المعلم بطرس كرامة
هو بطرس بن إبراهيم كرامة، من أعيان حمص، ولد فيها سنة ١٧٧٤م، ونشأ وتأدب فيها، ثم حدث اضطراب واضطهاد للطائفة الكاثوليكية، وكان عمه المطران أرميا كرامة على قلاية دمشق، ارتسم عليها سنة ١٧٦٢م، فقدِم السيد أرميا المذكور إلى حمص، ونزل ضيفًا على أخيه إبراهيم.
ووفد في تلك السنة على حمص مطران من السريان الكاثوليك أصله من (صدد)، ولم يقبله السريان اليعقوبيون، فنزل على المطران أرميا في بيت أخيه إبراهيم، وأقام القداس هناك بضعة أيام، ثم سافر إلى الجبل، فاغتاظ من ذلك شيخ صدد، وأغرى مسعود أغا سويدان حاكم حمص — يومئذٍ — أن يشكوه إلى بطل باشا عند قدومه إلى حمص، ويقول له إن إبراهيم كرامة جعل بيته كنيسة، ويشكو سائر الكهنة الكاثوليكيين اضطهادًا للكاثوليك على الإجمال، فقبضوا عليهم وسجنوهم وأهانوهم وضربوا عليهم مالًا لا يخرجون إلا بعد دفعه، فجمعوه ودفعوه، فكره إبراهيم الإقامة في حمص بسبب ذلك، فخرج إلى عكا مع ابنه بطرس، ومنها إلى لبنان.
وكان بطرس ذكيًّا من حداثته، يقول الشعر ويحسن اللغة التركية، وكان ذلك عزيزًا في تلك الأيام. واتفق أن الأمير بشير الشهابي الكبير أمير لبنان الشهير احتاج إلى من يُعلم ولديه خليلًا وأمينًا، وبلغه خبر بطرس المذكور فاستقدمه إليه سنة ١٨١٠م، فرأى من كفاءته وتعقله ما حببه إليه، فقربه وجعله معتمدًا من قبله في المسير إلى عكا إذا اقتضت الحاجة مخابرة واليها.
وكانت — وقتئذٍ — خزينة حكومة لبنان بلا نظام، فوضع لها القوانين ورتبها على أسلوب أعجب الأمير بشيرًا، فرفع منزلته وجعله كتخداه؛ أي: نائبه، فأصبح نافذ الكلمة، لا يراجعه الأمير في أمرٍ أحبه، فوقعت في القلوب هيبته، وانتشرت شهرته. وما زال يدبر أعمال لبنان بحكمة وسياسة حتى قضت الأحوال بنفي الأمير بشير سنة ١٨٤٠ إلى الآستانة، فرافقه المعلم بطرس، وكان له أكبر تعزية في تلك الغربة، وتقرب هناك من رجال الدولة فتعين مترجمًا في المابين الهمايوني، وما زال في ذلك المنصب حتى توفي سنة ١٨٥١م.
وكان (رحمه الله) شاعرًا مجيدًا كثير المحفوظ، متوقد الذهن فصيح اللسان، بليغ القول مهيبًا مكرم الجانب، وله مصنفان لم يطبعا، وأما منظوماته فهي في ثلاثة دواوين؛ أحدها منظوم في سورية، والثاني في مصر، والثالث في الآستانة، وقد طبع منها ديوان سنة ١٨٩٨م، وأكثر ما فيه من منظومات سورية عدد أبياته نحو سبعة آلاف بيت، أكثرها في مدح الأمير بشير ووصف أعماله، ومدح من عاصره من الأمراء والعظماء، ومكاتبة الشعراء الأدباء؛ من ذلك قوله من قصيدة غزلية:
وقال يصف رشحًا ألم به:
وقال من موشح يصف به قناة أجراها الأمير بشير من ينبوع اسمه الفوار ومنهل يعرف بنبع القاع ونهر يسمى الصفا:
وله قصيدة خاليَّة، تكرر لفظ الخال في كل قافية، وكل منها بمعنى وهي: