الرسالة الثالثة والأربعون
ما أغرب هؤلاء الناسَ هنا؛ فهم يدرسون بلا انقطاع عِلم الأشكال، وقد يشغل كلَّ وقتِهم فكرُهم عامًا كاملًا في مسألة لا تتعدى في الأهمية كيف يتقدمون نحو طرف المنضدة الأعلى مقعدًا واحدًا! وليس هذا الضرب من الناس بالخامل؛ لأنه يزيد دائمًا في عمله بأن يصرف إلى الضئيل التافه تلك العناية التي يجب توجيهها إلى الأجلِّ من الأمور. اجتمع في يوم من الأسبوع الفائت فريق عظيم للنزهة على الثلوج بالزحافات، وما لبثوا حتى تفرَّق جمعهم فجأة بمشاحنة تافهة عن الأسبقية! ألا يعلم الحمقى أن المركز لا يخلق السعادة الحقة، وأن مَن يشغل أكبر المناصب لا يظهر في أغلب الأحايين عاملًا واضحًا؟ فكم من ملَك يحكمه وزيره، وكم من وزير يقوده كاتم سرِّه! ومَن يُعَدُّ العامل الرئيسي في مثل هذه الأحوال إنما هو الذي يستطيع بكفاءته السامية أن يجعل قوى الغير وأميالهم خاضعةً لإرادته.