سليم مخائيل شحادة١
ولد في بيروت يوم الثلاثاء في ١٤ ديسمبر سنة ١٨٤٨م، في بيت عرف بالفضل والعلم، فدرس في المدرسة الأرثوذكسية الكبرى المعروفة بالثلاثة أقمار (التي أسست أولًا في سوق الغرب نحو سنة ١٨٥٢م) على أشهر أساتذة عهده؛ ولا سيما إلياس حبالين، فأتقن عليه الفرنسية والعربية على بعض الأساتذة، ثم درس الإنكليزية والعلوم على بعض المرسلين، وتعمق في التاريخ والجغرافية، وانقطع إلى مكتبته الغنية بالمؤلفات المطبوعة والمخطوطة (مجلة المشرق ١٠–٩٦١)، وتبحَّر في المعارف، وتبسَّط في التاريخ تبسطًا كافيًا، وكان يتمرَّن بمساعدة والده مخائيل شحادة في القنصلية الروسية التي دخلها في سنة ١٨٦٦م.
وعرف بأصالة رأيه، وحصافة عقله، ومقدرته في اللغتين العربية والفرنسية، وله مع والده اليد الطُّولَى في تأسيس الجمعية الخيرية الأرثوذكسية في مدينة بيروت، فترأسها نحو سبع عشرة سنة، وتولى إدارة شئون مدارسها نحو عشر سنوات، فنجحت وازدهرت. وفي أثناء ذلك تجددت الجمعية السورية العلمية سنة ١٨٦٨م بعهد المغفور لهما راشد ناشد باشا والي سورية، وكامل باشا متصرف لواء بيروت، فانتظم المترجم في سلك أعضائها العاملين. ونحو سنة ١٨٨٠م تجدد انتظامها ثانية باسم المجمع العلمي الشرقي. وكان من أهم أعضائها من نذكرهم بحسب الحروف الهجائية: إبراهيم الحوراني، إبراهيم اليازجي، أسبر شقير، الدكتور إسكندر بك البارودي، بطرس البستاني، جرجس همام، جرجي زيدان، جرجي ينِّي، سليم البستاني، سليم شحادة، سليم نوفل، الدكتور فارس نمر، الدكتور كرنيليوس فانديك، مراد بك البارودي، نعمة يافث، الدكتور يعقوب صرُّوف، الدكتور يوحنا ورتبات وغيرهم.
فألقى المترجم — مثل كثير من زملائه الأعضاء — خطبًا شائقة؛ منها رسالات سنيكا الفيلسوف الروماني إلى لوسيليوس، نشرت في المجموعتين الثامنة والتاسعة لأعمالها. ولما نشرت جريدة حديقة الأخبار لصديقه المرحوم خليل الخوري باللغتين الفرنسية والعربية سنة ١٨٧٠م حسَب طلب المغفور له فرنكو باشا ثاني متصرفي لبنان، كان المترجم ينشئ القسم الفرنسي مع زميله المرحوم سليم شقيق صاحب الحديقة، وله فيها مقالات تشهد بطول باعه في السياسة والإنشاء.
وعلى منضدة مكتب تلك الجريدة اتفق السليمان على وضع «آثار الأدهار» في التاريخ والجغرافية، وساعدهما في بعض أبوابه المرحوم أديب إسحاق الكاتب الشهير، فطبعا الجزء الأول من القسم الجغرافي في أوائل سنة ١٨٧٥م بالمطبعة السورية في ١٩٢ صفحة، ثم على أثر ذلك هصرت المنية زميل المترجم بالهواء الأصفر، فبقي هو مثابرًا وحده على العمل، وطبع الجزء الثاني في ١٥ نوفمبر سنة ١٨٧٥م، والثالث في ١٢ مارس سنة ١٨٧٦م، ثم الجزأين الرابع والخامس، وجميعها الآن في مجلد واحد لم تتجاوز حرف الباء، وصفحاتها ٩٨٠ صفحة بقطع كبير في عمودين بحرف من الجنس الثاني، ونهاية مباحثه بعض تاريخ بلجيكا. ومن فوائده أنه ذكر فيه جميع قرى ومدن سورية وأوروبا وأميركا … إلخ، القديمة والحديثة، وما تقلب عليها، وتاريخ نشأتها ومميزاتها، ومن إنصاف المترجم أنه أبقى جميع الأجزاء باسمه واسم زميله الذي عاجلته المنية على أثر إنجاز الجزء الأول.
أما القسم التاريخي فطبع الجزء الأول منه سنة ١٨٧٧م في ٣٨٤ صفحة، وحفظ فيه اسم زميله بعد أن مضى على وفاته سنتان؛ وفاءً بحقوق الإخاء، ورفع الكتاب بقسميه خدمة للأعتاب السلطانية، وصدر القسم التاريخي بمقدمة في فلسفة العمران صدَّرها بالبحث عن الإنسان وشئونه، ثم استرسل إلى علم التاريخ وأحواله ومَنشئه ونتائجه وتقسيمه في ١٤ صفحة بقطع الكتاب وحرفه، وجاء بما لم يجئ به إلا كبار علماء العمران.
وعلى الجملة، فإن آثار الأدهار هو أول دائرة للمعارف التاريخية والجغرافية في اللغة العربية، مرتَّبة على الحروف الهجائية، وافية المباحث المفيدة، وعلى أنقاضه قامت دائرة المعارف العربية التي أسسها المرحومان بطرس البستاني وولده سليم، ولقد ذكر الآثار كثيرون من المستشرقين.
ولما أنشأ الصحافي الشهير خليل أفندي سركيس اللبناني مجلة «المشكاة» أنشأ المترجم فيها مقالات هامة في تاريخ الأندلس، وتراجم أهله ونوادرهم، ونشر في المقتطف مقالة ضافية في الجغرافية وجغرافيي الإسلام. وأنشأ سنة ١٨٨٥م مجلة ديوان الفكاهة الروائية القصصية، بشركة صديقه المرحوم سليم بولس طراد.
وكان رفيع المنزلة بين أصدقائه، وجيهًا في قومه، تولى الترجمة في القنصلية الروسية أعوامًا عديدة، فأنعم عليه القيصر بوسام القديسة حنة الثالث سنة ١٩٠٢م، فقضى حياته يخدم السياسة والعلم، واشتغل في أواخر أيامه بوضع تاريخ مطول للكنيسة لم يتمَّه، وتوالت عليه المحن في أواخر عمره بوفاة معظم إخوته ووالديه، فأثَّر به الحزن فأصيب بعلة قلبية ذهبت بحياته في ١٥ أكتوبر سنة ١٩٠٧م في سوق الغرب، فحُمل إلى بيروت ودفن فيها.