الرسالة الخامسة والأربعون
يلوح أنه ليس من المستطاع أن أبقى مع السفير طويلًا؛ فهو لا يُحتمل البتة، أما طريقته في إنجاز الأعمال فليست ثَمَّةَ أسخف منها حتى لا أستطيع الكفَّ عن معارضته، واتباع أميالي رغم كل تعليماته، وهذا ما يسوءه دون ريب، وقد لمَّح بشيء من هذا للوزير الذي أرسل يعنفني، ولو أنه كتب بلهجة لطيفة إلا أنه تعنيف على أية حال. وعزمت على تقديم استقالتي، فوصلني كتاب خاص منه، أعترف بأنه قد أخضعني، وملأني إعجابًا بالذكاء العميق السامي الذي أملاه؛ فقد حوى أشرف العواطف لتهدئة إحساسي المتألم، وبيَّن بكل إخلاص وتواضع تحبيذه الكبير لآرائي، ومدح ثبات الشباب وحميته مدحًا ليس بالقليل، وقد نصح لي بعدم الضغط على هذه الحمية والغيرة، ولكن بعدم الذهاب بها بعد حدود مناسبة؛ حتى يعاون هذا كفاءتي ومقدرتي، وهكذا هدأت نفسي، وأُوصيت بالصبر بضعة أيام على الأقل. إن هدوء العقل وسكونه، أيها الصديق، نعمةٌ ثمينةٌ ولكنها قصيرة الأجل.