الجزء الخامس
الجزء ٥(أ)
الهدف من هذين الجزأين التاليَين هو توضيح كيف أن الأفكار الجديدة التي قدَّمها كلٌّ من ديديكند وكانتور ظهرت على نحوٍ مُماثل تقريبًا لنشأة حساب التفاضل والتكامل، أي في صورة أساليب لمعالجة بعض المشكلات المُلحة للغاية التي عجزت الرياضيات حقًّا عن إحراز أي تقدُّم دون التصدي لها ومواجهتها. تتمثل فكرة الجزء ٥ في رسم مخطط لرصد التطورات والخلافات الخاصة بما بعد حساب التفاضل والتكامل التي خلقت بيئةً مواتية أصبحت فيها رياضيات الأعداد فوق المنتهية أمرًا مُمكنًا، بل وضروريًّا أيضًا إن جاز التعبير. كما يُرجى ملاحظة أننا سوف نكون هنا بصدد «رسم مخطط». فلا سبيل لإنشاء جدولٍ زمني، حتى لو كان جدولًا زمنيًّا تقريبيًّا، للفترة ما بين عامَي ١٧٠٠ و١٨٥٠. فالأحداث كانت كثيرة للغاية ومتواترة على نحوٍ سريع جدًّا.
في الواقع، مميزات هذا الامتزاج أكثرُ جلاءً من مَخاطِره. ولنتذكر مرةً أخرى أن إحدى ميزات الرياضيات التي لا تُقَدَّر بثمن أنها من المُفترض أن تكون استنتاجية، وهي حقيقة بديهية مُسلَّم بها لنظرياتها. تؤسَّس الحقائق العلمية على أساس تجريبي؛ فهي حقائقُ استقرائية، ومن ثمَّ فإنها تخضع إلى جميع الشكوك المجردة التي يتعرَّض لها المرء في الصباح الباكر والتي تحدَّثنا عنها بالتفصيل في الجزء ١. الاستقراء — بلغة المنطق — لا أساسَ له، بينما تُبنى الحقائق الرياضية على أساسٍ راسخ من المُسلَّمات وقواعد الاستنتاج. هذا كله ناقشناه من قبل، وكذلك الصِّلة بين الأساسيات والصرامة، بالإضافة إلى ما ورد في مسرد المصطلحات الأول بالجزء ٣(ﺟ) بشأن محاولة التحليل (في النهاية) لإضفاء مزيدٍ من الدقة والصرامة على حساب التفاضل والتكامل.
مسرد المصطلحات الثاني
-
مشتقة (اسم) مقابل تفاضُلة (اسم): يجب التمييز بين هذَين المصطلحين رغم أنهما وثيقا الصلة للغاية، حتى إن
المشتقة أحيانًا ما تُسمَّى «معامل تفاضُلي». ونذكر مما وردَ في مسرد
المصطلحات الأول أنَّ المشتقة هي معدل تغيُّر دالة بالنسبة إلى المُتغير
المستقل. وفي حالة دالة بسيطة مثل ،٧ تكون المشتقة هي . ومع ذلك، فإن كلًّا من و هنا عبارة عن تفاضُلتَيْن. وفي حالة مثل ، حيث هي المتغير المُستقل، تكون تفاضُلة (أي ) هي أي تغيُّر اختياري في قيمة ، وفي هذه الحالة يُمكن تعريفُ عن طريق ، حيث هي مشتقة . (هل هذا مفهومٌ؟ إذا كانت ، فإن هي بديهيًّا ).
من الطرُق السهلة لفهم هذين المصطلحين بسلاسةٍ ويُسر أن نتذكَّر أن المشتقة هي حرفيًّا النسبة بين تفاضُلتَيْن، وهذه هي الطريقة التي عرَّف بها تلامذة لايبنتس المُشتقة في المقام الأول.
-
مُشتقة جزئية مقابل تفاضُلة تامَّة: يُعدُّ هذا هو التمييزَ الوثيقَ الصلةِ بالنسبة إلى «الدوال في عدة متغيرات»،٨ أي تلك الدوال التي تتضمَّن أكثر من مُتغير مُستقل واحد. المشتقة
الجزئية هي معدل تغيُّر دالة متعددة المتغيرات بالنسبة إلى أحد المتغيرات
ذات الصلة، حيث تُعامَل المتغيرات الأخرى على أنها ثوابت، ومن ثمَّ سيكون
للدالة عمومًا مشتقاتٌ جزئية بعددِ ما لها من متغيراتٍ مستقلة. يُستخدَم
رمزٌ خاص أسماه د. جوريس «ديسلكسيك ٦» للمشتقات الجزئية، كما على سبيل
المثال في المُشتقتَيْن الجزئيتَيْن لمعادلة دالة حجم الأسطوانة القائمة، ، وهما: و. أما التفاضُلة التامة، على الجانب الآخر، فهي تفاضُلة
دالة في أكثرَ من مُتغيرٍ مُستقل، وهو ما يُكافئ عادةً قولنا إنها تفاضُلة
المتغير التابع. يُستخدَم الرمز «» للتفاضُلات التامة أيضًا. في حالة دالة مُتعددة
المتغيرات مثل ، التفاضُلة التامة ﻟ ستكون .
ربما يبدو أول مُدخَلَيْن هنا شديدَي التخصُّص، ولكنهما في الواقع ضروريان للمعادلات التفاضلية.
-
معادلات تفاضلية (بدءًا من (أ) إلى (ﺟ)) (أما (ب)، فهي عامة إلى حدٍّ
ما): هي أول أداة في الرياضيات لحل مسائل في الفيزياء وعلوم الهندسة والقياس
عن بُعد والتشغيل الآلي (الأتمتة) وكل أنواع العلوم المادية. وعادةً ما
تكون بداية تعاملك مع المعادلات التفاضلية في نهاية مُقرَّر الرياضيات في
العام الأول بالجامعة؛ فسوف تكتشف في حساب التفاضل والتكامل (٣) مدى
صعوبتها وكيف أنها موجودة حقًّا في كل شيء.
- (أ) بمفهوم واسع، تتضمَّن المعادلاتُ التفاضلية علاقاتٍ بين
مُتغير مُستقل ومتغير تابع ، ومشتقة (مشتقات) ما ﻟ بالنسبة إلى . يمكن النظر إلى المعادلات التفاضلية إما
على أنها حساب تكامل في نوعٍ من العقاقير المهلوسة من الفئة
الرابعة وإما (وهذا أفضل)٩ على أنها «دوالُّ أعلى»، بمعنى أنها أعلى من
الدوال العادية بفارق مستوًى واحد من التجريد، وهو ما يعني
بدوره أنه إذا كانت الدالة العادية عبارة عن آلة مدخلاتها بعض
الأعداد ومخرجاتها أعداد أخرى،١٠ فإن المعادلة التفاضلية عبارة عن آلة مدخلاتها
دوالُّ معينة ومخرجاتها دوالُّ أخرى. وهكذا، فإن حل أي معادلة
تفاضلية يكون دائمًا عبارةً عن دالة ما، بل وتحديدًا دالة يمكن
التعويض بها في المتغير التابع للمعادلة التفاضلية لإنشاء ما
يُعرَف باسم «المُتطابقة»، وهي مساواة بين عبارتَين رياضيتَين؛
أي نوع من طوطولوجيا الرياضيات.
قد لا يكون هذا ذا فائدة كبيرة للغاية. وبمصطلحاتٍ أكثر تحديدًا،١١ فإنَّ معادلة تفاضلية بسيطة مثل يكون حلُّها هو الدالة التي مُشتقتها هي . هذا يعني أن المطلوب الآن هو التكامل، أي إيجاد الدالة (الدوال) التي تُحقق . وإذا كنتَ لا تزال تذكر بعضًا من مُقرَّر الرياضيات في العام الأول بالجامعة، فستعرف على الأرجح أن يساوي (حيث هو ثابت التكامل الشهير،١٢ التي هي نفسها المعادلة ، والتي ستكون فيما بعد حلَّ المعادلة التفاضلية . وستكون الحلول الخاصة لهذه المعادلة التفاضلية هي تلك الدوال التي يأخذ فيها قيمة مُحددة، كما في حالة وهكذا.
- (ب) من حيث التمثيلاتُ البيانية، نظرًا إلى وجود وما يُسمَّى بالحلول العامة/الخاصة، تميل
المعادلات التفاضلية إلى إعطاء «مجموعات من المنحنيات» كحلول.
بينما تميل عادةً مفكوكاتُ هذه المعادلات، على الجانب الآخر،
إلى إعطاء متتابعاتٍ من الدوال، ولتعلم أن الانتقال في التحليل
من متتابعات/متسلسلات من المقادير إلى متتابعاتٍ/متسلسلاتٍ من
الدوال هو في نهاية المطاف عنصرٌ جوهريٌّ ومحوريٌّ في موضوع
اللانهائية. ومن الناحية التاريخية، هذا الانتقال هو ما حدَّد
تحوُّل الرياضيات من تحليل أويلر في بداية القرن الثامن عشر
إلى تحليل كوشي في الفترة ما بين أوائل القرن التاسع عشر
ومنتصفه. وكما ذكرنا بإيجاز في الجزء ٣، يُنسَب الفضل إلى
البارون أيه إل كوشي في أول محاولة حقيقية لإضفاء الدقة على
التحليل؛ فقد استحدث مفهومًا أكثر تطورًا للنهاية يعتمد على
التقارب، واستطاع أن يُعرِّف في ضوئه الاتصال والمُتناهيات في
الصغر بل وحتى اللانهائية.١٣كان كوشي أيضًا أول مَنْ بحث جديًّا في متسلسلات الدوال التي تتضمَّن أيضًا المسائل المحورية فيها موضوع التقارُب.⋆
⋆جزء تكميلي سريع للنقطة (ب)
- معادلة تفاضلية (ب): يوشك المصطلح أن يزداد تعقيدًا. وفضلًا عن إمكانية العودة إلى مسرد المصطلحات الأول عند الحاجة، عليك أن تعلم هنا حقيقتَين مترابطتَين: (١) التقارب هو (أو على الأقل يبدو) مختلف جدًّا في حالة متتابعات/متسلسلات الدوال عنه في حالة متتابعات/متسلسلات المقادير. على سبيل المثال، ما تتقارب إليه مُتسلسلة متقاربة من الدوال هو دالة معينة … أو من الأدق أن نقول إن مجموع متسلسلة متقاربة من الدوال سوف يتقارب دائمًا من دالةٍ ما.١٤ (٢) تُوجَد مجموعة كبيرة ومتبادلة من العلاقات بين مفاهيم الاتصال للدوال والتقارُب لمتسلسلة من الدوال. ولحُسن الحظ، لا يعنينا منها سوى القليل، ولكن في العموم تقع هذه العلاقات في صميم موضوع التحليل المُضطرب في القرن التاسع عشر، وتتداخل معها بعض الأمور بدرجةٍ كبيرة. ومثالٌ على ذلك خطأ شهير ارتكبه كوشي، وهو الذي نعرضه هنا كإشارةٍ فقط إلى مدى ارتباط الاتصال والتقارُب بالنسبة إلى الدوال. ذهب كوشي إلى أنه إذا كان مجموع مُتتابعة من الدوال المتصلة تتقارب عند جميع نقاط فترةٍ معينة إلى دالة ما ، فإن الدالة نفسَها تكون مُتصلة على هذه الفترة. ونأمُل أن تتضح أكثرَ أهميةُ ذلك ووجهُ الخطأ فيه في الجزأَين التاليَين.
نهاية «جزء تكميلي سريع للنقطة (ب)» قيد النقاش.•••
بما أنك لا تستطيع فعليًّا إيجاد مجاميعَ جزئية من متسلسلاتٍ من الدوال، يُصبح من المهم إذن وضعُ اختباراتٍ عامة لتقارب هذه المسلسلات/المتتابعات. ينصُّ اختبارٌ عام رائد، يُسمَّى شرط كوشي للتقارب (أو ) خلال العقد الثاني من القرن التاسع عشر، على أن متتابعة غير منتهية تتقارب (أي تكون لها نهاية) إذا وإذا فقط كانت القيمة المطلقة ﻟ أقلَّ من أي مقدار مُحدد لجميع قيم ، على افتراض أن كبيرة بما يكفي.١٥حقيقةٌ أخيرة عن الدوال والتقارب (كان ينبغي على الأرجح تضمينُها في التكملة السريعة المُضمَّنة أعلاه): لإثبات أن دالةً ما قابلة للتمثيل (= قابلة للفك) على صورة متسلسلة غير منتهية، يجب أن تتأكَّد من أن المتسلسلة تتقارب عند جميع النقاط من . ومن الواضح أن هذا لا يمكن تحقيقُه بجمع عددٍ لا نهائي من الحدود؛ فلا بدَّ هنا من برهانٍ مجرد. وهذا أيضًا سيكون مُهمًّا عندما نتحدَّث عن أبحاث كانتور الأولى في التحليل. - (جـ) أحد الأسباب التي تجعل المعادلات التفاضلية صعبةً للغاية في مرحلة التعليم ما قبل الجامعي وجود الكثير من الأنواع والأنواع الفرعية منها، التي يتمُّ تحديدها بكل أنواع المصطلحات شديدة التخصُّص مثل «رتبة»، و«درجة»، و«قابلية الفصل»، و«التجانس»، و«الخَطية»، و«التأخر»، و«معامل النمو» في مقابل «معامل التضاؤل»، وغيرها. وبالنسبة لنا، فالتمييز الأهم هو بين المعادلة التفاضلية العادية والمعادلة التفاضلية الجزئية. تحتوي المعادلة التفاضلية الجزئية على أكثرَ من مُتغير مُستقل واحد، ومن ثمَّ تكون لها مشتقاتٌ جزئية (ومن هنا جاء الاسم)، بينما المعادلة التفاضلية العادية لا تكون لها أيُّ مُشتقات جزئية. وبما أن معظم الظواهر الفيزيائية تكون معقَّدة للغاية بما يتطلَّب دوالَّ مُتعددة المتغيرات ومشتقات جزئية، من غير المُستغرَب أن تكون المعادلات التفاضلية المفيدة والمهمة حقًّا هنا هي المعادلات التفاضلية الجزئية. ثمة تعريفان آخران ينبغي معرفتهما عن المعادلات التفاضلية، وهما الشروط الحَديَّة والشروط الابتدائية، وهما يتعلقان بتحديد قيم المسموح لها أو قيم أي ثوابت موجودة في المعادلة. المصطلحان وثيقا الصلة نظرًا إلى وجود علاقات مهمة بين هذَين الشرطَيْن وتحديد فتراتٍ مُعينة على خط الأعداد الحقيقية يمكن تحديدُ مدى الدالة عليها، والأخيرة ستكون مهمة للغاية في تحليل فايرشتراس خلال الفترة ما بين منتصف القرن الثامن عشر وبدايات القرن التاسع عشر الذي سنتحدَّث عنه في الجزء ٥(ﻫ).
- (أ) بمفهوم واسع، تتضمَّن المعادلاتُ التفاضلية علاقاتٍ بين
مُتغير مُستقل ومتغير تابع ، ومشتقة (مشتقات) ما ﻟ بالنسبة إلى . يمكن النظر إلى المعادلات التفاضلية إما
على أنها حساب تكامل في نوعٍ من العقاقير المهلوسة من الفئة
الرابعة وإما (وهذا أفضل)٩ على أنها «دوالُّ أعلى»، بمعنى أنها أعلى من
الدوال العادية بفارق مستوًى واحد من التجريد، وهو ما يعني
بدوره أنه إذا كانت الدالة العادية عبارة عن آلة مدخلاتها بعض
الأعداد ومخرجاتها أعداد أخرى،١٠ فإن المعادلة التفاضلية عبارة عن آلة مدخلاتها
دوالُّ معينة ومخرجاتها دوالُّ أخرى. وهكذا، فإن حل أي معادلة
تفاضلية يكون دائمًا عبارةً عن دالة ما، بل وتحديدًا دالة يمكن
التعويض بها في المتغير التابع للمعادلة التفاضلية لإنشاء ما
يُعرَف باسم «المُتطابقة»، وهي مساواة بين عبارتَين رياضيتَين؛
أي نوع من طوطولوجيا الرياضيات.
-
المعادلة الموجية: هذه معادلة تفاضلية جزئية شهيرة وفعَّالة للغاية. وهي مؤثرة للغاية في
كلٍّ من الرياضيات البحتة والتطبيقية، وبصفة خاصة في الفيزياء والعلوم الهندسية.١٦ فيما يخص أهدافنا هنا، الصيغة ذات الصلة هي صيغة أو «غير اللابلاسية» للمعادلة الموجية، التي (معلومة
إضافية) تبدو على النحو التالي:
- المتسلسلات المُثلثية: كان ينبغي على الأرجح تناولُها في مسرد المصطلحات الأول، وهي بالأساس متسلسلة حدودها مكتوبة على صورة نِسَب الجيب وجيب التمام١٧ لزوايا متنوعة. وتكون الصيغة العامة عادةً شيئًا من قبيل . تلعب المتسلسلات المُثلثية دورًا رئيسيًّا في موضوعنا، ليس فقط لأنها تشمل متسلسلة فورييه كأحد أنواعها الفرعية،١٨ ولكن أيضًا لأن بعض الدوال المهمة للغاية يمكن تمثيلها بواسطة المتسلسلات المُثلثية وكذلك المعادلات التفاضلية الجزئية. وتقع الصلة بين المعادلات التفاضلية الجزئية والمتسلسلات المُثلثية في صميم تعريف الدالة. وفي الواقع، فإنَّ تعريف الدالة في الرياضيات الحديثة، الذي يختلف عن التعريف الوارد لها في مسرد المصطلحات الأول في تحديد أنَّ العلاقة بين كل و الخاصة بها يُمكن أن تكون اختيارية تمامًا، دون الحاجة إلى قاعدة أو حتى تفسير١٩ هو نِتاج جهود بحثية مُضنية على العلاقات بين الدوال، وتمثيلها على صورة متسلسلات.
-
التقارُب المنتظم والمعلومات الفرعية المرتبطة به (أ–ﻫ): تتضمَّن هذه العناصر التعريفات الواردة في مسرد المصطلحات الأول لمصطلحَي
الفترة والدالة المتصلة، وكذلك الجزء المتعلق بتقارُب متسلسلة من الدوال في
الجزء الخاص بكوشي — المعادلات التفاضلية (ب) — أعلاه. بالإضافة إلى كون
هذا المصطلح ضروريًّا لِفَهم بعض النتائج الكبرى السابقة على كانتور التي
سوف نتحدَّث عنها في أجزاءٍ لاحقة، فإنه سوف يُعطيك فكرةً عمَّا اتَّسَم به
التحليل في القرن التاسع عشر من تجريد مُتقلب حقًّا.
- (أ) التعريف الأساسي: تكون متسلسلةٌ من الدوال المتصلة في متغيرٍ ما على فترة ما منتظمة التقارب إذا كانت تتقارب عند كل قيمةٍ من قِيَم بين و. هناك أيضًا معلومة متداوَلة بأنَّ «بواقي»٢٠ المتسلسلة التي يجب أن تكون صغيرة على نحو غير مُتناهٍ بما يُتيح لنا تخطِّيَها. وجوهر الموضوع هو أن مجموع المتسلسلة المتقاربة المنتظمة التقارُب سوف يكون في حدِّ ذاته دالةً متصلة في على الفترة .
- (ب) وكما أنَّه ليست كل متسلسلة متقاربة، فإنَّ كل متسلسلة متقاربة لا تكون بالضرورة منتظمةَ التقارب. وبالمثل، ليس جميع المتسلسلات المتقاربة رتيبةً (مُطَّرِدة)، وهو ما يعني بصفة أساسية أنها تتغيَّر في الاتجاه نفسِه دائمًا. مثال على المتسلسلة الرتيبة النقصان: الثنائي .٢١
- (جـ) من الأمور المتعلقة بتقارُب متسلسلة على فترة مُعطاة مسألة أن دالة ما تكون متصلة قطاعيًّا على فترةٍ مُعطاة، وهو ما نحصل عليه عند إمكانية تقسيم إلى عدد محدود من الفترات الجزئية، بحيث تكون متصلة على كل فترةٍ جزئية على حِدَة وتكون لها نهاية محددة عند كل نقطة نهاية دُنيا (= ) وعُليا (= ). (لاحظ هنا أن كلمة «قطاعي» يمكن أيضًا أن تُعدِّل (تُحدِّد) كلمة رتيبة)،٢٢ بمعنى أن بعض المتسلسلات الرتيبة — وليس جميعها — تكون رتيبة قطاعيًّا، وهذه معلومة عابرة سوف تحتاج إليها في الجزء ٥(د).
- (د) لأسبابٍ معقدة، إذا كانت دالة ما متصلة قطاعيًّا، فسوف يكون لها عدد محدود فقط من نقاط عدم الاتصال في الفترة المُعرَّفة عليها. ولِفَهم الفكرة جيدًا، فإن عدم الاتصال ما هو إلا نقطة٢٣ تكون الدالة عندها غير متصلة. مثال: من الواضح أن دالة فورييه غير الكاملة سوف تكون لها نقاط عدم اتصال عند أي قيمة من قيم تجعل يساوي . يوجد العديد من الأنواع الفرعية المختلفة لنقاط عدم الاتصال، وهي حقيقة سوف نتجاهلها غالبًا. وفيما يخص التمثيلات البيانية، فإن عدم الاتصال عبارة عن نقطة لا يكون المنحنى عندها أملسَ، أي حيث يرتفع أو ينخفض فجأة، أو حتى حيث يُوجَد فراغ. لاحظ أيضًا تنقيحًا دلاليًّا بسيطًا: بما أن المصطلح «نقطة عدم الاتصال» يُمكن أيضًا أن يشير — حسب التجريد من المستوى الثاني — إلى الشرط العام لكون شيءٍ ما غيرَ متصل، فإن المصطلح «نقطة استثنائية» يُستخدَم أحيانًا للإشارة إلى نقطة محددة يُوجَد عندها عدم اتصال. ولُب الموضوع هنا أن التحليل يميل إلى استخدام «نقطة عدم الاتصال» و«النقطة الاستثنائية» بالتبادل.
- (هـ) أخيرًا: يبدو مصطلح «التقارُب المُنتظم» مشابهًا على نحوٍ خادع لمصطلح «التقارب المُطلق»، وفي الواقع فإنهما مصطلحان مختلفان تمامًا في الرياضيات. يمكن أن تحتويَ متسلسلة غير منتهية متقاربة على حدودٍ سالبة (مثل متسلسلة جراندي من الجزء ٣(أ)). إذا أصبح أيٌّ من أو جميع الحدود السالبة للمتسلسلة موجبة (أي: إذا سُمِح فقط بالقيم المطلقة للحدود) وظلت متقاربة، فإنها تكون إذن «متقاربة مطلقًا»، وإلا فستكون «متقاربة شرطيًّا».
الجزء ٥(ب)
المغزى العام في غالبية محتوى الجزء ٥ حتى الآن: شهد القرن الثامن عشر تداولًا لأفكارٍ مهمة، ولكنها غير مدعومة بالأدلة عن الدوال والدوال المُتصلة والدوال المتقاربة وغيرها، وخضعت تعريفاتها وخصائصها المختلفة لتغييرٍ وتنقيح مُستمرَّيْن مع معالجة التحليل لمسائل متنوعة. وكما ذكرنا من قبل، وكما كان الحال تمامًا في القرن السابع عشر، فإن الكثير من هذه المسائل كانت علمية فيزيائية. وفيما يلي بعض المسائل الكبرى في القرن الثامن عشر: سلوك السلاسل المرنة المُعلقة بين نقطتَين (وهو ما يُعرف أيضًا ﺑ «مسائل منحنى السلسلة»)، وحركة نقطة على طول منحنيات الهبوط (= «المنحنى الأسرع هبوطًا/الأقصر زمنًا»)، وحزم مرنة تحت تأثير الشَّدِّ، وحركة بندول في وسائط مقاومة، والأشكال التي يتخذها شراع تحت تأثير ضغط الرياح (= «فلاريا») ومدارات الكواكب فيما بينها، والمنحنيات الكَاوية في علم البصريات، وتحركات البوصلة الثابتة على كُرة (= الخطوط الثابتة المتوازية مع خطوط الطول). فيما يخص أهدافنا هنا، أهمها جميعًا هي مسألة «الوتر المُهتَز» الشهيرة، التي ترجع في بعض جوانبها إلى اكتشافات فيثاغورس بشأن السُّلَّم الموسيقي الثنائي النغمات في الجزء ٢(أ). تتمثل مسألة «الوتر المُهتَز» العامة فيما يلي: بمعلومية طول وترٍ مشدود بشكل مُستعرَض، وموضعه الابتدائي، وشَدِّه، احسب حركته عند تحريره ليبدأ في الاهتزاز. ستكون هذه الحركة عبارة عن مُنحنيات، وهو ما يمكن أن نُسميَه أيضًا دوالَّ.
الفكرة العامة: إلى جانب سقوط إقليدس، كانت قضايا الدوال الاختيارية والتقارب التي أثارتها «متسلسلة فورييه» هي ما حدا بعلماء الرياضيات في هذا العصر إلى إدراك أن المفاهيم الأصغر مثل «مشتقة» و«تكامل» و«دالة» و«متصل» و«متقارب» يجب تعريفها بدقة، حيث تعني «بدقة» هنا تأسيسَ التحليل على البراهين الشكلية والمنطق الحسابي بدلًا من الهندسة أو الحَدْس، أو الاستنتاج من مسائلَ بعينها.
الجزء ٥(ﺟ)
يُوجَد العديد من الصور الحيَّة لجي إف إل بي كانتور في الكتب، والتي نأمل أن نستطيع رصد واحدةٍ منها على الأقل وإعادة نسخها هنا في موضعٍ ما. كان كانتور ألمانيًّا برجوازيًّا ذا مظهرٍ عادي يرجع إلى عصر الياقات المُنشَّاة واللِّحى القابلة للاشتعال (لاحظ، في صور العائلة، الصَّدريَّة وساعة الجيب التي تتدَّلى منها سلسلة تنمُّ عن الوجاهة، وضفائر الزوجة وملابسها ذات الحشوة التي ترفع مؤخرة الثوب، والملامح الهادئة أو الشاردة للغاية للرجل الفيكتوري النموذجي. وفي الولايات المتحدة، كان يضع قبعة).
حوالي عام ١٩٤٠، ذكَرَ مؤرِّخو رياضيات بارزون ينتمون إلى الحزب الاشتراكي الوطني أنَّ جي إف إل بي كانتور كان لقيطًا، حيث وُلِدَ على متن سفينةٍ ألمانية في طريقها إلى ميناء سان بطرسبرج وعُثِرَ عليه هناك، والداه غير مَعلومَيْن. وهو ما كان مَحضَ خيال. وكان الألمان قلِقِين فيما يبدو من أن كانتور ربما يكون يهوديًّا؛ فقد كان وقتئذٍ واحدًا من أعظم المُفكرين على الإطلاق في ألمانيا. ولا تزال قصة كونه لقيطًا تُتَداوَل أحيانًا؛ فهي تتماشى مع بعض قوالبنا النمطية تمامًا كما مع النازيين. وثمة قصة أخرى كبيرة عن أن كانتور قد استنتج العديد من أشهر براهينه عن اللانهائية أثناء وجوده في إحدى المصحَّات، وهو ما يُعدُّ أيضًا محضَ هُراء. فقد كانت أول مرة يدخل فيها كانتور المستشفى عام ١٨٨٤، عندما كان عمره ٣٩ عامًا، وكان وقتها قد أنجز بالفعل معظم أعماله المهمة. ولم يدخل المستشفى مرةً أخرى حتى عام ١٨٩٩. وكان ذلك في العشرين عامًا الأخيرة من حياته حيث كان دائمَ التردُّد على المستشفيات والخروج منها. وتُوفي في مستشفى هَاله للأمراض العقلية في ٦ يناير ١٩١٨.
كان منزل عائلة كانتور الكائن في شارع هاندلشتراس يشهد إقاماتٍ لفتراتٍ وجيزة أثناء الحرب العالمية الثانية. ولا يُوجَد دليل على أن النازيين كانوا يعرفون مالكي هذا المنزل. ومع ذلك، كان من الواضح أنَّ الأجزاء الرئيسية من تركة كانتور الأدبية قد سُرقَت أو حُرقَت. وكان معظم ما تُرِك موجودًا في أكاديمية العلوم بمدينة جوتينجن ومتاحة للقراءة والاطلاع من خلف الزجاج. والخطابات العائلية وسلاسل النَّسَب وغيرها. وما زال يُوجَد أيضًا القليل من سجلات الرسائل الخاصة بكانتور، التي كان يستخدمها الأشخاص المُتعلمون آنذاك لكتابة مسوَّدات بالرسائل قبل نسخها بعناية استعدادًا لإرسالها. وذلك بالإضافة إلى وجود علماء رياضياتٍ آخرين كتبَ إليهم وكانوا لا يزالون يحتفظون برسائله. وهذه هي المصادر الرئيسية.
كان لدى السيد جورج والسيدة حرمه ستة أبناء، وكان أولهم هو جورج الابن. وكانت الأسرة بأكملها أسرة فنية وصاحبة أداءٍ عالٍ: العديد من الأقارب كانوا عازفي كمان كلاسيكيِّين أو رسَّامين لهم أعمالٌ معروضة، وكان عمُّه الأكبر مديرَ معهد كُونسِرفاتوار في فيينا ومدرِّس الفنان المُبدِع جوزيف خواكيم، وكان عمُّه الكبير أستاذَ القانون الذي درَّس لتُولستوي في جامعة كازان. وُلِدَ جي إف إل بي كانتور يوم ٣ مارس ١٨٤٥، برج الحوت. وكان عبقريًّا في عزف العود عندما كان طفلًا. ولا أحدَ يدري سببَ تركه العزف، لكن بعد حضوره فصلًا دراسيًّا في الرباعيات الكلاسيكية في الجامعة لم يرد ذِكْر آخر لموضوع الكمان. كما أنه فنانٌ يُجيد رسم المناظر الطبيعية. ولا يزال يُوجَد له من أيام الطفولة رسمٌ بالقلم الرصاص استثنائيٌّ تمامًا، ويرجع سبب شهرة هذا الرسم إلى «تصريح» غريب بما لا يقبل الجدل ومكتوب باليد اليسرى كان جورج دبليو تداوله عن الرسم، وما زال هذا التصريح نفسُه موجودًا؛ لأن جورج الابن احتفظ به لديه طوال حياته (وهو ما كان غريبًا أيضًا):
في حين أن جورج فرديناند لويس فيليب كانتور لم يقضِ سنواتٍ في دراسة الرسم وفقًا للنماذج القديمة، وفي حين أن هذا هو أول عمل له وفي هذا الفن الصعب لا يتحقق أسلوب مُتقَن إلا بعد اجتهادٍ كبير ومثابرة، وفي حين أنه حتى الآن قد أهمل بشدة هذا الفن الجميل، فإنَّ الوطن — أعني الأسرة — يشعرون نحوه بالامتنان بإجماع الآراء نظيرَ عمله الأول هذا، الذي يُعدُّ فعلًا مُبشرًا للغاية.
تتفق كلُّ المصادر على أن جورج دبليو قد أشرف بشخصه على تنشئة أبنائه الدينية بأسلوب حازم للغاية. ولاحِظ كيف يُمكن بسهولة النظرُ إلى هذه التنشئة بمنظور عصرنا الحالي على أنها استبداد أو تعصب، في حين أنها قد تكون في الحقيقة مجرد أسلوب تنشئة مُواكِب للزمان والمكان آنذاك. وقد يصعُب تحديد ذلك على نحو قاطع. تمامًا كما في حقيقة أن كانتور الأب «كان يُولي اهتمامًا خاصًّا بتعليم ابنه [جورج] وكان حريصًا على توجيه تطوره الشخصي والفكري.»
أتمَّ كانتور دراسته الجامعية في زيورخ، ثم حصل على الدرجة الألمانية المكافئة لدرجة الماجستير والدكتوراه في جامعة برلين، التي كانت في ذلك الوقت تُكافئ في أوروبا «معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا». وكان من بين أساتذته في برلين إي إي كومر وإل كرونكر وكيه فايرشتراس. وكان كرونكر هو الأستاذَ الذي أشرف على رسالة كانتور العلمية ومُعلِّمه الحقيقي ونصيره في القسم. وسيتجلَّى ما ينطوي عليه هذا من مفارقة في الجزء ٦.
الجزء ٥(د)
نعود الآن إلى عشرينيات القرن التاسع عشر مع فورييه والمتسلسلات المُثلثية وكل التحديات والفرص المرتبطة بهذا الشأن. إذا كان شرح متسلسلات فورييه في الجزء ٥(ب) وكل المعلومات المُقحَمة ضمن موضوع المعادلات التفاضلية في مسرد المصطلحات الثاني حول الاتصال والتقارب واضحة جزئيًّا، فلن تُفاجَأ حين تعلم أن فورييه في كتاب «النظرية التحليلية للحرارة» قدَّم أول تعريفٍ حديث للتقارُب بالإضافة إلى تقديم الفكرة الأساسية للتقارب في فترةٍ ما. لكن مرةً أخرى لم يستطع فورييه إعطاءَ برهانٍ دقيق، أو حتى تحديد معايير التقارُب التي من شأنها أن تجعل هذا البرهان مُمكنًا. ومن ثمَّ، فإن الفكرة هي أننا الآن بصدد الحديث عن التقارُب.
بعد أبحاث ريمان، كان البرنامج البحثي المُهم التالي لعلماء الرياضيات البحتة بصدد التفكير في الأساليب اللازمة لحلِّ المشاكل التي طُرِحَت، ولا سيَّما التحدي الخاص بوضع أسسٍ دقيقة لتلك الأساليب، بدلًا من الحَدس الاستقرائي أو الديني الذي كثيرًا ما تميَّز به التحليل في الماضي. لاحظ أن التركيز على الدقة أو الأسُس يُعزى جزئيًّا إلى أن دوالَّ ريمان المجردة تمامًا قد أخرجت في النهاية متسلسلة فورييه من الرياضيات التطبيقية في مجال الفيزياء وأدخلتها في الرياضيات العُليا في حدِّ ذاتها. لكن بالإضافة إلى أننا بالطبع الآن في خمسينيات القرن التاسع عشر والحاجة إلى الدقة (كما سبق أن ناقشنا في عشرينيات القرن التاسع عشر في الجزء ٥(ب)) أمرًا أكثر إلحاحًا بصفةٍ عامة. ففي الواقع، استغرق الأمر عدة عقود، ولكن ازدهار أسلوب التبرير بالنتائج قد أفسح الآن المجال تمامًا أمام اقتصادٍ أكثر انكماشًا يُطبق أسلوب «البرهنة في حينها» لِما أسماه جميع مؤرِّخي الرياضيات «حَوْسبة التحليل».
الجزء ٥(ﻫ)
من زمنه [زمن زينون] حتى يومِنا هذا، شرعَ أنبهُ المفكرين من كل جيلٍ في دراسة المسائل، ولكنهم — بوجهٍ عام — لم يُحققوا شيئًا. ومع ذلك، في زماننا هذا، كان هناك ثلاثة رجال — هم فايرشتراس وديديكند وكانتور — لم يُطوِّروا المسائل فحسب ولكنهم حلُّوها تمامًا. وجاءت حلول علماء الرياضيات النابغين هؤلاء واضحةً جدًّا بما لا يدع مجالًا للشك أو الصعوبة … ومن بين المسائل الثلاث، كانت مسألة المُتناهي في الصغر من نصيب فايرشتراس الذي حلَّها، بينما كان ديديكند هو من بدأ حلَّ المسألتَين الأخريَين وأنجزهما كانتور بشكلٍ حاسم.
⋆ جزء تكميلي سريع يتضمَّن معلوماتٍ شبه إضافية
يُرجى تخطِّي الأسطر الثلاثة التالية إذا، وفقط إذا كان تعريف فايرشتراس مفهومًا تمامًا بالنسبة إليك.
•••
الجزء ٥ ﻫ(١)
دعونا نُؤكِّد، بأسلوبٍ هادئ جدًّا ومعتدل النبرة، أنك إذا استطعت في رأيك أن تستشفَّ أثرًا طفيفًا من المدرسة الأرسطية في كل هذه التأكيدات المُلحَّة بوجوب عدم التعامل مع اللانهائية على أنها «مقدار فعلي» في مسائلَ مثل التقسيم الثنائي، فإنك لا تستشف الأمور جيدًا. كما أنَّ المسألة ليست فقط في أسلوب المعادلات الذي تُدرَّس به الآن الرياضيات للطلاب الجامعيين. الموضوع أعمق من ذلك وأقدم. كان من بين الأمور اللافتة للنظر في تحليل القرن التاسع عشر ونظرية الدالة أنهما كلما ازدادا تعقيدًا، جاءت معالجتهما للانهائية — على نحوٍ أكثرَ غرابةً — أقربَ شبهًا بمفهوم «الاحتمالية» العتيق للغاية لأرسطو. ويُمثِّل تحليل فايرشتراس ذروة هذا التعقيد والتشابُه.
هوامش
⋆(انظر خلاصة الحاشية السفلية رقم ١٤ في الجزء ١(ﺟ) عن الشروط الضرورية في مقابل الشروط الكافية.)
من جورج الأب إلى جورج الابن
… وأختمُ بهذه الكلمات: والدُك، أو بالأحرى والداك وجميعُ أفراد الأسرة الآخرون في ألمانيا وروسيا على السواء وفي الدنمارك يتطلعون إليك على أنك الابن الأكبر، ويتوسَّمون فيك ألا تكون أقلَّ من تيودور شيفر [أستاذ جورج كانتور الابن]، وبمشيئة الله، ربما تُصبح فيما بعدُ نَجمًا ساطعًا في سماء العِلم.
من جورج الابن إلى جورج الأب
… إنني سعيدٌ الآن عندما أرى أنه لن يُزعجك مرةً أخرى إذا اتبعتُ ما تُمليه عليَّ مشاعري في هذا القرار. أتمنَّى أن تفخر بي يومًا ما، والدي العزيز؛ لأن روحي وكياني كله مُعلَّقان بهذا الأمر، وأيًّا كان ما يريده المرءُ ويقوى على فعله، وأيًّا كان الشيء الذي يَحدوه إليه صوتًا خفيًّا مجهولًا، فسوف يمضي قدمًا بخُطًى ثابتة نحو تحقيق النجاح!
باختصار، تتضمَّن هندسة ريمان (أ) مستوى «جاوس» المُركَّب (أي، شبكة إحداثيات ديكارتية أحد محورَيها يُمثل الأعداد الحقيقية والآخر يُمثل الأعداد المركبة) و(ب) ما يُسمَّى ﺑ «كُرة ريمان» التي يمكن تصوُّرها أساسًا على أنها مستوى إقليدي ثنائي البُعد مقوَّس على شكل كرة وموضوعٌ في أعلى المستوى المركب. لا تُعَدُّ هذه الحاشية السفلية معلومة إضافية بالمعنى الفعلي للكلمة، ولكن لك مطلق الحرية في عدم استكمالها. وما يربط هندسة ريمان بهندسة «ديزارج» الإسقاطية المذكورة سابقًا هو أن كل نقطةٍ على كرة ريمان لها «ظل» على المستوى المُركَّب، ويتضح أن العلاقات المثلثية المتولِّدة عن هذه الظلال كثيرةٌ للغاية، فيما يخصُّ اللانهائية. على سبيل المثال، أي خط على المستوى المُركَّب هو ظلٌّ لشيء يُسمَّى بالدائرة العُظمى على كرة ريمان، وهي دائرةٌ يمرُّ مُحيطها بالقطب الشمالي لكرة ريمان، ويُعرَّف هذا القطب حرفيًّا بأنه «نقطة عند ما لا نهاية». وفي الحقيقة، يمكن تعريف كرة ريمان ككلٍّ على أنها «المستوى المُركَّب الذي يتضمَّن نقطةً ما عند ما لا نهاية»، وهو الكِيان المعروف أيضًا ﺑ «المستوى المركب المُوسَّع». الصفر هو القطب الجنوبي لكرة ريمان، والصفر وما لا نهاية طبقًا لتعريف الهندسة التفاضُلية مرتبطان بعلاقة عكسية (لأن إيجاد معكوس أي عددٍ في المستوى المركب يُكافئ قلب كرة ريمان رأسًا على عقب، وهذا موضوع يطول شرحه). ومن ثمَّ، في هندسة ريمان لا يُعَدُّ «» و«» غير جائزيْن فحسب، ولكنهما أيضًا نظريتان.
سوف نتوقف في نقاشنا إلى هذا الحد، ونأمُل أن يكون قد أتاح لكم استيعاب الموضوع بشكلٍ عام. وجُلُّ ما عليك معرفته هو أنه ليس من قبيل المصادفة أن يكون رمز المستوى المركب الموسَّع هو «»، بينما كان رمز جورج كانتور الأكثر شهرةً لمجموعة كل الأعداد الحقيقية (المعروفة أيضًا ﺑ «المتسلسلة المتصلة» التي هي في الأساس الرتبة الرياضية الثانية للانهائية) هو «». يُوجَد الكثير من العلاقات اللافتة للنظر بين هندسة ريمان ونظرية المجموعات لكانتور.