الرسالة التاسعة عشرة
لم تزل المريضة التي تعودها شارلوت بالبلدة في حالة سيئة، ولا أفتأ أصلي لأجلها باستمرار أرجو الله شفاءها؛ فإن مرضها يسلبني صحبة شارلوت. وقد حظيت برؤية المريضة اليوم؛ إذ كانت تكشف عن سر غريب، فبعلها بخيل صالت الزند، ولم يعطِ امرأته قط ما يكفي حاجاتها، وقد أحزنها ذلك وأمضَّها، رغم محاولتها جهدها أن تَقْنع بحالتها، ولما يئس الطبيب من شفائها، طلبت أن ترى زوجها، فأُجيبت إلى رغبتها، ودنا الرجل من فراشها، وكانت شارلوت حاضرة، فخاطبته الزوجة قائلة: «إنني أريد أن أكشف الستار عن أمر قد يجلب كتمانُه بعد موتي ارتباكًا كبيرًا؛ لقد بذلت أقصى جهدي لأكون مقتصدة بقدر الإمكان، ولكنني كنت مسوقة إلى خديعتك مدى هذه الثلاثين عامًا. في أول عهد زواجنا كان المرتب الأسبوعي ضئيلًا جدًّا، وزادت الأسرة ولم تفكر في زيادته، بل بقي كما هو حتى في أحرج الأوقات، واحتملت كل ذلك صابرة، وعشت غير متذمرة، ولكنني كنت مضطرة إلى أخذ ما زاد من الدخل الأسبوعي لمعمل اللبن، فلا تظنن بي الظنون، ولا يُقال إنني أنفقت مالًا كان مدخرًا موفورًا، فلم يكن ما صنعت إلا لحاجة لازمة، لا لإسراف وتبذير، ولو دُفن معي هذا السر في قبري، لعالجت سيدة بيتك الآتية مصاعبَ شتَّى، وخصوصًا إذا تمسكتَ بأن زوجتك الراحلة كان يكفيها المرتب الذي كنتَ تنفحها به.»
وكانت تعليقات شارلوت على هذا السلوك الذي اضطر المسكينة أن «تسرق بطرس لتعطي بول» صائبةً مؤثرةً؛ فقد قالت: ربما كان يظن أن فضائل زوجته تزيد من المرتب الضئيل، وتمده بحسنات جديدة.