الرسالة الثانية والثلاثون
ليس ثَمَّةَ من ريبٍ في أن تشابه الأذواق واتفاق العواطف رابطةٌ قوية بين بني الإنسان، وإنني لواثق بأن شارلوت ستشعر ببعض الأسف لفراقي، أما الأطفال فهم يطلبون إليَّ بشوق كل يوم أن أعود إليهم في الغد. زرتهم بعد ظهر اليوم لأصلحَ أوتار آلة شارلوت الموسيقية، فما كدت أدخل حتى التفوا حولي، ورجوني بإلحاح أن أقص عليهم بعض القصص، ورغبت إليَّ شارلوت في إجابتهم إلى ما يطلبون، فبدأت بإعطائهم أنصبتهم من خبز المساء، وتلقَّوه من يدي بالسرور الذي يلقونه به من يد شارلوت. ثم أخذت أقصُّ عليهم أحسن قصصي، وهي «هنري وبتر» أو «عواقب العجرفة وقلة الاختبار»، وقد أفادني هذا الضرب من التمرين كثيرًا، ويدهشني تأثير تلك القصص الصغيرة على أذهان الأطفال، فإذا نسيت عند إعادة حكاية قديمة حادثةً مهما صغرت، أو أضعت أخرى، لم يفُت ذلك هؤلاء الخبثاء، بل سرعان ما يعترضونني، قائلين إنها لم تكن كذلك في المرة الأولى؛ ولذا فإني أتمشى معهم بنظام ودقة، وأحاول بقدر الإمكان أن أجعل لصوتي نفس النغمة الأولى.
وبذا أعتقد أن المؤلف قد يتلف من عمله بمراجعة الطبعة التالية، ولو استبدل شيئًا بخير منه؛ فإن التأثير الأول تتشربه النفس بسرعة، وسواء كان العامل فيه سرعة الحكم أو صدقه، فإنه يبقى أثبت الجميع. وعلى هذا، فمن حاول اجتياح أثر قديم لم يلقَ إلا نجاحًا ضئيلًا.