الرسالة الثانية عشرة
إلى أين انتهيت في رسالتي الماضية؟ آه يا صديقي، لقد نسيت كل ما قلت، ومبلغ ما أذكر أنني وصلت إلى منزلي وانطرحت على فراشي في الساعة الرابعة صباحًا، ولو كنت قادرًا على تحديثك بدل الكتابة إليك، لظللت أفعل طول الصباح. هل خبَّرتك بما حدث في أَوْبتنا من المرقص؟ ليكن، فليس في التَّكرار بأس، ولكن عفوك الآن وغفرانك أيها الصديق! إنني سأقف وقتًا آخر على خدمتك، فإن الحب لم يمحُ الصداقة.
كان الصباح باسمًا بهيجًا، وقد بددت العاصفة رطوبة الليل، وظهرت الطبيعة فرحة منتعشة، وكان الندى يتساقط كاللؤلؤ من أغصان الأشجار، وأطبق النعاس عيون السيدتين اللتين رافقتانا، وسألتني شارلوت عما إذا كنت أرغب في الراحة، قائلة إنها ترجو ألا يكون وجودها مضيقًا عليَّ، فأجبتها محدقًا بمحياها المحبوب: «إن وجودك يحتِّم عليَّ اليقظة، بل إنه ليستحيل عليَّ أن أغمض جفني وعيناك مفتوحتان.» فصبغت وجنتيها حمرة الخجل، وسرعان ما عاودهما إشراقهما المعتاد، وتجاذبنا الحديث حتى وقفت المركبة ببيتها، وفتح الباب بهدوء خادمٌ أجاب على أسئلة شارلوت المتوالية بأن الأسرة كلها بخير، ولم تهُبَّ بعدُ من فراشها، ولما استأذنت بالانصراف، وعدتُها بزيارتها قريبًا، وإنني موفٍ بوعدي.
منذ ذلك اليوم لم أعبأ بالكواكب ولم أحفل بالساعات، والزمن يمر دون أن أدري. إن العالم كله لا شيء إذا لم تكن شارلوت أمامي، ولكنه ينقلب جنةً ونعيمًا متى حضرت.
إلى الملتقى يا صديقي فيجب أن أراها الآن.