يوجد إجماعٌ بين العلماء على أن أساسيات الرياضيات الغربية قد شهدت ثلاثَ فتراتٍ
كبيرة من
الأزمات. الفترة الأولى كانت فترة «الكميات غير القابلة للقياس» لفيثاغورس. والفترة
الثالثة هي العصر (الذي يمكن القول إننا ما زلنا فيه) بعد براهين جودل عن عدم الاكتمال
وانهيار نظرية المجموعات لكانتور.١ أما الأزمة الثانية الكبرى، فقد طوَّقت وضع حساب التفاضل والتكامل.
ستكون الفكرة الآن هي تتبُّع كيفية تطوُّر رياضيات الأعداد فوق المنتهية تدريجيًّا
من
أساليب ومسائل مُعينة مرتبطة بحساب التفاضُل والتكامل/التحليل. أو بعبارة أخرى، إرساء
نوع
من الركيزة المفاهيمية لعرض إنجازات جي كانتور وتقدير قيمتها.٢ وكما ذكرنا، هذا يعني العودة بالتزامُن إلى الوراء إلى حيث يتوقف الجدول
الزمني الأصلي في نهاية الجزء ٣(أ).
ومن ثمَّ، فإننا نقترِب الآن من نهاية القرن السابع عشر، عصر استرداد الحُكم المَلكي
الإنجليزي وحصار فيينا، عصر الباروكات الكبيرة والمناديل المُعطرة، إلى آخر ذلك. ولا
شك
أنك تُدرك بالفعل أن حساب التفاضل والتكامل كان الاكتشافَ الرياضي الأهم منذ إقليدس.
وهو تقدُّم مؤثر في قدرة الرياضيات على تمثيل الاتصال والتغيُّر وعمليات العالم الحقيقي.
وقد تحدَّثنا عن بعض هذه الموضوعات من قبل. ومن المُحتمَل أنك تعرف أيضًا أن آي نيوتن
أو/وجي دبليو لايبنتس هما مَنْ يُنسَب إليهما عادةً فضلُ اكتشافه.٣ لعلك تعلم أيضًا — أو على الأقل يُمكنك أن تتوقَّع من الجدول الزمني للجزء
٣(أ) — أن فكرة نَسْب الفضل حصريًّا إلى شخصٍ بعينه أو إلى شخصَيْن معًا هي فكرة غير
منطقية ومنافية للعقل، بدليل الحقيقة القائلة بأن اختراع ما يُسمَّى الآن حساب التفاضل
والتكامل لم يكن حَكرًا على عالِم رياضياتٍ بعينه. وبحِسبة بسيطة للغاية، سنُدرك أن
حقوق التأليف كان ليتقاسمها عددٌ كبير من علماء الرياضيات في إنجلترا وفرنسا وإيطاليا
وألمانيا الذين انكبُّوا جميعًا على تقسيم أعمال كيبلر وجاليليو عن الدوال، والمتسلسلات
غير المنتهية، وخصائص المُنحنيات، مدفوعين في ذلك ببعض المشكلات العلمية المُلحَّة التي
كانت أيضًا إما مسائل في الرياضيات أو يمكن التعامل معها على أنها كذلك.
وفيما يلي بعضٌ من أكثر المسائل إلحاحًا: حساب السرعة اللحظية والعَجَلة (الفيزياء،
الديناميكا)، وإيجاد المماس لمُنحنى (البصريات، الفلك)، وإيجاد طول منحنًى والمساحة
المحصورة بمنحنًى والحجم المحصور بسطح (الفلك، علم الهندسة)، وإيجاد القيمة
العظمى والصغرى لدالة (العلوم العسكرية، وخصوصًا المَدفعية). وكان هناك على الأرجح بعض
المشكلات الأخرى أيضًا. ونعلم الآن أن هذه المشاكل مرتبطة ارتباطًا وثيقًا ببعضها؛ فهي
جميعها جوانبُ من حساب التفاضل والتكامل. ولكن علماء الرياضيات الذين بحثوا فيها في
أوائل القرن السابع عشر لم يكن لديهم علمٌ بذلك، ومن ثمَّ استحقَّ نيوتن ولايبنتس حقًّا
أن يُنسَب إليهما الفضلُ في إدراك العلاقات وتصوُّرِها، على سبيل المثال، بين السرعة
اللحظية لنقطة أو المساحة المحصورة بمُنحنى حركتها، أو معدل التغيُّر في دالة والمساحة
المُعطاة بدالة مُعدل تغيُّرها معلوم. فقد كان نيوتن ولايبنتس هما أولَ مَنْ رأى كل ذلك
—
أي النظرية الأساسية بأن التفاضل والتكامل كلٌّ منهما يمكن عكسه بواسطة الآخر —
وتمكَّنا من استنباط أسلوبٍ عام طُبِّقَ بنجاح على كل المشاكل السابقة على اختلاف
أنواعها. بل وعلى مسألة الاتصال نفسها. ولكن الأمر لم يخلُ من الخَوض في بعض الجوانب
الصعبة والمُعقدة في هذا الموضوع الشائك، وبالتأكيد لم يخلُ من كل أنواع النتائج
والاكتشافات الأولية المُتشابكة لأشخاصٍ آخرين. هذا بالإضافة إلى ما تضمَّنه الجدول
الزمني بالفعل، على سبيل المثال: عام ١٦٢٩ — طريقة بي دي فيرما لإيجاد القِيَم العُظمى
والصغرى لمنحنى كثيرة حدود، وحوالي عام ١٦٣٥ — اكتشاف جي بي دي روبرفال أن مماس منحنى
ما يُمكن التعبير عنه على صورة دالة السرعة عند نقطةٍ مُتحركة مسارها هو هذا المنحنى،٤ و١٦٣٥ — أسلوب «غير القابل للتقسيم» لبي كافاليري لحساب المساحات تحت
المُنحنيات، وعام ١٦٦٤ — أسلوب آي بارو الهندسي للمماسَّات.
بالإضافة إلى ذلك، حوالي عام ١٦٦٨ اشتملت مُقدمة كتاب مواجهة كتاب جيه جريجوري
«الجزء العام من
الهندسة» Geometriae Pars Universalis على فقرةٍ رائعة تتَّسِم ببُعد النظر، كانت مُحصلتها النهائية أن
التقسيم المهم حقًّا للرياضيات ليس أن نُقسِّمها إلى هندسية وحسابية، ولكن إلى عامة
وخاصة. والسبب في أن الفقرة بعيدة النظر: أن علماء الرياضيات المُختلفين من يودوكسوس
إلى
فيرما قد وضعوا واستخدموا أساليبَ مُتعلقة بحساب التفاضل والتكامل، ولكن دائمًا ما كان
هذا بأسلوبٍ هندسي ودائمًا ما كان حكرًا على مشكلاتٍ بعينها. وكان نيوتن ولايبنتس هما
مَنْ دمجا أسلوبَي خطوط العرض والكميات غير القابلة للقياس المُختلفَين في أسلوبٍ حسابي
واحدٍ يُعَدُّ اتساع نطاقه وعموميته هما نقطة قوَّته الكُبرى.٥ ومع ذلك، فإن خلفيات الاثنين ونهجهما مختلفة. كان مَدْخل نيوتن إلى حساب
التفاضل والتكامل من خلال أسلوب بارو للمماسات ونظرية ذات الحدَّين وبحث واليس عن
المتسلسلات غير المنتهية. أما لايبنتس فقد تضمَّن مساره الدوالَّ، وأنماطًا من الأعداد
تُسمَّى «متتابعات المجموع» و«متتابعات الفرق»، وميتافيزيقا مُميَّزة٦ حيث يمكن التعامُل مع المُنحنى على أنه متتابعة مُرتَّبة من النقاط تفصل بينها
مسافة مُتناهية في الصِّغر حرفيًّا. (باختصار، المنحنيات عند لايبنتس تُنشَأ بواسطة
معادلات، في حين أن المقادير المُتغيرة على مسار مُنحنى تُعطَى باستخدام الدوال (مع العلم
بالتأكيد أننا سبق أن ذكرْنا أنه أول مَنْ وضع كلمة «دالة»).)
كثيرًا ما نتطرَّق إلى نيوتن ولايبنتس بالمقارنة، ولكن الفروق الميتافيزيقية في أسلوب
عرضهم للمقادير المُتناهية في الصغر وثيقة الصلة بالموضوع.٧ استخدم نيوتن، الذي هو في الأساس فيزيائيٌّ فكَّرَ بلغة السرعة ومعدل
التغيُّر، زياداتٍ مُتناهية الصغر في قِيَم متغيراته كأدواتٍ متاحة عند التوصل إلى مشتقة
دالة. كانت مُشتقة نيوتن بالأساس بمثابة حدٍّ من النوع اليودوكسوسي لنسبة هذه الزيادات،
بينما تتزايد في الصِّغر على نحوٍ نسبي. أما لايبنتس، المحامي والدبلوماسي ورجل البلاط
الملكي والفيلسوف الذي كانت الرياضيات بالنسبة إليه ضَربًا من الهواية،٨ فقد كان لديه — كما ذكرنا آنفًا — ميتافيزيقا مُتفرِّدة تتضمَّن بعض
المكونات الغريبة والجوهرية والمُتناهية في الصغر للواقع كله،٩ وقد أسَّس في الأغلب فِكره في حساب التفاضُل والتكامل حول العلاقات القائمة
بينها. ومن الواضح أنَّ هذه الاختلافات كانت لها تَبعاتها المنهجية، حيث نظر نيوتن إلى
كل شيءٍ من حيث معدلاتُ التغيُّر ونظريةُ ذات الحَدَّين؛ ومن ثمَّ نزع إلى تمثيل الدوال١٠ على صورة متسلسلات غير منتهية، بينما فضَّل لايبنتس ما يُعرَف باسم
«الأشكال المُغلقة» وتجنَّب المتسلسلات لصالح التجميعات والدوال الصريحة، بما فيها الدوال
المُتسامية عندما لا تصلح الدوال الجبرية. وكانت بعض هذه الاختلافات مجرد تفضيلٍ شخصي
—
على سبيل المثال، كلاهما استخدم رموزًا ومفرداتٍ مُختلفة تمامًا، وإن كانت رموز لايبنتس
ومفرداته هي الأفضلَ، وكانت لها الغَلَبة في أكثر الأحيان.١١ أما بالنسبة لنا، فإن المهم هو أنَّ نُسختَي حساب التفاضل والتكامل لكِلا
الشخصين قد أسفرتا عن مشاكل خطيرة للرياضيات؛ بوصفها فرعًا معرفيًّا يقوم على الاستنتاج
والدقة المنطقية الصارمة، وهُوجِمت كلتاهما بقوة على الرغم من أنهما أفسحتا المجال أمام
كل أنواع النتائج المُذهلة في الرياضيات والعلوم. ومن المفترض أن مصدر التداعي الأساسي
يُمكن رؤيته بسهولة، سواءٌ أكانت المسألة تبدو منهجية أكثر (كما في حالة نيوتن) أو
ميتافيزيقية أكثر (كما في حالة جي دبليو لايبنتس). وكما ذكرنا سابقًا في الجزء ٢ وربما
في موضع آخر (وكما هو معروفٌ جيدًا على أية حال)، فإن المسألة تخصُّ اللامُتناهيات في
الصغر، وهو الأمر الذي — عودًا على بدء — قد أرغم الجميع في أواخر القرن السابع عشر على
محاولة التعامُل مع رياضيات اللانهائية.
إنَّ أفضل طريقة للحديث عن هذه المسائل هو توضيح آلية عمل حساب التفاضل والتكامل
في
بداياته. سنُجري استنتاجًا غير قياسي بعض الشيء من النوع التربيعي لتوضيح مُختلِف جوانب
الأسلوب دفعةً واحدة بحيث لا تُضطَر إلى الخوض في مجموعة من القضايا المختلفة. كما
سنُجري نوعًا من المزج والتوفيق بين أساليب نيوتن ولايبنتس ومنهجيتهما المختلفة، حيث
إن
الهدف هنا ليس تحرِّيَ الدقة التاريخية ولكن وضوح الشرح. ولهذا السبب نفسِه، سوف نتجنَّب
الخوض في قضيتَي «كيفية إيجاد المماس» أو «كيفية الانتقال من السرعة المتوسطة إلى
السرعة اللحظية» المُعتادتَين اللتين تستخدمهما معظم الكتب الدراسية.١٢
ارجع أولًا إلى ما سوف نُسمِّيه الشكل ٤(أ)، الذي يُرْجَى ملاحظة أنه لم يُرسَم بما
يتناسب مع الأبعاد الفعلية، ولكنه سيُساعد في توضيح الأمور. وللأسباب نفسِها، فإنَّ
«المنحنى» ذا الصلة في الشكل ٤(أ) عبارة عن خط مستقيم، وهو أبسط نوع من المنحنيات،
الذي تنطوي العمليات الحسابية الخاصة به على أقلِّ مستوًى من الصعوبة.١٣ يمكن النظر إلى المُنحنى في الشكل ٤(أ) هنا باعتباره إما مجموعة من النقاط
حصلنا عليها من دالة متصلة على فترة مغلقة، وإما مسار نقطة متحركة في فراغ ثنائي
الأبعاد. بالنسبة إلى الحالة الأخيرة وهي حالة نيوتن (المُفضَّلة فيما يبدو لمعظم الصفوف
الجامعية)، لاحظ أن المحور الرأسي هنا يُمثل المَوضع والمحور الأُفقي يُمثل الزمن، أي
إنهما معكوسا المحورَين في التمثيلات البيانية الخاصة بالحركة التي من المُحتمَل أنها
صادفتك في مرحلة الدراسة (وهذه قصة طويلة لأسباب وجيهة). إذن:
أولًا: افترض أن ، المساحة تحت المنحنى، تُساوي . (سيبدو هذا غريبًا لأن منحنى الشكل ٤(أ) هو خط مُستقيم، ومن ثمَّ
يبدو الأمر كما لو أن يجب أن تكون ، ولكن بالنسبة إلى مُعظم المنحنيات التي رُسِمَت بما يتناسَب مع
الأبعاد الفعلية بالضبط، فإنَّ سوف يكون صحيحًا، ومن ثمَّ يُرجى التغاضي عن ذلك، والتظاهُر بأن مساوٍ تمامًا ﻟ .) وهو ما يعني اصطلاحيًّا أنْ نفترض أنَّ:
(١)
. ثم افترض أن تَزيد بمقدارٍ متناهي الصغر ،١٤ حيث تزيد المساحة تحت المنحنى تبعًا لذلك بمقدار . وبمعلومية ذلك، وعلاقة التساوي المُحددة في «١»، نحصل
على:
(٢)
. وبفكِّ ذات الحدَّين في الخطوة رقم «٢»، نحصل على:
(٣)
. وبما أنه، طبقًا للخطوة رقم «١»، يمكن اختصار «٣» إلى:
. دقِّق النظر مرة أخرى: بما أننا حدَّدنا على أنها مقدار مُتناهي الصغر، فإن للمقدار المحدود ، ومن ثمَّ تُصبح المعادلة ذات الصلة:
(٦)
. وإلى هنا نكون انتهينا. وسنعرف كل ما يوضحه ذلك
قريبًا.
لعلك لاحظتَ على الأرجح شيئًا من المراوغة البالِغة في معالجة هذا الاشتقاق للمقدار
المُتناهي الصغر . عند الانتقال من «٤» إلى «٥»، يكون أكبر من بما يكفي لأن يكون قاسمًا صحيحًا. أما عند الانتقال من «٥» إلى «٦»،
فيبدو أن يساوي ، حيث إن زائد يُعطينا . بعبارة أخرى، عُومِل على أنه عندما كان ذلك مناسبًا وعلى أنه عندما كان ذلك مناسبًا أيضًا،١٥ وهو ما أدَّى فيما يبدو إلى التناقُض و، الذي — حسبما تذكُر من المناقشة السابقة عن البراهين بنقض الفرض أو
برهنة القضية بإثبات فساد نقيضها — يبدو سببًا كافيًا لمراجعة الأمر والقولِ بأن ثمَّة
خطأً ما في استخدام مقادير مُتناهية في الصغر مثل . ومن ثمَّ، فإن أشبه بحيلةٍ رمزية، شيء مثل التلاعُب في دفاتر الحسابات، ولكنه هنا في
الرياضيات وليس في علم المحاسبة.١٦
ويُستثنى من ذلك هنا شيءٌ واحد. إذا تغاضيتَ عن التناقُض الواضح، أو على الأقل توقفت
عن
تطبيق مبدأ البرهان بنقض الفرض عليه، فإن استنتاجًا مثل استنتاج الشكل ٤(أ) (الذي، على
الرغم من تشابُهه مع مُثلث لايبنتس المُميَّز، نسخة مبسَّطة فعلًا من العملية التي
استخدمها نيوتن في كتابه «التحليل»١٧ أصبح جزءًا قيِّمًا حقًّا لا يتجزأ من ذخائر الرياضيات، الذي يُؤدي على
الأقل إلى نتيجتَين مُهمتَين. النتيجة الأولى هي أن معدل تغيُّر يمكن توضيح أنه إذا قبلتَ العملية الحسابية على أنها تُمثِّل التغيُّر في
أثناء «اللحظة» .١٨ أما النتيجة الثانية، فهي أنه يُمكنك توضيح معدل تغيُّر المساحة على أنه «المُنحنى» (أي في الشكل ٤(أ) (تذكَّر أن الخط المستقيم هو نوع من المنحنى)) الذي
يحدُّ . لتفهم ذلك، احسب واختصر لتحصل على ، ثم اقسم كلًّا من البسط والمقام على المناسب على نحوٍ مُثير للشك لتحصل بذلك على ، الذي حسبما تذكر يكون «أكبر على نحوٍ لا مُتناهٍ» عن ومن ثمَّ يمكن هنا أن نعتبره يساوي .١٩ وفي النهاية، تحصل على ، وهذه في الواقع هي الدالة التي تُنتج منحنى الشكل ٤(أ). وهو ما يعني
أن النتيجة تتضمَّن المبدأ الأساسي لحساب التكامل: معدل تغيُّر المساحة المحدودة
بمنحنًى ما هو إلا هذا المنحنى نفسه. وهذا يعني بدوره أن تكامل دالةٍ ما لها مشتقة محددة
هو الدالة نفسها، وهو ما يُعدُّ في الواقع النظرية الأساسية لحساب التفاضل والتكامل،٢٠ بمعنى أن التفاضل والتكامل مُرتبطان ارتباطًا عكسيًّا٢١ شأنهما شأن الضرب والقسمة والأُسس والجذور، وهذا هو السبب الذي جعل حساب
التفاضل والتكامل شديد الأهمية، وأجاز لكل من نيوتن ولايبنتس أن يُنسَب إليهما كل هذا
التقدير — تجمع النظرية الأساسية لحساب التفاضل والتكامل كِلا الأسلوبين في بوتقةٍ واحدة
بارزة (ما دمت تقبل المراوغات المُتعلقة بما إذا كان أم لا).
مع ذلك، هذا ليس الأسلوب الذي شُرِحَت به لمُعظمنا هذه الأمور أيام الدراسة. إذا
كنت
درستَ حساب التفاضل والتكامل (١)، فمن المُحتمَل أنك تعلمت عن طريق منحنيات السرعة
والعجلة، «لإيجاد نهاية »، أو أن ، حيث «» هو أسلوب الترميز الذي استخدمه لايبنتس ومفهوم النهاية هو أسلوبٌ
لاحق في التحليل ما بعد حساب التفاضل والتكامل للالتفاف حول مسألة اللامتناهيات في
الصغر بأكملها. لعلك تعلم أو تذكُر، على سبيل المثال، أنه في معظم الكتب الدراسية
الحديثة يُعرَّف مُتناهي الصغر على أنه «مقدار يساوي بعد إجراء إحدى عمليات النهايات». وإذا كنتَ تذكُر فعلًا حساب التفاضل
والتكامل (١)، فمن المؤكَّد أنك تستطيع أيضًا أن تتذكَّر كيف أن النهايات موضوع شديد
التجريد ومن الصعب جدًّا محاولةُ تعلُّمه: لا يحدُث تقريبًا أنَّ أحدًا أخبر طلاب الجامعة
بالأسباب الكامنة وراء هذا الأسلوب أو نشأته،٢٢ أو نوَّه عن وجود أسلوب أسهل أو على الأقل أكثر بديهيةً لفَهم و و، أي بوصفها رُتبًا من . بدلًا من ذلك، يُحاول غالبية المدرسين صرْف انتباه الطلَّاب بأمثلة
مُنمقة عن قدرة حساب التفاضل والتكامل على حل جميع أنواع المشاكل الواقعية المعقدة —
بدءًا من السرعة اللحظية والعجلة كمُشتقة أولى ومشتقة ثانية، مرورًا بمدارات القطوع
الناقصة لكيبلر ودالة نيوتن ، ووصولًا إلى حركة الزنبركات المُعلَّقة والكرات المُرتدة، وشبه ظل
الكسوف، والجهارة كدالة لدوران مقبض مستوى الصوت، ناهيك عن موضوعات حساب المثلثات
المُتشعبة التي تبدأ في الظهور عندما تعلم أن و، وأن المماس هو نهاية القاطع، وهكذا. وتُعرَض هذه الموضوعات عادةً
كدوافع لإتقان مفهوم النهايات، وهو مفهومٌ لا يقلُّ في الواقع تجريدًا أو صعوبةً عن
محاولة تصور أو على أنهما صغيران على نحوٍ لا يمكن تصوُّره أو استيعابه.
كما ينبغي أن يُفهَم من المذكور أعلاه، كان الدافع الحقيقي وراء أسلوب النهايات في
حساب التفاضل والتكامل هو أن كلًّا من المقادير المتناهية الصغر والتلاعب البارع
بالرموز لدى نيوتن ولايبنتس قد أحدث تصدعاتٍ خطيرةً في أساسيات الرياضيات، نظرًا لأن
الافتراض « و» يخالف كل أنواع البديهيات الأساسية لقانون الوسط المُستبعَد أو
الثالث المرفوع. وبالنظر إلى ما أوردناه حتى الآن، يبدو أن أسهل ما يمكن قوله إنَّ معظم
المشاكل المُفترَضة هنا كان سببها في الواقع عدمَ قدرة الرياضيات على التعامل مع المقادير
غير المنتهية؛ ذلك أنه على غرار ما وجدناه في التقسيم الثنائي لزينون ومفارقة جاليليو،
كانت الصعوبة الحقيقية أن أحدًا لم يكن قد فهم بعدُ عِلم حساب اللامُتناهي. وما كان من
الخطأ حرفيًّا قول ذلك، إلا أنه في ضوء أهدافنا كان سيبدو ضربًا من العَوَز أو الإفلاس
التوثيقي.٢٣ كما هو الحال مع كل شيءٍ آخر عن الرياضيات بعد حساب التفاضل والتكامل، فإنَّ
المخاطر والمشاكل الحقيقية هنا أكثر تعقيدًا.
الجزء ٤(ب)
دعنا نُعِد صياغة ما قلناه ونُلخصه قليلًا. عرَّضتْ أهمية حساب التفاضل والتكامل
وقوته
المُطلقة الرياضيات في مُستهل العصر الحديث لنفس نوع الأزمة التي سبَّبَها التقسيم
الثنائي لزينون للإغريق. إلا أنها كانت على نحوٍ أسوأ. فمفارقات زينون لم تحلَّ أي مشكلاتٍ
قائمة في الرياضيات، بينما حلَّت أدواتُ حساب التفاضل والتكامل ذلك. ذكرنا بالتفصيل
مجموعة النتائج الحقيقية التي أتاحها حساب التفاضل والتكامل، وكذلك التوقيت غير العادي،
حيث إن كل نوع من العلوم التطبيقية كان يتعارَض بشدةٍ مع مسائل الظواهر المُتصلة، مثلما
حدث تمامًا عندما توصَّل نيوتن ولايبنتس وإطارات العمل الخاصة بهما إلى تفسيرٍ رياضي
للاتصال.٢٤ وكان تفسيرًا جيدًا، أدَّى مباشرةً إلى فك التشفير الحديث الرائع لقوانين
الفيزياء في صورة معادلاتٍ تفاضلية.
ولكن يبدو الأمر كارثيًّا من ناحية التأسيس؛ فالموضوع برُمته بُنِيَ دون أساسٍ ثابت
أو
ركيزة واضحة. لم يستطع تلامذة لايبنتس٢٥ شرح أو استنتاج مقادير فعلية ليست بطريقةٍ ما، ولكنها لا تزال تقترِب على نحوٍ متناهي الصغر من . أخفقَ تلامذة نيوتن،٢٦ الذين زعموا أن حساب التفاضُل والتكامل لا يعتمد في الحقيقة على المقادير
المُتناهية في الصغر ولكن على «المشتقات الزمنية» — حيث تعني كلمة «مشتق زمني» معدل
التغيُّر لمُتغير معتمِد على الزمن — في الشرط القائل بأن نِسَب هذه المُشتقات الزمنية
تُؤخَذ نسب هذه التدفُّقات بمجرد أن تتلاشى في أو تنبثق عنه، وهو ما يعني حقيقةً اللحظة الأولى أو الأخيرة
المُتناهية الصغر عندما تكون هذه المُشتقات الزمنية ، وهذا بالطبع إحلال للحظات الوجيزة على نحوٍ مُتناهٍ محل المقادير
المتناهية الصغر. ولم يكن لدى تلامذة نيوتن تفسيرٌ لهذه النِّسَب اللحظية أفضل مما
قدَّمه تلامذة لايبنتس عن المقادير المُتناهية في الصغر.٢٧ الميزة الحقيقية الوحيدة للتصوُّر الذي قدَّمه تلامذة نيوتن (للجميع
باستثناء طلاب حساب التفاضل والتكامل (١)) هي أنه يشتمل فعليًّا على مفهوم النهاية
المُتضمَّن في فكرة اللحظة الأولى والأخيرة المُتناهية الصغر للغاية، وهذا هو ما استنتجه
غالبًا أيه أل كوشي، ثم كيه فايرشتراس لاحقًا. (كان فايرشتراس، بالمناسبة، أحد مُعلِّمي
كانتور.)
على ذِكر الاتصال ومتناهيات الصغر وحساب التفاضل والتكامل، من المفيد إلقاءُ نظرة
سريعة على مفارقةٍ أخرى من مفارقات زينون وهي مفارقة نفي الحركة. تُسمَّى هذه المفارقة
عادةً بمفارقة السهم؛ لأنها تتعلق بالفترة الزمنية التي ينتقل سهمٌ خلالها من قوسه إلى
الهدف.٢٨ لاحظ زينون أنه عند أي لحظة مُعينة في هذه الفترة، يشغل السهم «فراغًا
مُساويًا لنفسه»، وهو ما يعني حسب قوله إنَّ السهم يكون «في حالة سكون». والفكرة هي أنَّ
السهم لا يمكن في الحقيقة أن يكون في حالة حركة في لحظةٍ ما؛ لأن الحركة تتطلَّب فترة
زمنية، واللحظة هنا ليست فترة؛ فهي أصغر وحدةٍ زمنية مُؤقتة يُمكن تصوُّرها، وليست لها
مدة بقاء أو استمرارية، تمامًا مثل النقطة الهندسية لا يكون لها أي بُعد. وإذا كان
السهم — عند كل لحظة — في حالة سكون، فإن السهم لا يتحرَّك أبدًا. في الواقع، لا شيءَ
على
الإطلاق يتحرك، بما أنَّ كل شيءٍ يكون في حالة سكونٍ عند أي لحظة مُعطاة.
هناك على الأقل افتراض واحد ضِمْني في حُجة زينون، يُساعد تنظيمه بشكلٍ معين في
توضيحه:
(١)
عند كل لحظة، يكون السهم في حالة سكون.
(٢)
أي فترة زمنية تتكوَّن من لحظات.
(٣)
إذن، خلال أي فترة زمنية، لا يكون السهم في حالة حركة.
الفرض الأساسي الخفي هو رقم (٢)، وهو بالضبط ما يُهاجمه أرسطو في كتاب «الطبيعة»،
برفضه مفارقة زينون برمتها على أساس أن «… الزمن لا يتكوَّن من لحظات غير قابلة للتقسيم.»٢٩ أي إن فكرة أن يكون الشيء إما في حالة حركة أو في حالة سكون في لحظة ما هي
فكرةٌ غير مترابطة. لاحظ، مع ذلك، أنَّ هذه الفكرة على وجه التحديد عن الحركة في لحظةٍ
ما
هي ما استطاع حساب التفاضل والتكامل لكلٍّ من نيوتن ولايبنتس أن يجعل لها مفهومًا في
الرياضيات — وليس فقط الحركة العامة، ولكن السرعة الدقيقة عند أي لحظة، ناهيك عن معدل
التغيُّر في السرعة عند لحظةٍ ما (= العجلة، المُشتقة الثانية)، ومعدل التغيُّر في العجلة
عند
لحظة ما (المشتقة الثالثة)، وهكذا.
فيما يخصُّ مفارقة السهم، فإن حقيقة أن حساب التفاضل والتكامل الكلاسيكي استطاع أن
يُعالج بدقة ما قال أرسطو أنه تتعذَّر معالجته ليست مَحض مصادفة. أولًا: انظر مرةً أخرى
إلى ما قيل عن أن اللحظة «ليس لها مدة بقاء أو استمرارية» في الفقرتَين السابقتَين،
ولاحظ أن هذا المُصطلح غامضٌ بعض الشيء. يتضح أن نوع اللحظة التي يتحدَّث عنها زينون
ليست، على الأقل رياضيًّا، شيئًا مدة بقائه صفر، ولكنها شيء مُتناهي الصغر. وهكذا يجب
أن
تكون. انظر إلى الصيغة القديمة للحركة في مرحلة التعليم المتوسطة: المسافة × الزمن =
السرعة، أو . وبذلك، من البديهي أن قيمة لسهمٍ ما في حالة سكون ستكون وقيمة التي يقطعها هي . ولكن، بالنسبة إلى الزمن، إذا كانت لحظة ما ، فإن سيناريو زينون يفترض في نهاية المطاف كقاسِم في العلاقة ، وهذا غيرُ جائز رياضيًّا أو ينطوي على مُغالطة من الناحية الرياضية
مثلما أن العلاقة «» بأكملها غير جائزة/تنطوي على مغالطة.
إلا أنَّ علينا توخِّيَ الحذَر هنا مُجددًا، على غرار ما حدث تمامًا مع مُفارقات
زينون
الأخرى. وكما ذُكِرَ في كل أنواع السياقات المختلفة، تُوجَد «معالجة» لشيءٍ ما في مقابل
معالجته فعليًّا. حتى لو افترضنا جدلًا أن اللحظة لدى زينون مُتناهية الصغر، ومن ثمَّ
من
المناسب التعامُل معها بواسطة المُشتقة الزمنية لنيوتن أو للايبنتس، فربما يُمكنك بالفعل ملاحظةُ أن «حلًّا» يعتمد على حساب
التفاضل والتكامل الكلاسيكي لمفارقة السهم لزينون من المُحتمَل أن يكون تافهًا مثلما
أن «» فيما يخصُّ التقسيم الثنائي. أي إنَّ السهم هو في حقيقة الأمر مفارقة
ميتافيزيقية، وهو على وجه التحديد تفسيرٌ ميتافيزيقي لمتناهيات الصغر لم يستطع حساب
التفاضل والتكامل التوصلَ إليه. ولولا هذا التفسيرُ، لكان كلُّ ما نستطيع فعلَه هو
التصديق على الصيغة الجذَّابة نوعًا ما لمفارقة السهم التي سوف تعتمد على نفس متناهيات
الصغر الغامضة والمتناقضة في ظاهرها التي استخدمها زينون في المقام الأول، كما سيظل
السؤال المُحيِّر مطروحًا حول كيفية وصول سهمٍ فعليًّا إلى الهدف خلال فترةٍ تتكوَّن
من
عدد من اللحظات المُتناهية الصغر مقدارها .٣٠
المشكلة هي أنه بما أن السهم ميتافيزيقي فهو أيضًا دقيق جدًّا ومجرد. افترض للحظةٍ
أن
هناك فرضيةً أخرى خفية، أو ربما ضربًا من فرضية فرعية مُتضمَّنة في حجة زينون رقم (١):
هل صحيحٌ فعلًا أن الشيء إما أن يكون مُتحركًا أو ساكنًا؟ في البداية، يبدو هذا صحيحًا
بالتأكيد، شريطة أن نفترض أن «ساكن» هي مرادف ﻟ «غير متحرك». تذكَّر قانون الوسط
المُستبعَد، في نهاية المطاف. بالتأكيد، عند أي لحظة محددة ، يكون شيءٌ ما إما متحركًا أو غير متحرك، بمعنى أنه عند إما أن تكون له سرعة أكبر من صفر أو سرعة تساوي صفرًا. وفي الحقيقة،
يمكن إدراك عدم صحة هذا الاختيار الضمني — أي عدم انطباق قانون الوسط المُستبعَد حقًّا
هنا — عن طريق دراسة الفرق بين العدد وبين الكلمة المجردة «لا شيء». إنه فرق خادع، ولكنه مهم. و«عجْز»
الإغريق عن إدراكه هو على الأرجح ما حالَ دون تمكُّنِهم من استخدام الصفر في الرياضيات
عندهم، الأمر الذي كلَّفهم الكثير جدًّا. لكن الصفر مقابل اللاشيء هو واحد من تلك
الاختلافات المجردة الذي يستحيل تقريبًا الحديثُ عنه مباشرةً، بل يتعيَّن أن تُورَد
أمثلةً على ذلك. تخيَّل أن هناك فصلَ رياضيات مُعينًا، وأن هذا الفصل يُؤدَّى فيه اختبار
صعب جدًّا في منتصف الفصل الدراسي من ١٠٠ درجة، وتخيَّل أن كلَينا لم يحصل ولو على درجة
واحدة من الدرجات المائة في هذا الاختبار. ولكن يُوجَد هنا فارق معين: أنت لستَ مُقيدًا
في
الفصل ولم تؤدِّ الاختبار، بينما أنا مُقيَّد في الفصل وأديتُ الاختبار. وبذلك، فإن حقيقة
أنك حصلت على درجة في الاختبار في غير محلها؛ الصفر في حالتك يعني «غير موجود»،
أي لا شيء، بينما الصفر في حالتي هو صفر فعلي. أو إذا لم يَرُقْك هذا المثال، فتخيَّل
أنك أنثى وأنا ذَكَر، وكِلانا يتمتع بصحَّة جيدة ويتراوح عمره ما بين ٢٠ و٤٠ عامًا، وكِلانا
في عيادة الطبيب، وكِلانا لم تأتِه دورة شهرية خلال الأسابيع العشرة الماضية، وهو ما
يعني في هذه الحالة أن إجمالي عدد الدورات في حالتي هي «لا شيء»، بينما في حالتك هنا
هي
صفر، وهذا أمر مُهم وذو مغزًى. وإلى هنا تنتهي الأمثلة.
وعليه، من غير الجائز ببساطة أن يكون الشيء دائمًا إما صفرًا أو ليس صفرًا؛ فربما
يكون بدلًا من ذلك لا شيء؛ أي غير موجود.٣١ وفي هذه الحالة، يُوجَد ردٌّ واحد غير مُبتذَل على فرضية زينون رقم (١)، وهو:
حقيقة أن السهم لا يتحرك عند لا تعني أن له عند هي ولكنه يعني بالأحرى أن له عند هي لا شيء. والسبب في أن هذه الحالة من عدم التيقُّن في الفرضية رقم
(١) لم تُكتشَف مباشرةً يرجع في جزءٍ إلى فكرة الصفر مقابل اللاشيء، وفي جزءٍ آخر إلى
تجريد المستوى الرابع المُتقلب لكلمات مثل «تحرُّك» و«حركة». فالاسم «حركة» على سبيل
المثال، مخادع جدًّا؛ لأنه لا يبدو مجردًا إلى تلك الدرجة؛ فهو ببساطة يُشير فيما يبدو
إلى شيءٍ واحد أو عملية واحدة — بينما، إذا فكرت في الأمر،٣٢ فحتى أبسط نوع من الحركة يكون حقًّا علاقة مُعقدة بين (أ) جسم واحد و(ب)
أكثر من مكان واحد و(ﺟ) أكثر من لحظة واحدة. والنتيجة: تكمن مُغالطة السهم في افتراض
زينون أن السؤال «هل السهم يكون في حالة حركة أم لا عند لحظةٍ ما ؟» لا يَزيد في ترابطه عن السؤال «ماذا كانت درجتك في هذا الفصل الذي
لم تحضره؟» أو «هل النقطة الهندسية منحنية أم مُستقيمة؟» الإجابة الصحيحة لكل هذه
الأسئلة الثلاثة هو: لا ينطبق.٣٣
من الواضح هنا أن هذا الرد على مفارقة السهم هو بالأحرى فلسفي وليس رياضيًّا. تمامًا
مثلما سيكون حلٌّ من حساب التفاضل والتكامل الكلاسيكي فلسفيًّا، أيضًا، بما يعني أنه
يجب أن يُقدِّم مزاعمَ ميتافيزيقية عن المُتناهيات في الصغر. أما عن أسلوب التحليل
الحديث في التعامُل مع مفارقة زينون هذه، فهو مختلف جدًّا وتقني بحت. مرة أخرى، إذا كنتَ
قد درستَ مُفارقة السهم في مُقرَّر الرياضيات الجامعي، فمن المُحتمَل أنك عرَفت أن فرضية
زينون الخادعة هي رقم (١) ولكنك لم تسمع شيئًا٣٤ عن اللحظة على أنها مُتناهية في الصغر. وهذا (مرةً أخرى) لأن التحليل قد
أوجد طرقًا لتفادي كلٍّ من المُتناهيات في الصغر ومسألة الصفر كقاسمٍ في عرضه للاتصال.
ومن ثمَّ، في فصول الرياضيات الحديثة، يُصرَّح بأن الفرضية رقم (١) خطأ؛ نظرًا لأنه
يمكن حساب قيمة للسهم عند لحظة على صورة «نهاية المتوسطة» خلال مُتتابعة من الفترات المتداخلة التي تقارب ودائمًا ما تشمل ، أو شيئًا قريبًا من ذلك. ولتعلم أنَّ لغة هذا الحل٣٥ ترجع إلى فايرشتراس: إنه مفهومه المُنقَّح عن النهاية٣٦ الذي سوف يُتيح لحساب التفاضُل والتكامل معالجة المسائل المرتبطة عن
متناهيات الصغر وقابلية القسمة اللانهائية التي طرحها زينون.
تتَّسِم العلاقات المُحددة بين هذه المسائل بأنها معقدة ومجردة، ولكنها بالنسبة لنا
وثيقةُ الصلة بالموضوع تمامًا. فمهما تكن مُتناهيات الصغر غريبةً أو مفتقرة إلى الركائز
الثابتة، يتَّضِح أن عزلها عن الرياضيات/الميتافيزيقا قد أحدث بعض الصدوع الصغيرة الصعبة
كذلك. مثال: لولا المُتناهياتُ في الصغر، لكان من غير المنطقي على ما يبدو التحدُّث عن
«اللحظة التالية» أو «الجزء من الثانية التالية مباشرةً»؛ لا يمكن أن تكون لحظتان
مُتعاقبتَين تمامًا. توضيح: لولا وجود المُتناهيات في الصغر، إذن فإنه فيما يخصُّ أيَّ
لحظتَين يُفترَض أنهما مُتعاقبتَان و، يُوجَد خياران اثنان فقط: إما أنه لا تُوجَد فترة مؤقتة (أي إن الفترة
المؤقتة تساوي صفرًا) بين و، أو أن بينهما فترةً مؤقتة أكبر من صفر. إذا كانت الفترة الفاصلة
تساوي صفرًا، فمن الواضح إذن أن و ليستا مُتعاقبتَين؛ لأنهما حينئذٍ سيكونان نفس اللحظة تمامًا. أما إذا
كانت ثمة فترة مؤقتة ما بينهما، فسوف تُوجَد دائمًا لحظاتٌ أخرى أصغر بين و؛ لأن أي فترةٍ مؤقتة محدودة يمكن دائمًا تقسيمُها إلى فتراتٍ جزئية
أصغر فأصغر، تمامًا مثل المسافات على خط الأعداد.٣٧ بمعنى أنه لن تُوجَد أبدًا تالية مباشرةً ﻟ . في الواقع، ما دامت المُتناهيات في الصغر غير مرغوبٍ فيها، لا بدَّ
دائمًا من وجود عددٍ لا نهائي من اللحظات بين و. ذلك لأنه لو كان هناك عدد محدود فقط من هذه اللحظات المتوسطة، لكانت
إحداها — وليكن مثلًا — هي الأصغرَ طبقًا للتعريف، وهو ما كان سيَعني أن هي اللحظة الأقرب إلى ، أي إن هي اللحظة التالية مباشرةً بعد ، وهو ما رأينا سابقًا أنه مُستحيل (لأن هذا بالطبع يطرح السؤال: ماذا
عن اللحظة ؟)
إذا كنتَ تلاحظ الآن وجود بعض التشابُه العائلي بين هذه المشكلة عن عدم وجود لحظاتٍ
مُتعاقبة ومفارقات زينون وبعض مشاكل خط الأعداد الحقيقية الموضحة في الجزء ٢(ﺟ) والجزء
٢(ﻫ)، فاعلم أن هذا ليس من قبيل المُصادفة. فجميعها جوانبُ من معضلة الاتصال الكبرى
بالنسبة إلى الرياضيات، التي مفادها أن الكيانات اللانهائية يتعذَّر على ما يبدو معالجتها
أو الاستغناء عنها. وما من مثال أوضح على ذلك من . فهو مليء بالتناقُض ولا يُمكن تعريفه، ولكن إذا حذفته من الرياضيات
فسوف تُضطَر في نهاية المطاف إلى افتراض وجود كثافة لا نهائية لأي فترة،٣٨ الأمر الذي تصبح فيه فكرة التعاقب خاويةً من المعنى ويتنافى معه وجود أي
ترتيب كامل للنقاط في الفترة، بما أنه لن تُوجَد بعض النقاط الأخرى فحسْب بين أي نقطتَين
وإنما عدد لا نهائي منها.
الفكرة الشاملة: مهما يكن حساب التفاضل والتكامل جيدًا في التحديد الكمِّي للحركة
والتغيُّر، فلا شيء يُمكن فعلُه لحل التناقُضات الفعلية للاتصال. ولا سبيل إلى ذلك دون
وجود نظريةٍ مترابطة في اللانهائية، على أية حال.
هوامش
(١) م. إ.: مرة أخرى، هذا كله سوف نتناوله بالتعريف والمناقشة في الجزء ٧.
(٢) قرار يخصُّ نهج الكتاب: سوف نتوقف عن قول «انظر أدناه» طول الوقت، وسوف نفترض
ببساطة أنه من الآن فصاعدًا سوف يتضح الأمر عند تطبيقه.
(٣) كما ذكرنا من قبل، فإنَّ الهدف البلاغي هنا هو تهيئة الشرح بحيث لا يكون
مُختزلًا على نحوٍ مشوَّه ولكن بسيطًا وواضحًا بما يكفي لمتابعته بسهولة، حتى إذا
لم تكن مُلمًّا بمقرَّر الرياضيات الجامعي. ولا شكَّ أنه سيكون جيدًا إذا كنتَ مُلمًّا
ببعضٍ من مُقرر الرياضيات الجامعي، ولكن اطمئن تمامًا أن جزءًا كبيرًا من
الصعوبات والموضوعات غير المناسبة قد حُذِفَ للتأكُّد من أنه غير مطلوب. في
الواقع، حدث جدالٌ كبير في الرياضيات الأوروبية حول أيُّهما اخترعها حقًّا، لا
سيَّما حول ما إذا كان لايبنتس، الذي ظهر بحثه الأول في حساب التفاضُل والتكامُل
عام ١٦٧٤، قد سرق عمل نيوتن «التحليل
باستخدام معادلاتٍ ذات عددٍ لا نهائي من الحدود» De analysi per aequationes numero terminorum infinitas، الذي كان قد
نُشِرَ سرًّا عام ١٦٦٩.
(٤) نعتذر عن تشابك بناء الجملة هنا، ولكن لم تكن هناك وسيلة جيدة لاختصار أسلوب
روبرفال.
(٥) لهذا السبب، من الخطأ والمُحيِّر أن نُحاول حسم الجدل حول الأحق بالتقدير
بالقول إن نيوتن هو مَنْ وضع حساب التفاضل ولايبنتس هو مَنْ وضع حساب التكامل
(وهو ما يُفضِّل بعض مُدرِّسي الرياضيات فعله). الفكرة كلها هي أن نيوتن ولايبنتس
فهِما أن مسألة المماسات (= السرعة اللحظية) ومسألة التربيع (= المساحات تحت
المنحنيات) هما وجهان لمسألة واحدة أكبر (هي الاتصال)، ومن ثمَّ يمكن التعامل
معها باستخدام أسلوبٍ عام واحد. السبب الرئيسي في أن نيوتن ولايبنتس شخصيتان
خالد ذكرُهما في عالَم الرياضيات هو أنهما لم يُقسِّما حساب التفاضل والتكامل
على غرار ما تفعله المُقررات التمهيدية.
(٦) نظرًا لأن لايبنتس كان أيضًا، مثل ديكارت، فيلسوفًا بارزًا، وربما سمعتَ في
فلسفته عن عِلم الوجود مصطلحاتٍ مثل: «الماهية الفردية» و«ما وراء الخلق»
و«تطابق اللامتميزات» و«الجوهر الفرد اللامحدود».
(٧) م. إ.: بعضُ ما يلي قد يكون مجرد لمحة سريعة نظريًّا، ولكن الصورة ستتَّضِح
قريبًا عندما نتناول مثالًا بسيطًا.
(٨) من المؤكَّد أننا جميعًا نكره الأشخاص الذين على هذه الشاكلة.
(٩) م. إ.: هذا هو الجوهر الفرد الذي أشرْنا إليه في الحاشية السُّفلية قبل
السابقة.
(١٠) م. إ.: حتى الدوال المُتضمَّنة في مسائل المساحة.
(١١) م. إ.: من بين المُسميات الأخرى التي وضعها لايبنتس «حساب التفاضُل» و«حساب
التكامُل» و«» وعلامة التكامُل المُتعرجة القديمة «» التي كان لايبنتس يقصد بها في الأساس حرف الكبير الذي يُشير إلى «مجموع قيم [الإحداثي ] تحت منحنًى» (وهذه حقيقة مُثبتة على لسان جوريس).
(١٢) ملاحظة: معلومة إضافية ربما تكون مكررة: إذا كانت لديك خلفية جيدة
بالرياضيات، فيُمكنك بسهولة أن تتخطى الشكل ومسرد المصطلحات معًا.
(١٣) م. إ.: بالنسبة إلى القرَّاء الذين لديهم خلفية قوية والذين مع ذلك لم يتخطَّوا
كل هذا، ولكنهم لاحظوا أن الشكل ٤(أ) يبدو توضيحًا مبسَّطًا للغاية ﻟ «خارج
قسمة الفرق/متوسط التغيُّر» للايبنتس، وربما يتساءلون لماذا لا نمضي قدمًا فحسب
ونُنشِئ مُثلثه المُميَّز الشهير، والإجابة هي أن استخدام المثلث المميَّز سيُؤدي
إلى شرح مسائل سوف تستغرق ما يَزيد على ست صفحات، وسوف تضطر الجميع إلى الخوض
في تفاصيل أكثر من اللازم في حساب التفاضل والتكامل التي هي ليست مهمة في نهاية
المطاف.
(١٤) مرة أخرى، إذا كان الشكل ٤(أ) يُعامَل على أنه مسألة عن معدل
التغيُّر، فإن يكون لحظةً متناهية الصغر. (م. إ.: إذا كنت قد
صادفت المصطلح القديم بعض الشيء «حساب المُتناهيات في الصغر» في
معرض حساب التفاضُل والتكامُل الكلاسيكي، فيمكنك الآن ملاحظة أن
المُصطلح مشتقٌّ من الصغر اللامتناهي لمقادير/فترات مثل .)
(١٥) يُلاحَظ أنه وفقًا للايبنتس هذا ما تَعنيه المُتناهيات في الصغر على وجه الدقة؛
فهي كيانات يُمكنك التعامُل معها على هذا النحو. انظر، على سبيل المثال، هذا
الاقتباس من خطابٍ إلى جيه واليس حوالي عام ١٦٩٠:
من المُفيد النظر إلى المقادير على أنها مُتناهية الصغر بحيث لا يجوز — عند
محاولة حساب نسبتها — اعتبارها ، ولكن يمكن إغفالها على الأغلب عند وجودها مع مقادير
أكبر نسبيًّا. ومن ثمَّ، إذا كان لدَينا ، فإن يتمُّ إغفالها. ولكن الأمر مختلف إذا كنَّا نريد حساب الفرق
بين و …
(١٦) بل ربما يكون التشبيه الأفضل هو عالِم تجريبي يتلاعب ببياناته؛ للتأكد من صحة
الفرضية التي يريد إثباتها أيهما كانت.
(١٧) م. إ.: كانت أمثلة نيوتن في كتاب «التحليل» مُشوشة وغير مُرتَّبة بدرجةٍ أكبر
وتعتمد أكثر على نظرية ذات الحدَّين، التي وفقًا لها تكافؤ مثل (حيث ثابت و قد يكون كسرًا أو حتى عددًا سالبًا) يمكن إيجاد مفكوكه
لتوضيح أن معدل تغيُّر سيُساوي دائمًا . هذا هو ما أتاح السلسلة اللانهائية نظريًّا من المُشتقات
الأعلى في مُقرَّر الرياضيات الجامعي. كما في حالة المشتقة الأولى، على سبيل
المثال، للدالة وهي ، والمُشتقة الثانية هي وهكذا، حتى يمكن إيجاد أي مُشتقة باستخدام النسبة ، مع أنك لن تتطرَّق عادةً إلى أعلى من المُشتقة الثانية في حساب
التفاضل والتكامل العادي.
(١٨) ومع ذلك، لاحظ أن عليك استخدام نفس نوع الممارسات المحاسبية المشكوك فيها في
هذه العملية الحسابية:
(١)
يساوي:
(٢)
وهو ما يساوي:
(٣)
؛ حيث تفترض في هذه المرحلة أن وتقسم كلًّا من البسط والمقام على لتحصل على:
(٤)
، وعندها تفترض أن وتحذفها، فتحصل على:
(٥)
.
(١٩) أو يمكنك أن تحصل على النتيجة نفسها بالتعامل مع على أنه مكافئ فعليًّا ﻟ في المعادلة (٦) من الاشتقاق الأصلي.
(٢١) م. إ.: هذا هو سبب إطلاق اسم «عكس التفاضل» على التكامل في المُقرَّرات
الدراسية.
(٢٢) في هذا السياق، يُعدُّ أسلوب النهايات في واقع الأمر حيلةً محاسبية
ميتافيزيقية تجعل اللامتناهي والتناهي في الصغر ملمحًا من العملية الحسابية
وليس من الكميات المحسوبة. وحسبما يفترض أن يكون قد اتضح الآن، فإن القواعد
الحسابية المعتادة لا تنطبق على المقادير غير المنتهية، ولكن من خلال تقيُّد
الأسلوب في الأساس بالمجاميع الجزئية وصولًا إلى ٩٩٪ من العملية الحسابية، يسمح
حساب التفاضل والتكامل المعتمد على النهايات بتطبيق هذه القواعد. ولذا، عند
اكتمال العملية الحسابية الأساسية، فإنك «تأخذ النهاية» وتفترض أن أو أو أيًّا كان «يقترب من »، ثم تتوصَّل إلى النتيجة. وبالمصطلحات التربوية، يُطلَب من
طالب الرياضيات هنا أن يفترض أن بعض المقادير مُنتهية وثابتة لأغراض العملية
الحسابية، ولكنها بعد ذلك تُصبح صغيرة للغاية وتتبدَّل في مرحلة النتائج
الفعلية. وهذا التشوه الفكري هو ما يجعل حساب التفاضل والتكامل لا يبدو صعبًا
فحسب، ولكن صعبًا على نحوٍ غريب وعديم الجدوى، وهذا هو أحد الأسباب التي تجعل
حساب التفاضل والتكامل (١) من الدروس المُفزعة.
(٢٣) م. إ. (وقد يكون مجرد الإتيان على ذكر ذلك ليس بالفكرة الجيدة): في الواقع،
يمكن قول الشيء نفسِه بأسلوبٍ غير مُبسط، لكنه يتضمَّن التحليل غير القياسي، الذي
اخترعه أيه روبنسون في سبعينيات القرن العشرين ونادى بالتوسُّع في إثبات إمكانية
إعادة دمج مُتناهيات الصغر في التحليل عن طريق استخدام «الأعداد الحقيقية
الفائقة»، التي تجمع أساسًا بين الأعداد الحقيقية والأعداد فوق المُنتهية
لكانتور، أي إنَّ الموضوع برُمته يتعلق كثيرًا بنظرية المجموعات ويعتمد على أبحاث
كانتور، بالإضافة إلى كونه مثار جدلٍ واسع، وتقنيًّا بدرجة كبيرة للغاية، ويقع
خارج حدود هذه المناقشة. ولكن يبدو أن الأمر يستحقُّ الذكر على أقل تقدير، وربما
يستحق أيضًا الإشادة — في ضوء أي اهتمام إضافي من جانبك — بكتاب «التحليل غير
القياسي» للبروفيسور أبراهام روبنسون، مطابع جامعة برنستون، ١٩٩٦.
(٢٤) يتطلَّب هذا تفسيرًا على الأرجح بدلًا من مجرد التأكيد عليه مرارًا وتكرارًا.
في حساب التفاضل والتكامل الكلاسيكي، يُعامَل موضوع الاتصال على أنه بالأساس
إحدى خصائص الدوال: تكون الدالة مُتصلة عند نقطةٍ ما إذا وفقط إذا كانت قابلة للاشتقاق عند ، وهذا هو ما سيجعل اكتشاف تلك الدوال المُتصلة غير القابلة
للاشتقاق من قِبل بولزانو وفايرشتراس في بداية القرن التاسع عشر صفقةً كبرى
ومهمة، وما يجعل الآن نظرية الاتصال في التحليل الحديث أكثر تعقيدًا.
(٢٥) م. إ.: وهما بصفةٍ أساسية يوهان بيرنولي ودانييل ابنه، بالإضافة إلى جي إف أيه
لوبيتال، الذي كان أحد مُساعدَيهما (كان من الصعب فَهمُ عالِمَي الرياضيات من
عائلة بيرنولي بوضوح)، وجميعهم ازدهر في بدايات القرن الثامن عشر.
(٢٦) م. إ.: هم بالأساس إي هالي وبي تايلور وسي ماكلورين من بريطانيا، وجميعهم
ازدهر في بدايات القرن الثامن عشر أيضًا.
(٢٧) م. إ.: في الواقع، للأسقف جي بيركلي (١٦٨٥–١٧٥٣، وهو فيلسوف كبير من مُعتنقي
المبدأ التجريبي ومن مُناصري المسيحية (وواحد من أكثر مَن اشتهروا بالإطالة
والإطناب على مستوى العالم)) مقالٌ نقدي شهير عن حساب التفاضل والتكامل
الكلاسيكي على غرار هذه الأسطر، في مذكرة ترجع إلى القرن الثامن عشر، يتألف
عنوانها من ٦٤ (نعم ٦٤) كلمة وتبدأ ﺑ «المُحلِّل …» فيما يلي مقتطفٌ استشهادي من
هذا المقال:
لا شيءَ أسهل من أن تستنبط تعبيراتٍ أو رموزًا للمشتقات الزمنية
ومتناهيات الصغر … ولكن إذا أزحنا الستار ونظرنا أسفل منه، إذا هيأنا
أنفسنا جيدًا — مُنحِّين التعبيرات جانبًا — للتفكير في الأشياء نفسِها التي
من المفترض التعبيرُ عنها أو تحديدها باستخدام هذه التعبيرات، فسوف نكتشف
كثيرًا من الخواء والظلام والالتباس، وليس هذا فحسْب بل وكذلك، إذا لم
يُجانبني الصواب، استحالاتٍ وتناقضاتٍ مباشرة.
انتقادات بيركلي في بعض النواحي هي عودةٌ للهجوم والنقد اللاذع من قِبل
المسيحية لجاليليو والعِلم الحديث (من المُمتع حقًّا قراءة ذلك، وإنْ كان خارج
الموضوع). وتتمثل فكرته الكاملة في أن رياضيات القرن الثامن عشر — على الرغم من
مزاعمها الاستنتاجية — كانت تعتمد في واقع الأمر على العقيدة بقدْرٍ لا يقلُّ عن
اعتماد الدِّين عليها، أي إن «مَنْ يمكنه استيعاب مُشتق زمني ثانٍ أو ثالث،
ينبغي — حسبما يتراءَى لي — ألَّا يكون شديد الحساسية تجاه أي موضوعٍ يتعلق
بالألوهية.» مِن جهة أخرى، اعترض جيه إل آر دالمبير (١٧١٧–١٧٨٣، وهو عالِم رياضيات ذو باعٍ
كبير في حساب التفاضل والتكامل، ومفكر شامل، بالإضافة إلى أنه من أوائل
المؤيدين لفكرة أن «الميتافيزيقا الحقيقية لحساب التفاضل والتكامل إنما يُمكن
العثور عليها في فكرة النهاية.») على مُتناهيات الصغر على أساسٍ منطقي تمامًا
لقانون الوسط المُستبعَد في كتاب «الموسوعة» الشهير الذي ألَّفه بالاشتراك مع دي
ديدرو في ستينيات القرن الثامن عشر، كما نرى — على سبيل المثال — في «المقدار
إما أن يكون شيئًا أو لا شيء، إذا كان شيئًا، فإنه لم يتلاشَ بعد، وإذا كان لا
شيء، فقد تلاشى حرفيًّا. وافتراض وجود حالة وسيطة بين هاتين الحالتين هو ضربٌ
من الوهم والخيال.»
(٢٨) م. إ.: مفارقة السهم، مثلها مثل مفارقة التقسيم الثنائي، شُرِحت في الجزء
السادس من كتاب «الطبيعة» لأرسطو، وتظهر أيضًا على صورة مقتطفاتٍ في كتاب «حياة
وآراء» للكاتب الإغريقي ديوجانس اللايرتي.
(٢٩) م. إ.: غنيٌّ عن القول إنَّ توافق هذا الزعم مع اعتراضات أرسطو على التقسيم
الثنائي المُتعلق بالمتسلسلات الزمنية في الجزء ٢(ب) ملتبسةٌ بعض الشيء. ثمة
طرق للتوفيق بين حجتَي أرسطو، ولكنها مُعقدة جدًّا، ومُقنعة بما يفوق تمام
الإقناع — وعلى أية حال، فإنه أحد الموضوعات المُستعصية لتلامذة أرسطو ويقع خارج
موضوعنا هنا.
(٣٠) م. إ.: يُمكنك، إن أردت، مراجعة محتوى الجزء ٢(أ) بشأن تطبيق الصيغ في مقابل
حل المسائل فعليًّا، الذي ينطبق هنا بدرجة كبيرة.
(٣١) م. إ.: فيما يخصُّ اعتراض دالمبير على مُتناهيات الصغر في التذييل رقم ٢٧ أعلاه،
فإن هذه الاحتمالية الثالثة وحدَها تجعل حجته غير سليمة.
(٣٢) م. إ.: فيما يلي مثالٌ جيد على المواضع التي يمكن حقًّا أن يُجدي فيها بعض
التفكير المُجرد الأفقي في الصباح الباكر.
(٣٣) م. إ.: يُرجى ملاحظة أن هذا لا يتماثل على الإطلاق مع اعتراض أرسطو على «هل
السهم … لحظة ما ؟» ما يراه غير مُترابط حقًّا هو فكرة الفرضية رقم (٢) بأن
الزمن يُمكن أن يتكوَّن من لحظاتٍ مُتناهية في الصغر، وهو حجة تتعلق بالاتصال
المؤقت، وبموجب تفسيرها يمكن حلُّ مفارقة السهم باستخدام صيغة بسيطة في حساب
التفاضل والتكامل. وحسبما بدأ يتراءَى لك على الأرجح، ينجح أرسطو في أن يكون
مُخطئًا على نحوٍ كبير ومُذهل، دائمًا وفي كل موضع، عندما يتعلق الأمر
باللانهائية.
(٣٥) على الرغم من أن هذا الحل مُتخصص تمامًا، فإنه يتميز بأنه اعترف بأن الحركة في
لحظةٍ ما هو مفهوم دائمًا ما يتضمَّن أكثر من لحظة واحدة.
(٣٦) م. إ.: كما سوف نرى في الجزء ٥، ما فعله فايرشتراس بصفةٍ أساسية هو توضيح
كيفية تعريف النهايات بأسلوب يستبعد عبارتَي «يقترب من» أو «يقترب تدريجيًّا
من». فقد ثبَتَ أن تعبيراتٍ كهذه تكون عرضةً لمفاهيم زينون المُلتبسَة بشأن
الفراغ والزمن (كما في «تقترب من أين؟» و«ما مدى السرعة؟» وهكذا)، بالإضافة إلى
كونها غامضة عمومًا.
(٣٧) هذه هي المشكلة، والسبب الذي يجعل العلاقة بين المُتناهيات في الصغر وقابلية
التقسيم طبقًا لزينون أشبه بالعلاقة بين العلاج الكيماوي والسرطان. المأخذ على
المقادير التي هي أقل من ، ولكنها ما زالت أكبر من صفر؛ أنك لا تستطيع الحصول عليها
بإجراء القسمة مرارًا وتكرارًا، مثلما لا تستطيع أن تحصل على عددٍ فوق مُنتهٍ
بإضافة أعداد مُنتهية أو ضربها. استُبعد و على نحوٍ فريد من كل مفارقات التقسيم الجزئي اللانهائي
والمفكوك … على الرغم من أنها بطريقةٍ ما التجسيدات الفعلية لتلك المفارقات.
ولذا، فإن الموضوع برمَّته غريب جدًّا.
(٣٨) أي فترة في الزمن، أو في الفراغ، أو على خط الأعداد الحقيقية؛ فجميعها تندرج
ضمن موضوع الاتصال.