الرسالة الحادية والعشرون
إذا لمستُ يدها عفوًا خفق فؤادي، وغلى الدم في عروقي، وإذا التقت قدمي بقدمها تحت المائدة أسرعتُ كل الإسراع فسحبتها، ثم دفعني شيء خفي فأعدتها مكانها الأول، وشعرت بأغرب الإحساس. أنا أمينها وصديقها، ولكن يا للنفس الطاهرة! إنها لا تدري ما تسومني من عذاب وألم، حين تسر إليَّ أنباء زواجها المزمع! وحين تضع يدها في يدي، ثم يملؤها الحديث حماسًا فتُدني مقعدها مني، حتى لأحس بأنفاسها العطرة، آه يا للسماء! إن كهرباء البرق ليست بأشد من هذه في شيء.
وا أسفاه أيها الصديق! هل أجرؤ يومًا ما على احتقار هذه الثقة؟ بيد أنك تعرف فؤادي، إنه ليس بالفاسد المخادع ولكنه ضعيف، نعم ضعيف واهٍ، والضعف بذرة الفساد. إنني أقدِّسها، إن قربها كل أملي، إنني أراها فأشعر بأعظم الابتهاج.
وهي مولعة بأغنية بسيطة، ملأى بالعواطف والبيان، توقعها على آلتها الموسيقية بتفننٍ وقوة وإبداع، فإذا ما بدأتها بُدِّد الحزن وأُبعِد الأسى، فبرز أمامي برهان ناطق على ما يُقال من تأثير الموسيقى وسحرها وقدرتها على تشتيت الكآبة والهموم، وفي الوقت الذي تحمل فيه الأفكار السوداء مشيرة إلى الموت والانتحار، تأتي هذه الأغنية الحلوة الرقيقة، فتحيي الميت من الوجدان، وتشتت سُحب الخوف والفزع، وتحوِّل عبوسة اليأس إلى ابتسام الفرح والسرور.