا، مع رقة طباعه وسهولة أخلاقه ورغبته في خدمة وطنه بما يبلغ إليه إمكانه.