الرسالة التاسعة والأربعون
كل ما يحدث يزيد في غيظي وكدري، لقيتُ اليومَ الآنسةَ بوير، فاستفسرتُ منها عن سبب سلوكها الأخير، فقالت متهيِّجة: «آه يا فرتر! أنت يا مَن تعرف قلبي، يجب أن تشعر بما تحمَّلتُه من أجلك لأول ما دخلت القاعة؛ فقد تنبَّأتُ بنتائج وجودك هناك، ورغبت في فرصةٍ أكشف لك فيها عن مخاوفي؛ إذ كنتُ واثقةً تمامَ الوثوق بأنه كان هناك مَن يغادر الجماعةَ حالًا إذا بقيت، وقد جُرِح الكونت كثيرًا، ولكنه لم يكن في مقدوره أن يُغضِبهم، ثم حدث اللغط حينذاك.» وحاولت أن أخفي عواطفي الثائرة، فقلت: «أيُّ لغط؟» فأجابت والدموع في عينيها: «آه لشد ما سبَّب لي ذلك من القلق!» وكان هذا الدليل الإرادي على عطفها وودادها مهدِّئًا لاستيائي، ومعزيًا لقلبي، فكدتُ أقع على قدمَيْ محاميتي الجميلة، وصحت قائلًا: «كوني صريحة.» فتزايدتْ دموعها وقالت: «آه يا سيدي! لقد كانت عمتي — وأنت تعرف طباعها — حاضرة. يا للسماء! ما أشد غموض خواطرها! ومع ذلك فهي تفخر بمعرفتها للحياة وحُنْكتها، وحبها للعدل والتهذيب. فرتر، فرتر، آه لو عرفت كيف عنَّفتني في الليلة الماضية وهذا الصباح لتعارُفنا! وكيف حاولَتِ الحطَّ من قدرك، بينا لم أستطع أن أفوه بكلمة واحدة دفاعًا عنك!» وكانت كل كلمة خنجرًا في صدري، ولكن يا للنفس المحبوبة! إنها لم تكن تشعر أنَّ من الإشفاق عليَّ كتمانَ كل ما أخبرتني به. وكذلك حدَّثتني عن الأحاديث الباطلة التي أذاعتها الوقاحةُ النَّشِطة، ونقحها الحقد والافتراء، وازداد ألمي منذ ذلك الوقت، حتى أمسكت بالسيف أكثر من مرة لأريح به قلبي. لقد قرأت عن بعض الخيل الحارة الروح أنها إذا ما أرادت التخلُّص من شوط ثقيل، فتحت بالغريزة وريدًا بواسطة أسنانها، وطالما رغبت في فتح أحد أوردتي، وكذلك أستريح راحةً أبديةً.