الرسالة الثلاثون
ما أجملَ المنظرَ الذي أمامي الآن، في استطاعتي الآن، إذا كنتُ قادرًا على التمتُّع به! من النادر جدًّا أن تجتمع ظروف حسنة في حياة امرئٍ ما لتهيئ من سعادته، ولكن وا أسفاه! إنني أشعر شعورًا عميقًا بأن السعادة والهناء يتوقفان على حالة الإنسان الفكرية، وليس على المنافع والمصالح. يرونني هنا جامعًا لأسرة من خير الأسر المجيدة؛ فالنائب يَعُدُّني كولده، والأطفالُ كأخ لهم، وكذا شارلوت وألبرت أيضًا، هذا الشاب اللطيف، الذي يلقاني بوجه الصديق المخلص الباسم، ويقدِّرني بعد خطيبته مباشرة، ولو سمعت حديثنا إذ نترافق السير، وامتداحنا المتبادل لشارلوت لجذلت واغتبطت، ولست أرى أغرب من هذه الصلة بيننا، على أن بها ما يسيلني دموعًا في كثير من الأحايين. ويحدثني عن أم شارلوت، تلك السيدة الفاضلة، ويصف لي دقائقها الأخيرة، وذلك المنظر المؤثر جد التأثير؛ إذ عهدت إلى فتاتها المحبوبة بمستقبل أطفالها وأسرتها، ويصوِّر لي عناية شارلوت واقتصادها مذ حلَّت محل أمها، وإدارتها شئون البيت، وحنوها على إخوتها وأخواتها حنوَّ الأم، وهي مع قيامها بهذه الواجبات الشاقة كل يوم، لا تزال حافظة لبهائها ونشاطها.
وأسير بجانبه فأجمع الأزهار طول الطريق، وأصنع منها باقة أبذل فيها عنايتي، ثم ألقي بها في أوَّل جدول نلقاه، وأنظر إليها تنزلق على الماء، ثم تغرق وأنا لا أدري ما أصنع.
لا أذكر إن كنتُ أنبأتك أن ألبرت قد نال مركزًا هنا؛ فقد وُظِّف في البلاط، والكل يحترمه ويحبه، وأرى أن قليلًا ممن عرفت من الرجال يُعنَى عنايته بعمله، ويقوم به حقَّ القيام.